ملحق (أ): عشرة كتب مُترجمة عن الكتابة الإبداعية
ليس هناك أصعب من وضع قوائم بعناوين كتب لا بدَّ من قراءتها في أي مجال؛ إذ تبقى على الدوام ثمة فرصة للإضافة والحذف والتبديل والتعديل، ولا يمكن الوصول لقائمةٍ جامعةٍ مانعة مهما تركَّزَتْ عدسة موضوعها وتواضَعَ طموحها.
الكتب العشرة التالية هي أقرب إلى عينة نموذجية لكتب تعليم الكتابة الإبداعية، وخصوصًا كتابة القصة والرواية، وهي الأوفر حظًّا في عدد عناوينها، أُضِيف لها ثلاثة عناوين في أنواع فنَّية أخرى غير بعيدة القرابة عن السرد.
بطبيعة الحال تبقى هناك عناوين أخرى كثيرة في غاية الأهمية، لم تسنح لنا فرصة الاطِّلاع عليها عند إعداد هذه القائمة، منها مثلًا كتاب ستيفن كينج «عن الكتابة»، من ترجمة سمير محفوظ بشير، وكتاب إيان رايد «القصة القصيرة»، من ترجمة منى حسين مؤنس، وغيرهما الكثير بلا شك.
لم نُدرِج كتبًا مكتوبة بالعربية؛ لأن أغلبها قديم نسبيًّا، كما لم يُكتَب بغرض تعليمي واضح، بقدر شرح وتبسيط الجوانب الأساسية لفنون السرد، وعلى الرغم من ذلك فإن من بينها علامات لا يُمكن إغفال قراءتها، مثل كتب أساتذة أمثال رشاد رشدي ويحيى حقي ومحمود تيمور.
كما تتجنَّب هذه القائمةُ كثيرًا من الكتب الإنجليزية المهمة في فن كتابة السرد، التي نظنُّ أنها لم تُترجَم بعدُ؛ وعلى هذا فإن أغلب عناوين هذه القائمة لا يصعب الوصول إلى نسخٍ منها، سواء أكانت ورقية من خلال المكتبات أو باعة الكتب القديمة، أم نسخة إلكترونية على مواقع الإنترنت المختلفة، كما أن أغلبها خرجت ترجمتُه العربية في صيغةٍ مفهومة وسَلِسة، لحُسْن الحظ.
رسائل إلى روائي شاب «ماريو بارغاس يوسا»
عنونَ الروائي البيروفي الحائز على نوبل في الأدب، ماريو بارغاس يوسا، كتابه الصغير هذا، على غرار كتاب الشاعر الألماني ريلكه؛ «رسائل إلى شاعر شاب»، وصدرت طبعته الأولى في ١٩٩٧، لكنها ليست موجَّهة مثل ريلكه إلى شاعرٍ بعينه، بل إلى كل روائي شاب يطمح لامتلاك أدواته. صدرت الطبعة العربية الأولى عنه في ٢٠٠٥ عن دار المدى، في سوريا، بترجمة صالح علماني، وخلال اثني عشر فصل، يستعرض يوسا أهمَّ محاور عملية الخلق الروائي من وجهة نظره، منطلقًا من أهمية الميل الحارق نحو الكتابة، والشغف باستبدال الخيال بوقائع الحياة أو دمجهما معًا، ثم ينتقل فيما بعدُ إلى عناصر مثل: القدرة على الإقناع، ومراعاة المصداقية، والأسلوب، والراوي، والمكان، ومستويات الواقع؛ حريصًا في هذا كله على تجنُّب النصائح الجافة والمشهورة، وضرب الأمثلة التفسيرية من أهم الروايات، ودون أن يتردَّد أمام الكشف عن اختياراته وتفضيلاته الخاصة. وعلى الرغم ممَّا في هذا الكتاب من آلية تعليمية واضحة، فإنه أبعد ما يكون عن التوجيه المباشِر وترديد الإرشادات المحفوظة، حتى عند تناوُلِه جوانبَ محدَّدةً من العملية السردية، مثل الراوي أو المكان، فإنه يسوقها نحو استكشافات جديدة على طريقته الخاصة، مضيفًا إلى تلك العناصر ابتكاراتٍ لم تُطرَح من قبلُ بخصوص اللعبة السردية، من قبيل العلبة الصينية، وكيف تتداخل وتتوالد الحكايات بعضها من بعض على غرار ألف ليلة وليلة، وأيضًا لعبة الأواني المُستطرقة التي يشرحها باختصار على أنها علاقةٌ بين المشاهد والحالات السردية المختلفة وما ينتج عنها من حالةٍ كليةٍ تتجاوز في تشابُكها ما يطرحه كلُّ مشهد على حدةٍ.
