حديث من القاهرة!
قرَّر «أحمد» أن يقوم بنزهة في شوارع «روما» في هذا الصباح المبكِّر … وعندما وصل إلى قلب المدينة … لفَت نظره إعلانٌ عن فرقة الباليه المصري تُقدِّم أوبرا «عايدة» على مسرح «لاسكالا» … ووجَد أنها فرصةٌ طيبة لمشاهدة هذه الأوبرا الشهيرة التي ألَّفها الموسيقار الإيطالي «فردي» خصوصًا بمناسبة افتتاح قناة السويس. لم يكن شبَّاك التذاكر قد فُتح بعدُ، فاختار مبنًى قريبًا وركَن سيارته، وجلس يتناول إفطاره، ويقرأ جرائد الصباح … لم تكن هناك أي أخبارٍ جديدة عن مقتل «كارديلِّي» … ولا عن عملية السطو التي قام بها على المكتب … وفي الأغلب أن الجرائد لم تلحق الخبر …
عندما أعلنَتِ الساعة العاشرة قام فدفَع الحساب ثم اتجه إلى شبَّاك الحَجْز، واشترى تذكرةً لحفلة الليلة التالية … ثم قاد سيارته عائدًا إلى شقَّته في شارع «لورنزو» … نظر حولَه فلم يجد شيئًا مريبًا، فصَعِد إلى الشَّقة …
وفي منتصف النهار بدأ إرساله إلى «ش. ك. س»، وقال فيها: «لقد عثرتُ على أسرارٍ خطيرة تتعلق بمقتل «كارديلِّي» أريد مساعدةً عاجلة!»
ثم أضاف سطرًا خطيرًا يُحدِّد مكانه … «إنني أنزل في شقَّة في شارع «لورنزو» رقم ٣٨، وفي انتظار ردِّكُم العاجل» …
كان يعرف أنه بهذا السطر الأخير قد وضَع نفسه في فَم الأسد … وبعد تفكيرٍ سريع تمنَّى لو أنه لم يُضِف هذا السطر الأخير الذي يُحدِّد مكانه، حتى يعود «عثمان» ويعرف ما في الكارت البلاستيك من معلومات … ولكنْ كان أوان التراجُع قد فات …
في الساعة الثالثة، وبينما هو يتناول غِذاءه، دقَّ جرس التليفون، وتوقَّع أن يكون رقم «صفر» أو «عثمان»، ولكن المتحدِّث كان رجلًا خشن الصوت، وكان يسأل: هل السنيور «مورو» موجود؟
ردَّ «أحمد»: ليس هناك من يُدعى «مورو»!
الرجل: أليس هذا المنزل رقم ٣٨ شارع «لورنزو»؟
أحمد: نعم العنوان صحيح!
الرجل: لقد كان السنيور «مورو» يسكن في هذا المنزل!
أحمد: منذ متى؟
الرجل: منذ ثلاثة شهور!
أحمد: لعلَّه انتقل إلى مكانٍ آخر!
الرجل: آسفٌ إذا أضعتُ وقتكَ، شكرًا!
كان «أحمد» متأكدًا أن المتحدِّث أحد أفراد العصابة المجهولة، وأنه يريد أن يتأكد من وجوده، فهو سيكتشف من خلال المحادثة «اللُّكْنة» أو «اللهجة» التي يتحدَّث بها الشخص. وعادةً فإن الذين يتحدَّثون لغةً أجنبية ليست لغتهم الأصلية تبدو لهم «لُكْنَة» واضحةٌ يُسمُّونها باللغة الإنجليزية «أكسنت» …
وكان متأكدًا أيضًا أن الرجل قد اتصل ببقية الشقَق التي في العمارة؛ لأن «أحمد» لم يُحدِّد في رسالته رقم الشَّقة … وحتى يكون متأكدًا تمامًا، فقد ذهب إلى الشَّقة المقابلة التي يسكنها عازف البيانو ودقَّ الجرس …
فتح الشابُّ الباب، وكان واضحًا عليه أثَر السهر الطويل، وقال «أحمد» ضاحكًا: آسفٌ لإزعاجك … ولكن هل تحدَّث معك شخصٌ يسألُ عن السنيور «مورو»؟
ردَّ العازف ساخطًا: نعم … إن هذا الرجل السخيف أيقظَني من نومي للسؤال عن شخصٍ غير موجود!
أحمد: وأنا أزعجتُكَ أيضًا!
