الفصل الرابع
صوت السلحفاة المائية
عندما أعلنت كاميلا فيرارا عن الموضوع المقترح لبحث
رسالتها لنيل الدكتوراه، ضحك أساتذتها. فقد أرادت دراسة
أصوات سلاحف الأمازون. قال مشرفها: «أنت مجنونة! لن
تنالي درجة الدكتوراه». وقال لها أستاذ آخر: «لقد درست
السلاحف على مدى عشرين عامًا، ولم أسمعها تصدر أي أصوات
قط.»
1 غير أنها لم تتراجع. كانت طالبة دراسات
عليا زميلة تدعى جاكلين جايلز قد زارت الجامعة التي
تدرس فيها كاميلا في البرازيل مؤخرًا لتقديم بحثها حول
الأصوات التي تصدرها سلاحف المياه العذبة في أستراليا.
وكُلِّفَت كاميلا بأن تكون مرشدة لجاكلين، وسافرتا عبر
نهر ترومبتاس، وهو رافد معزول من روافد نهر الأمازون
يقع في منطقة تخلو من أي طرق رئيسية؛ وهناك، سجَّلت
جاكلين أصوات النهر، التي كان من ضمنها أصوات السلاحف
النهرية المهددة بالانقراض. كان مشرفو كاميلا رافضين
بصفة عامة للنتائج التي توصلت إليها جاكلين، ولكنها
أبهرت كاميلا. ورأت أنه إذا كانت السلاحف الأسترالية
تصدر أصواتًا، فلماذا تكون قريباتها الأمازونية صامتة؟
تمسكت كاميلا بعناد بالموضوع الذي اختارته لرسالتها،
لكن طريقها إلى نيل الدكتوراه لم يكن مفروشًا
بالورود.
لم تواجه كاميلا تشكُّكًا من مشرفيها فقط، وإنما من
المجتمع العلمي الأوسع أيضًا. فقد اقترحت موضوع رسالتها
في وقت كان الاعتقاد السائد فيه لدى علماء الزواحف
والبرمائيات (وهو المسمى المتعارف عليه لعلماء الأحياء
الذين يدرسون السلاحف) والمستقر لديهم منذ زمن طويل أن
السلاحف لا تُصدر أصواتًا.
2 تصف كريستينا دافي، وهي عالمة كندية متخصصة
في السلاحف، لحظة مرت بها في بداية مسيرتها المهنية،
عندما التقطت سلحفاة مائية فصرَّت في يديها. صاحت قائلة
في دهشة: «إنها تصدر صوتًا!»
3 لكن على الفور، نفى زميل لها أعلى خبرة
وسنًّا كان يقف بجوارها إمكانية ذلك واعتبره فرضية
واهية. ذُهِلَت كريستينا؛ فقد كانت «واثقة» من أن
السلحفاة أصدرت صوتًا. لكنها حين أثارت الأمر مرة أخرى،
حثها زملاؤها بأدب على أن تتجاهله.
كما تشير كريستينا دافي، تشترك السلاحف المائية في
السلف مع الطيور والتماسيح التي يعرف عنها أنها تصدر
أصواتًا.
4 فلماذا إذن افترض العلماء أن السلاحف لا
تصدر صوتًا؟ أكدت كبرى المراجع عن السلاحف المائية أنها
بكماء، وعلى الأرجح صماء.
5 ورغم وجود تقارير نادرة تفيد بأن السلاحف
البرية تصدر أصواتًا في بعض الأحيان، افترض الباحثون أن
السلاحف المائية، إذا كانت تصدر أصواتًا، فإنها لا تفعل
ذلك إلا في حالة الهلع، أو أثناء التزاوج، أو الموت.
وذهب بعضهم إلى أن التركيب التشريحي للسلاحف المائية
يعوقها عن إصدار الأصوات، ويحد من قدرتها على سماعها.
ونظرًا لصغر حجم رأس السلاحف المائية، كان يُعتقد أن
قدرتها على الإحساس باختلافات الزمن بين الأذنين —
الفارق الزمني بين وصول الصوت لكل من الأذنين — منخفضة.
وكان يُفترض أن التجويف الصغير المعزول صوتيًّا لأذنها
الوسطى يحد من نطاق سمعها، فلا يسمح لها باستجابة أكثر
من التحرك في الاتجاه العام لمصدر الصوت أو
عكسه.
6 لكن تبين أن العلماء هم من كانوا يعانون
صعوبات في السمع.
في الوقت الذي بدأت فيه كاميلا فيرارا جدالها مع
مشرفيها، كانت جاكلين جايلز تناقش رسالة الدكتوراه
الخاصة بها عن أصوات سلحفاة النهر الثعبانية العنق
الأسترالية (كيلودينا كولياي).
7 قررت جاكلين أن تركز بحثها على أصوات
السلاحف المائية بعد واقعة مفاجئة. خلال أبحاثها لنيل
مرتبة الشرف، أجرت دراسة على تأثيرات الطرق على السلاحف
المائية تعتمد على منهجية «الوسم وإعادة الأسر». جرت
الدراسة في منطقة أراضٍ رطبة نُصبت فيها مصائد للسلاحف،
كي يتمكن الباحثون من تتبع مواقعها. تطلَّب وسم نحو
سبعمائة سلحفاة شملتها دراستها التنقلَ بقارب تجديف عبر
الأراضي الرطبة للوصول إلى كل مصيدة من المصائد التي
وضعتها. عند بلوغها مصيدة، كانت جاكلين تتوقف وترفعها
بعناية إلى قاربها وتخرج منها السلاحف واحدة تلو
الأخرى. كانت تترك قاربها ينجرف مع التيار بينما تزن كل
سلحفاة وتقيس أبعادها وتَسِمُها. بعد ذلك كانت تضع كل
سلحفاة بعناية في قاع القارب، وفي كل مرة تجمع عدة
سلاحف في آنٍ واحد إلى أن تعود أدراجها بالقارب عبر
المسار نفسه، وتطلق سراح السلاحف برفق حيث أسَرَتها.
وحسب الأعداد التي تقع في كل مصيدة، قد تقضي السلاحف
وقتًا طويلًا بعض الشيء في قاع القارب.
تحكي جاكلين متذكرة أنه ذات يوم «كانت ثمة سلحفاة من
الواضح أنها ارتعبت للغاية حين أمسكت بها ثم وضعتها على
أرضية القارب. فزأرت كالديناصور! لم أصدق أذني. لم يكن
صوتها كالنعير الهادر لديناصور الترايسيراتوبس، بل كان
زئيرًا خافتًا يليق بسلحفاة.» ذُهِلَت جاكلين بشدة: «لم
أكن أعرف أن السلاحف المائية قادرة على إصدار أصوات. يا
لجهلي!» بعد ذلك استحوذ عليها شعور بالانبهار: «كان
كصوت قادم من ملايين السنين.» يُعتقَد أن سلاحف المياه
العذبة الأسترالية لها أصول جندوانية؛ ومن ثَم لا بد أن
السلاحف التي قطنت المستنقعات في العصر الطباشيري كان
لها صوت مماثل.
8
لما عادت جاكلين إلى الحرم الجامعي، أدهشها أن عرفت
أنه لم تُجرَ أي دراسات منهجية على أصوات السلاحف.