وعلى الرغم من كثرة استعانته بالشواهد والأمثلة، لا يغفل يوسا عن التنبيه إلى أن المعين الذي لا ينضب للكاتب الروائي هو الحياة وليس الكتب: «فأصلُ كلِّ القصص ينبع من تجربة مَن يبتكرها، والحياة المعيشة هي الينبوع الذي يسقي القصص المتخيَّلة.» أخيرًا، يحتاج هذا الكتاب إلى درجة معقولة من المعرفة بفنِّ الرواية وتقنيات السرد الأولية، فهو يخاطب احتياجاتٍ أرقى لروائيين أكثر طموحًا ومَكْرًا، حتى لو كانوا لا يزالون شبابًا.
تقنيات كتابة الرواية «نانسي كريس»
الأمريكية نانسي كريس، متخصِّصة في روايات الفانتازيا والخيال العلمي، وإلى جانب هذا تقدِّم فصولًا تعليمية في الكتابة الإبداعية، ولها أكثر من كتاب حول فن كتابة الرواية، منها «تقنيات كتابة الرواية»، وعنوانُه الفرعي: «تقنيات وتمارين لابتكار شخصيات ديناميكية ووجهات نظر ناجحة»، صدرَ عن الدار العربية للعلوم، ناشرون، عام ٢٠٠٩.
على عكس ما قد يوحي به العنوان الفرعي، فإن فصوله العديدة والغنية بالأمثلة التوضيحية وتمارين الكتابة المحددة لكل تقنية، لا تقتصر على مناقشة الشخصية ووجهة النظر، وإنْ كان لهما الثِّقَل الأساسي، بل تمتد لتحليل مسائل مثل العواطف والانفعالات وطُرُق رسمها وإبرازها عبر آليات الحوار والمشهد والتفكير الداخلي للشخصيات؛ غير أن أهم أجزاء الكتاب، في ظني، هو الجزء الأخير الذي تفصِّل فيه الفروقَ الدقيقة بين استخدامات أنواع الرواة المختلفين، وخصوصية الضمائر المختلفة في السرد من متكلم ومخاطب وغائب وراوٍ كليِّ المعرفة، فنادرًا ما يوجد كتابٌ يعرض هذه المسائل ببساطة من غير تعقيدِ ورطانةِ كتبِ النقد المستغلقة غالبًا على كثيرٍ من الشباب والمبتدئين.
