اليوتوبية الأصلية والكولونيالية وما بعد الكولونيالية
كان يوجد صنفان من المستعمرات، وكلاهما هدفه خدمة مصالح البلد المُستَعمِر، لا مصالح المُستعمَرة. كان القصد الأساسي من أحدهما استغلال عمالة المستعمَرة وموادِّها الخام وثرواتها. أما الثاني، فكان الهدف منه الاستيطان؛ إما للتخلص من الزيادة السكانية، وإما كأماكن لإرسال غير المرغوب فيهم إليها. والمستعمرات مهمة بالنسبة لليوتوبية من حيث إنها مثَّلت أحلامًا يوتوبية، لكن أيضًا بسبب أنه — إجمالًا — كُتبت يوتوبيات أدبية، وأُنشئت مجتمعات مقصودة فيها أكثر من البلاد التي أنشأتها. وكان للمستعمرات تأثيرات على السكان الأصليين، واختلف تفسير تلك التأثيرات على مرِّ الزمن، وحسب القائم بالتفسير.
(١) مستعمرات المستوطنين
التفسير النموذجي لعملية الهجرة إلى مستعمرات المستوطنين هو أن الناس يخرجون من بلدهم الأم، بسبب الفقر والمرض وغيرهما من الظروف المحلية، ويستوطنون البلد الجديد تحدوهم الرغبة في الحصول على حياة أفضل، أو الأمل في القدرة على ممارسة معتقداتهم السياسية أو الدينية. عَرَض جيمس بالتش (المولود عام ١٩٥٦) في كتابه «إعادة إعمار الأرض» (٢٠٠٩) أن هذه الصورة شديدة البساطة. ولكن أيضًا في الحقيقة من بداية القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، كان الناس يَتركون بلادهم ويسافرون، في بعض الحالات لمسافات طويلة حول العالم، عاقدين الأمل على أن يتمكنوا من أن يعيشوا حياة أفضل مما أُتيح لهم في مسقط رأسهم. وجد البعض حياة أفضل في المكان الجديد، في حين لم يجدها البعض الآخر، فأقاموا في البلد الجديد في الظروف السابقة نفسها، أو في ظروف أسوأ منها، أو عادوا إلى بلدهم الأم، إلا أن الحلم بحياة أفضل، الذي قاد الكثيرين، كان يوتوبيًّا على نحو واضح، ومستعمرات المستوطنين كلها كانت وراءها أحلام يوتوبية. يمكن أن نجد مثالًا لذلك في الأغاني التي غناها المهاجرون، والتي وَصفت عادةً المكان الذي انتقلوا إليه بأوصاف يوتوبية. فعلى سبيل المثال، تُبيِّن الأغنية الأيرلندية «الولايات المتحدة الأمريكية العظيمة والحرة» الوصف اليوتوبي:
ووفرت أيضًا مستعمرات المستوطنين أو المهاجرين، رغم أن ذلك لم يكن جزءًا من القصد الأساسي، مساحةً لمختلف أنواع المنشقِّين، أغلبهم من الدينيين، لتجربة أفكارهم، غالبًا في مجتمعات مقصودة. كانت اليوتوبية محورية بالنسبة للهُوِيَّات الوطنية لنيوزيلندا والولايات المتحدة.
(٢) اليوتوبية الأصلية
لكن أحلام المستوطنين اصطدمت بتوقعات الأشخاص الذين كانوا يعيشون أصلًا في تلك البلاد، وأفرزت بوجه عام ديستوبيات حقيقية بالنسبة لهم. ضمت تلك الشعوب المستعمَرة ثقافات حضرية بالغة التطور لشعوب الآزتك والإنكا والمايا، إضافة إلى ثقافات غير حضرية؛ مثل السكان الأصليين لأستراليا، والماوري في نيوزيلندا، والشعوب الأولى والإنويت في كندا، والهنود الأمريكيين الأصليين في كندا والولايات المتحدة.
كان لهذه الشعوب كلها أساطير عن الخلق فسَّرت كيف نشأ العالم والكائنات التي تأهُلُه. وفي كثير من تلك الأساطير، كان الخلق الأول أفضل مما لحقه، وضمت الأساطير تفسيرًا لما وقع من إخفاق.
يعني أن نستكشف تاريخ القدماء أن نعيش على النحو المقدس، أن ننصب قامتنا، ونسير باعتدال، أن نحترم إخواننا وأخواتنا من الأمم المختلفة والأعراق المختلفة. يعني هذا أن ننفتح مثل الهواء، مثل السماء؛ كي نتعرف على الجبال والمياه والرياح، وأضواء السماء، والنباتات، والكائنات ذوات الأربع، وذوات الست، والزواحف، والطيور. يعني هذا أن نقتل على النحو المقدس، أن نعرف الحب والأسف والغضب والسعادة على النحو المقدس، وأن نموت على النحو المقدس.
