الفاطميون
والفاطميون كما نعرف أسرة شيعية، قامت في المغرب الأدنى والأوسط حين أقبل دعاة الإسماعيلية على نشر مذهبهم، حتى أفلح عبيد الله — أول الخلفاء الفاطميين — في القضاء على حكم الأغالبة في إفريقية عام (٢٩٦ﻫ/٩٠٩م)، ثم استطاع أن يبسط نفوذه على بلاد المغرب، واتخذ مدينة المهدية — على مقربة من تونس — مقرًّا لحكمه سنة (٣٠٨ﻫ/٩٢٠م).
وكأن الفاطميين كانوا يشعرون منذ البداية بأن دولتهم في المغرب لم تكن قوية الدعائم، فنراهم يعملون على فتح مصر لثروتها ولضعف حكومتها في ذلك الوقت؛ ولتكون مركزًا لقيصرية تتسع أرجاؤها فتنافس الدولة العباسية؛ ولكن سعي الفاطميين يفشل في عهد عبيد الله، وفي عهد ابنه وخليفته القائم بأمر الله، ولا ينجحون في بلوغ هذه الأمنية إلا في عهد المعز لدين الله، خليفتهم الرابع، الذي فتحت مصر على يد قائده جوهر سنة (٣٥٧ﻫ/٩٦٩م) فاختطَّ القاهرة، وشيد الجامع الأزهر، ورحل المعز وأفراد أسرته عن المغرب، ونقلوا مقر حكمهم إلى القاهرة، فكان ذلك فاتحة لضياع ممتلكاتهم في شمالي أفريقيا، وفي جزائر البحر الأبيض المتوسط؛ إذ لم يلبث عمالهم بنو زيري وبنو حماد أن استقلوا بالحكم في تونس والجزائر، كما سقطت صقلية ومالطة في يد النورمنديين بعد حوادث لا مجال لسردها هنا.
ولكن عوض الفاطميين عن هذه الخسارة ازدهار حكمهم في مصر وسورية، فأصبحت القاهرة تنافس بغداد وقرطبة، وازدادت ثروة البلاد، وعم الرخاء، وصارت الإسكندرية مركزًا عظيمًا للتجارة بين الشرق والمغرب، ثم بدأ الضعف يدب في ملكهم الواسع في النصف الثاني من حكم المستنصر بالله، وفي عهد خلفائه، وزادت سلطة الوزراء والجند — كما سنذكر في الصفحات التالية — حتى أسس صلاح الدين الدولة الأيوبية في مصر سنة (٥٦٧ﻫ/١١٧١م).