لا نبالغ إذا اعتبرنا هذا الكتاب دليلًا إرشاديًّا مُبسطًا، من الألف إلى الياء، نحو رسم الشخصية واختيار أنسب وجهات النظر لكل حكاية، حتى مع غلبة طابع الكتابة الدرامية (وربما التجارية) عليه، فيظل من الممكن دائمًا لكل كاتب أن يستغلَّ الأدوات ذاتها ليصنع بها تحفتَه الخاصة، ولن يعدم القارئ الفَطِن عشرات النصائح الذكية المبثوثة في صفحات الكتاب، من قبيل: «إنَّ عليك أن تتعلم أن تكون ثلاثةَ أشخاص في وقت واحد: الكاتب، والشخصية، والقارئ.» وعشرات من تمارين الكتابة المفيدة والهادفة لتمتين تقنياتٍ وأدواتٍ بعينها، مثل: «ابتكِرْ شخصيةً كوميدية. أَعْطِها مهنةً وهدفًا وشخصيةً. اكتب مشهدًا قصيرًا تتجادل فيه مع شخصية أخرى. اختَرْ موضوعًا غير منطقي تتجادلان حولَه وبالِغْ فيه. هل تجد فيه بدايةً لرواية ترغب بكتابتها؟»
الرواية اليوم «مالكوم برادبري»
برادبري أكاديمي في اللغة والأدب، إلى جانب إنتاجه الروائي، مثل: «الاتجاه غربًا» و«الرجل التاريخي»، وضَعَ أكثرَ من مؤلَّف حول فنِّ الرواية مثل «مقالات عن الحالة الروائية»، وأيضًا هذا الكتاب الذي صدر عام ١٩٧٨، وترجمه إلى العربية أحمد عمر شاهين، في ١٩٩٦، ونُشِر ضمن سلسلة الألف كتاب الثاني، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وهو مجموعة مقالات ودراسات لروائيين ونقَّاد من دولٍ غربية مختلفة، ومن اتجاهات ومدارس متباينة؛ من بينهم: أيريس ميردوخ، وفيليب روث، وميشيل بوتور، وسول بيلو، ودوريس ليسنج، وغيرهم. هو أبعد ما يكون عن شكل الكتاب التعليمي الواضح المباشِر، ومع ذلك فهو يرسم صورةً جداريةً ضخمة وتفصيلية لفن الرواية، في لحظة مهمة، تموج بالتغيُّرات والوقوف على التخوم بين منجز الحداثة الراسخ والإرهاصات الجسورة لما بعد الحداثة، بين الأدوار الشعبية لهذا الفن وطموحاته الجمالية السامية.
وعلى الرغم من انقضاء أكثر من أربعين عامًا على نشر هذا الكتاب أول مرة في لغته، لا تزال المسائل التي يتناولها المشاركون فيه تثير القدرَ نفسه من الجدل والخلاف، من أمثلة ذلك تأمل الرواية لذاتها وتركيزها على الشكل، مقابل عدم الالتفات للسردية التاريخية والاجتماعية؛ أيْ غرام الروائي بصورته وآليات عمله والعكوف على تأمُّلها، أو بتعبير فيليب روث: «يلتفت الروائي إلى ذاته، وتتكشف له قدرته وموهبته بوجودها وتصرخ فيه: أنا موجودة. ثم تُلقِي نظرةً طويلة لطيفة قائلةً: وأنا جميلة، فلماذا يلتفتُ إلى العالَم إذن؟»
ما هو واضح أن الكتاب بحاجةٍ لقارئ أكثر خبرةً، ولكن حتى إنْ وجَدَ الكاتبُ الناشئ بعضَ الصعوبة في الاستيعاب التام لجميع الأفكار والقضايا المطروحة، فعلى الأقل سوف يفتح له أبوابًا للاستزادة والتأمُّل، والأهم أنه سيضع مهاراتِ الكتابة الصرفة في سياقٍ أوسع وأعم من الفلسفة والتاريخ وحركة المجتمعات، وهو المنظور الذي قد يغيب تمامًا عن أفق كثيرٍ من المبدعين، فيضعف رؤيتهم مهما امتلكوا من مهارات وتقنيات.
