الملحق ج

استعراض موجز لأبحاث الصوتيات الحيوية والبيئية
يدرس علماء الصوتيات الحيوية الأصوات التي تصدرها الكائنات الحية. ويدرس علماء الصوتيات البيئية (يشار إليهم أحيانًا باسم علماء البيئة الصوتية) المشاهد الصوتية؛ أي جملة الأصوات الناتجة في مساحة طبيعية معينة. بدأ كلا التخصصين قبل ظهور تقنيات التسجيل الرقمي والذكاء الاصطناعي، لكن استخدامهما لهذه التقنيات سرَّع تطورهما ووسع نطاقهما. تمنحنا هذه التقنيات رؤى ونظريات استثنائية عن عوالم الكائنات غير البشرية، من خلال تسجيلها للأصوات غير البشرية وتحليلها وترجمتها. تقسِّم أجهزة الصوتيات الحيوية الذكية مهمة الإدراك الحسي والمعالجة التحليلية للصوت بين البشر وأجهزة الكمبيوتر. وهكذا بات الإصغاء إلى الطبيعة الذي يمارس منذ القدم معززًا بالحوسبة؛ فقد تحول من ممارسة بيولوجية إلى ممارسة بيولوجية رقمية.1 ويشير المؤرخ ميكي فالي إلى أن هذه «البنية التحتية» العالمية الجديدة «لنطاق المسموعية» تحث العلماء على إعادة تصور علاقتنا بالأرض وسكانها بطرق جديدة جوهريًّا.2
استُخدِمَت تقنيات الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية على آلاف الأنواع والمشاهد الطبيعية، ووظِّفَت لتحقيق أغراض عديدة، منها على سبيل المثال، لا الحصر، التمييز التصنيفي بين الأنواع، والرصد والمراقبة على مستوى الجماعات لا الأفراد، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، ودراسات التواصل والتعلم الصوتي.3
في السنوات الأخيرة، تسارعت وتيرة دراسات الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية بفضل استخدام أجهزة الرصد الصوتي السلبي (PAM). تتمتع هذه الأجهزة بكفاءة استثنائية لأربعة أسباب. أولًا، تتلقى هذه الأجهزة الإشارات بكفاءة من جميع الاتجاهات (بمعنى أنها تلتقط عينات من مجال كروي ثلاثي الأبعاد)؛ مما يجعلها تلتقط بيانات أكثر من زوايا أكثر، وهو ما يفيد للغاية في الأماكن التي يصعب الوصول إليها، أو الغابات الكثيفة، أو التضاريس الوعرة.4 ثانيًا، تأخذ أجهزة الرصد الصوتي السلبي عيِّنات من مساحة أكبر بكثير من معظم الكاميرات (لا سيما تحت الماء)، وتعمل ليلًا ونهارًا (مما يتيح دراسة أكثر منهجية لأنماط السلوك والحركة الليلية).5 ثالثًا، تمكن أجهزة الرصد الصوتي السلبي العلماء من مراقبة الأنواع النشطة صوتيًّا دون إزعاجها، لا سيما في البيئات البكر. لهذا يرجح أن تعكس الدراسات القائمة على الرصد الصوتي السلبي السلوك الحقيقي للأنواع، وتكتشف الأنواع ذات النشاط الصوتي النادر أو المحدود، وتتجنب تحيُّزات طرق الرصد البصرية البشري التقليدية في أخذ العينات؛ إذ غالبًا ما تركز على المواقع التي يسهل الوصول إليها وفي فترة النهار.6 وفيما يتعلق ببعض المهام، مثل تقييم وجود ووفرة الأنواع، تُعد هذه المسجِّلات الرقمية أكثر دقة وشمولية من طرق الرصد البصري. رابعًا، تعد أجهزة الرصد الصوتي السلبي رخيصة نسبيًّا وسهلة الاستخدام، ولهذا يستخدمها كثير من العلماء ممن لا يعتبرون أنفسهم علماء صوتيات.
ترى مؤرختا العلم ألكسندرا سابر وكارين بيجسترفيلد أن الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية تدمج طرق الاستماع التركيبية والتحليلية والتفاعلية.7 فتقول كارين بيجسترفيلد إنه بينما تعتبر الصوتيات الحيوية في جوهرها شكلًا تحليليًّا من الاستماع، فإن الصوتيات البيئية في جوهرها مثال للاستماع التركيبي. ويعد استخدام الصوت في الدراسات القائمة على التعريض للأصوات المسجلة أو من خلال روبوتات المحاكاة الحيوية مثالًا للاستماع التفاعلي.

