كنوز الفاطميين بعد الشدة العظمى
تحدثنا حتى الآن عما في قصور الفواطم من كنوز فنية نهبها الجند في الشدة العظمى، وبقي
أن نذكر أن ناصر الدولة الذي كان قائدًا للجيش واستبد بالأمر ثار عليه الجنود الترك،
واضطروه إلى الفرار إلى الإسكندرية، حيث جمع جيشًا من الجند الترك الآخرين ومن العرب
وعاث به فسادًا في الدلتا، مفسدًا في الترع والجسور، ومانعًا الأطعمة عن مصر، وكان ذلك
مع انخفاض النيل في بعض السنين سبب ما حل بالبلاد من القحط والمسغبة.
واستطاع ناصر الدولة أن يدخل القاهرة سنة (٤٦٦ﻫ/١٠٧٣م)، واستولى على مقاليد الأمور،
ولعله عقد العزم على عزل المستنصر، والخطبة في القاهرة للقائم الخليفة العباسي بعد أن
فعل ذلك في الدلتا؛ ولكن أقرانه ومنافسيه من رؤساء الجند الترك قتلوه هو وأقاربه،
١ وخلا الجو للمستنصر فبعث إلى بدر الجمالي حاكم عكا يطلب إليه القدوم إلى
مصر لإصلاح شأنها، وتطهيرها من عناصر الثورة والفساد، وقام بدر الجمالي بمهمته خير قيام
فمنحه المستنصر لقب أمير الجيوش وماتا في سنة واحدة
٢ (٤٨٧ﻫ/١٠٩٤م).
وكان الذين جاءوا من بعد المستنصر من الخلفاء الفاطميين ضعافًا، فكان الوزراء هم
أصحاب الأمر والنهي في البلاد، على أن هذا لم يمنع عودة الرخاء إلى البلاد شيئًا
فشيئًا، وعظمت ثروة الوزراء كما يظهر من وصف ابن ميسر لما خلفه الأفضل شاهنشاه ابن أمير
الجيوش بدر الجمالي وصفًا يذكرنا بما كان في قصور الفاطميين قبل الشدة العظمى من آنية
نفيسة، وجواهر غالية، وأقمشة فاخرة، وخزف بديع، وبلور ثمين.
وقد وصف ابن ميسر مجلس شراب الأفضل، وقال: إنه كان يشتمل على تماثيل لثمان جوار
متقابلات: أربع منهن بيض من كافور، وأربع سود من عنبر، وكن مرتديات أفخر الثياب،
وممسكات بالجواهر الكريمة ومتزينات بالحلي الثمينة،
٣ مما يذكِّر ببيت الذهب الذي شيده خمارويه وطلى حيطانه بالذهب، وجعل فيه
تماثيل حظاياه، والمغنيات اللاتي تغنيه، وجعل على رءوسهن الأكاليل من الذهب وزينهن
بأصناف الجواهر.
٤
ومما كتبه ابن ميسر في وصف ما خلفه الأفضل أن الخليفة الآمر أخذ في نقل ما بدار وزيره
إلى القصر، واستمر ذلك مدة شهرين وأيام، وذكر العامل على خزانة القصر أن ما وجد في دار
الأفضل ستة آلاف وأربعمائة ألف دينار، وورق قيمته مائتا ألف وعشرون ألف دينار، وسبعمائة
طبق فضة وذهب، ومن الصحاف والمشارب والأباريق والقدور والزبادي والقطع من الذهب والفضة
المختلفة الأجناس ما لا يحصى كثرة، ومن براني الصيني الكبار المملوءة بالجواهر التي
بعضها منظوم كالسبح، وبعضها منثور شيء كثير، ووجد له من أصناف الديباج تسعون ألف ثوب،
وثلاث خزائن كبار مملوءة صناديق، كلها دبيق وشرب عمل بتنيس ودمياط، على كل صندوق شرح
ما
فيه وجنسه، ووجد له من المقاطع، والستور، والفرش، والمطارح، والمخاد، والمساند،
والديباج، والدبيق الحرير، والذهب على اختلاف أجناسها أربع حجر، كل حجرة مملوءة من هذا
الجنس.