تقنيات الكتابة «عدد من المؤلفين»
هذا أيضًا كتاب اشترك في كتابته مجموعةٌ من الكتَّاب، ولكن على عكس الكتاب السابق، فهو دون محرر معروف يقدِّمه، وبلا أي أسماء كبيرة أو معروفة، إلَّا في سياق الكتابة الروائية الخفيفة والتجارية وذات الأنواع المحددة مثل الإثارة والجريمة ونحو ذلك، وفيه نجد اسم نانسي كريس مرة أخرى على رأس ستة فصول من بين خمسة وعشرين فصلًا، بلا مقدمة إلَّا ما أورده المترجم د. رعد عبد الجليل جواد، من إشارات مقتضبة، وليس هناك ما يشير لأصل الكتاب في لغته الإنجليزية أو تاريخ نشره؛ ولذلك ربما كان مجرد مقالات من مصادر مختلفة، جمَعَها المترجِم لتصدر عام ١٩٩٥ عن دار الحوار في سوريا. وعلى الرغم ممَّا قد يبدو من ارتباك في أسلوب الكتاب، فإن الكاتب المبتدئ سيقع فيه على كنزٍ من النصائح العملية والإرشادات التقنية المتنوعة، لا يربطها سياق أو نسق، ولكنها تضرب على أوتار بعض الاحتياجات الماسة في عملية الكتابة السردية، منها على سبيل المثال علاقةُ الحبكة الأساسية بالحبكات الفرعية، وطُرُق تجاوُز معضلة انسداد الكتابة وإنهاء الكاتب لمشروعه المتوقِّف، ونقاط ضعف كتابة قصة الحب، والإجابة عن أسئلة من قبيل: ما الذي يجعل شخصياتك مشدودة؟ وتتناول نانسي كريس في واحد من مقالاتها الستة، مسألةً غاية في الدقة والغموض، هي مراقبة الإيقاع في السرد، وتحاوِل جاهدةً إيضاحَها وشرْحَها قدر الإمكان، دون أن تجد بأسًا في الإقرار بأن «الإيقاع ليس موضوعًا سهلًا للمناقشة؛ إنه معقَّد ودقيق، مثل الهواء باعتباره الجزء الأساسي للحياة، ولكن لا يتمُّ الحديث عنه إلا متى فسد.»
أركان القصة «إي إم فورستر»
كما يمكن ترجمة عنوان هذا الكتاب إلى «أوجه الرواية» كما يؤثر د. ماهر شفيق فريد في مقدمته له، وعلى هذا فهو كتاب عن السرد عمومًا، وعن كتابة وقراءة الرواية خصوصًا، وهو سلسلة من المحاضرات المترابطة ألقاها إدوارد مورجان فورستر، كاتب القصة والرواية والدراسات الأدبية البريطاني (١٨٧٩–١٩٧٠)، في ربيع ١٩٢٧، بجامعة كامبريدج، وطُبِعت كتابًا في العام نفسه. وأحدث نسخة عربية متوافرة من هذا الكتاب هي طبعة مكتبة الأسرة في مصر عام ٢٠٠١، بترجمة كمال عياد جاد، وهو كتاب كفيل بأن يدفع القاصَّ والروائي المتشبِّث بقوالب ثابتة وربما عتيقة في صنعته، إلى إعادة النظر فيها ومُساءلتها بهدوء ورَوِيَّة، دون أن يواجه صعوبةً ذات شأن في استيعاب الأفكار المعقَّدة المطروحة بأسلوبٍ سَلِس وأمثلةٍ ناصعة من روايات مهمة. يصدق هذا مثلًا على تناوُل فورستر مسألةَ بناء الشخصية، والمسافة بينها وبين الناس في واقع الحياة، ثم تناوُله الشخصياتِ الرئيسيةَ وتعقُّدها وغناها في مقابل الشخصيات المساعِدة أو المُسطحة، التي كانت تُعرَف قديمًا بالأمزجة، لثبات خصالها عبر الحكاية. أمَّا الكتَّاب الشباب ممَّن يقدِّسون إحكامَ الحبكة وتشويق القارئ، فإن الفصل المخصَّص لهم من هذا الكتاب قد يفلح في إقناعهم بأن مفهوم الحبكة أكثر من مجرد إثارة حب الاستطلاع والفضول في نفس القارئ، وأنه نسيج وغزل، وتقديم وتأخير، بحيث ننتقل من المستوى المباشِر للحكاية بصورتها الفطرية والمباشِرة، إلى مستوى الحبكة الروائية التي تخاطب الذكاء والذاكرة والإحساس بالجمال؛ إذ يقول: «والشعور النهائي (إذا كانت الحبكةُ جميلةً) لا يكون شعورًا بمفاتيح ألغاز أو سلاسل، ولكن بشيءٍ جميل مترابط، شيءٍ كان يُمكن أن يُرِينا إيَّاه الروائيُّ بطريقةٍ مباشِرة، ولكنه لو فعل لَمَا بَدَا هذا الشيءُ جميلًا على الإطلاق.» هذا كتاب لا تسقط أخباره بالتقادم، شأن كلِّ الجواهر التي يزيد الزمنُ من قيمتها وتألُّقها.
