أوهام شائعة حول حِرفة الكتابة
همسة في أذنك من زادي سميث
تنصحك الكاتبة البريطانية «زادي سميث» بعدم إضفاء طابعٍ رومانسي على «مهنتك» ككاتب، فإما أنك تستطيع كتابة جمل جيدة، وإما أنك لا تستطيع ذلك؛ إذ لا يوجد ما يُسمَّى «أسلوب حياة الكاتب»، فكلُّ ما يهم حقًّا هو ما تتركه على الصفحة. ولعلَّها تقصد بذلك الأسلوبِ الصورةَ الشائعةَ عن الكُتَّاب كمخلوقاتٍ مُعَذَّبة وحائرة، تعيش مهدَّدة بأشباح الإدمان والجنون، مُهمِلين في ثيابهم وصحتهم، وهائمين على وجوههم هنا وهناك. كلما تُمعِن في رحلتك مع القراءة والكتابة سوف تكتشف أن هذه الصورة الشائعة لا أساسَ لها من الصحة، وأن المئات من كبار الكتَّاب قد اتَّسَموا بالتنظيم اليومي الصارم، والحرص على تفاصيل حياتهم، وعلى عيش حياة هادئة وممتعة. وإذا عدنا من جديدٍ إلى زادي سميث، نسمعها تضيف نصيحةً أخرى لا تقلُّ أهميةً؛ وهي أن تتجنَّب «الشِّلَلية»، والعصابات، والجماعات؛ فإن وجودك في جمعٍ لن يجعل كتابتَك أفضل ممَّا هي عليه.
أسطورة الطقوس الخاصة بالكاتب
لطالما كانت العادات اليومية لهذا الكاتب أو ذاك ذات فتنة وجاذبية خاصة، أو ما يُطلَق عليه: «طقوس الكتابة»؛ فنادرًا ما يُجرِي أحدُ الصحافيين مقابلةً مع كاتبٍ ما دون أن يطرح عليه سؤالًا واحدًا على الأقل حول تلك العادات والطقوس الخاصة به عند الكتابة، من قبيل: هل تكتب نهارًا أم ليلًا؟ هل تجلس للعمل يوميًّا؟ هل ما زلتَ تستخدم الورق والأقلام، أم تستخدم الآلة الكاتبة أو الكمبيوتر؟ إلى آخِر كل تلك المسائل التي لا تخصُّ صميم العملية الإبداعية ذاتها، بل تحيط بها كنشاطٍ إنسانيٍّ شأنه شأن تناوُل الطعام والشراب والمشي والتسلية؛ مما يعكس — ربما — اهتمامًا مبالَغًا فيه بالآلية الغامضة التي تعمل بها عبقرية الكاتب من هؤلاء، أو ربما بغرائب وعجائب العادات الخاصة بالفنانين — التي دائمًا ما تثير الاستغراب والدهشة — تلك المخلوقات ذات الخصوصية بعالَمها المختلف والغامض. وكأن معرفتنا بتلك الطقوس والأحوال قادرة على أن تضيء لنا ذلك الدرب المعتم للتفرُّد والعبقرية، أو أن تكشف السرَّ المختبئ وراء عظمة التجرِبة الفنية. من ناحية أخرى قد يكمُن وراء ذلك النوع من الأسئلة التماسٌ لطلب العون من ناحية المبدعين الشباب والمبتدئين؛ رغبةً منهم في الاسترشاد بهَدْي أحد أعلام الكتابة، فكأنها — بمعنًى آخَر — صيغة محوَّرة لسؤال آخَر لم يتم طرحه، وهو: ما هي حِيَلُكَ السحرية التي تحوِّل بها الواقع إلى فنٍّ، والرماد إلى ذهبٍ خالص؟ المفاجأة — وربما السر الحقيقي — هي أنه لا وجودَ لمثل تلك العصا السحرية أو التعويذة الغامضة التي يمتلكها كبار الكتَّاب، مهما زعموا العكسَ أو أَحَبَّ معجبوهم أن يصدِّقوا غير ذلك؛ فالكتابة هي الطقس الوحيد الذي يجمع كلَّ هؤلاء الكبار في رحابه، باختلاف أحوالهم وعاداتهم وطقوسهم.