في السنوات الأخيرة، شهدت المشاهد الطبيعية والأنواع التي تطبق عليها تقنيات الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية اتساعًا في نطاقها وعددها. وفي أثناء إجراء البحث التجهيزي لهذا الكتاب، راجعت آلاف المقالات العلمية التي شملت أكثر من ألف نوع. وما ذلك إلا غيض من فيض من المؤلفات الأكاديمية الآخذة في التزايد السريع عن الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية (إضافة إلى دراسات الصوت). المجموعة الكبيرة من الأنواع المدرجة فيما يلي ليست شاملة، بل مجرد عينة توضيحية لتنوع الأبحاث التي تجرى في الوقت الحالي. وقد قصدت ألا أضمِّن في هذه الجداول النتائج المعروفة عن الطيور والحشرات التي دُرِست على نطاق واسع تجنبًا للتكرار. بدلًا من ذلك، سلطت فيها الضوء على الأنواع التي كان يُعتقد في السابق أنها صامتة أو الأنواع التي تصدر أصواتًا خارج نطاق السمع البشري؛ وقد ركزت على هذه الحالات أملًا في أن أصحح ذلك التصور الخاطئ الشائع عن أن الأنواع التي يسهل على البشر سماعها هي فقط التي تصدر أصواتًا. إجمالًا، توضح هذه الأمثلة كيف تساهم تقنيات الصوتيات الحيوية الرقمية في زيادة فهمنا لقوة الصوت على امتداد شجرة الحياة.

لماذا يسجل العلماء أصوات العالم؟ بعض علماء البيئة الصوتية يكرسون جهدهم لتسجيل تنوع أصوات الكائنات غير البشرية قبل أن يقضي عليها الانقراض الجماعي. بينما يسعى آخرون إلى اكتشاف جوانب جديدة من سلوك الحيوانات أو تواصلها. يستعرض الجدول رقم ١ بعض الأهداف الشائعة لأبحاث الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية المكرسة لدراسة الأنواع غير البشرية. ويقدم الجدول رقم ٢ بعض الأمثلة على تقنيات الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية المستخدمة للتواصل مع الأنواع الأخرى مصنفة إلى أربع فئات: الرادعات الصوتية، والإثراء الصوتي، وروبوتات المحاكاة الحيوية، والتواصل بين الأنواع.
الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية مجالان مستقلان عن علم الاهتزازات الحيوية، لكنهما يرتبطان به، وهو العلم الذي يدرس إنتاج وانتشار واستقبال الاهتزازات المرتبطة بالموجات الميكانيكية التي يصدرها الكائن الحي وتنتقل عبر ركيزة، سواء بقصد أو دون قصد. كان عالِم الحشرات السويدي فريج أوسيانيلسن من أوائل العلماء الذين طرحوا في الأربعينيات من القرن الماضي فرضية أن الاهتزازات التي تنتقل عبر ركيزة (في مقابل حركة جزيئات الهواء) تستخدم لنقل المعلومات بين الكائنات الحية. وخلال العقدين الماضيين أصبح مصطلح علم الاهتزازات الحيوية معترفًا به، وقدم إسهامات كبيرة في فهم عملية إنتاج الإشارات وانتقال المعلومات بين الكائنات الحية.8 يمكن أن تنتقل الاهتزازات عبر ركائز صلبة، مثل الأرض أو غصن شجرة أو ورقة أو ساق نبات أو عشب أو حتى عبر التربة.9
تتمتع أنواع عديدة، من الجنادب حتى الأفيال، بالقدرة على الإحساس بالاهتزازات التي تنتقل عبر ركيزة.10 ويبدو أن التواصل الاهتزازي سمة موجودة في الطبيعة بأكملها؛ نظام قديم لا يزال هو قناة التواصل الأساسية بين كثير من الكائنات الحية.11 على سبيل المثال، استخدمت عالمة الأحياء كارين واركنتين طريقة التعريض للاهتزازات في دراساتها على ضفادع الشجر لإثبات أن أجنة ضفدع الشجر قادرة على التمييز بين الاهتزازات الناتجة عن هجمات ثعابين تقترب منها وتلك الناتجة عن الأمطار؛ فالنوع الأول يسرع قرارها بالفقس، بينما يدفعها النوع الثاني إلى البقاء دافئة داخل بيضها.12 تنتقل هذه الاهتزازات الدقيقة إلى الأجنة عبر الأشجار نفسها في صورة ارتعاشة طفيفة في غصين أو ورقة قد لا يلحظها أغلب البشر. وينظر العلماء الآن إلى الكائنات الحية بنظرة جديدة ويكتشفون جوانب للتواصل الاهتزازي كانت غائبة عنهم. على سبيل المثال، أظهرت دراسات حديثة لرقصة التزاوج المعروفة في ذباب الفاكهة (كائن نموذجي يشيع استخدامه في الدراسات) أن الاهتزازات التي تنتقل عبر ركيزة — وليس فقط الصوت الذي ينتقل عبر الهواء — تلعب دورًا مهمًّا في جذب الإناث.13