الصوت المنفرد «فرانك أوكونور»
لا أحسبُ أنَّ هناك كاتبَ قصةٍ قصيرةٍ لم يسمع من قبلُ بعنوان هذا الكتاب، أو لم يُنصَح بقراءته ولو مرةً واحدة على الأقل، فعلى مدى سنواتٍ ظلَّ مَرْجعًا فنيًّا وجماليًّا لأجيال من القاصين العرب منذ أن ترجَمَه محمود الربيعي، ليصدر في طبعات مختلفة، لعلَّ أحدثها طبعة خاصة عن المركز القومي للترجمة، بمناسبة ملتقى القاهرة الدولي الأول للقصة العربية القصيرة عام ٢٠٠٩؛ ولعلَّه العمل الوحيد الذي قُرِئ وذاع صيته للكاتب الأيرلندي أوكونور (١٩٠٣–١٩٦٦)، الذي كتب ما يزيد عن المائة والخمسين مؤلَّفًا بين القصة القصيرة والشعر والمذكرات والدراسات. والكتاب أقرب إلى جولة حميمة بين علامات وأساطين هذا الفن الصعب، ينتقل ما بين جيمس جويس وكاثرين مانسفيلد وهيمنجواي ودي إتش لورانس، حريصًا على التأمل الهادئ المرهف لعالَمِهم وتجربتهم، دون أن يبتلعه تلُّ الدوَّامات العفية، بقدر ما يستخلص منها لآلئ مشِعَّة أقرب إلى علامات هادية. غير أن أوكونور لا يكتفي بالتنقل بين إبداعات هؤلاء، ولا ينتهي كتابُه قبل أن يقدِّم دروسًا شبه عملية في كتابة القصة القصيرة، مؤكِّدًا على أهمية اختيار الموضوع، ويليه البناء العضوي للأحداث وإطلاق العنان للخيال، وقيمة التكثيف بالاستغناء عن كل ما ليس ضروريًّا، والحذر كل الحذر من الاسترسال، وخصوصًا في كتابة صفحات أو مناظر عظيمة الجمال ليست لها في الحقيقة أية علاقة بالمراد قوله: «لا أزال أقول إن الكاتب ينبغي أن يُلقِي الرماد على ناره الخالقة، حتى يعرف على وجه الدقة الشيءَ الذي ينبغي أن تُوجَّه ضده هذه النارُ.» إنه كتابٌ ينبغي على كل عاشق لفن القصة، فضلًا عن كاتبها، أن يدرسه بالورقة والقلم، وسوف يجد بين صفحاته الأصلَ النقيَّ لكثيرٍ من الأكليشيهات التي تتردَّد على الألسنة في الندوات الأدبية دون تأصيل أو فهم عميق.