وخلافًا لنصيحة مشرفها، قررت تكريس جهدها لدراسة أصوات
السلاحف. تقول جاكلين بإجلال: «بنيت رسالتي للدكتوراه
برمتها على سلحفاة صغيرة زأرت وهي تقبع في قاع قاربي.»
عندما صرَّحت للمشرف على رسالتها بأنها تريد دراسة
نداءات السلاحف تحت الماء، أخبرها أنها «تهدر وقتها»
وأنها «على الأرجح لن تسمع سوى بضع همهمات».
9
وبدون بروتوكولات محددة تسترشد بها، أمضت جاكلين
شهورًا في التجهيز لعملها الميداني وتصميم بحثها. لم
يكن أحد في قسمها يعرف كيفية معايرة الهيدروفونات
لتناسب متطلباتها، لكنها وجدت في النهاية باحثًا في
البحرية الأسترالية مستعد لتعليمها كيفية معايرتها. وكي
تجر معداتها إلى الأراضي المستنقعية الموحلة التي تعيش
فيها السلاحف، جربت أولًا استخدام عربة لجر البضائع،
لكنها سرعان ما علقت في الوحل. بعدها ربطت تلك العربة
بما وصفته بفخر بأنه «مركبة هجومية مناسبة لجميع
التضاريس»، مزودة بعجلات عربة نقل يدوية ودعامات معدنية
ملحومة للمساعدة في حمل جميع معداتها الميدانية. وهكذا،
استطاعت جاكلين أن تجر مسجلات الهيدروفون المجمعة
بطريقة ارتجالية فوق الرمال والأعشاب الطويلة ومسارات
النمل والوحل.
ولم يكن ذلك إلا التحدي الأول؛ فالعمل الشاق الحقيقي
بدأ في الميدان بالسير والجلوس أسابيع متصلة على حواف
المستنقعات الأسترالية التي تنضح بالحشرات، ومحاولة
الإصغاء إلى أصوات يعتقد أغلب العلماء أنها لا وجود
لها. استغرق إثبات جاكلين خطأ الاعتقاد العلمي السائد
٢٣٠ يومًا قضتها في الميدان وجمعت خلالها خمسمائة ساعة
من التسجيلات. تقول جاكلين في معرض استرجاعها لما حدث:
«كنت أرتدي لوازم الخوض في المستنقعات، وأجر المعدات
لمسافة خمسة أميال في درجة حرارة تبلغ ١٠٠ درجة
فهرنهايت، وأجلس منتظرة الفجر والظهر والغسق ومنتصف
الليل كي أسجِّل؛ كاد ذلك يقضي عليَّ.»
10 لكن ما سمعته جاكلين عبر الميكروفونات التي
أنزلتها تحت الماء كان يستحق ذلك العناء. فقد تبيَّن أن
السلاحف تصدر أصواتًا، بل تصدر أصواتًا كثيرة ليلَ
نهار. فبجانب النداءات التي تصدرها وهي فوق سطح الماء،
تستعمل السلاحف نظام تواصل تحت الماء يعتمد على مخزون
من الأصوات المعقدة. سجَّلت جاكلين صرصرة وطقطقة وقوقأة
ونعيقًا وزقزقة قصيرة وطويلة، ونداءاتٍ مرتفعة، وصيحاتٍ
أو عواء، وأنينًا وهمهمة، ونغماتٍ متقطعة، وعواءً
محمومًا، وقرع طبول، وأغنيات تزاوج نابضة. نُشِرَت
نتائج دراستها في دورية «جورنال أوف أكوستكال سوسايتي
أوف أمريكا» عام ٢٠٠٩، وكانت أول دراسة علمية توثق
أصوات السلاحف تحت الماء في البرية.
11 وأخبرها مشرف رسالتها، رغم تشكُّكه في
البداية، أنها أحد أكثر أطروحات الدكتوراه التي أشرف
عليها تشويقًا.
ربما كان للعلماء عذرهم في إغفالهم لأصوات السلاحف،
التي تُعَد من بين أدق الأصوات في مملكة الحيوانات.
فالسلاحف كائنات هادئة لا تتكلم بصوت مرتفع. كانت
السلاحف التي درستها جاكلين تصدر أصواتًا في نطاق مسموع
للبشر (أغلبها يقع في النطاق بين ١ و٣ كيلوهرتز، وتقع
أصوات الطقطقة في الطرف العلوي لذلك النطاق)، لكن
نداءاتها ليست مرتفعة إلى حد كبير، ويمكن أن يطغى عليها
كثير من الأصوات الأخرى. كما لا تعد السلاحف خبيرة
صوتيات، ولا تصدر نداءاتٍ كثيرة؛ إذ يتخلل أصواتها
وقفات طويلة، وقد تنتظر دقائق، وأحيانًا ساعات قبل أن
تجيب النداءات.
12 كانت جاكلين في بعض الأحيان تنتظر ساعات
حتى تسمع نداءً من سلحفاة واحدة. وفي كثير من جلسات
التسجيل التي قامت بها، لم تلتقط إلا صوتين أو ثلاثة.
إذا كانت الحيتان هي مطربي الأوبرا لكوكبنا، والطيور هي
الأوركسترا، فالسلاحف المائية هي آلة الماريمبا الخافتة
أو بيانو الإبهام الصغير؛ فأصواتها منخفضة التردد
وخافتة وذات مدًى زمني قصير نسبيًّا، لا يمكن أن
تلتقطها إلا أذن واعية لمستمع يجلس ساكنًا.
كان بحث جاكلين جايلز الدقيق أول دراسة علمية منهجية
لأصوات السلاحف. وقد مهد الطريق أمام كاميلا فيرارا
لصياغة فرضية جريئة؛ وهي أن سلاحف الأمازون تصدر
أصواتًا، وتستخدمها لتبادل المعلومات وتنسيق السلوك
الاجتماعي. كان الشطر الثاني من تلك العبارة أبعد
احتمالًا في رأي المشككين من شطرها الأول. لكن كاميلا
كانت تأمل أن يحل بحثها أحد أعظم ألغاز السلوك الحيواني
في الأمازون حال ثبوت صحة فرضيتها.
تخرج سلاحف النهر الأمازونية العملاقة (أو سلحفاة
النهر المتوسعة)، أو «تارتاروجا» بالبرتغالية، كل عام
إلى الضفاف الرملية للغابة الشاسعة.
13 وبعد سفر لمسافة تبلغ مئات الأميال منفردة،
تتجمع في جماعات على ضفاف محددة، وتضع بيضها، ثم تتفرق
في النهر اللامتناهي. كيف تعرف هذه السلاحف موعد
التجمع؟ كيف يعثر بعضها على بعض في غابة الأمازون
الشاسعة، وتتلاقى في اللحظة الزمنية نفسها؟ هل يحتمل
أنها تستخدم التواصل الصوتي لتنسيق سلوكها؟ كانت هذه هي
الألغاز التي أملت كاميلا أن تحلها.
