مهمةٌ سريعة لعثمان!
عاد «أحمد» إلى الغرفة وهو يفكِّر كيف يخرج من العمارة دون أن يلفت نظر مَن في السيارة … من المؤكَّد أن فيها على الأقل سائقًا في انتظار الرجلَين … وأسرع إلى الجانب الآخر من العمارة … وككل العمارات القديمة كان هناك السُّلَّم الخلفي … وهكذا نزل مسرعًا، ووجد نفسه في الشارع الجانبي حيث كانت سيارته في انتظاره …
قطَع شوارع المدينة الغارقة في المطر مسرعًا … ووصل إلى الشَّقة الجديدة الصغيرة في شارع «لورنزو» … واستمع وهو على السُّلَّم إلى موسيقى جاره الشاب، وهو يدق أصابع البيانو رغم الليل المتأخر …
دخل «أحمد» إلى الشَّقة، وأسرع بتشغيل جهاز التدفئة؛ فقد كانت ملابسه مبلَّلة، والبردُ صاعق … ولكن نجاحه في مهمَّته جعله سعيدًا … كان جائعًا، فأخرج بعض الأطعمة المحفوظة ووضعها على النار، ثم أسرع يُغير ملابسه المبتلَّة … وجلس يتناول عَشاءَه وهو يفكِّر في الأحداث الماضية … ولم يكَد ينتهي من الطعام حتى أخرج مجموعة من الأوراق التي حصل عليها من الرجلَين في مكتب «كارديلِّي» …
كانت أغلب الأوراق خاصة بإثبات شخصية الرجلَين … وبعض النقود … ولكن ما لفت نظر «أحمد» هو «كارت» من البلاستيك مثقَّب بطريقةٍ خاصة … وكان كلٌّ من الرجلَين يحمل نفس الكارت … وبالطبع كان من الممكن أن يكون الكارت خاصًّا ببنكٍ من البنوك … أو بحسابٍ في شركة، أو غير ذلك من الكروت التي انتشَرتْ في أمريكا وأوروبا بديلًا عن النقود … ولكن في هذه الحالة فإن الكارت عادةً يحمل اسم البنك أو الشركة … أمَّا هذا الكارت فلم تكن عليه أية علاماتٍ خاصة … ما عدا شكلًا بسيطًا جدًّا مضغوط في البلاستيك يشبه جناح الطائر … أو موجة البحر …
ظل «أحمد» يفكِّر في أي شيءٍ يمكن أن يهديه إلى معنى هذا الكارت، ولكن دون أن يصل إلى شيء … وقرَّر أن يُرسِل الكارت إلى المقر السري لمعرفة مدى أهميته … ولكنَّ ذلك كان يستغرق بعض الوقت …
اختبَر «أحمد» جهاز الإرسال … كان قد تمرَّن عليه في المقر السري، ويعرف كل أسراره … وهو جهاز من طرازٍ نادر قوي … وفكَّر «أحمد» في تركيب الهوائي «الإيريال»، ولكن الوقت كان متأخرًا فقرَّر تأجيل هذه المهمة للصباح.
اتصل «أحمد» ﺑ «عثمان» في باريس … واستمع منه إلى آخر المعلومات التي وصلَته … وروى له كل شيء … ثم طلب منه أن يحضُر إلى «روما» بعد أن يستأذن رقم «صفر»؛ لأنه يريد أن يقوم معه بمهمةٍ عاجلة …
عثمان: على كل حالٍ لم يعُد عندي ما أفعلُه في «باريس» … وأنا على استعداد للحضور.
أحمد: من الأفضل أن تنتظر حتى يتصلَ بك رقم «صفر»، ثم اتصل بي!
عثمان: إنه يتصل بي كل ليلة تقريبًا!
أحمد: إذن دعه يعرف أنني أعيش بين الفندق وبين الشَّقة التي استأجرتُها في شارع «لورنزو»، وأَعطِه عنواني ورقم التليفون …
وتمنى الزميلان كلٌّ منهما للآخر التوفيق، ثم استغرق «أحمد» في النوم …
وفي الصباح الباكر كان «أحمد» قد أتمَّ تركيب الهوائي الضخم على سطح العمارة، ثم أوصل السلك إلى شقَّته … وأصبح جهاز الإرسال صالحًا للاستعمال … وعندما أشرفَت الساعة على التاسعة … بدأ أول فترة إرسالٍ موجَّهة إلى المقر السري للشياطين اﻟ ١٣ …
كان يعرف أن الرسائل لن تصل طبعًا؛ فقد أغلق رقم «صفر» دائرة الاتصال … وكان كل ما يرجوه أن يُحدِّد العدوُّ الغامض مكانه ثم يهاجمه … وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة للاتصال بينه وبين هذا العدوِّ المجهول الذي اكتشف دائرة الاتصال بين «ش. ك. س» وعملاء رقم «صفر» في جميع أنحاء العالم.