المرشد في الكتابة السينمائية والروائية «راشيل فريدمان بالون»
أحدث عناوين هذه القائمة، فقد صدر مطلع عام ٢٠١٥ عن دار نشر ميريت، بترجمة إيهاب عبد الحميد، دون معلوماتٍ ذات شأن حول الكاتبة، سوى أنها تُدرِّس في إحدى ورش كتابة السيناريو للمبتدئين، فصلًا دراسيًّا متقدِّمًا يخصُّ إبداع الشخصيات، بجامعة كاليفورنيا، وقد بدأَتْ في وضْعِ هذا الكتاب أساسًا من أجل كتَّاب السيناريو الذين يعانون من مشكلات في البناء ورسم الشخصيات، وخصوصًا أولئك الذين يُقِيمون بعيدًا في المدن الصغيرة، ولن تتاح لهم فرصة الالتحاق بورش كتابة. غير أنها ارتأَتْ بعد فترةٍ من التدريس لكتَّابِ القصة والرواية في نفس فصلها الدراسي، أن كلًّا من كتاب السرد والسينما يعانون المشكلات ذاتها ونفس الصعوبات مع البناء وتطوير الشخصيات، مع خصوصية كلِّ وسيطٍ ولغته وطرائقه، فصمَّمَتْ كتابَها بحيث يكون صالحًا لنوعَيِ الكتابة.
يُعَدُّ الكتاب مُرشدًا مبسطًا يأخذ بيد الكاتب الناشئ، ويسير معه خطوة بعد أخرى على طول رحلة تطويره لعمله، منذ اختيار القصة وإتمام عملية البحث المستفيضة حول الموضوع، ومرورًا ببناء الإطار العملي وبناء المشاهد أو الفصول، مع تركيزٍ خاصٍّ على مسائل رسم الشخصية، مع إدراج بعض الأسئلة والتمارين العملية في نهاية الفصول القصيرة؛ لكي ينفِّذ القارئُ عمليًّا ما يتعلَّمه، ويطبِّق تلك المفاهيمَ والتقنياتِ على مشروعه من سيناريو أو رواية. لا تدعو الكاتبة إلى تغليب الطابع التجاري الهوليودي، والشطح بخلق أبطال محلِّقين فوق الحياة العادية، بقدر ما تحرِّض على تأمُّل ما يحيط بالكاتب واستمداد أفكاره من تربته، كقولها: «بالنسبة إليَّ أكثر القصص نجاحًا هي القصص الشخصية الصغيرة عن الإنسان العادي؛ القصص التي تتحدَّث عن أناسٍ يريدون ما نريده أنا وأنت، يشعرون كما نشعر أنا وأنت، هي القصص التي يتماهى معها الجميع.»
ميزة الكتاب الأساسية إلى جانب بساطته الشديدة ووضوحه الناصع، هي اشتغاله على المفاهيم الأساسية في كتابة الحكاية عمومًا؛ المفاهيم التي لا تقتصر فائدتُها وأهميتها على كاتب السيناريو والرواية فحسب، بل تمتد أيضًا نحو أيِّ مشتغِلٍ بالكتابة السردية والدرامية تحديدًا، فما أحوج كثيرين من كتَّاب الدراما التليفزيونية الجدد — على سبيل المثال لا الحصر — إلى الرجوع باستمرارٍ لمرشد من هذا النوع، لعلَّهم يهتدون!