كان الاعتقاد السائد منذ الحقبة الاستعمارية أن
السلاحف بكماء. حين وصل البرتغاليون إلى أمريكا
الجنوبية، كانت مياه نهر الأمازون تكتظ بالسلاحف إلى حد
أنها شكلت خطرًا على الملاحة. وأثناء موسم التعشيش في
الخريف، كانت الإناث تخرج من المياه بالملايين. ذُهِل
الرحالة الأوروبيون من مشهد السلاحف وهي مصطفة على مرمى
البصر على الضفاف الرملية للنهر العظيم
وروافده.
14 أُرسل عالم الفلك الإيطالي جيوفاني أنجلو
برونيلي إلى البرازيل للمساعدة في ترسيم الحدود
الاستعمارية، ولكنه ألف كتابًا عن الأمازون بدلًا من
ذلك؛ وفي كتابه «عن نهر الأمازون»، وصف إعجابه بالضفاف
النهرية اللامتناهية التي تتجمع عليها السلاحف، وذكر أن
أصدافها «تغطي مساحات شاسعة من الأرض مما يجعلها تبدو
داكنة لفراسخ عديدة.» كانت السلاحف، على حد تعبير عالم
الطبيعة الشهير هنري والتر بيتس، أكثر وفرة من
البعوض.
15 غير أن السلاحف لم تلفت نظر الاستعماريين
بقدر ما فعلت الفراشات الأمازونية النادرة أو الطيور
الملونة، كما أن وجودها بأعداد وفيرة جعلهم لا يعيرونها
القدر اللازم من الاهتمام. في كتاب بيتس الأكثر مبيعًا
«عالِم طبيعة على نهر الأمازون» (١٨٦٤)، الذي أشاد به
داروين واصفًا إياه بأنه «أفضل كتاب عن رحلات تاريخ
الطبيعة نُشر على الإطلاق في إنجلترا»،
16 يظهر تباين صارخ بين وصفه الدقيق للحشرات
ووصفه الباهت للسلاحف. وربما يكون تقييمه لمذاقها هو
التعليق الأبرز لبيتس عنها؛ إذ يقول:
لحمها طري ومستساغ وصحي للغاية، لكنه متخم
للغاية؛ فكل من يأكله ينتابه عاجلًا أو آجلًا
شعور بالامتلاء الشديد. لقد أصبحت أشعر
بالغثيان من لحم السلاحف بعد عامين من
الاستمرار في تناوله، إلى حد أنني لم أعد أطيق
رائحته، رغم أنه لم يكن ثمة طعام سواه
آنذاك.
17
كانت نظرة بيتس نموذجًا لفكر المستعمرين؛ فالسلاحف
كانت تعني لهم اللحم والمال. كان الوافدون الأوروبيون
الجدد جوعى؛ فالمستوطنون والجنود كانوا بحاجة إلى طعام
يعينهم على توسيع إمبراطوريتهم. لكن الماشية المستوردة
لم تستطع التعايش، وحتى النباتات المستجلبة التي تتحمل
الظروف القاسية، مثل الملفوف والكرنب الأجعد، نالت منها
فطريات غامضة. فكانوا يحتاجون إلى مصدر محلي للغذاء غني
بالمغذيات، وكان سوء حظ نوع معين من السلاحف أن كان
المصدر المثالي للغذاء. كانت سلاحف «التارتاروجا»
موجودة بأعداد وافرة، فضلًا عن حجمها الضخم؛ فقد يصل
وزن السلحفاة البالغة من ذلك النوع إلى أكثر من ٢٠٠
رطل، ويبلغ طول صدفتها أكثر من ثلاثة أقدام وعرضها
قدمين.
18 كما كانت فريسة سهلة. فما كان على الصيادين
سوى أن يجدفوا بقواربهم إلى الضفاف التي تعشش عليها
الإناث وقلبها على ظهورها؛ إذ تعجز السلاحف عن الاعتدال
ما إن تنقلب على ظهورها. بعدها يحمل الصيادون السلاحف
حية على القوارب المنتَظِرة. كان بإمكان رجل واحد أن
يجمع مائة سلحفاة في يوم واحد دون عناء، وكان هذا عددًا
كافيًا لإطعام ألف جندي.
19
بعد أن ينتهي الصياد من تكديس السلاحف في قاربه، كان
يجد بانتظاره غنيمة أخرى؛ وهي بيض السلاحف الذي يعد
مصدرًا للدهون. كان الزبد يفسد أثناء الرحلة من أوروبا،
وبدون الزيت النباتي أو شمع النحل أو الزبد، لم يكن لدى
المستعمرين ما يقلون به طعامهم أو يضيئون به
مصابيحهم.
20 كان دهن السلاحف بديلًا ممتازًا، وكان
يُشحَن إلى ماناوس وريو وحتى أوروبا. كان زبد بيض
السلاحف (مانتيجا دوس أوفوس)، على حد قول أحد
المستعمرين، «طوق النجاة على هذه الأرض.»
21
حين يعود الصيادون إلى القرى الاستيطانية، كانت إناث
السلاحف الأسيرة توضع في حظائر كبيرة، مما يؤمن مخزونًا
وفيرًا من اللحم للمستعمرين، الذين غالبًا ما كانوا
يتناولون لحم السلاحف مرتين في اليوم. لاحظ الفيلسوف
الطبيعاني ألكسندر فيريرا أن السلاحف، التي أطلق عليها
السكان المحليون اسم «اللحم اليومي»، كانت تحظى بتقدير
خاص خلال موسم الأمطار، حين تغمر مياه الفيضانات الغابة
فيصعب الحصول على الأسماك والطرائد (أطلق بيتس على تلك
الفترة «موسم القحط»).
22 كان المبشرون أيضًا يقدرونه؛ فقد صنَّف
الرهبان اليسوعيون لحم السلاحف بأنه من الأسماك، مما
سمح للكاثوليك بالاستمرار في التلذذ ﺑ «ماشية النهر»
أثناء الصوم الكبير. وكانت أصداف السلاحف تُستخدَم
أوعية للطهي والأكل والغسيل، كما كانت تُقطَّع لصنع
أدوات المائدة أو الأمشاط. وكان جلد رقبتها يُجفف
وتُصنع منه الأكياس أو الأجربة، أو يُشَد لتُصنَع منه
الطبول والدفوف.
23 وورد أن الكهنة كانوا يستخدمون الأصداف
أجران معمودية. بل إن الأصداف الفائضة عن الحاجة كانت
تُستخدم حجارة يخطو الناس عليها في الشوارع الموحلة
الزلقة أثناء موسم الأمطار. كانت حياة المستعمرين
البرازيليين لا تخلو أبدًا من السلاحف وكل ما هو مشتق
منها، مثلما تفيض مجتمعاتنا المعاصرة اليوم
بالبلاستيك.
مع وصول الأوروبيين، حل الاستغلال التجاري واسع
النطاق محل الاكتفاء الذاتي المحلي.
24 كانت الشعوب الأصلية تستخدم السلاحف مصدرًا
للبروتين منذ زمن طويل، وتضعها في حظائر خشبية لتوفير
اللحوم الطازجة للمستعمرات الكبيرة على امتداد النهر،
إلا أنها أيضًا كانت تطبق منظومة من القواعد والمحظورات
حال دون الإفراط في صيدها.