في حين أن هذه رؤية للماضي مصطبغة بصبغة رومانسية، فمن الواضح أنها تعبير عن حلم يوتوبي.
ثمة تقاليد يوتوبية بين سكان أستراليا الأصليين والشعوب الأولى في كندا، وشعب الماوري في نيوزيلندا، والهنود الأمريكيين الأصليين في الولايات المتحدة. وأفرز الصراع المناهض للكولونيالية حركات ألفية تضم عناصر يوتوبية قوية، مثل حركة «رقصة الشبح» في الولايات المتحدة. ثمة العشرات من تلك الحركات في أمريكا الجنوبية، ولا يزال عدد منها يعيش بين جماعات الماوري في نيوزيلندا، مثل كنيسة راتانا. وقد أحيت بعض جماعات الماوري أشكالًا تقليدية من الكوميونية التي يظنون أنها توفِّر حياة أفضل لشعبهم من الحياة التي يمكن بلوغها عبر الاندماج في المجتمع الأكبر.
وهكذا، في مستعمرات المستوطنين في أمريكا الشمالية والجنوبية وأفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا، يمكننا أن نتتبع نمطًا شائعًا تُدمِّر فيه مستعمرةٌ يوتوبيةٌ ثقافاتٍ حيةً ومهمةً بأساطيرها وقصصها التي كانت تعبِّر عن أحلام يوتوبية، ويستمر فيه حلم المستوطنين بحياة أفضل، ثم تنتهي الكولونيالية وتبزغ أحلام جديدة لكلٍّ من ذرية المستوطنين وذرية السكان الأصليين، ويعاد استكشاف الثقافات التي جرى قمعها.
أحيانًا، اكتسبت الثقافات التي جرى تدميرها صبغة يوتوبية من قامعيها. حدث ذلك في مفهوم «الهمجي النبيل» الذي ظهر جليًّا أكثر من أي وقت آخر عقب الاحتكاك بالسكان المحليين في أمريكا الشمالية والجنوبية، على الرغم من أنه كانت له نماذج مماثلة في شعوب مثل السكوثيين التي وصفها الكُتاب الإغريق والرومان الكلاسيكيون. كان يُنظر إلى الهمجي النبيل على أنه أقرب إلى الطبيعة؛ ومن ثَمَّ على نحوٍ ما أنقى وأبسط وأفضل من الذين يُفترَض أنهم متحضرون. ورغم المبالغة الواضحة في التبسيط، يؤكد البعض على وجود حقيقة خفية في الصورة. وقد نقل روجر ويليامز (١٦٠٣–١٦٨٣)، أحد المنشقين الدينيين الأمريكيين، عن أحد الهنود قوله: «نحن لا نرتدي ملابس، ونعبد آلهة عدة، لكن خطايانا أقل. أنتم بربريون وثنيون متوحشون، أرضكم هي أرض الهمجية.»
لكن أغلب الأدب اليوتوبي الذي كتبه السكان الأصليون هو ديستوبيات تصف المعاملة التي تَلقَّوْها على يد المستوطنين في زمن الاستيطان وحتى الوقت الراهن. على سبيل المثال، تقارِن رواية «حدائق بين كثبان الرمال» (١٩٩٩)، للكاتبة ذات الأصول الهندية الأمريكية ليزلي مارمون سيلكو (المولودة عام ١٩٤٨)، بين يوتوبيا الحياة الهندية الأمريكية التقليدية والديستوبيا التي خلقتها سياسة الولايات المتحدة، وتصف قصيدة «المزرعة» (١٩٩٦)، للكاتب ذي الأصول الهندية الأمريكية شيرمان ألكسي (المولود عام ١٩٦٦)، الولايات المتحدة في المستقبل وهي تضم معسكرات اعتقال للهنود الأمريكيين.
(٣) الهجرة القسرية
أحيانًا لم تكن عملية الاستيطان طوعية. جُلب الأفارقة كعبيد إلى الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، وكان المدانون بجرائم يُنقلون إلى أستراليا وبعض المستعمرات الفرنسية، وكان الفرنسيون يَنقلون عددًا من العبيد إلى مستعمراتهم بالبحر الكاريبي أكثر مما كانوا يَنقلون إلى أمريكا الشمالية أو الجنوبية. مكث الكثير منهم في تلك المستعمرات، لكن وقع عدد من ثورات العبيد، وأنهت ثورة هاييتي التي وقعت فيما بين عامَي ١٧٩١ و١٨٠٤ العبوديةَ في ذلك البلد.