ما يؤكِّد عدم وجود هذا السحر الغامض هو مقدار ما قد تجِده من تنوُّع شديد وتبايُنات عميقة في أجوبة الكتَّاب المختلفين عن مثل تلك الأسئلة؛ فبعضُهم يقول إنه يقضي عددًا محددًا من الساعات كلَّ يوم جالسًا يعمل في مكتبه، حتى إن لم يكن يطوِّر أحد مشاريعه الإبداعية، ولو على سبيل التفكير في الكتابة واستحضارها؛ وبعضهم الآخَر لا يقترب من الكتابة إلَّا بعد مراوغته لفكرةٍ ما وهروبه منها أيامًا أو أسابيع وشهورًا. بعضهم يتواثب بين مشاريع كتابة مختلفة، وبعضهم لا يمكنه البَدْء في العمل على فكرة جديدة إلَّا حين ينتهي تمامًا من النصِّ الذي بين يدَيْه. كان الشاعر والروائيُّ البريطانيُّ «فيليب لاركن» يقول إنه لا يكتب إلا قصيدة واحدة فقط كلَّ ثمانية عشر شهرًا أو نحو ذلك، ولا يحاول أبدًا أن يكتب قصيدةً ما لم تَمْثُل بين يديه مثل مِنحةٍ سماويةٍ. في المقابل فإن «جايل جودوين» تذهب إلى غرفة عملها كلَّ يوم في نفس الموعد، وتقول في تفسير ذلك مازحةً: «ماذا لو أن ملاك الإلهام قد أتى فلم يجدني بانتظاره؟» وكان كلٌّ من «هيمنجواي» و«توماس وولف» يكتب واقفًا، والبعض كان يكتب في صحبة مشروبات كحولية. البعض يلجأ إلى الموسيقى، وآخَرون يقدِّسون الصمت، وقائمة الخصوصيات والعجائب في هذا الشأن تكاد تكون بلا نهاية؛ لكن ليس عليك أنت أن تقلِّد هذا الكاتب أو ذاك، مهمتك أبسط من ذلك بكثير، ويمكن تلخيصها في مقولةٍ عاشت من آلاف السنين، وتكاد تكون الآن قولًا مبتذلًا على الرغم من صحتها؛ وهي: «اعرف نفسك.»
اكتشف مفاتيحك الخاصة بك أنت، فلن يمنحها لك أحدٌ سواك، بالممارسة والتجرِبة ومع الوقت سوف تعرف ما الذي يُشعِل جذوةَ الكتابة في داخلك؛ وما إنْ تعثُر على تلك المفاتيح فلا تتردد في خلق الطقوس والعادات والأساليب الخاصة بك أنت وحدك.
أنت تحفتُكَ الخاصَّة
عليك أن تتذكَّر أنه ما من أحدٍ يمكنه أن يكتب كما تكتب أنت بالضبط؛ فأنت منتجٌ فريدٌ لحياة خاصة لا تتكرر، ذات تاريخ محدد ومختلفة عمَّا سواها. حتى إن كان لك شقيق توءم، يطابقك في الصورة والهيئة إلى حدٍّ يستحيل معه تمييز أحدِكما عن الآخَر، فليس بوسعه أن يكرِّر صورتك الداخلية، وهي الأهم بالنسبة إلى الكتابة. وهكذا فإن لم تكتب أنت هذا النص الذي يَتَّقِدُ في صدرك، وبطريقتك الخاصة تمامًا، فلن يكتبه أحدٌ غيرك، ولا أحد يستطيع ذلك حتى ولو حاوَلَ.
زادي سميث مرة أخرى
تنصح قائلةً: «اشتغِلْ على جهاز كمبيوتر غير موصول بالإنترنت، واحرِصْ على حماية الوقت والمكان المخصَّصَيْن للكتابة. أَبعِدِ الجميعَ عنهما، حتى أهم وأعز الناس لديك.»