25 قيدت مجتمعات الشعوب الأصلية بصرامة صيد
سلاحف التارتاروجا؛ فكان أفراد شعب الباوماري يسبحون
تحت الماء ويصيدون السلاحف بأيديهم. لكن الاستعمار جاء
ضاربًا السلاحف بموجة من الدمار.
26 فقد استولى التاج البرتغالي على مواقع
الصيد الأعلى وفرة، وفرض ضرائب على إنتاج زبد السلاحف
في جميع أنحاء المستعمرة المتوسعة.
27 لم تُسجَّل أي إحصاءات منهجيَّة لأعداد
السلاحف النافقة، لكن تشير تقديرات موثوق فيها إلى أنه
في الفترة بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين جُمِع
مائتا مليون بيضة، وأُزهِقَت عشرات الملايين من
السلاحف. وقد تكون الأعداد الفعلية أعلى
بكثير.
28
حين بدأ المستعمرون يتوافدون على الغابة، لم يعبأ
علماء الطبيعة كثيرًا بالسلاحف الآخذة في الاختفاء
بمعدلات سريعة؛ إذ كان جل اهتمامهم منصبًّا على التنوع
الكبير للطيور والحشرات. فأمضى بيتس، على سبيل المثال،
أحد عشر عامًا في ملاحقة فراشات الأمازون. كان مفتونًا
بالنمط التكراري للبقع في أنواع مختلفة من الفراشات،
الذي أدرك أنه نوع من التقليد. ولا يزال مصطلح «التقليد
البيتسي» يُستخدم لوصف شكل من أشكال التقليد الذي
يستخدمه أحد الأنواع (عادة ما يكون غير ضار) لمحاكاة
الإشارات التحذيرية لنوع آخر ضار تطارده الحيوانات
المفترسة نفسها. والمفارقة أن بيتس اكتشف شكلًا مهمًّا
من الإشارات لدى الحيوانات، لكنه أغفل تمامًا شكلًا
آخر؛ وهو أصوات السلاحف.
السلاحف في الحكايات
بحلول القرن العشرين، كانت سلاحف النهر المتوسعة
الأمازونية العملاقة تنتشر بأعداد قليلة في أرجاء
نهر الأمازون. كان اختفاؤها جديرًا بالملاحظة؛
نظرًا لأن ظهور السلاحف على الأرض تزامن تقريبًا مع
ظهور الديناصورات. فهي أحد أقدم الأنواع على هذا
الكوكب، وتظهر في الأساطير وقصص الخلق بوصفها
رموزًا للصبر والحكمة والخصوبة والحظ
السعيد.
29 يعتبر شعب الإيجبو في غرب أفريقيا
السلاحف كائنات ماكرة ذكية؛ فهي قادرة على إيجاد
مخرج حتى من أحلك المواقف وأخطرها. وكان الإغريق
يعدُّون السلحفاة رمزًا للخصوبة؛ ففي العديد من
المنحوتات التي تصور أفروديت تجدها تسند قدمها على
سلحفاة. وفي مصر القديمة، كانت السلاحف رموزًا
للحماية من الشر. وبعض أقدم نماذج الكتابة الصينية
محفوظة على أصداف السلاحف، التي تستدعي أشكالها في
الذهن الأرض المسطحة والسماء المقببة في علم الكون
الصيني القديم. وبالنسبة إلى شعب الأنيشينابه، فإن
منشأ الأرض — التي يعتقدون أنها محمولة على ظهر
سلحفاة — يمثل العلاقة الاجتماعية والروحانية بين
شعب الأنيشينابه والأرض. وفي الأمازون، صنع شعب
التاباخو مصابيح من الطين على شكل سلاحف. وتحدَّث
شعب تومباسا عن روح أنثى سلحفاة عملاقة تحمي بني
نوعها، وتحرس الأمهات أثناء الولادة لضمان ألا
يعطِّل أحد ولادتهن.
30 في مقابل كل ذلك، رأى المستعمرون
الأوروبيون السلاحف مجرد مصدر للحم؛ وافترض علماء
الطبيعة الاستعماريون أن السلاحف صماء وبكماء. جاء
الاستعمار فاختزل العلاقة بين البشر والسلاحف في
معادلة بسيطة ووحشية، طرفاها مفترس متطفل وفريسة
مهددة بالانقراض.
بين التضاريس الخطيرة في أعماق الغابة
والمستوطنات البشرية السريعة التوسع، حوصرت سلاحف
التارتاروجا، فتناقصت أعدادها بسرعة. في محمية نهر
ترومبيتاس البيولوجية، التي كانت تُئْوي في السابق
أحد أكبر جماعات السلاحف من نوع سلاحف النهر
المتوسعة في البرازيل، لم يتبقَّ الآن سوى أقل من
ستمائة أنثى. وعلى مستوى جميع أنواع سلاحف المياه
العذبة، لم يتبقَّ إلا نحو ثلاثين ألف سلحفاة على
شواطئ الأمازون المحمية؛ ولم تَعُد سلاحف
التارتاروجا موجودة في المنطقة العليا من نهر
الأمازون.
31 ذكر المؤرخ والجغرافي نايجل سميث أن
سلاحف النهر المتوسعة عاشت مع البشر لآلاف السنين،
«لكن ثلاثمائة عام من الضغط الشديد الذي تعرضت له
من قبل الحضارة [الاستعمارية] كانت كفيلة بدفعها
إلى شفا الانقراض.»
32
مع تناقص أعدادها، بدأت السلاحف تبحث عن شواطئ
أعمق في الغابة. لكن هذه المواقع كانت أخطر. تتجمع
الإناث المعششات في مجموعات كبيرة (أريباداس)
محتمية بكثرة العدد من الحيوانات المفترسة على
اليابسة، مثل النمور الرقطاء. توفر الضفاف الرملية
العريضة (تابوليروس) للأنهار حماية أكبر؛ أما
الشواطئ الأضيق التي توجد في أعماق الغابة فهي أقل
أمانًا. قبل أن تضع الإناث بيضها، تحتاج أولًا إلى
تسريع عملية التمثيل الغذائي لديها؛ لذلك تتشمس
يوميًّا لتدفئة أجسادها، مما يسمح للمغذيات — مثل
الكالسيوم والماغنسيوم — بالتدفق عبر قناة البيض
إلى قشور البيض المتكونة. وعندما يحين أوان وضع
البيض، تخرج الإناث إلى الشاطئ ليلًا لتجنب حرارة
النهار والحيوانات المفترسة النهارية. تعمل كل أم
بأقصى جهدها لعدة ساعات، فتحفر حفرة عميقة تستقر
فيها وتضع نحو مائة بيضة (تضع السلاحف الأكبر حجمًا
ضعف ذلك العدد). أثناء ذلك الوقت الطويل الذي تقضيه
الأمهات خارج الماء، تكون فريسة سهلة. إذا حالفها
الحظ، فإنها تنجو بسلام؛ وإذا جانبها الحظ، يجدها
نمر أرقط ليلي.