ظل «أحمد» طوال ذلك اليوم في الشَّقة، يُرسِل إشاراته كل ثلاثِ ساعات … ثم غادر المكان إلى سيارته حيث تَمَشَّى قليلًا، ثم ذهب إلى فندق «رافايلُّو» حيث تناول عَشاءَه …
مرَّ يوم الأحد هادئًا كله … وعندما عاد «أحمد» إلى الشَّقة في العاشرة ليلًا، كانت في انتظاره مفاجأة؛ فقد وجد «عثمان» واقفًا أمام العمارة في انتظاره … كان لقاءً حارًّا بين الزميلَين … ودخلا الشَّقة معًا.
وقال «عثمان»: لقد تلقَّيتُ موافقة رقم «صفر» منذ ساعات، وحاولتُ الاتصال بك، ولكن تليفونك لم يكن يَرُد!
أحمد: لقد غادرتُ الشَّقة في المساء حيث قضيتُ بعض الوقت في الشارع، ثم عُدتُ في موعد العشاء!
عثمان: إن رقم «صفر» مهتم …
ولم يكمل جملته؛ فقد دق جرس التليفون ولم يكن هناك من يعرف رقم «أحمد» إلا رقم «صفر» … وفعلًا كان المتحدث هو رقم «صفر» قائلًا: «هل وصل عثمان؟»
أحمد: نعم … إنه معي!
رقم «صفر»: «ما هي المهمة العاجلة التي تريده أن يقوم بها؟»
أحمد: لقد اصطدمتُ برجلَين وأنا أنقل جهاز الإرسال من مكتب «كارديلِّي»، وأخذتُ كل الأوراق التي كانت معهما … وهي أوراقٌ خاصة بإثبات الشخصية … ولكني وجدتُ مع كلٍّ منهما «كارت» … من البلاستيك به ثقوب … وليس من نوع الكروت التي تُستخدم في البنوك والشركات … وأظن أن «الكارت» يُستخدَم لتشغيل ماكينةٍ هامة … ولعله يحمل شفرةً معينة للاتصال … ويهمُّني أن أعرف ما هو نوع الشفرة!
رقم «صفر»: «هذا ضروري جدًّا … فهناك أجهزةٌ كثيرة جدًّا لا تعمل إلا بهذا الكارت الشفري!»
أحمد: لهذا سوف أُرسل أحد الكارتَين مع «عثمان» إلى المقر السري، لعلهم يتمكَّنون من معرفة طريقة استخدامه، وفي أي شيء يُستخدَم!
رقم «صفر»: «وأَرسِل أيضًا أوراق الرجلَين، حتى تُوضَع المعلومات الخاصة بهما في أرشيف «ش. ك. س»!»
أحمد: سوف أفعل يا سيدي!
رقم «صفر»: «خذ هذه الأرقام التليفونية عندك، فإذا أحسستَ أن هناك تحركاتٍ حولك، فاتَّصِل بي، إن بعضها في باريس، وبعضها في لندن، وبعضها في «روما»!»
وكتَب «أحمد» الأرقام التي أملاها رقم «صفر»، ثم تمنَّى له ليلةً طيبة، ووضَع سمَّاعة التليفون.
قضى الصديقان ليلةً طريفة … فقد دعاهما عازف البيانو الشاب للاستماع إليه … وقد كان بارعًا حقًّا في العزف، خاصةً عندما طلب منه «عثمان» أن يعزف له بعض مقطوعات «بيتهوفن»، وعندما أشرفَت الساعة على منتصف الليل، ودَّعَاه بحرارة …
وفي السادسة صباحًا أيقظ «أحمد» «عثمان»، ثم أخذَه بجواره في السيارة «ألفا روميو»، وأسرع به إلى مطار «ليوناردو دافنشي» وهو مطار روما الدولي، حيث ركب أول طيارة إلى مطار القاهرة … أقرب مطار إلى «ش. ك. س» …