الشفرة الخطيرة!
أدار «أحمد» مُحرِّك السيارة وانتظر قليلًا … كان البرد قارسًا، والمحرك في حاجة إلى تسخين … وعندما قفَز مؤشِّر الحرارة إلى درجةٍ مناسبة انطلق «أحمد» … وبدا له أن السيارة ليست على ما يُرام، ولكنه لم يشُكَّ في شيء، وأخذ ينظر حوله … وخُيِّل إليه أن سيارةً سوداء من طراز «فيراري» السريع قد تحرَّكتْ بعده … فاختار بعض الشوارع المزدحمة، وبعد فترة تأكَّد أن السيارة تتبعه فعلًا … وبدأَت أعصابه تتحفَّز لمغامرةٍ قادمة … وفَهِم أنهم في انتظار أن يصل إلى مكانٍ بعيد نسبيًّا لبدء المطاردة … وقرَّر أن يُعطيَهم الفرصة … فقد بدأ الصدام.
انطلَق في طريق المطار … وعندما زاد من سرعة السيارة، زادت السيارة «الفيراري» من سرعتها … ثم أدرك «أحمد» لماذا أحسَّ أن السيارة ليست على ما يُرام … فقد كانت الفرامل تضعُف تدريجيًّا … وبحكم خبرته، والدراسات التي تلقَّاها في المقر السري، فقد تأكَّد أن يدًا عبثَت بخرطوم «الباكم»، وهو الذي يُوصل الزيت إلى الفرامل … وأنهم لم يقطعوا الخرطوم تمامًا، ولكن اكتفوا بقطع جزءٍ صغير منه حتى لا يكتشفه إلَّا بعد فوات الأوان …
كانت السيارة تنطلق في طريق المطار المظلم الواسع بسرعة مائة وعشرة كيلومترات في الساعة … وكان متأكدًا أنه لو حاول إيقافها بالفرامل فإنها لن تقف … وأن أي عقبةٍ في طريقه سوف تؤدِّي به إلى الموت … وعليه أن يوقف السيارة تدريجيًّا.
كانوا رجالًا من طراز محترفي الإجرام، هكذا فكَّر «أحمد»؛ فهو الآن بين خيارَين لا ثالث لهما … إما أن يسرع فيموت في حادثةٍ مؤكَّدة … وإما أن يُوقف السيارة تدريجيًّا حتى يلحقوا به …
ورفع «أحمد» قدَمه من فوق بدَّال البنزين … وأخذَت السيارة تُهدِّئ من سرعتها تدريجيًّا … واقتربَت السيارة «الفيراري» بسرعة … كان من الأفضل لهم طبعًا أن يحصُلوا عليه حيًّا … لم يكن له أي سيطرة على السيارة بدون فرامل؛ لهذا تركها تتوقَّف تدريجيًّا … ثم انتقل من مقعد السائق إلى المقعد المجاور، وما كادت السيارة أن تقف حتى فتح الباب وقفز، وسار بجوار السيارة مُنحنيًا … وتوقَّفتِ «الفيراري» بجوار اﻟ «ألفا روميو» تمامًا … ودار «أحمد» خلف السيارة وقد أمسك بمسدَّسه الضخم، وأطلق رصاصتَين استقرَّت كلٌّ منهما في إطار السيارة «الفيراري».
عندما توقَّفتِ السيارة كان ثلاثة رجالٍ ينزلون منها، ثم ألقَوا بأنفسهم على الأرض، بينما انطلق «أحمد» يجري تحت أشجار الطريق … ثم توقَّف خلف شجرةٍ ضخمة، وأخذ يراقب الموقف … كان الثلاثة يتلفَّتون حولهم بحثًا عنه وقد شلَّتهم المفاجأة … فتسلَّل «أحمد» وعاد ينطلق مسرعًا مستترًا بالأشجار حتى تأكَّد أنهم لن يعثروا عليه فخرج إلى الطريق … وأخذ يُشير إلى السيارات المارَّة …
كانت السيارات قليلةً في هذه الساعة المتأخرة من الليل … وأخيرًا توقَّفتْ سيارةٌ فانحنى «أحمد» عندما فتح له الرجل الزجاج، وقال: إنني ذاهب إلى المطار.