٥
بينما كتب ابن خلكان أن الأفضل خلف من الأموال ما لم يسمع بمثله، ومما تركه خمسة
وسبعون ألف ثوب من الديباج، وثلاثين راحلة من أحقاق الذهب العراقي، ودواة ذهبية فيها
جوهر قيمته اثنا عشر ألف دينار، وخمسمائة صندوق من الأقمشة النفيسة المنسوجة في تنيس
ودمياط، ومائة مسمار من ذهب في عشرة مجالس له، وعلى كل مسمار منديل مذهب بلون من
الألوان، وكان الأفضل يلبس منها ما يشاء.
٦
وكتب الأبشيهي أن الأفضل «لما مات في شهر رمضان سنة (٥١٥ﻫ) خلف بعده مائة ألف ألف
دينار، ومن الدراهم مائة وخمسين أردبًّا، وخمسة وسبعين ألف ثوب ديباج، ودواة من الذهب،
قوِّم ما عليها من الجواهر والياقوت بمائتي ألف دينار، وعشرة بيوت في كل بيت منها مسمار
ذهب قيمته مائة دينار، على كل مسمار عمامة ملونة، وخلف كعبة عنبر يجعل عليه ثيابه إذا
نزعها، وخلف عشر صناديق مملوءة من الجوهر الفائق الذي لا يوجد مثله، وخلف خمسمائة صندوق
كبار لكسوة حشمه، وخلف من الزبادي الصيني والبلور المحكم وسق مائة جمل، وخلف عشرة آلاف
ملعقة فضة، وثلاثة آلاف ملعقة ذهب، وعشرة آلاف زبدية فضة كبار وصغار، وأربع قدور ذهبًا،
كل قدر وزنها مائة رطل، وسبعمائة جرام ذهبًا بفصوص زمرد، وألف خريطة مملوءة دراهم
خارجًا عن الأرادب، في كل خريطة عشرة آلاف درهم، وخلف من الخدم والرقيق، والخيل،
والبغال، والجمال، وحلي النساء ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى، وخلف ألف حسكة
٧ ذهبًا، وألفي حسكة فضة، وثلاثة آلاف نرجسة ذهبًا، وخمسة آلاف نرجسة فضة،
وألف صورة ذهبًا، وألف صورة فضة، منقوشة عمل المغرب، وثلاثمائة ثور (شمعدان) ذهبًا،
وأربعة آلاف ثور فضة، وخلف من البسط الرومية والأندلسية ما ملأ به خزائن الإيوان، وداخل
قصر الزمرد.»
٨
وأكبر الظن أن الوزراء — وهم الحكام الحقيقيون للبلاد في ذلك العصر — لم يكونوا يأبون
على الخلفاء جمع الثروة والتحف الفنية. ولا شك في أن خزائن القصور الفاطمية عاد إليها
قسط وافر من عمارها قبل الشدة العظمى، وظل يتولى شئونها، والنظر فيها معقودًا لكبير من
رجال الدولة.
٩
وقد ذكر ابن ميسر في حوادث سنة (٥٤٢ﻫ) أن الخليفة الحافظ بعث لظهير الدين صاحب دمشق
هدايا وخلعًا وتحفًا،
١٠ ثم إننا نستطيع أن نتبين الثروة التي كانت في خزائن الفاطميين عند وفاة
العاضد آخر خلفائهم، مما كتبه الذهبي في وصف الهدية التي قدمها صلاح الدين إلى نور
الدين سنة (٥٦٩) هجرية، وفيها مصاحف بخط مشاهير الكتَّاب، وأقمشة ثمينة من الديباج،
وعقود من الجوهر والأحجار الكريمة، وأباريق من البلور، وأوان من الصيني،
١١ فضلًا عن أن المقريزي نفسه ذكر ما كان من أمر القصرين بعد زوال الدولة
الفاطمية، وكتب أن صلاح الدين تسلم القصر بما فيه من الخزائن والدواوين وغيرها من
الأموال والنفائس وكانت عظيمة الوصف، وفيها مائة صندوق كسوة فاخرة من موشح، ومرصع،
وعقود ثمينة، وذخائر فخمة، وجواهر نفيسة وغير ذلك من التحف البديعة.