العبيد الذين كان يتم اصطحابهم إلى المكان الجديد نادرًا ما كانوا في وضع يسمح لهم بكتابة رُؤاهم عن حلمهم بحياة أفضل، لكن لا يعني ذلك أنه لم تكن لديهم مثل تلك الرؤى، وقد أنتجوا أغاني وقصصًا وصل إلينا بعضها، وأشهرها الأناشيد الدينية الزنجية التي كان يتغنى بها العبيد في جنوب الولايات المتحدة، التي عادة ما كانت تعرض صورًا للجنَّة التي سيفوزون بها بعد مآسي الحياة الدنيا، والأقل شهرة قصص «المكان الطيب العظيم» التي يرويها نفس هؤلاء الأشخاص؛ وهي قصصٌ تُناظِر مباشرةً قصة «أرض كوكين» التي ترجع للعصور الوسطى، أو حكايات الوفرة التي كانت تُروى أثناء فترة الكساد العظيم؛ فالطعام الذي يأتي دون كدٍّ، والتحرُّر من أي سلطة، والدعة؛ كانت موضوعات أساسية فيها.
كما أنه نتيجة للمجاعة، كانت هجرة الأيرلنديين خارج أيرلندا في الغالب قسرية، وكانت أيرلندا حالة خاصة لسببين؛ إذ إنه بالنسبة لكثير من الأيرلنديين، ظلت أيرلندا مستعمرة بسبب أيرلندا الشمالية، وعلى النقيض من أغلب المهاجرين، كانت المجاعة تعني أنه كان من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، العودة إن لم تَسِر الأمور على ما يرام بالأرض الجديدة؛ ومن ثمَّ كان الأيرلنديون من بعض النواحي لاجئين أكثر من كونهم مهاجرين، واستمر كثيرٌ منهم في التنقُّل من بلد إلى بلد حتى قبل استقرارهم في النهاية في مكانٍ ما أو وفاتهم.
(٤) إسرائيل/فلسطين
ثمة بلد نادرًا ما يُوصف بأنه مستعمرة مستوطنين، رغم أنه كذلك بوضوح؛ هو إسرائيل. تضم الأعمال اليوتوبية اليهودية المبكرة قصة جنة عدن في سفر التكوين، والأنبياء، ونصوص عديدة غير موجودة في العهد القديم المسيحي، بما فيها بعض الكتب والنصوص التي تعالِج فكرة نهاية العالم، وتصف مجيء المخلص المنتظر، والمجتمع الديني المنعزل في خربة قمران ومجتمع شبيه يُسمى ثيرابيوتاي في مصر. وفي القرن الثاني عشر، وَضع الكاتب اليهودي يهودا اللاوي كتابًا بعنوان «الخزري: الحجة والدليل في نصرة الدين الذليل»، الذي يُعتبر ضمن الأعمال الأولى، إضافة إلى كتابين إسلاميين من الفترة نفسها؛ وهما: «حي بن يقظان»، و«الرسالة الكاملية في السيرة النبوية»، التي تصف شخصًا يعيش وحيدًا على جزيرة منعزلة، وهي فكرة اشتهرت فيما بعدُ مع رواية دانيال ديفو «روبنسون كروزو».
يؤمن الكثير من اليهود أنهم لم يُقدِموا إلا على استيطان الأرض التي كانت ملكًا لهم في الماضي، والتي وهبهم الربُّ إياها. وهذا منعكس في ظهور اتجاه يوتوبي متنامٍ داخل إسرائيل من جانب اليمين الديني، الذي يبرر الاستحواذ على المنازل والأراضي التي يملكها فلسطينيون، ربما لأجيال. لكن بدأ الاستيطان اليهودي الجديد كجزء من سلسلة من المشروعات اليوتوبية على نحو واضح، مثل كتابات تيودور هيرتزل (١٨٦٠–١٩٠٤)، بما فيها «الدولة اليهودية» (١٨٩٦)، و«الأرض الجديدة القديمة» (١٩٠١)، وإنشاء أول كيبوتس في عام ١٩٢٠. كان لحركة الكيبوتسات أكبر تأثير على اليوتوبية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وكان لنجاحات وإخفاقات الحركة تأثير على المجتمعات المقصودة حول العالم.
في المقابل، تتخذ اليوتوبية الفلسطينية شكلين. بالنسبة للبعض، هي تمثل رغبة الفلسطينيين في الحصول على أرض لهم، أو استعادة الأرض التي يرون أنها كانت ملكًا لهم بعد أن كانت بحوزتهم لسنوات طوالٍ، وأحيانًا لمئات السنين. وبالنسبة للبعض الآخر، هي مجرد جزء من حركة الإسلام السياسي. وقد وردت إليَّ معلومات عن وجود بعض الرؤى اليوتوبية الفلسطينية منذ النصف الأول من القرن العشرين، لكن يبدو أنه لا توجد أيٌّ منها في أي كتاب صادر بأوروبا أو أمريكا الشمالية.
