الرجل ذو المعطف الطويل!
بعد ساعات من الاجتماع الخطير في المقر السري، كانت الطائرة الجامبو «٧٤٧» تهبط ﺑ «أحمد» في مطار «ليوناردو دافنشي» الدولي في العاصمة الإيطالية «روما».
كان «أحمد» يستشعر الخطر المُحدِق بمنظمة الشياطين اﻟ «١٣» إذا استطاع العدوُّ الغامض تحديد المقر السري الذي تكلَّف إنشاؤه الملايين … فإذا تعرَّض للتدمير فمن الصعب إنشاء مقرٍّ آخر، وتمزَّقتِ المنظمة … لهذا كان مصرًّا على العثور على خيطٍ يقوده إلى العدوِّ المجهول …
أعطى لسائق التاكسي عنوان فندق «رافايلُّو» فله فيه ذكرياتٌ قديمة، وهو يُحب نوع الطعام الذي يُقدِّمه المطعم، واستلقى «أحمد» في التاكسي الذي أخذ يشُق الطريق الواسع تحت وابل من المطر … واستغرق «أحمد» في تفكيرٍ عميق …
كان «كارديلِّي» عميلهم في «روما» من أكفأ رجال رقم «صفر».
كان مقتنعًا بالقضية العربية … وكان يساعد منظَّمة الشياطين مساعداتٍ ممتازة … ولم يتصوَّر «أحمد» كيف تم القضاء عليه … فهو رجلٌ حذر ومدرَّب، ويجيد استخدام الأسلحة … فكيف قُتل؟
إن المعلوماتِ التي ذكَرها رقم «صفر» عن قتل «كارديلِّي» قليلة.
ففي الشارع الرئيسي في «روما» وأمام إحدى دور السينما ساعة خروج المتفرجين … سقط رجل على بعد أمتار من المدخل … وعندما سقط، تقَّدم منه شخص ادَّعى أنه طبيب، وأخذ يحاول إسعافه … ولكنه أعلن أمام الواقفين أن الرجل المصاب قد مات … وعندما حضَرتْ سيارة الشرطة اختفى الطبيب … واتضح أنه أثناء التظاهُر بإسعاف المصاب، قد جرده من كل ما يحمل، ولم تُعرَف شخصية القتيل إلا بعد مراجعة بصماته في سجلات الشرطة.
لقد كانت البقعة التي سقط فيها «كارديلِّي» بقعةً مظلمة … ولم يستطع الشهود تحديد ملامح الطبيب المزيَّف … ولكنهم أجمعوا على أنه كان طويل القامة يرتدي معطفًا ثقيلًا ويحمل حقيبة متوسِّطة الحجم … وأنه كان أوَّل من اتجه إلى القتيل …
وعندما وصل التاكسي إلى الفندق الصغير الذي يقع في قلب المدينة قُرب كنيسة «الدومو» كانت الساعة قد تجاوزَت الثانية بعد منتصف الليل … ولم يكن أمام «أحمد» ما يفعلُه إلا أن يعاود دراسة الملف الذي زوَّده به رقم «صفر» عن الجريمة …
وظل ساعةً كاملة يدرُس التفاصيل عدة مراتٍ لعله يجد شيئًا يَهديه … ولكنه قرَّر في النهاية أن يستسلم للنوم …
ظل الطقس باردًا وإن كانت الأمطار قد توقَّفتْ في صباح اليوم التالي … وخرج «أحمد» فاستأجر سيارة من طراز «ألفا روميو» واتجه رأسًا إلى مقر مكتب «كارديلِّي» الذي كان يشغل طابقًا في إحدى العمارات الضخمة، وهو مكتب يعمل بالاستيراد والتصدير في الظاهر … ولكن عمل «كارديلِّي» الأصلي كان تزويد رقم «صفر» بالمعلومات التي يطلُبها … أو مطاردة أعداء منظَّمة الشياطين، أو تزويد المقر السري بالمعلومات الحديثة …
كانت في ذهن «أحمد» خطةٌ بسيطة … أنه يريد العثور أولًا على جهاز الإرسال الذي كان يستخدمه «كارديلِّي»، ثم يقوم بإرسال بعض الإشارات إلى المقر السري … أن المقر السري يتلقى الإشارات كما أمَر رقم «صفر»، ولكن العدوَّ الغامض سوف يتلقَّى الإشارات ويعرف أن منظَّمة الشياطين قد وضعَت عميلًا آخر في «روما» وسوف تُطارِد هذا العميل أي «أحمد» … وهكذا يمكن أن يضعه في أثر العدوِّ الغامض رغم تعرُّضه للخطر …