١٢
هذا وقد وصلتنا لحسن الحظ وثيقة خطيرة الشأن، تثبت عظمة القصر الفاطمي وأبهته، حين
زاره رسولا الملك عموري (أملريك) سنة (٥٦٢ﻫ/١١٦٧م)؛ ليعقدا معه باسم سيدهما تحالفًا،
قوامه أن يدفع الخليفة للصليبيين مائتي ألف دينار معجلة ومثلها مؤجلة، نظير دفاعهم عن
مصر وصدهم الأعداء عنها.
وقد وصف غليوم رئيس أساقفة صور
١٣ Guillaume de Tyr زيارة الرسولين الصليبيين
وعبر عن حماسهما وإعجابهما بعظمة ما رأوه وروعة كثير مما شاهداه. وقد نقل جستاف شلمبرجيه
Gustave Schlumberger إلى الفرنسية بعض ما كتبه
غليوم في هذا الصدد،
١٤ كما لخص لين بول
Lane-Poole بعضه في كتابه
عن تاريخ مصر،
١٥ وكتابه عن صلاح الدين،
١٦ ونقل الأستاذ محمد فريد أبو حديد إلى اللغة العربية ما كتبه لين بول عن هذه الزيارة،
١٧ وكتب الملازم أول عبد الرحمن زكي نبذة عن هذا الوصف في كتابه «القاهرة».
١٨
ونظرًا لأن هذه الوثيقة خطيرة لقدم عهدها، وشائقة لصدورها من مؤرخ مسيحي، فقد آثرنا
أن نأتي بالنص الفرنسي الذي لخصها فيه شلمبرجيه، وأن ننقلها إلى العربية بتصرف
قليل:
“Les envoyés francs, guidés par Shawer en personne, vivement emus,
mais nullement intimidés, furent amenés d’abord à un premier palais “très beau
et richement orné” (Guillaume de Tyr le nomme “Cascere” ou “Cascera”,
c’est-à-dire le Palais du Caire). Ils y trouvèrent de nombreux appariteurs, on
dirait aujourd’hui des huissiers qui, l’épée nue, leur firent cortège, les
precedent. Conduits par de longues et étroites allées voûtées, tout à fait
obscures, “où l’on ne voyait goutte”, probablement dans le but de les
impressionner advantage, ils se trouvèrent, en revenant à la lumière, devant
plusieurs portes successives. Auprès de chancune, de nombreux gardes sarrasins
veillaient, qui se levaient aussitôt à l’approche de Shawer et la saluaient
respectueusement. Ils débouchérent ensuite dans une vaste cour découverte
qu’entouraient de magnifiques portiques à colonnades, cour toute pavée de
marbres de diverses couleurs, avec des rehaussés d’or d’une richesse
éxtraordinaire. “Li chevron en li tref étaient tuit couverts d’or”. C’était si
beau, si agreeable que l’homme le plus occupé en divers lieux s’y serait arrêté.
Une fontaine au centre, par des conduits, d’or et d’argent, amenait de toutes
parts de l’eau d’une claret admirable dans des canaux et des basins paves de
marbre. Ça et là voletait une infinite variété d’oiseaux des plus rares
couleurs, des plus belles espèces, venus des diverses parties d’Orient, “que nul
ne les vit qui ne s’en émerveillât, et n edit que vraiment la nature ne jouait
quand elle les fit. Les uns parmi ces oiseaux se tenaient près des fontaines,
les autres au loin, chacun selon sa nature; chacun avait s nourriture comme, il
lui convenait”. Là, les premiers gardes qui avaient escorté jusqu’ici les
guerriers francs prirent conge d’eux. Ils furent aussitôt remplacés par des
hauts personages, choisis parmi les intimes familiers memes du khalife, des
emirs que l’on appellait “amirauts des charters”. Ceux-ci leur firent traverser
de nouvelle scours, plus belles encore, puis un jardin si riche et si délicieux
que le premier ne leur semblait plus rien. Là, ils virent une menagerie de
quadrupeds si estranges “que celui qui en ferait le récit serait accuse des
mensonage et que nul peintre, meme en rêve, ne pourrait façonner de si estranges
choses”. L’Occident n’avait jamais vu de tells animaux et ne les connaissait que
par ouï dire.