(٥) الاستقلال
اختارت بعض مستعمرات المستوطنين الاستقلال الكامل، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والمستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية والجنوبية، في حين اختار البعض الآخر الحفاظ على الروابط، التي تفككت تدريجيًّا، مع القوى الاستعمارية التي كانت خاضعة لها، مثل أستراليا وكندا ونيوزيلندا. لكن في تحوُّل مثير للانتباه، استخدمت حركات الاستقلال، أينما توجد، وحركات الاعتراف وإثبات الحقوق في مستعمرات المستوطنين لغة البلد المستعمِر والمستوطنين، إضافة إلى لغتهم اليوتوبية، ضدهم. وكان من المعتاد قول شيء من قبيل: «إن كنتَ تؤمن بما تقول إنك تؤمن به، فيجب ألا تستمر في معاملتنا المعاملة الحالية. إننا نطلب منك فحسب ما تقول إنه الصواب.» نتيجة لذلك، لعبت اليوتوبيات الأصلية والكولونيالية دورًا مهمًّا في حقبةِ ما بعد الكولونيالية.
(٥-١) الولايات المتحدة
إحدى المستعمرات الناجحة الأولى كانت مستعمرة لم تكن العوامل الاقتصادية على قمة أولويات مستعمريها. كانت تلك هي المستعمرة التي تأسست في بليموث في عام ١٦٢٠، والتي أصبحت فيما بعدُ ولاية ماساتشوستس. هناك كانت الاعتبارات الدينية هي التي تأتي في المقام الأول؛ فقد أراد المستعمرون أن يتمكنوا من ممارسة أسلوب الحياة الذي اعتقدوا أن دينهم يفرضه. فعلى سبيل المثال، قال جون وينثروب (١٥٨٨–١٦٤٩)، أول حاكم لمستعمرة خليج ماساتشوستس، إن البيوريتانيين سافروا إلى أمريكا لبناء «مدينة موضوعة على جبل»، ليطبقوا ما جاء بإنجيل متى. وفي حين كان وينثروب يحذِّر أتباعه من أن «عيون الجميع تتوجه إلينا»، وكان يقصد بقوله أنْ يحذرهم من الفشل، يُفسَّر قوله الآن باعتباره إعلانًا عن اليوتوبية الأمريكية المبكرة.
لم تمتد حرية ممارسة معتقداتهم الدينية إلى السماح للآخرين بممارسة معتقداتهم الدينية. كان أعضاء جمعية الأصدقاء الدينية، أو الكويكرز، الذين استقروا في بنسلفانيا، أول مستعمرين استوطنوا لأسباب دينية، ومارسوا الحرية الدينية فيما أصبح لاحقًا الولايات المتحدة. وكانت المستعمرة الثالثة التي تأسست في الأساس لأسباب دينية هي ماريلاند، التي استوطنها الكاثوليك الرومان.
انطوت مستعمرتا ساوث كارولاينا وجورجيا على خطط يوتوبية محددة، رغم أنه لم يتم تنفيذها؛ ففي ساوث كارولاينا، وضع اللورد أشلي، أوَّل إيرل لشافتسبري (١٦٢١–١٦٨٣)، بالتعاون من الفيلسوف والمنظر السياسي جون لوك (١٦٣٢–١٧٠٤) ما أطلقا عليه «الدساتير الأساسية»، التي اقترحت تكوين طبقة أرستقراطية شبه إقطاعية وطبقة نبلاء أمريكية جديدة. وفي جورجيا، وضع السير الاسكتلندي روبرت مونتجومري (١٦٨٠ تقريبًا–١٧٣١) خطة لإقامة يوتوبيا تُعرف باسم «أزيليا»، وحاول المبشر الألماني كريستيان برايبر (١٦٩٧–١٧٤٤) إنشاء مجتمعات يوتوبية بين الهنود. وفيما بعدُ، كان المقصود من التأسيس الفعلي لمستعمرة جورجيا على يد الجنرال البريطاني جيمس أوجلثورب (١٦٨٦–١٧٨٥) أن تكون للفقراء المحتاجين والمدينين، إضافة إلى توفير ربح لملَّاك الأراضي.
كان الهدف من المستعمرات الأمريكية المبكرة الأخرى في الأساس هو تحقيق ربح لأصحاب امتيازات تمليك الأراضي، لكن بث الأمل في حياةٍ أفضل في المستوطنين كان جانبًا من طريقة هؤلاء في محاولة الربح. وكما هو الحال مع معظم هذا النوع من المستعمرات، كانت الحياة الأفضل تعني العمل الشاق جدًّا لسنوات عديدة من أجل التجميع التدريجي للأموال من قبل المستوطنين، والذي سيسمح لهم بِشراء أرض أو تأسيس متجر أو تجارة.