وضعت تلك الظروف عقبة أمام مشروع كاميلا فيرارا
تمثلت في إيجاد عدد كافٍ من السلاحف لدراستها. لكن
قبل ذلك، تحداها مشرفوها أن تثبت أن السلاحف تصدر
أصواتًا من الأساس. فظلت أربعة شهور تُسجِّل بالقرب
من سلاحف أسيرة قبل أن تلتقط أول صوت تصدره. لكنه
كان إثباتًا كافيًا. توجَّهت كاميلا إلى النهر على
أمل أن تكون السلاحف في البرية أكثر طلاقة. على
الأقل، ساعدتها تسجيلات السلاحف الأسيرة على تحديد
نطاق ترددي استطاع أن يساعدها في تسجيلاتها
الميدانية.
بعد أن قضت شهورًا تبحث عن شواطئ تعشش عليها
السلاحف، وجدت موقعًا مناسبًا لدراستها؛ ومن مسافة
حذرة، أنزلت هيدروفونًا تحت الماء وبدأت تصغي. بعد
ذلك بدأ العمل الفعلي. كما سبق أن ناقشنا، عادة ما
تكون أصوات السلاحف خافتة، ومنخفضة التردد (تقع
داخل نطاق السمع البشري أو تحته)، ونادرة. فكانت
كاميلا في بعض الأحيان تسجل لست ساعات دون أن تسمع
صوتًا واحدًا. كان جمع بيانات كافية يستغرق شهورًا،
ثم سنوات. وفي النهاية، سجلت عددًا كافيًا من
الأصوات لنشر أول دراسة لها. ومن خلال تسجيلاتها
لأصوات السلاحف في الطبيعة وفي الأسر، وثَّقت ٢١٢٢
عينة فريدة من أصوات السلاحف، وهو ما أثبت بما لم
يدع مجالًا للشك أن السلاحف تتكلم تحت الماء
وخارجه. صنفت كاميلا تلك الأصوات بدقة إلى إحدى
عشرة فئة مختلفة، وكانت تعيد فحص شكل كل موجة في
التحليلات الطيفية البيانية (التمثيل المرئي
للموجات الصوتية) يدويًّا. كما وجدت أيضًا أدلة على
أن السلاحف تستخدم الأصوات لتنسيق سلوكياتها، مثل
الخروج من الماء للتنعم بالشمس. وهكذا حلت
لغزها.
33
ردًّا على التشكيك المبدئي الذي واجهته كاميلا
فيرارا وجاكلين جايلز من المجتمع العلمي، أشارتا بقولهما:
لا بد من إدراك أن هذه الأصوات ذات تردد
منخفض للغاية، قريب من العتبة الدنيا من
نطاق السمع البشري. كما أنها عادة ما تكون
قصيرة للغاية، لا تستمر أكثر من أجزاء من
الثانية، وتكون خافتة. فإذا كنت تحت الماء،
فإن مجرد تحريك قدميك أو التنفس من خلال
أنبوب تنفس كافٍ لحجب أصوات السلاحف عن
سمعك.
34
لم تُجرَ أيُّ أبحاث صوتية حيوية عن أصوات
السلاحف نتيجة للاعتقاد الخاطئ الذي ساد على نطاق
واسع بأنها بكماء. غير أن أغلب الباحثين كانوا
ببساطة لا يصغون، على حد قول كاميلا
وجاكلين.
سرعان ما عادت كاميلا إلى مواقعها الميدانية عند
نهر الأمازون وقضت سنتين أخريَين في العمل
الميداني، بحثًا عن إجابة لسؤال جديد: كم يكون عمر
السلاحف حين تبدأ في التواصل؟ في بحثها السابق، ظهر
نمط مشوق؛ إذ سُجِّلت أصوات إناث السلاحف في النهر
وهي تقترب وتستجيب لأصوات أفراخها التي فقست لتوها
بأنماط صوتية مماثلة. رأت كاميلا أن ذلك يشير إلى
أن السلاحف البالغة تتواصل مع أفراخها. وهي فرضية
تعارضت تعارضًا فجًّا مع الاعتقاد العلمي السائد
بأن أمهات السلاحف تهجر بيضها بعد أن تضعه.
تساءلت كاميلا: ماذا لو كان ذلك الاعتقاد خاطئًا؟
كي تختبر فرضيتها، وضعت هيدروفونات تحت الماء،
ووضعت كذلك ميكروفونات بالقرب من أعشاش السلاحف
وداخلها، كي تضع خط أساس لبحثها. حدَّثت نفسها بأنه
من المستبعد أن تصدر الفراخ أصواتًا قبل أن تفقس
بيضها، وأن الإصغاء إلى الأعشاش سيكون خطوة الغرض
منها أن تكون نقطة مرجعية. ولكنها تعترف قائلة:
«شعرت أن ذلك تصرُّف أخرق بعض الشيء.»
35 وكي لا تزعج البيض، تسللت بمفردها إلى
الشاطئ ومعها مجموعة من الميكروفونات الحساسة
الدقيقة الحجم. وببطء، قضت عدة دقائق تدخل
ميكروفونًا في كل عش؛ وما إن كان الميكروفون يدخل
حتى يلتقط أصوات سقوط ذرات رمال أو طنين
بعوضة.
كانت كاميلا تتوقع أن تسمع أصوات السلاحف بعد أن
تفقس بيضها. لكنها ذُهِلَت حين اكتشفت أن صغار
السلاحف تصدر أصواتًا «قبل» أن تفقس. وأن أجنة
السلاحف ثرثارة نسبيًّا؛ ففي مجموعة من عشرة آلاف
بيضة، كانت تسمع صوتًا كل ثلاثين ثانية في المتوسط.
وقد أتاح لها ذلك تكوين قاعدة بيانات ضخمة للغاية
مقارنة بتسجيلاتها السابقة. في إحدى الدراسات التي
أجراها فريقها على أجنة وفراخ السلاحف، التقط
الفريق ١٨٩ صوتًا صنفها إلى سبع فئات
مختلفة.
36 بعض تلك الأصوات لا تصدرها الفراخ إلا
داخل العش. بينما تتداخل بعض الأصوات الأخرى مع
فئات الأصوات التي تستعملها السلاحف البالغة. تُرى
عمَّ تتحدث الفراخ التي لم تفقس بعد؟ لم يجد
الباحثون بعدُ جوابًا قاطعًا، لكن الإجابة الأرجح
أن تلك الفراخ تخبر بعضها باستعدادها لفقس بيضها،
كي تنسق وقت خروجها من البيض.
37 فمن خلال مزامنة صغار السلاحف لتوقيت
فقسها، فإنها تزامن أيضًا الحفر الجماعي في الرمال،
وهو ما يسمح للأخوة بالتعاون معًا للوصول إلى السطح
والخروج من العش.
38 ويبدو أن التنسيق الصوتي وسيلة للبقاء
أيضًا؛ فمزامنة الخروج من العش يجعل كل فرخ أقل
عرضةً لهجوم المفترسين.
39
في الوقت نفسه، سجَّلت كاميلا أصوات أمهات
السلاحف وهي تنتظر بصبر في المياه بالقرب من الشاطئ
حتى يفقس بيضها. وتوضح كاميلا أن الفراخ حتى قبل أن
تفقس تنادي أمهاتها. بدورها، تصدر إناث السلاحف
أصواتًا محددة عند فقس فراخها. وبينما تتجه الفراخ
إلى الماء، تستمر الإناث البالغات في الماء في
مناداتها. في النهاية، تتبعت كاميلا الأمهات وهي
تسبح مع صغارها في اتجاه مجرى النهر، إلى مناطق
آمنة في غابات الأمازون المغمورة بالفيضانات حيث
ستقضي فصل الشتاء.