Après avoir franchi mainte autre porte, maint detour, rencontrant
toujours choses nouvelles qui les ébahissaient daventage, nos preux arrivèrent
enfin au Grand Palais, demeure meme du Calife. Celui-là dépassait en somptuosité
tout ce qu’ils avaient vu jusque là. Les cours regorgeaient de guerriers
sarrasins en armes, vêtus d’armures éclatantes d’or et d’argent, semblant fiers
des trésors qu’ils gardaient. On introduisit les chefs francs dans une vaste
sale divisée en deux d’une paroi à l’autre par une grande courtine ou tenture de
fil d’or et de soie de toutes couleurs parsemée de dessins de bêtes, d’oiseaux,
de ens, flamboyant de rubis, d’émeraudes et de mille riches pieces. Personne ne
se trouvait dans cette sale. Shawer, cependant, aussitôt, entré, se prosterna,
adora, puis se releva, puis se prosterna à nouveau, puis déposa l’épée qu’il
portrait suspendue à son col. Une troisième fois, il se prosterna dans
l’attitude de la plus humble adoration. Alors, soudain, avec la rapidité de
l’éclair, la grande tapisserie d’or et de soie qui cachait le fond de la sale,
enlevée par des cordes, se redressa vivement comme un voile que se lève et le
Calife enfant (le sultan Al-‘Âdid) apparut aux yeux éblouis des envoyés latins:
le visage de ce prince était strictement voile. Il était assis sur un siege
d’or, constellé de gemmes et de pierres précieuses.”
«وسار السفراء الفرنج يقودهم الوزير شاور بنفسه إلى قصر له رونق وبهجة عظيمان، وفيه
زخارف أنيقة نضيرة، وكان هؤلاء المبعوثون متأثرين بما حولهم جد التأثر، دون أن يتطرق
إلى نفوسهم أي خوف أو رهبة، ووجدوا في هذا القصر حراسًا عديدين، وسار الحراس في طليعة
الموكب، وسيوفهم مسلولة، وقادوا الفرنج في ممرات طويلة وضيقة، وأقبية حالكة الظلمة، لا
يستطيع الإنسان أن يتبين التأثير فيهم. وربما كان المقصود بذلك بعث الهيبة إلى قلوبهم،
وزيادة التأثير فيهم. فلما خرجوا إلى النور اعترضتهم أبواب كثيرة متعاقبة، كان يسهر على
كل منها عدد من الحرس المسلمين، الذين كانوا ينهضون عند اقتراب شاور، ويحيونه باحترام،
ثم وصل الموكب إلى فناء مكشوف، تحيط به أروقة ذات أعمدة، وأرضيته مرصوفة بأنواع من
الرخام متعددة الألوان، وفيها تذهيب خارق العادة بنضارته وبهائه، كما كانت ألواح السقف
تزينها الزخارف الذهبية الجميلة.
وكان كل ذلك مونقًا رائعًا، وبهيًّا رائقًا، بحيث لا يملك أشغل الناس بالًا، وأكثرهم
همًّا إلا أن يقف للإعجاب به، وكان في وسط الفناء نافورة، يجري الماء الصافي منها في
أنابيب من الذهب والفضة إلى أحواض وقنوات مرصوفة بالرخام، وكانت ترفرف في الفناء أنواع
لا حد لها من الطيور الجميلة، ذات الألوان المفرطة في الندرة، مجلوبة من شتى أنحاء
الشرق، ولم يكن أحد يرى هذه الطيور دون أن تصيبه الحيرة والدهشة إعجابًا بها، ودون أن
يقول: إن الطبيعة كانت تمرح وتلعب، حين كونت هذه المخلوقات الجميلة، ومن هذه الطيور ما
كان يلزم النافورة، ومنها ما كان يظل بعيدًا عنها، كل بحسب طبيعته؛ وكان لكل منها من
الغذاء ما يوافقه.
وهنا استأذن في الرجوع الحراس الذين كانوا يسيرون في معية الفرسان الفرنج حتى ذلك
الوقت، وحل محلهم بعض العظماء من الأمراء المقربين إلى الخليفة نفسه.