تعاقد الكثير من المهاجرين الأوائل إلى الولايات المتحدة على العمل لعدد معين من السنوات لدى أصحاب الأعمال مقابل السماح لهم بالمرور إلى أمريكا. وفي حين بَذَلَ بعض أصحاب العمل كل ما في وسعهم كي يتأكدوا من أن عمل هؤلاء لديهم لن ينتهي، هرب بعض هؤلاء المهاجرين من أصحاب الأعمال (دائمًا ما كانت الأرض التي بدت خالية في الغرب مكانًا مغريًا للهرب بالنسبة لهم). في معظم الأحيان، كان النظام يعمل كما كان المستهدف منه بالنسبة للغالبية. وبعد أن كان العمال يعملون سنوات العمل المطلوبة منهم، كانوا يعملون لحسابهم حتى يتمكنوا من شراء أرض أو يؤسسوا — على نحو مستقل — متجرًا أو تجارة. بطبيعة الحال، فشل البعض، لكن كانت هناك فرص حقيقية لتحسين المستوى، وكانت هناك ممارسات شبيهة في الكثير من المستعمرات؛ لأن تكلفة المرور فاقت بكثير موارد الأشخاص الأشد حاجة للرحيل.
بالتأكيد كان البعض أفضل حالًا؛ ومن ثَمَّ تمكنوا من الاستقرار على نحو أيسر. على سبيل المثال، استقر جيه هيكتور سان جون دي كريفكور (١٧٣٥–١٨١٣) فيما أصبح — فيما بعدُ — الولايات المتحدة في عام ١٧٥٩، واتخذ اسم جون هيكتور سان جون عندما أصبح مواطنًا، وتزوج واشترى مزرعة، وبدأ في الزراعة والكتابة عن تجربته. وفي عام ١٧٨٢، نشر «خطابات من مُزارع أمريكي» (إضافة إلى طبعات مزيدة منها في عامَي ١٧٨٤ و١٧٨٧)، وفيها وصف أمريكا لجمهور أوروبي مستخدمًا مصطلحات شبه يوتوبية. كانت خطابات كريفكور أقل إيجابية في الطبعات اللاحقة، إلا أن هذا الوصف اليوتوبي من قِبل المستوطنين أصبح شيئًا معتادًا، وساعد في جذب المهاجرين إلى أغلب مستعمرات المستوطنين. وفي بعض الحالات، نشر وكلاء الأراضي أوصافًا خيالية وخطابات خيالية في بلادهم لجذب المهاجرين.
اضطلعت عادةً اليوتوبيات المبكرة في مستعمرات المستوطنين بمسائل عملية، مثل توزيع الأرض وبنية الحكم. وفي نهاية الحقبة الكولونيالية، ومع انفصال المستعمرات الأمريكية عن بريطانيا وتحولها إلى ما يعرف بالولايات المتحدة الأمريكية، تم وضع ثلاث وثائق، اثنتان منها ألهمت قيام يوتوبيات في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. أكدت الأولى، والمتمثلة في «إعلان الاستقلال»، على الحرية والمساواة وبررت الثورة. أما الوثيقة الثانية، والمتمثلة في «مواد الكونفدرالية»، فينساها الكثيرون، ويَعدُّها الكثيرون — بوجه عام — فاشلة؛ لأنها لم تنص إلا على حكومة مركزية ضعيفة، وتركت أغلب السلطة للولايات، إلا أنه بموجبها انتصرت الولايات المتحدة الأمريكية على الثورة، وأسست علاقات دبلوماسية، ووسعت من أرضها. والوثيقة الثالثة، والمتمثلة في الدستور الأمريكي، المعروف عادة بأنه أول دستور مكتوب — مع تجاهل مواد الكونفدرالية — كانت نموذجًا لكثير من الدساتير الأخرى. وبعد التصديق على الدستور، أُدخلت عشرة تعديلات، معروفة ﺑ «وثيقة الحقوق»، وأضحت تلك التعديلات وثيقة يوتوبية محورية في الولايات المتحدة الأمريكية. وفكرة توضيح بنية الحكم وحقوق وواجبات كلٍّ من المواطنين والحكومات ألهمت الكثير من الدساتير ووثائق الحقوق اليوتوبية، إضافة إلى الكثير منها التي جرى تفعيلها.
(٥-٢) كندا وأستراليا ونيوزيلندا
في كندا، كانت العلاقة بين الإنجليز والفرنسيين ذات أهمية خاصة في اليوتوبيات الكندية المبكرة، واستمرت مسألةً جوهرية في كندا الفرنسية. فعلى سبيل المثال، تحمل يوتوبيا كندية مبكرة مكتوبة بالإنجليزية، وهي «الإقطاعي الشاب، أو صنع أمة» لويلفريد شاتوكلير (١٨٨٨) اسمًا مستعارًا نِصفه إنجليزي، ونِصفه الآخر فرنسي، وتتناول على نحو مباشر العلاقات الإنجليزية الفرنسية. وركزت أول يوتوبيا كندية فرنسية «رحلتي إلى القمر»، التي حملت الاسم المستعار نابليون أوبين (١٨٣٩)، على الاستقلال عن كندا الإنجليزية.