40 وقد ثبت أن الصغار والأمهات الذين
زودتهم بأجهزة إرسال قد هاجروا متقاربين لأكثر من
٥٠ ميلًا على مدى أسبوعين.
41
كان في نتائج كاميلا تحدٍّ للمعتقدات السائدة لدى
أغلب علماء الزواحف، الذين كانوا يتشككون في قدرة
السلاحف على السمع، وأذهلهم أن عرفوا أن السلاحف
ترعى صغارها. لكن أبحاثًا لاحقة أجراها علماء آخرون
كشفت أن نطاق سمع فراخ السلاحف في بعض الحالات يكون
متناسبًا لدرجة مذهلة مع بيئاتها. على سبيل المثال،
أظهر بحث حديث أن الحيز الأكثر حساسية من نطاق سمع
فراخ السلاحف الجلدية الظهر (الذي يمتد من ٥٠ إلى
٤٠٠ هرتز) يتناسب مع صوت الأمواج على الشاطئ (من ٥٠
إلى ١٠٠٠ هرتز)، وهو ما قد يساعدها في الاهتداء إلى
الأمواج فور خروجها من بيضها.
42
النتائج التي توصلت إليها كاميلا فيرارا وجاكلين
جايلز قادتهما إلى الخروج بادعاء آخر مثير للجدل،
وهو أن المخزون الهائل للأصوات التي تتواصل بها
السلاحف يشير بقوة إلى أنها تتمتع بنظام اجتماعي
معقد.
43 وتلك فرضية تتعارض مع الآراء السائدة
عن السلاحف. تشرح الباحثة جوليا رايلي أن السلوك
الاجتماعي للسلاحف لم يحظَ بالدراسة الكافية في
الماضي. فالسلاحف لا تظهر أيًّا من السلوكيات التي
يَعدُّها البشر (بوصفهم من الثدييات) سلوكيات
اجتماعية بصفة جوهرية؛ مثل العناية بالصغار أو
إطعامها. لكن الزواحف لها سمات اجتماعية مختلفة؛
فهي تتشارك الموارد مثل الشقوق الصخرية، وتتشمس
متقاربة، وتتواصل مع صغارها بعد فقس بيضها، وتسبح
معهم إلى وجهة متفق عليها. وهذه السلوكيات
الاجتماعية على الأرجح تمنح الصغار ميزات للبقاء
يمكن قياسها («صلاحية البقاء» بالمصطلحات
التطورية)، لا سيما من خلال وجود أمهاتها معها
وتوجيهها لها. هذا البحث بجانب أنه يساعدنا في فهم
السلاحف، فقد يساعدنا في فهم أنفسنا. فتعميق فهمنا
لأصوات السلاحف وأنماط تواصلها قد يقودنا إلى رؤى
جديدة عن تطور الكلام في أسلافنا القدماء،
الآمونيَّات، الذين يشغلون فرعًا في الشجرة
التطورية تشترك فيه الثدييات والزواحف
والديناصورات.
زواحف رقمية، تواءم رقمية
تتطلب دراسة التواصل الصوتي لدى السلاحف المائية
قدرًا هائلًا من الصبر. قلة فقط من العلماء يملكون
المقدرة على قضاء سنوات في تسجيل أصوات السلاحف في
البرية أو يرغبون في ذلك. كما أن الوجود البشري قد
يتداخل مع سلوك السلاحف. من ثَم، بدأ علماء السلاحف
يستخدمون تقنيات الصوتيات الحيوية الرقمية وسيلة
لربط أصوات السلاحف بسلوكها. لا يزال هذا البحث في
مهده، لكن النتائج التي أسفر عنها حتى الآن مذهلة.
على سبيل المثال، بدأ الباحثون يستكشفون كيفية
استخدام السلاحف الأصوات لتوجيه عمليات الصيد. فقد
وجدت دراسة أُجريت في فيجي أن أعداد السلاحف
البحرية الخضراء تتزايد في المناطق التي تكثر فيها
الأصوات التي تصدرها الأسماك والقشريات، على عكس
المناطق التي تكثر فيها الأعشاب البحرية أو أعداد
الأسماك؛ وهو ما يشير إلى أن السلاحف البحرية،
كغيرها من المفترسات، تتبع الأصوات لإيجاد فريستها،
وربما تُفصح عن نواياها صوتيًّا للسلاحف
الأخرى.
44
يمكن أن تكون الوسائل التقليدية المستخدمة لتقييم
التنوع الأحيائي في الأنظمة البيئية في المياه
العذبة جائرة (إذ تؤدي أحيانًا إلى حدوث إصابات في
الأنواع الضعيفة أو إزعاجها)، لكن تقنيات الرصد
الرقمي السلبي لا تتداخل مع الكائنات الحية أو
موائلها. فأجهزة الرصد الصوتي السلبي من شأنها أن
تمكِّن العلماء من المراقبة عن بعد لاكتشاف عدد
السلاحف الموجودة في بقعة معينة، وتسجيل أصواتها.
ويعمل الباحثون الآن على تطوير خوارزميات لتعلُّم
الآلة لتحليل مجموعات البيانات التي وفرتها
التسجيلات الصوتية السلبية لأصوات السلاحف وغيرها
من الزواحف. بناءً على مجرد الأصوات الناتجة،
تستطيع هذه الخوارزميات التعرف على أنواع محددة. في
دراسة أُجريت حديثًا، استخدم الباحثون خوارزميتين
من خوارزميات تعلم الآلة (خوارزمية الجار الأقرب
للعدد ك، وخوارزمية آلة متجه الدعم) للتعرف على
سبعة وعشرين نوعًا من الزواحف والتمييز بينها، بدقة
تصنيفية بلغت في المتوسط ٩٨ في المائة.
45
يطور باحثون آخرون طرقًا جديدة لاستخدام الرصد
الصوتي الرقمي لدراسة المشاهد المائية التي تقطنها
السلاحف. يمكن لخوارزميات تعلم الآلة القائمة على
مؤشرات الصوتيات البيئية مراقبة سلامة المسطحات
والأنظمة البيئية المائية.
46 بالإصغاء إلى مجمل الضوضاء الموجودة في
مشهد صوتي ما، وليكن بِركة على سبيل المثال،
بإمكاننا تبيُّن الأصوات التي تصدرها عدة أنواع
والمحيط الطبيعي الذي تقطنه. وهذا يسلط الضوء من
زاوية جديدة على وظيفة الأنظمة البيئية
وحالتها.
47 تمكننا تقنيات الإصغاء الرقمية من
تسجيل وتحليل مجموعة متنوعة من الأصوات لحشرات
وطيور وأسماك وسلاحف. لكن بإمكانها أيضًا التركيز
على الأصوات والترددات الأكثر أهمية بالنسبة إلى
السلاحف.
هذا يعني أن بإمكاننا أن نصغي «إلى» السلاحف، وأن
نصغي «مثلها» أيضًا. فتقنيات الصوتيات الحيوية يمكن
أن تكشف لنا عن أصوات دقيقة قد تفوت المستمع
البشري، مثل صوت أسماك البيرانا وهي
تقتات.