تؤكد عالمة الأحياء بيجي هيل أن هذه الإشارات الاهتزازية هي في الواقع أقدم أشكال التواصل، بل أقدم حتى من الموجات الصوتية. فتقول: «قد يحتاج البشر المعاصرون إلى تغيير في نظرتهم للكون كي يدركوا أمرًا ليس جديدًا على الإطلاق بالنسبة إلى معظم الحيوانات على وجه الأرض.»14 وتذهب بيجي إلى أن بعض طرق التواصل التي كان يفترض أنها صوتية هي في الواقع اهتزازية. إن علم الاهتزازات الحيوية خارج نطاق هذا الكتاب، لكن يجدر بنا متابعة التطورات المستقبلية في هذا المجال. تقول هيل: «أصغِ وستكتشف شيئًا بديعًا!»15
جدول ١: استخدام الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية لدراسة الأنواع الأخرى (أمثلة مختارة)
الفئة النشاط مثال
علم التصنيف - التمييز بين الأنواع المتطابقة شكلًا لكنها مختلفة (الشقيقة) - يتيح تمييز الأصوات التي تصدرها ضفادع الشجر التعرف على أنواع جديدة.*
- تحديث الفئات التصنيفية - قد يعاد تصنيف أنواع سمك البيرانا استنادًا إلى تسجيلات صوتية.
- اكتشاف أنواع جديدة - اكتشاف جماعة من الحيتان الزرقاء لم يعرفها العلم من قبل عن طريق دراسة في الصوتيات البيئية.
الرصد البيئي - رصد جماعات الأنواع باستخدام مؤشرات الصوتيات الحيوية - قد يكون الجمع بين التسجيلات الصوتية ومؤشرات الصوتيات الحيوية وسيلة مفيدة لرصد التغيرات التي تطرأ على مجتمعات الطيور المغردة نتيجة تغير المناخ وغيره من مصادر الاختلال البشرية المنشأ.§
- مراقبة سلامة نظام بيئي - تحديد الحالة الصحية لمجتمع متنوع من الشعاب المرجانية من خلال تقنيات الصوتيات البيئية.||
رصد الأنواع فرادى - الطاوس - تستخدم الطواويس التواصل تحت السمعي عند التزاوج.
- العصفور الدوري - تغيير عصافير الدوري لنداءاتها استجابة للتغيرات في مستويات الضوضاء الحضرية.#
- ضفدع الشجر - استجابة ضفادع الشجر للإشارات الزلزالية الناتجة عن هطول المطر والثعابين.**
حماية الأنواع المهددة بالانقراض - استخدام المسوح الإحصائية الرقمية (الآلية) للحياة البرية بدلًا من المسوح البشرية (اليدوية) - تفوق مسجلات الصوتيات الحيوية الآلية على البشر في رصد طيور السبد.††
- استخدام تقنيات الصوتيات الحيوية لرصد وجود أنواع مهددة بالانقراض واتخاذ إجراءات وقائية - استخدام برامج الرصد القائمة على الصوتيات الحيوية على سواحل المحيط الأطلنطي والمحيط الهادئ لأمريكا الشمالية في تحديد مواقع الحيتان؛ ثم استخدام هذه البيانات في توجيه السفن بإبطاء سرعتها والمصائد بإيقاف نشاطها.‡‡
دراسة التواصل والتعلم الصوتيين - تستخدم الصوتيات الحيوية لرصد الحالات السلوكية التي تستدعي اتخاذ إجراءات حماية (على سبيل المثال، استخدام النداءات التحذيرية لأنواع الفرائس باعتبارها مؤشرًا على وجود المفترسين بوفرة) - في صحراء كالاهاري بجنوب أفريقيا، قُدِّرَ التدهور في أعداد النسر الأبيض الظهر (جيبس أفريكانوس) على مدى سبعة عشر عامًا من معدل النداءات التحذيرية لحيوان السرقاط.§§
Hutter and Guayasamin (2015).
†  Raick et al. (2020).
‡  Cerchio et al. (2020).
§  Buxton et al. (2016).
||  Dimoff et al. (2021).