وسار هؤلاء الأمراء بالسفيرين الفرنجيين في أفنية جديدة، أشد جمالًا وإبداعًا، ثم
إلى
حديقة لطيفة وغناء، لم تكن الحديقة الأولى شيئًا بجانبها، ورأوا في هذه الحديقة أنواعًا
من الحيوانات ذوات الأربع، غريبة بحيث يتهم المرء بالكذب إذا وصفها، أو تحدث عنها،
وبحيث لا يستطيع أي مصور أن يتخيل أو أن يحلم بمثل هذه الكائنات العجيبة، فإن الغرب لم
ير قط مثل هذه الحيوانات، ولم يكن يعرفها إلا بما كان يسمع من الأقوال.
وبعد أن عبروا أبوابًا عديدة أخرى، وساروا في تعاريج كثيرة؛ كانوا يرون فيها أشياء
جديدة تزيدهم دهشةً وإعجابًا، وصل الفرنج إلى القصر الكبير، حيث يقطن الخليفة، وفاق هذا
القصر كل ما رأوه قبل ذلك، وكانت أفنيته تفيض بالمحاربين المسلمين متقلدين أسلحتهم،
وعليهم الزرد والدروع، تلمع بالذهب والفضة، وعليهم سيماء الافتخار بما كانوا يحرسون من
الكنوز، وأدخل المبعوثون في قاعة واسعة؛ تقسمها ستارة كبيرة من خيوط الذهب والحرير
المختلف الألوان، وعليها رسوم الحيوان والطيور وبعض صور آدمية، وكانت تلمع بما عليها
من
الياقوت والزمرد والأحجار النفيسة، ولم يكن في هذه القاعة أحد؛ لكن شاور خر راكعًا فور
دخوله، ثم نهض واقفًا، ثم قبل الأرض ثانية، وخلع السيف الذي كان يلبسه في عنقه؛ ثم خر
ساجدًا مرة ثالثة في ذلة وخشوع كأنه يسجد لله، وارتفعت الحبال فجأة، وانكشفت الستارة
الحريرية الذهبية بسرعة البرق، كأنها ملاءة خفيفة وظهر الخليفة الطفل (السلطان العاضد)
لأعين الفرنج المبعوثين، وكان على وجه هذا الأمير نقاب يخفيه تمامًا، وهو جالس على عرش
من الذهب مرصع بالجواهر والأحجار الثمينة.»
ثم إن هناك شيئًا أخر يشهد بأبهة الحياة الاجتماعية عند الخلفاء والوزراء في آخر
العصر الفاطمي، ونقصد بذلك ما جاء على لسان بعض شعرائهم، مثال ذلك: القصيدة التي قالها
عمارة اليمني
١٩ يصف دارًا بناها الصالح طلائع بن رزيك وزير الخليفة الفائز الفاطمي، ومنها
الأبيات الآتية التي تدل على إبداع النقوش في تلك الدار:
أنشأت فيها للعيون بدائعًا
دقت فأذهل حسنها من أبصرا
فمن الرخام مسيَّرًا ومسهمًا
ومنمنمًا ومدرهمًا ومدنرا
قد كان منظرها بهيًّا رائقًا
فجعلتها بالوشي أبهى منظرا
وسقيت من ذوب النضار سقوفها
حتى يكاد نضارها أن يقطرا
ألبستها بيض الستور وحمرها
فأتت كزهر الورد أبيض أحمرا
لم يبق نوعٌ صامت أو ناطقٌ
إلا غدا فيه الجميع مصوَّرا
فيها حدائق لم تجدها ديمةٌ
كلا ولا نبتت على وجه الثرى
لم يبد فيها الروض إلا مُزهرًا
والنخل والرمان إلا مثمرا
والطير مذ وقعت على أغصانها
وثمارها لم تستطع أن تنقرا
وبها من الحيوان كل مُشبهٍ
لبس الحرير العبقري مصورا
لا تعدم الأبصار بين مروجها
ليثًا ولا ظبيًا بوجرة
٢٠ أعفرا
أنست نوافر وحشها لسباعها
فظباؤها لا تتقي أسد الشرى
٢١
وكأن صولتك المخيفة أمنت
أسرابها ألا تخاف فتذعرا
وبها زرافاتٌ كأن رقابها
في الطول ألوية تؤم العسكرا
٢٢