48 وربما تمكِّننا أيضًا من سماع الأصوات
الخافتة التي تصدرها أنواع الروبيان الشرغوفي، مثل
«تريوبس كانكريفورميس» أو «ليبيدوروس لوبوكي»، التي
تصدر أصواتًا هادئة متتابعة ربما تكون أخفت من أن
نسمعها نحن البشر، لكنها تقع في نطاق سمع السلاحف
مباشرة.
49 أو يمكن أن ندرب آذاننا على التقاط صوت
تماوج المياه على حافة شاطئ بِركة، لنهتدي إلى حيث
يرجح أن تضع القمعيات بيضها؛ الذي يعني للسلاحف
وجبة لذيذة من اليرقات.
50 يمكن لتقنيات الصوتيات البيئية أيضًا
أن تكشف معلومات من المرجح أن تجمعها السلاحف عن
الغابات المحيطة؛ إذ تبين وجود علاقة وثيقة بين
أصوات الغابة ونباتاتها وبنيتها.
51 لا تستطيع آذاننا البشرية أن تلتقط تلك
الأصوات، لكن حواسيبنا تستطيع التقاطها نيابة عنا،
ثم تخبرنا بما تسمعه.
إن تلك التقنيات الرقمية الحديثة مذهلة، لكن من
المهم ألا نبالغ في تقدير إمكانات الإصغاء الرقمي.
فهناك تقنية إصغاء أغنى وأعمق في الأمازون لها
تاريخ طويل. في الغابات الكثيفة، يخبرنا الصوت
بمعلومات أكثر من التي تخبرنا بها الرؤية. ومجتمعات
الشعوب الأصلية غالبًا ما تعتبر التواصل الصوتي سمة
مشتركة بين البشر وغير البشر. وكثير من الموسيقى
الاحتفالية في الأمازون مستمدة من كيانات غير بشرية
وتتشكل بها وتوجه لها؛ مثل الحيوانات والنباتات
و«جمادات» مثل الصخور أو الأنهار. يتخذ سكان
الغابات من البشر وغير البشر أشكالًا عدة، لكنهم
يشتركون في سمات معينة؛ فكل نوع يتحدث بلغته
الخاصة، ويشارك في الطقوس الاحتفالية عن طريق
الموسيقى والرقص. على سبيل المثال، يعرف شعب
الكيسادجي أو السويا في البرازيل أن حيوانات وأسماك
الغابة تتحدث معًا هي الأخرى، وتغني أثناء طقوسها
الاحتفالية الخاصة، وتتواصل مع الأنواع الأخرى
بأصوات تشبه الموسيقى.
52 للصوت دور محوري أيضًا في بعض التقاليد
الشامانية؛ إذ يعد قضاء فترة عزلة في الغابة لتعلم
لغتها أحد الطقوس الضرورية للانتساب إلى
الطائفة.
53 ويذهب الباحث البرازيلي رافايل خوسيه
دي مينيزيس باستوس إلى أن هذا «الإصغاء الصوتي
الموسيقي للعالم»، الذي يجمع بين دقة العلم الغربي
وممارسات التناغم الروحاني، يعد عنصرًا أساسيًّا
لدى بعض الشعوب الأصلية في الأمريكيتين، مثل شعب
الشينجو والكامايورا. فالإصغاء إلى أصوات الكائنات
غير البشرية وأغنياتها لهو شكل مقدس من أشكال
المعرفة البيئية.
54
يقول باستوس في كتاباته إن أصدقاءه وزملاءه من
شعب الكامايورا كانوا كثيرًا ما يحثونه على تعلُّم
فن الإصغاء.
55 ذات ليلة، وبينما كان يتجول بقارب
تجديف في بحيرة أيبافو في شمال شرق البرازيل، توقف
صديقه إيكوا عن التجديف وصمت. حين سأله باستوس عن
سبب التوقف، قال إيكوا: «ألا تسمع غناء الأسماك؟»
لم يسمع باستوس أي شيء. لكن إيكوا أصر على أنه
يحتاج إلى تدريب سمعه، وكتب باستوس لاحقًا يقول:
«حين عدنا إلى القرية، استنتجت أن إيكوا قد تعرَّض
لهذيان من نوع ما، نوبة من الإلهام الشعري أو
النشوة المقدسة، وأن الليلة كلها بالنسبة له كانت
شطحة من شطحات الخيال.» لكن بعد عدة سنوات حضر
باستوس ورشة عمل عن الصوتيات الرقمية نظمها علماء
من جامعة سانتا كاتارينا، وسمع أصوات أغنيات
الأسماك، وأدرك أن ادعاءات إيكوا بأنه سمع أسماك
الدورادو تغني لم تكن محض خيال. وفجأة أدرك باستوس
أن إيكوا «يبدو أقرب إلى عالم أسماك ضليعًا منه إلى
شاعر مُلهَم، ضحية هلوسة أو نشوة مقدسة.» لم يَكُن
باستوس يصغي السمع، على عكس إيكوا. يقول باستوس إنه
حتى أطفال الكامايورا كانوا يستطيعون سماع أصوات
الطائرات والسفن القادمة قبل أن تلتقطها أذناه
بمدة.
في لغة الكامايورا، تحمل كلمة «أنوب» (التي تعني
السمع) أيضًا دلالة «الاستيعاب» بمعنى أوسع مما
تحملها كلمة «تساك» (التي تعني الرؤية)، الدالة على
«الفهم» بمعناه التحليلي الضيق. وبينما ترتبط
الرؤية بقوة لديهم بالسلوك الاجتماعي العدائي،
يرتبط السمع بأشكال شمولية مدمجة من الإدراك
والمعرفة. فمن يحسنون الاستماع من الكامايورا هم
غالبًا من يمتلكون مهارة فذة في الموسيقى وغيرها من
الفنون الصوتية. ويمنح وسام خاص — يسمى «ماراكا أب»
(وتعني موسيقيًّا كبيرًا) — لأولئك القادرين على
الإحساس بأصوات الكائنات الحية الأخرى في الغابة
وتذكرها وتقليدها وفهمها مثل إيكوا. تلك القدرة
(التي تعادل لدى الكامايورا إمكانات أفضل معدات
التسجيل الصوتي) تتطلب موهبة فطرية، تُصقَل وتُنمى
على مدى عمر صاحبها من خلال تدريبات شاقة.
غالبًا ما تتفوق قدرات الكامايورا الصوتية
التفسيرية على المعرفة العلمية الغربية؛ فهم قادرون
على استخلاص استنتاجات دقيقة ومحددة عن نوع الكائن
أو الشيء الذي أصدر صوتًا، وهي استنتاجات مرتبطة
بدرايتهم بالمكان الذي يحتمل أن يكون قد صدر منه
الصوت والأسباب المحتملة لصدوره. لكن هذا المعنى
التفسيري علائقي أيضًا؛ فالبشر بوصفهم مستمعين
جيدين، يخوضون حوارًا دائمًا مع غير البشر. فأفراد
الكامايورا أثناء تجولهم في الغابة، لا يصغون فحسب،
بل يتحدثون أيضًا مع الحيوانات والنباتات والأرواح،
ويخبرونها بأنهم لا يريدون بها سوءًا ويطلبون في
المقابل أن تكف عنهم أذاها. والإصغاء أو الاستماع
العميق هو شكل من أشكال الحوار. أما الاستماع
الرقمي — بصورته التقليدية التي يمارسها العلماء
الغربيون — فهو شكل متطور من التنصت.