¶  Freeman (2012); Freeman and Hare (2015).
Derryberry et al. (2020); Halfwerk (2020).
**  Warkentin (2005).
††  Zwart et al. (2014).
‡‡  Durette-Morin et al. (2019); Visalli et al. (2020).
§§  Thorley and Clutton-Brock (2017).
جدول ٢: تقنيات الصوتيات الحيوية والصوتيات البيئية المستخدمة للتواصل مع الأنواع الأخرى (أمثلة مختارة)
الغرض النوع مثال
الرادعات الصوتية: إصدار النداءات التحذيرية - السلاحف المائية - إشارات صوتية منخفضة التردد تقلل العلوق العَرضي للسلاحف البحرية في الشباك الخيشومية.*
- الدلافين - أجهزة تنبيه للدلافين تثبت بشباك الصيد للحد من علوق الدلافين بها.
- الذئاب - «صندوق عواء» يصدر أصوات عواء ذئاب لردعها عن مهاجمة الماشية عند اقترابها.
- الأفيال - سياج صوتي من خلايا النحل يردع الأفيال في أفريقيا عن اجتياح حقول المزارعين.§
- الراكون - تسجيلات لأصوات نباح كلاب لإبعاد حيوانات الراكون عن مناطق المد والجزر.||
- الخفافيش - ترددات فوق سمعية تبعد الخفافيش عن مزارع الرياح.
الإثراء الصوتي: استخدام الصوت لترميم الأنظمة البيئية أو تحفيز الحيوانات - المرجان - تعريض الشعاب المرجانية المتدهورة لأصوات شعاب سليمة مسجَّلة يحفز جماعات الأسماك والقشريات على إعادة إعمارها.#
- الأفيال - أجهزة لمسية تسمح للأفيال بالاختيار بين أنواع مختلفة من الأصوات المسجلة (على سبيل المثال، أصوات الحيتان في مقابل أصوات الأفيال) لإثراء خبرات الحيوانات التي تعيش في الأسر.**
- طيور أبو منجل - تشغيل تسجيلات لأصوات طيور برية تتزاوج يرفع معدل نجاح التكاثر بنسبة هائلة في حديقة حيوان برونكس.††
- قردة السعدان - تصنع سعادين ساكي البيضاء الوجه قوائمها الموسيقية الخاصة.‡‡
روبوتات المحاكاة الحيوية التفاعلية: دراسة سلوك الحيوانات - السناجب - روبوتات حيوية محاكية للسناجب تستخدم الإشارات الصوتية وتحت الحمراء لتحذير السناجب البرية من الأخطار وإبعاد الأفاعي المجلجلة المفترسة.§§
- ضفادع السهام السامة - روبوتات حيوية محاكية للضفادع تستخدم إشارات صوتية ومرئية (نبضات الكيس الصوتي) لتحفيز سلوكيات الدفاع عن منطقة النفوذ في الضفادع الحية.||||
التواصل بين الأنواع - النحل - «هايفوبوليس» هو نظام رقمي لإدارة مستعمرات نحل العسل يمكِّن البشر والنحل والخلايا من التفاعل والتعاون الاجتماعي عبر شبكة من المستشعرات والنحل الروبوتي.
- النباتات - مشروع «فلورانس» هو خوارزمية معالجة للغة الطبيعية تستنتج دلالات الكلمات البشرية وتترجمها إلى ضوء يسلط على نبتة. تترجم المشاعر الإيجابية إلى ضوء أحمر، والمشاعر السلبية إلى ضوء أزرق. وكلاهما يولد استجابة كهروكيميائية تلتقطها المستشعرات. كما أن النبتة معززة بمستشعرات تقيس الرطوبة ودرجة الحرارة. وتحلل البيانات التي تجمعها المستشعرات بواسطة خوارزمية وتحولها إلى نصوص مبرمجة مسبقًا تستخدمها النبتة لإرسال رسائل نصية إلى البشري القائم على رعايتها.¶¶
Piniak (2012); Piniak et al. (2018); Tyson et al. (2017).
†  Clay et al. (2019); Gazo et al. (2008).
‡  Ausband et al. (2014).
§  King et al. (2017).
||  Suraci et al. (2016).
¶  W. B. Romano et al. (2019).
Gordon et al. (2019).
**  French et al. (2020).
††  Clark et al. (2012).
‡‡  Piitulainen and Hirskyj-Douglas (2020).
§§  Partan et al. (2009, 2010); Rundus et al. (2007).
||||  Narins et al. (2005).
¶¶  Steiner et al. (2017).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