السيناريو «سِد فيلد»
إذا كان كتاب راشيل بالون السابق قد جمع في حزمة واحدة بين هموم كتَّاب السيناريو والرواية، فهناك الكثير من كتب تعليم السيناريو يُنصَح بقراءتها لكتَّاب القصة والرواية أيضًا، ولعلَّ كتاب السيناريو لسِد فيلد هو أشهرها، وقد تُرجِم أكثر من مرة في العالَم العربي، وله طبعة مصرية عن مكتبة مدبولي، بترجمة سامي محمد، تتوالى طبعاتها منذ عام ٢٠٠٠. ويُعَدُّ سِد فيلد مدرِّب كتابة السيناريو الأشهر في أمريكا، إنْ لم يكن في العالَم كلِّه، وقد سبق أن زار مصر ونظَّمَ ورشةَ سيناريو عام ٢٠٠٨، وتُوفي في نوفمبر ٢٠١٣ عن ٧٧ عامًا. ولا يكاد يترك في كتابه هذا صغيرةً أو كبيرةً حول فن كتابة السيناريو، شارِحًا المبادئ والمفاهيم، وضاربًا الأمثلةَ الحية من أشهر الأفلام. ولا تقتصر أهميته على كتَّاب السيناريو، بل تشمل عشَّاق السينما والأدب والروائيين، وحتى إنْ تباينَتْ في أحيانٍ كثيرة أدوات الكتابة بين الأنواع المختلفة، يبقى الهيكل العظمي الدرامي مرتبطًا بوشائج لا تُنكَر. سيجد القارئ هنا مرشِدًا مبسطًا يتناول عملية كتابة السيناريو بدايةً من اختيار الموضوع وتهيئته وتغذيته، إلى خلق الشخصية وبنائها وتمتينها، ثم وضع تتابُع الفصول والمشاهد، وفصلها عن الاقتباس، ثم بناء السيناريو وكتابته في أحوال التعاون المشترك. يزوِّد فيلد أغلبَ فصوله بمشاهد مأخوذة من سيناريوهات أفلام معروفة، منها: راعي بقر منتصف الليل و«كريب» وغيرهما، معلِّقًا وشارحًا. وتُعَدُّ الفصول الخاصة برسم الشخصية من أهم أجزاء الكتاب وأنفعها لكل كاتبٍ دراميٍّ أو أدبيٍّ، ومن بين ملاحظات فيلد الثاقبة فصْلُه بين الحياة الداخلية لكل شخصية وحياتها الخارجية كما نراها مع بداية الأحداث، ويقصد بالأولى سيرةَ حياةِ الشخصية السابقةِ على رؤيتنا له في سياق الحدث والقصة، وهي أقرب إلى بطاقة التعريف أو تاريخ وجوانب الشخصية المختلفة في حالة ساكنة، قبل اندماجها في القصة على الشاشة أو الصفحات.
عيوب التأليف المسرحي «وولتر كير»
على مدى سنوات، خلال عقدَي السبعينيات والثمانينيات من القرن السابق، واصلَتْ دار مكتبة مصر نَشْرَ سلسلةٍ عُرِفت باسم مكتبة الفنون الدرامية، من المسرحيات المترجمة، أشرف عليها وترجَمَ أغلبَها الأستاذ عبد الحليم البشلاوي، صدر فيها مسرحيات لجوركي وإبسن وأونيل ووليامز وبنتر وشو وكثيرين غيرهم، ومن بين عناوين تلك السلسلة صدَرَ كتابُ «عيوب التأليف المسرحي» بترجمة البشلاوي كذلك، ونتمنَّى أن تواصِل مكتبة مصر نشْرَ طبعات جديدة من هذه السلسلة المهمة، وولتر كير هو ناقد مسرحي أمريكي، عمل لسنوات في جريدة هيرالد تربيون، واشتغل أيضًا بالإخراج المسرحي، وقد جمع في كتابه هذا ثمرةَ مسيرته مع عالم المسرح والدراما مُشاهِدًا وناقدًا ومُخرِجًا، في صيغة تحذيرات ذكية لكل كتَّاب هذا الفن. وإذا كان تركيزه ينصبُّ على حركة المسرح الأمريكي خصوصًا، فإنَّ أُفقَ طرحه يمتدُّ إلى تاريخ المسرح ومَشْهَده الواسع في العالَم كله، ويستدعي نماذجَه الكبيرة مثل أنطون تشيخوف وهنريك إبسن وجورج برنارد شو. قارئ هذا الكتاب سيلاحظ خفةَ الروح التي يقدِّم بها الكاتبُ نصائحَه؛ فعنوانُ أحد الأقسام: كيف تفقد الأصدقاء بتأثيرك في الناس؟ وعنوان آخَر: كيف تُفسِد قصةً جيدة؟ وفي فصلٍ بعنوان: الزورق البطيء إلى لا مكان، يشبِّه المسرحيةَ التي لا تتحرَّك فيها الدراما بتجربة الجاثوم حين يفقد الإنسان قدرته على تحريك جسمه مع اندفاع عقله إلى الأمام، قائلًا: «لستُ أعرف على وجه الدقة نوعَ التجربة التي يمرُّ بها الإنسان في يقظته، فتُحدِث ذلك الكابوس؛ ولكني أستطيع أن أتصوَّر حدوثه بعد أية زيارة للمسرح الحديث.» فما أحوج كثيرٍ من كتَّابنا إلى نصائح وولتر كير الغالية.