السلحفاة والقارب
بدأ اكتشاف
العلماء الغربيين لأصوات السلاحف بزئير خافت أطلقته
سلحفاة مذعورة في قاع قارب جاكلين جايلز. وقد
تعاملت أجيال سابقة من الغربيين مع السلاحف في
القوارب، لكن بشكل أقل لطفًا. حين كان صائدو
السلاحف داخل الجبهة الاستعمارية المتوسعة في غابات
الأمازون يحمِّلون أمهات السلاحف في قواربهم، كانوا
يحتفظون ببضعة قوارب خاوية. وفيما كانت الأمهات
تنتظر مقلوبة على ظهورها بلا حيلة، كان الصيادون
يخرجون بيضها ويسحقونه بالآلاف. فقد كانت القوارب
الخالية تُستعمل آنية للطهي؛ فكان الماء يُضاف إلى
مزيج أجنة السلاحف الميتة والمُح والزُّلال، ثم
يُترَك الخليط في الشمس. وحين يطفو الدهن على سطحه،
كان يستخلص ويُغلى ثم يُخزَّن في آنية من الفخار
(تسمى «كاموتين»).
56 وأثناء انتظار الصيادين ارتفاع الدهن
على سطح الخليط، كانوا يشوون أي صغار متبقية وهي
حية. لا بد أن الأمهات العاجزة كانت تسمع أصوات
صغارها وهي تُقتَل. وربما كانت تناديها. وربما كان
الصغار ينادون أمهاتهم بدورهم. ربما لم يسمعها
الصيادون؛ أو ربما سمعوها ولم يلقوا لها بالًا.
ربما نختار أن نصم آذاننا لا جسديًّا فحسب، بل
نفسيًّا وروحيًّا أيضًا، كي نقترف أفعالنا العنيفة
من استعمار للبيئة وتدمير لها. فلكل جيل أصوات
أُسكتت، فقط لتأتي الأجيال التالية وتتساءل
عنها.
بدأ الموقف تجاه السلاحف في الأمازون يتغير. فقد
تنامى الوعي بأن السلاحف تؤدي دورًا مهمًّا في
النظام البيئي من منظور بيئي. فهي تحفظ للماء
جودته، وتنشر بذور النباتات، وتساهم في دورة انتقال
المغذيات من المياه إلى اليابسة، وتحافظ على تدفق
الطاقة داخل النظام البيئي وبينه وبين الأنظمة
البيئية الأخرى. وطُرِحَت خطط لحمايتها من
الانقراض، لكنها أتت بثمار محدودة. في الماضي كانت
سلاحف النهر المتوسعة الأمازونية العملاقة تنتشر في
شتى بقاع حوض الأمازون وحوض نهر الأورينوكو؛ أما
اليوم فباتت مهددة بالانقراض ولم تَعُد موجودة إلا
في ٢ في المائة من المناطق التي كانت تسكنها في
السابق. وحتى في الوقت الحالي، ما زال الصيد غير
الشرعي للسلاحف مستمرًّا للاستفادة من لحومها
واستخراج الأدوية، واتخاذها حيوانات أليفة،
واستخدامها للزينة.
57 ويقدر أن مدينة تاباو البرازيلية التي
يقل عدد سكانها عن عشرين ألف نسمة قد استهلكت في
عام واحد ٣٥ طنًّا متريًّا تقريبًا من
السلاحف.
58 حققت المتنزهات البيئية السياحية
الساحلية التي تضم سلاحف بحرية نجاحًا لا بأس به في
حماية ذلك النوع من السلاحف. لكن هذا النوع من
الحماية ليس متاحًا لسلاحف المياه العذبة التي
تنتشر على مدى مئات الأميال من النظام البيئي
لمنطقة الأمازون. وتخطط الحكومة البرازيلية حاليًّا
لإقامة مئات من السدود الإضافية في حوض الأمازون،
وهو ما قد يغمر جزءًا كبيرًا من الموائل الباقية
لسلاحف التارتاروجا.
59 وليس واضحًا إذا ما كانت ستنجو في ظل
ذلك التفتيت المتزايد لحوض الأمازون.
ترى كاميلا فيرارا أن إنقاذ ما تبقى من سلاحف
النهر المتوسعة يتطلب من الباحثين البدء في
الاستعانة بتقنيات الصوتيات الحيوية لإنشاء مناطق
مائية هادئة للسلاحف خلال مواسم التعشيش والسباحة،
لا سيما أثناء إرشادها لصغارها إلى المناطق الآمنة
المغمورة بالفيضانات في الغابة. على الرغم من عدم
وجود قرائن علمية كافية حاليًّا، قد يبدو أن التلوث
الصوتي الناجم عن محركات القوارب ربما يتسبب في
اضطراب السلوك الاجتماعي للسلاحف، مثلما يفعل مع
الحيتان. وتأمل أن تمكننا تقنيات الصوتيات الحيوية
مستقبلًا من حماية السلاحف، والتنبؤ بمواعيد فقس
البيض، والإصغاء من مسافة آمنة بينما تسبح السلاحف
حديثة الولادة مع أمهاتها إلى أعماق غابات
الأمازون.
لقد بدأنا لتونا نصغي إلى أنسبائنا السلاحف، لكن
ما زال لدينا الكثير لنتعلمه منها. لكنها الآن
علمتنا درسًا مهمًّا، وهو أن الحيوانات التي كان
العلماء من قبل يعتبرونها صامتة قادرة على سماع
الأصوات وإصدارها، وتبادل المعلومات. لقد فتح لنا
علم الصوتيات الحيوية نافذة على عالم سلوكها
الاجتماعي، الذي تبين أنه أعقد بكثير مما كان
العلماء يتصورون. من كان يعلم أن فراخ السلاحف
الرضيعة يغني بعضها لبعض لتنسيق عملية الفقس؟ من
كان يعلم أن الأمهات تنادي صغارها من المياه
وتقودها إلى الأماكن الآمنة؟ إذا تأملنا الأمر بأثر
رجعي، فسنجد أننا ينبغي أن نسأل أنفسنا عن سبب
دهشتنا من ذلك. فالسلاحف لها تكوين فسيولوجي يسمح
لها بإصدار الأصوات وسماعها، ومن ضيق الأفق أن
نفترض أن الرعاية الأبوية تقتصر على الثدييات.
واندهاش الوسط العلمي من تلك الاكتشافات إنما يكشف
لنا الكثير عن الملاحِظ والمُلاحَظ؛ وما تلك إلا
الخطوة الأولى في مسيرة علم الصوتيات الحيوية لهدم
المعتقدات السائدة. فكما سأتناول في الفصل التالي،
ظهرت مؤخرًا اكتشافات أغرب؛ فقد ظهرت أدلة على أن
ثمة أنواعًا لا تملك آذانًا ولكنها قادرة على
السمع.