في أستراليا، كان هناك موضوع سائد يتعلق بكيفية التعامُل مع الجزء الأوسط من البلد الكبير الخالي، والظروف الطبيعية القاسية — بوجه عام — السائدة فيه، والذي يواجه — على نحو منتظم — الحرائقَ والجفافَ من ناحية، والفيضاناتِ من ناحية أخرى، وهي مشكلات ما زالت موجودة حتى الآن؛ أدى هذا ربما إلى ظهور أول ديستوبيا تتحدث عن الاحترار العالمي، وكانت بعنوان «الغبي وميراثه» (١٩١١)، كتبها جيمس إدموند (١٨٥٩–١٩٣٣) الذي ترأَّس لفترة طويلة تحرير المجلة الأسترالية «ذا بوليتين».
تناولَت غالبًا يوتوبياتُ نيوزيلندا، مثل عمل ألكسندر جويس (١٨٤٠ / ١٨٤١–١٩٢٧) «الأرض! حوار في ١٩٣٣» (١٨٨١)، إعادةَ توزيع الأرض وغيرها من سبل تحقيق قدر أكبر من المساواة. وفي الوقت نفسه، صوَّر كثير من يوتوبيات نيوزيلندا المبكرة نيوزيلندا ذاتها باعتبارها يوتوبيا. على سبيل المثال، تصوِّر القصائد اليوتوبية المبكرة مثل قصيدتَيْ «نهر أفون» (١٨٥٤) لهنري جاكوبس (١٨٢٤–١٩٠١)، و«لا يوجد مثيل حتى الآن لأوتاجو» (١٨٦١) لجون بار من كريجيلي (١٨٠٩–١٨٨٩)، جزأين من نيوزيلندا: كانتربري وأوتاجو على الترتيب، على أن كلًّا منهما يوتوبيا جاهزة، واستمر هذا النهج لوقت طويل حتى أواخر القرن العشرين.
(٥-٣) أمريكا اللاتينية والجنوبية
كان الأدب السياسي في أمريكا اللاتينية والجنوبية مهتمًّا في الأصل بالاستقلال، ولم يظهر الأدب اليوتوبي على وجه الخصوص نسبيًّا على نحو سريع، رغم وجود بعض الاستثناءات. وعندما ظهر الأدب اليوتوبي، كان منشغلًا بالقضايا نفسها التي انشغلت بها مستعمرات المستوطنين الأخرى، وكانت التفاوتات في الثروة والفقر هي الأشيع. وبمرور الوقت، تغيرت القضايا مبدئيًّا قليلًا، لكن زاد تعقُّد اليوتوبيات مع زيادة عددها. وفي أواخر القرن العشرين، بدأت الشعوب الأصلية هي الأخرى تكتب يوتوبيات، وقد كتبوا غالبًا ديستوبيات تصوِّر على نحو روائي المعاملة التي يَلْقونها على يد المستوطنين.
إبان حقبة الكولونيالية، كانت العلاقة بين المستعمرين والسكان الأصليين تتسم بالعنف في الغالب، لكن كانت هناك محاولات — أحيانًا ما استندت مباشرة إلى كتاب «يوتوبيا» لمور — لتكوين علاقات أفضل. وفي حين أن هذه المحاولات تبدو من منظور القرن الحادي والعشرين أقل إيجابية مما تبدو في أعين أصحابها، فقد كانت نماذج لاتجاه يوتوبي أبوي كان له أوجُه شَبَه مع رؤية مور، رغم وجود اختلافات فيما يتعلق بالمؤسسات المتضمنة.
كتب بارتولومي دي لاس كاساس (١٤٨٤–١٥٦٦)، وهو دومينيكي إسباني، «في حق الجزر الهندية» (١٥١٦)، الذي ربما تأثَّر به مور. كما حاول تأسيس مجتمع في فنزويلا كان سيضم مزارعين إسبانيين يُعلِّمون أساليب الزراعة الحديثة للسكان الأصليين، الذين كانوا سيُدفع لهم أجر عادل بدلًا من أن يتم استعبادهم، وهو الأمر الذي كان سائدًا حينها. كانت الخطة تنصير الهنود وجعلهم متحضرين، وفي الوقت نفسه تحسين العلاقات بين المستعمِرين والمستعمَرين.
في عامَي ١٥٥٢ و١٥٥٣، أسس فاسكو دي كيروجا (١٤٧٠–١٥٦٥)، وهو علماني إسباني تم ترسيمه باعتباره أول أسقف لميتشواكان بالمكسيك، مستشفياتٍ هنديةً أو بلدات كوميونية في سانتا في دي مكسيكو، بالقرب من مكسيكو سيتي وسانتا في دي لا لاجونا خارج ميتشواكان. وقام كلا المُجْتَمعين مباشرة على تفسيره ليوتوبيا مور، وكان القصد منهما تحسين حياة الهنود وتنصيرهم في الوقت ذاته. استمر كلا المجتمعين، لا سيما المجتمع الموجود خارج ميتشواكان، لبعض الوقت، وحققا نجاحًا من حيث البُعدين الاقتصادي والديني.
وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، أسس اليسوعيون «بلدات تبشيرية» أو مجتمعات مصممة لتنصير شعوب المنطقة وحكمهم وتعليمهم. وتأسست هذه البلدات في الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وباراجواي، واتخذت صورة مجتمعات حتى طُرد اليسوعيون خارج تلك المناطق.
(٥-٤) جنوب أفريقيا
تأخرت جنوب أفريقيا في إنتاج أدب يوتوبي، وعندما أنتجته كان منشغلًا في المقام الأول بقضايا التمييز العنصري، وكان قسم كبير منه يبرر الفصل العنصري ويدافع عنه. ومن الأمثلة على هذا الأدب عمل جيمس مارشال ومارجريت سكوت مارشال «١٩٦٠ (نظرة إلى الماضي)» (١٩١٢) المكتوب بالإنجليزية، و«الأرض الموعودة» (١٩٧٢) لكاريل شومان باللغة الأفريقانية.
لكن أفرز آخرون صورة أكثر تعقيدًا، وكَتبت نادين جورديمر (المولودة عام ١٩٢٣ والحاصلة على جائزة نوبل في الآداب لعام ١٩٩١) عددًا من الروايات حول ما أطلقتْ عليه «الفجوة» بين هيمنة البيض والتغيير القادم، والتي كانت أحداثها تدور غالبًا في المستقبل القريب. وتصوِّر رواياتها، مثل «شعب يوليو» (١٩٨١) و«رياضة الطبيعة» (١٩٨٧)، نطاقَ العلاقاتِ العرقية بأكمله في جنوب أفريقيا، وأحيانًا ما تبسطه إلى أجزاء أخرى من أفريقيا، ولكن تؤكد على أن التغيير آتٍ لا محالة، وأنه، رغم أن اتجاه التغيير كان إشكاليًّا، يمكن تحسين الديستوبيا الحالية.
وعندما حدث التغيير، كانت أول قضية يتم تناولها هي ضرورة وضع دستور جديد، ويعتقد الكثير من الجنوب أفريقيين أن الدستور يوتوبي بحق، رغم أن تفعيله لم يكن كذلك. وفي الواقع، يراه كثيرون ديستوبيًّا. واليوم، كثير من الجنوب أفريقيين، سواء السود أو البيض أو الملونون، غير راضين بشدة عن إيقاع و/أو اتجاه التغيير، ونُشر عدد من الأعمال الجنوب أفريقية في حقبةِ ما بعد الفصل العنصري اهتمت بالمستقبل، أغلبها — كما هو الحال في سائر العالم — ديستوبية، وبعضها يصور مستقبلًا انتكست فيه جنوب أفريقيا وعادت إلى نظام الفصل العنصري، مثل «جنوب أفريقيا ١٩٩٤–٢٠٠٤» (١٩٩١)، التي نُشرت تحت الاسم المستعار توم بارنارد، و«جاكوب» (١٩٩٣)، لإدوارد لوري، و«قناع الحرية» (١٩٩٤)، لبيتر فيلهيلم (المولود عام ١٩٤٣).
(٦) يوتوبية ما بعد الكولونيالية
رغم استمرار عدد قليل جدًّا من المستعمرات على الطراز القديم، فلا تزال الهجرة قائمة في ظل بحث الناس عن حياة أفضل. وإطلاق أحفاد المهاجرين الأوائل على مهاجري اليوم «المهاجرين الاقتصاديين» استخفافًا بهم يتجاهل حقيقة أنه دائمًا ما كان للهجرة بُعد اقتصادي، رغم أنه في حالات معينة كان لعوامل أخرى أهمية مكافئة أو أكبر.
وتختلف بعض الشيء يوتوبيةُ ما بعد الكولونيالية في مستعمرات المستوطنين عن يوتوبيةِ ما بعد الكولونيالية في المستعمرات التي صُممت في الأساس لاستغلال مواردها البشرية والمادية. ورغم أن ذرية السكان الأصليين كانت تَستخدم يوتوبيات المستوطنين لتبرير التغيير؛ فإنه في بعض البلدان كانت ذرية المستوطنين تشرع في استيعاب أساطير السكان الأصليين، بما فيها أساطيرهم اليوتوبية، ودمجها في يوتوبياتهم الجديدة. وفي المستعمرات الاستغلالية، استُخدم نفس الإرث السياسي للقوى الكولونيالية لتبرير الاستقلال، إلا أن اليوتوبيات التي كُتبت، التي سنناقشها في الفصل القادم، انشغلت على نحو مباشر بقضايا محلية، لا سيما الإشكاليات التي صاحبت الاستقلال.