كيف تكتب للأطفال «جوان أيكن»
ربما تكون الكتابة للطفل هي النوع الأقل حظًّا من حيث توافُر المواد التعليمية والإرشادية، على الرغم ممَّا تتسم به من دقَّةٍ وما تتطلَّب من شروط خاصة؛ لذلك فإن العثور على كتاب صغير القطع وجميل الإخراج عن هذا الموضوع ليس أكثر من مصادفة سعيدة. وقد ترجَمَه كاظم سعد الدين وصدر في العراق عام ١٩٨٨ عن دار ثقافة الأطفال، بعد تاريخ صدوره بالإنجليزية بستة أعوام فقط. وقد كتبت جوان أيكن أكثر من خمسين كتابًا للصغار والكبار، وألقت محاضرات حول كتب الأطفال على أمناء مكتبات ومعلمين وكتَّاب وأطفال طبعًا، في كلٍّ من أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، ومن بين ما كتبت للأطفال: البحيرة المسروقة، والضيوف الظلال، ولمسة برد، واذهب اسرج البحر، وغيرها من كتب الكبار والمسرحيات. من بين الأسئلة التي تطرحها في كتابها الصغير والعميق هذا: «لماذا تريد أن تكتب للأطفال؟ مَن هم قرَّاؤك؟ ما الفرق الأساسي بين الكتابة للأطفال والكتابة للكبار؟» وتؤكِّد أنه لا توجد طريقة واحدة للكتابة للأطفال؛ فأذواقُهم تختلف في القراءة كما تختلف أذواق الكبار تمامًا. وإنَّ فكرة أن الأطفال يستمتعون بقصص الكنوز المخبوءة في قلاعٍ مهدَّمة، لَهِي أحد الأخطاء الأساسية التي يقع فيها المبتدئون في هذا الميدان، وكذلك الانطباع الذي مفاده أن كتب الأطفال يجب أن تكون بسيطة، لذلك فهي سهلة الكتابة. تزخرِف أيكن كتابَها بمقولات ومقتبسات عديدة لكبار الكتَّاب، مثل: دويستوفسكي وجان جاك روسو وجراهام جرين، حول العالَم الخاص بالطفولة والكتابة للطفل، أو ذكرياتهم عن أولى قراءتهم وهم صغار. وهي أبعد ما يكون في كتابها هذا عن تسطيح الأمور والاستخفاف، بل إن بعض نصائحها جديرة بتطبيقها على كل كتابة أدبية بلا استثناء، من ذلك مثلًا: «إذا وجدتَ صوتًا لكتابك، حتى إنْ كانت الحبكةُ والشخصيات لا تزالان في الطور الجنيني من التطوُّر، فإنك تكون قد كسبتَ نصفَ المعركة. ولا شيء يستحثُّ تدفُّقَ القصة على الجريان مثل اكتشاف الصوت الذي تُروَى به …»