الشاب: ولكن من هو هذا «المورو» الذي يسألون عنه؟
أحمد: إنه شخصٌ وهميٌّ!
ونظَر العازف الشابُّ إلى «أحمد» في دهشة، و«أحمد» يعود إلى شقَّته وقد تأكَّد من صحة ما وصل إليه!
بدأ «أحمد» على الفور استعداده للصدام القادم مع العصابة … كانت في حقيبته مجموعةٌ من الأسلحة اختار من بينها بندقيةً سريعة الطلقات … صامتة الصوت … وضعها بحيث تكون فُوَّهتُها في اتجاه باب الشَّقة … ويستطيع وهو في فراشه أن يضغط الزناد فتُطلِق رصاصها على أي شخصٍ يدخل من الباب … وأعَد مسدَّسًا صغيرًا ربطَه في ساقه … ومسدَّسًا ضخمًا وضعه بجواره … ثم قام إلى شُرفات الشَّقة فأحكم إغلاقها، وجلس ينتظر.
مرَّت الساعات دون أن يحدُث شيء … تناول غِذاءَه ثم نام … واستيقَظ دون أن يُحسَّ أن شيئًا غير عادي يدور حوله … لا أصوات ولا محادثاتٌ تليفونية …
وعندما هبط المساءُ قرَّر أن يذهب إلى الفندق لتناوُل عَشائه هناك … ونزل … كان الطقس رديئًا للغاية … البرد يلسَع الوجوه … المطر يتساقط بعنف وقوة … السيارات تسير ببطءٍ شديدٍ خوفًا من الانزلاق والحوادث …
كان «أحمد» يراقب السيارات حوله لعله يعثُر على سيارة تتبعه … ولكن لم يستطع تحديدَ شيء … فقد كانت السيارة التي تسير خلفه أو بجواره تتغيَّر باستمرار.
قرَّر «أحمد» أن يقضي الليلة في فندق «رافايلُّو» مُفضِّلًا مشاهدة التليفزيون على الخروج في الليل البارد العاصف … وفي العاشرة ليلًا رنَّ جرَس التليفون … وأَسرعَ إليه … كان المتحدِّث هو «عثمان».
قال عثمان: أتحدَّث إليك من القاهرة في انتظار إقلاع الطائرة المتجهة إلى «روما» … لا تتحرَّكْ من مكانك حتى آتي إليك … هناك أخبارٌ في غاية الأهمية عن «الكارت البلاستيك»!
أحمد: هل فكُّوا لك رموزَ الشفرة الخاصة به؟
عثمان: نعم … لقد قام خبراء المعمل في «ش. ك. س» بحل رموز الكارت … وهم يعتقدون أنه مِن الممكن باستخدام هذا الكارت أن نكشفَ أسرار العدوِّ الغامض.
أحمد: إلى هذه الدرجة؟
عثمان: نعم … لهذا فإن رقم «صفر» يرجو أن تظل في مكانك حتى أنضم إليك … ففي انتظارنا مهمةٌ خطيرة، وسينضم إلينا «رشيد» أيضًا … ولعلَّه تَحرك الآن من «لندن».
أحمد: هل يعرف «رشيد» طريقي؟
عثمان: لقد أعطيتُه كل المعلومات الخاصة بك في «روما»، وهو يعرف الفندق والشَّقة المفروشة!
أحمد: متى تتحرَّك طائرتك؟
عثمان: بعد ساعة.
أحمد: إن المسافة تقطعها الطائرة من «القاهرة» إلى «روما» في ثلاث ساعات ونصف تقريبًا، فإذا حسبنا فرق التوقيت تصل في الواحدة والنصف تقريبًا إلى «روما» وسوف أنتظرك في المطار!
عثمان: لا داعي … سآخذ تاكسيًا!
أحمد: لا … إنني مشتاقٌ إلى معرفة أخبارك.
عثمان: فليكن هذا … خذ حذرك!
كان أمام «أحمد» نحو أربعِ ساعاتٍ لحين حضور «عثمان»، وخَشِي أن ينام، فقرَّر الخروج وتناوُل العشاء في أحد المطاعم ثم التوجُّه بعد ذلك إلى المطار …
تأكَّد من المسدَّس الضخم الذي يُعلِّقه تحت ذراعه الأيسر، والصغير المربوط على ساقه … ثم ارتدَى «جاكت» من الجلد السميك، وغادَر الفندق متجهًا إلى سيارته «ألفا روميو» الواقفة في الشارع المجاور.