الخاتمة
تحدثنا في القسم الأول من هذا الكتاب عن كنوز الفاطميين كما تصورها لنا المصادر التاريخية والأدبية المختلفة، وانتقلنا في القسم الثاني إلى بحث التحف الفنية التي أنتجها عصر الفواطم، والتي لا يزال بعضها محفوظًا في دار الآثار العربية أو في المتاحف الأوروبية أو في المجموعات الأثرية التي يعتز بها كبار الهواة وتجار العاديات، أو في المتحف القبطي بالقاهرة وفي بعض الأديرة والكنائس المصرية، أو في كثير من الكنائس والأديرة الأوروبية.
وهكذا أقمنا الدليل غير مرة على عظم تقدم الفنون في ذلك العصر، بفضل ازدهار التجارة، واستتباب الأمن، وما ساد البلاد من رخاء ومن تسامح ديني، وأتيح لنا أن نرى العناصر المختلفة التي أثَّرت في أساليبها الفنية، وأن ندرك أحيانًا إلى أي حد كان هذا التأثير. وفي الحق إن العالم الإسلامي في ذلك العصر الذهبي كان من ناحية الفن والثقافة كتلة يشد كل جزء منها أزر الأجزاء الأخرى، ويؤثر فيها، ويتأثر بها إلى حد كبير، وكان اختلاف أجزائه في ناحيتي السياسة والعقيدة الدينية يبعث على التنافس والتسابق بينها، كما كان الاتحاد في هاتين الناحيتين يدعو إلى التضامن والتعاون.
وقصارى القول أننا استطعنا أن نرى الخلفاء الفاطميين في أوج عزهم لا يقفون عند شيء في سبيل إعلان مجدهم، وإظهار أبهتهم، وتضافرت على إجابة طلبهم العناصر المختلفة والأساليب الفنية المتنوعة. أجل، تجمعت العناصر العربية والبربرية والقبطية والفارسية والتركية على السمو بملكهم، وساهم كل عنصر منها بشيء من تراثه الفني؛ لكي يكون للفاطميين بلاط لا يضارعه بلاط، وعظمة لا تقاربها عظمة أمراء آخرين.
وكانت الإسكندرية حلقة الاتصال بين الشرق والغرب، تتجمع فيها البضائع، وتشتد فيها حركة التجارة بين أوروبا، وبين الهند والصين وبلاد العرب؛ فكانت البلاد تجني من ذلك كله أرباحًا طائلة، وكان ذلك فرصة للاتصال بالغرب اتصالًا شاهدنا صداه في مصير كثير من التحف الفاطمية، وفي حسن التقدير التي كانت تلقاه في أوروبا، وفي الزخارف التي كانت تزين بعض هذه التحف.
واليوم يقبل المصريون على الاحتفال بمضي ألف عام على تأسيس القاهرة، فيذكرون أبهة الفاطميين وجلال ملكهم وما لهم من عظيم المكانة في تراثنا الفني.