قال الرجل: وأنا أيضًا!
فتح «أحمد» الباب ودخل محاذرًا، وهو يضع يده على مسدَّسه انتظارًا لأية مفاجأة … ولكن الرجل بدا مسالمًا وهو يسأل «أحمد».
الرجل: هل أنت مسافر؟
أحمد: لا يا سيدي … إنني في انتظار صديق!
الرجل: وكيف وصلتَ إلى هذا المكان في هذا الجو السيئ؟
أحمد: لقد تعطَّلتْ سيارتي في الطريق.
صمَت الرجل قليلًا ثم قال: سيارة «ألفا روميو» أم سيارة «فيراري»؟
أحسَّ «أحمد» ببعض التوتُّر، وبدلًا من أن يجيب سأل: ولماذا «ألفا روميو» و«فيراري»؟
الرجل: إن رجال الشرطة يُحيطون بسيارتَين من هذا الطراز!
اضطر «أحمد» إلى الكذب قائلًا: إن سيارتي «فيات» صغيرة … ولم أستطع إدارة المحرك بسبب البرد الشديد!
وضحك الرجل وقال: إن السيارات الصغيرة كالأطفال لا تحتمل البرد!
وصمَت الرجل لحظاتٍ ثم قال: هل تعرف لماذا توقَّفتُ لتركب؟
«أحمد»: مجرد أنك رجلٌ طيب!
الرجل: ليس هذا فقط، ولكن لأنك تُشْبه ابني الذي مات!
أَحسَّ «أحمد» بحزنٍ يعتصر قلبه، وقال: آسفٌ جدًّا يا سيدي أن أُذكِّرك بهذا!
الرجل: على العكس … إنني أشعُر بالسعادة لأنني رأيتُ ابني هذه الليلة … وأرجو إذا كنتَ ستبقى في «روما» فترةً أخرى أن تزورني … إن زوجتي سوف تَسعَد بأن تتناول الغَداء عندنا!
أحمد: شكرًا لك يا سيدي … ولكن كيف عرفتَ أنني لستُ إيطاليًّا؟
الرجل: إن شكلكَ قريبٌ من الإيطاليين ولكنكَ لستَ إيطاليًّا!
عاد الصمت يلُفُّ السيارة المنطلقة، واقتربا من المطار، وأخرج الرجل «كارت» … من جيبه أعطاه ﻟ «أحمد» قائلًا: لا تنسى أن تتصل بي!
أحمد: أَعِدُك بذلك يا سيدي … وشكرًا لكَ.
وصلَت السيارة إلى المطار، وافترقا بعد تحيةٍ حارة من «أحمد» للرجل.
كان قد بقي بعض الوقت على وصول الطائرة التي تُقل «عثمان»، فاتجه «أحمد» إلى الكافيتريا وطلب شايًا، وبعض الفطائر، وجلس يفكِّر في الليلة وما جرى فيها …
أعلنَت الاستعلامات من مُكبِّر الصوت عن وصول الطائرة القادمة من القاهرة، فتحرَّك «أحمد» ووقف عند باب الانتظار … وأخذ يُدقِّق النظر في القادمين … ووجد «عثمان» أول مَن خرج؛ فلم يكن يحمل حقائبَ ولهذا لم يتأخر.
تصافَح الزميلان، وقال «عثمان»: إن الكارت البلاستيك هو خبطة العمر بالنسبة لك!
أحمد: كيف؟
عثمان: إن هذا الكارت البسيط يحمل شفرةً خطيرةً عن العدوِّ الغامض سوف يقودنا إليه!
أحمد: هل هذا معقول؟
عثمان: إن قسم الشفرة في المقر السري استطاع أن يصل إلى سر الكارت البلاستيك، وستكون مفاجأةً لك أن تعلم أن العدوَّ الغامض هو سفينةُ تجسُّسٍ إلكترونية، تقف عند الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسِّط، وتستطيع من هناك أن ترصُد الإشارات الخارجية من المقر السري …
لم يَرُدَّ «أحمد» … كانت المعلومات فعلًا في غاية الأهمية.