دخل «أحمد» شركة «كارديلِّي» للاستيراد والتصدير بدعوى الرغبة في استيراد بعض المعدَّات من أمريكا … وكان كل ما يريده أن يدرُس المكان … ويُحدِّد موضع جهاز الإرسال … ثم يعود ليسرقه …
وبعد ساعة قضاها «أحمد» في المكتب توقَّع حسب نوع «الإيريال» ومساحة الغرفة أن يكون جهاز الإرسال في أحد الدواليب الضخمة الموجودة في مكتب «كارديلِّي» … وغادر المكان … ثم اتجه إلى دار السينما التي تمَّت أمامها جريمة اغتيال «كارديلِّي»، وألقى نظرةً وعاد لتناوُل غِذائه في مطعم «رافايلُّو» … وفي وقت انتظار إحضار الطعام أخذ يتصفَّح الجرائد المحلية «لاستابا» و«كوريراد بلاسيرا» وغيرهما … وقد لاحظ وجود صورة ﻟ «كارديلِّي» في صفحةٍ داخلية … وأَسرعَ يقرأ ما كُتب عنها تحت عنوان: «هل كان ﻟ «كارديلِّي» نشاطٌ غير مشروع؟»
وقالت الجريدة إن محررها في دوائر الشرطة كتب عن احتمال اكتشاف أن «كارديلِّي» وهو رجل أعمالٍ ناجح كان يقوم بنشاطٍ سري مع منظَّمةٍ مجهولة … وأن قتله كان جزءًا من صراع بين المنظَّمات الإجرامية …
وأَحَس «أحمد» بالأسف لأن الشرطة لا تعرف الحقيقة؛ فمنظمة الشياطين اﻟ «١٣» ليست منظَّمةً إجرامية … على العكس فهي تحارب الجريمة في كل مكان …
وقالت الجريدة: «في الأغلب أن قاتل «كارديلِّي» هو الرجل ذو المعطف الطويل الذي ادَّعى أنه طبيب … أو هو أحد شركائه … وأن الهدف من اغتيال «كارديلِّي» كان مزدوجًا … فهو أولًا: القضاء عليه … وثانيًا: الاستيلاء على ما يحمل من أوراق قد تكشف عن المنظمة التي يتبعها …»
ووضع «أحمد» الصحيفة جانبًا، وأدرك أن منظمة الشياطين اﻟ «١٣» تتعرض لأول مرة لخطرٍ حقيقي، فإذا كان «كارديلِّي» يحمل أوراقًا هامَّة، فإن العدوَّ الغامض يمكنه فعلًا كَشْف منظَّمة الشياطين.
وجاء الطعام الذي يُحبه «أحمد»؛ مكرونة اسباجتي بالصلصة، واللحم المشوي، والسلطة الخضراء … ولكن رغم إحساسه بالجوع … فإنه كان يبتلع الطعام بصعوبة فقد كان ذهنه مشغولًا … ومشاعره حزينة، وأعصابه مُتوتِّرة.
صَعِد «أحمد» إلى غرفته … فتح حقيبته وأخرج منها أدوات السطو … مجموعة من المفاتيح والآلات الدقيقة … حذاء من الكاوتشوك … قفَّازًا … بطارية صغيرة … جهازًا إلكترونيًّا للإنذار … وكان معه ورقةٌ صغيرة ضمن المِلَف فيها أرقام فتح الخزانة السرية ﻟ «كارديلِّي». استمع إلى الموسيقى لتخفيف التوتُّر لحظات، عندما دق جرس التليفون كان المتحدث هو رقم «صفر» …
قال على الفور: «أتحدث إليك من «لندن»، ليست هناك معلوماتٌ كافية عن حادث الانفجار … عميلنا «سميث» تلقَّى هديةً كان قد طلبها من محلات «هارودز» … وعندما فتحها انفجَرتْ عُبْوةٌ ناسفة قضت عليه في الحال … ولكن لحسن الحظ استطعنا الوصول إلى الوثائق الخاصة بالشياطين فلم ينكشف شيء … ما هي أخبارك؟»
أحمد: سأقوم بالسطو الليلة على مكتب «كارديلِّي» في محاولة للوصول إلى الوثائق أيضًا … وفي نفس الوقت الحصول على جهاز اللاسلكي الذي عنده … سأقوم بإرسال إشارة إلى المقر السري … سيكتشف العدوُّ الغامض المكان ويُحاول اصطيادي!
صمت رقم «صفر» لحظات ثم قال: «خذ حذرك … إننا لم نقابل عدوًّا قبل الآن بهذا الدهاء!»