(٧) التجارب اليوتوبية
أصبحت مستعمرات المستوطنين أماكن للتجريب اليوتوبي؛ فمنذ عام ١٦٥٩، أنشئت مجتمعات مقصودة داخل المستعمرات الأمريكية. وبينما أنشئ أول مجتمع على هذا الغرار في ديلاوير على يد الهولندي بيتر بلوكوي (١٦٢٩ تقريبًا–١٧٠٠ تقريبًا)، وكانت فيه حرية دينية، فإن أغلب المجتمعات الأولى أسسها ألمان، مثل مجتمع إفرتا في بنسلفانيا، وكانت دينية دون وجود حرية دينية داخلها.
وعَد دستور ١٩١٧ في المكسيك باستعادة نظام زراعة الأرض الجماعية (الإيخيدو)، الذي يرى المكسيكيون أنه يعود لشعوب الآزتك. وفي هذا النظام، تملك الحكومة الأرض، لكن يتم الانتفاع بها على نحو مشترك، وبموجب الإصلاحات التي أُدخلت في ثلاثينيات القرن العشرين، كان للفلاحين حق الانتفاع ما دام أنها يتم الانتفاع بها فعليًّا، ويمكنهم توريث هذا الحق إلى أطفالهم. أُلغي هذا الحق في تسعينيات القرن العشرين، لكن لا تزال بعض المناطق التي تتم زراعتها باستخدام هذا النظام موجودة حتى الآن.
لم يكن هناك الكثير من المجتمعات المقصودة في أمريكا الجنوبية، لكنها كانت موجودة أو لا تزال موجودة اليوم في البرازيل وتشيلي وكولومبيا والإكوادور وباراجواي. كان «كولونيا ديجنيداد» مجتمعًا ديستوبيًّا في تشيلي تأسس عام ١٩٦١، وقد سُجن قائده بتهمة الاعتداء الجنسي على الأطفال. وهناك ما يشير إلى سماحه للنظام العسكري الحاكم في تشيلي تحت قيادة الجنرال أوجستو بينوشيه (١٩١٥–٢٠٠٦) باستخدام منشآت المجتمع لتعذيب خصوم النظام.
أما باراجواي، فقد جذبت عددًا من المجتمعات من بلدان أخرى لتستوطن بها؛ ففي نهاية القرن التاسع عشر، تأسست منطقة نويفا جرمانيا بهدف خلق مجتمع آري نقي، ولا تزال ذرية سكانها الأصليين تقطن المنطقة. وفي الوقت ذاته، أسس ويليام لين (١٨٦١–١٩١٧)، القيادي العمالي الأسترالي، وأتباعه منطقتَي نيو أستراليا وكوزمي. وعلى رغم أن المُجْتَمَعينِ لم يستمرَّا لفترة طويلة، وعودة لين وكثيرين غيره إلى أستراليا، فلا يزال من ذرية الأستراليين من يعيشون بالمنطقتين. وفي عشرينيات القرن العشرين، استقر المينوناتيون من أوروبا وأمريكا الشمالية في باراجواي وأسسوا مجتمعات لا تزال موجودة حتى الآن.
أصبحت أستراليا مركزًا لحركة المدينة الحدائقية، التي نشأت مع العمل اليوتوبي الإنجليزي «الغد: طريق سلمي لإصلاح حقيقي» (١٨٩٨)، المشهور باسم «مدن الغد الحدائقية» (١٩٠٢)، لصاحبها إبنزر هاوارد (١٨٥٠–١٩٢٨). وتأسست المدن الحدائقية في كثير من البلدان، مثل مدينة ليتشورث الحدائقية ومدينة ويلين الحدائقية في إنجلترا، ورادبيرن في نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن يبدو أن أستراليا ضمت مجتمعات من هذا النوع أكثر من أي بلد آخر، وأن نصيب الفرد بها من المجتمعات المقصودة أكبر من أي بلد آخر غير إسرائيل، كما تملك نيوزيلندا عددًا كبيرًا من المجتمعات المقصودة.
تتخذ المجتمعات المقصودة أشكالًا متنوعة، بما فيها المجتمعات الدينية المنعزلة على نحو صارم، مثل جلوريافيل في نيوزيلندا، والمجتمعات العلمانية المفتوحة للأعضاء الجدد والزيارات من الغرباء، مثل توين أوكس في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تتفاوت من حيث الحجم؛ ففيها ما دون الاثني عشر عضوًا حتى مئات الأعضاء. ثمة مجتمعات أنشئت منذ مئات السنين، وثمة مجتمعات ظلت في المكان نفسه قرابة المائة عام، وثمة مجتمعات يافعة، وهناك مجتمعات مقترحة كثيرة تنتظر إنشاءها.