قال يَصِفُ رَوْضَةَ المقْيَاسِ: (من الكامل)
هَلْ فِي الْخَلاعَةِ وَالصِّبَا مِنْ بَاسِ
بيْنَ الْخَلِيجِ وَروْضَةِ الْمِقْيَاسِ؟
أَرْضٌ كَسَاهَا النِّيلُ مِنْ إِبْدَاعِهِ
وَلِبَاسِهِ الْمَوْشِيِّ أَيَّ لِباسِ
فَكَأَنَّمَا هَوَتِ الْمَجَرَّةُ بَيْنَهَا
فَتَشَكَّلَتْ فِي جُمْلَةِ الأَغْرَاسِ
يَتَلَهَّبُ النُّوَّارُ فِي أَطْرَافِها
فَتَخَالُهُ قَبَسًا مِنَ الأَقْبَاسِ
لَوْلَا مِسَاسُ الطَّلِّ أَحْرَقَ ضَوْءُهُ
ذَيْلَ الْخَمَائِلِ رَطْبِهَا وَالْعَاسِي
تَصْبُو الْعُيُونُ إِلَى سَنَاهُ فَتَرْتَمِي
مَهْوَى الْفَرَاشَةِ لامِعُ النِّبْرَاسِ
لَوْ شَامَ بَهْجَتَهَا وَحُسْنَ رُوَائِهَا
فِيمَا أَظُنُّ لَحَارَ عَقْلُ إِيَاسِ
مَلْهَى أَخِي طَرَبٍ وَمَلْعَبُ صَبْوَةٍ
وَثَرَى بُلَهْنِيَةٍ وَدَارُ أُنَاسِ
مَا كُنْتُ فِي عُمْرِي لأَغْدُوَ نَحْوَهَا
حَتَّى أَبِيتَ بِهَا صَرِيعَ الْكَاسِ
يَا سَاقِيَيَّ تَنَبَّهَا فَلَقَدْ بَدَا
فَلَقُ الصَّبَاحِ وَلَاتَ حِينَ نُعَاسِ
طُوفَا عَلَيَّ بِهَا فَقَدْ نَمَّ الصَّبَا
أَثْنَاءَ رَوْحَتِهِ بِسِرِّ الآسِ
مِنْ خَمْرَةٍ أَفْنَى الزَّمَانُ شَبَابَهَا
فِي مُخْدَعٍ بِقَرَارَةِ الدِّيمَاسِ
حُبِسَتْ عَنِ الأَبْصَارِ حَتَّى إِنَّهَا
لَمْ تَدْرِ غَيْرَ الدَّيْرِ والشَّمَّاسِ
يَنْزُو لِوَقْعِ الْمَاءِ دُرُّ حَبَابِهَا
نَزْوَ المَعَابِلِ طِرْنَ عَنْ أَقْوَاسِ
فَإِذَا تَعَاوَرَهَا الْمِزَاجُ تَوَجَّسَتْ
حَذَرَ الْمَهَانَةِ أَيَّمَا إِيجَاسِ
تُشْتَفُّ مِنْ تَحْتِ الْحَبَابِ كَأَنَّهَا
يَاقُوتَةٌ قَدْ رُصِّعَتْ بِالْمَاسِ
مَا حُلَّ بَيْنَ الْقَوْمِ عَقْدُ وِكائِها
لِلشُّرْبِ إِلَّا آذَنَتْ بِعُطَاسِ
لَا يَخْدَعَنَّكَ فِي الْمُدَامَةِ جَاهِلٌ
إِنَّ الْمُدَامَةَ نُهْزَةُ الأَكْيَاسِ
إِنَّ الْمُدَامَ أَسَاسُ كُلِّ طَرِيفَةٍ
فاجْعَلْ بِنَاءَ اللَّهْوِ فَوْقَ أَسَاسِ
لَا تَجْمَعُ الأَيَّامُ كَيْفَ تَصَرَّفَتْ
فِي الْقَلْبِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالْوَسْوَاسِ
فَاسْتَوْثِقَا أَخَوَيَّ مِنْ شَأْنَيْكُمَا
وَذَرَا الْمَطِيَّ تَمُورُ بِالإِحْلَاسِ
إِنَّ الْفَلاةَ لَهَا رِجَالٌ غَيْرُنَا
يَبْغُونَ نَيْلَ الْيُسْرِ بِالإِفْلاسِ
إنَّ الْغِنَى وَالْفَقْرَ فِي هَذَا الْوَرَى
لَمُقَدَّرٌ وَاللهُ ذُو قِسْطَاسِ
فَعَلامَ يُبْلِي الْمَرْءُ جِدَّةَ عُمْرِهِ
مُتَقَلِّبًا بَيْنَ الرَّجَا وَالْيَاسِ
أَوَلَيْسَ أَنَّ الْعَيْشَ لُبْسُ عَبَاءَةٍ
وَسِدَادُ مَسْغَبَةٍ وَنَغْبَةُ حَاسِي
تاللهِ لَوْ عَلِمَ الرِّجَالُ بِمَكْرِهَا
عِلْمِي لَبَاعُوهَا بِغَيْرِ مِكَاسِ
هِيَ سَاعَةٌ تَمْضِي وَتَأْتِي سَاعَةٌ
والدَّهْرُ ذُو غِيَرٍ بِهَذَا النَّاسِ
فَخُذَا مِنَ الأَيَّامِ مَا سَمَحَتْ بِهِ
لِلنَفْسِ قَبْلَ تَعَذُّرٍ وَشِماسِ
وَإِذَا أَرَابَكُمَا الزَّمَانُ بِوَحْشَةٍ
فَاسْتَمْخِضَاهُ الْيُسْرَ بِالإِينَاسِ
إنَّ الرَّوَائِمَ لا تَدُرُّ لَبُونُهَا
إلَّا بِلِينِ الْمَسْحِ وَالإبْسَاسِ
فَلَرُبَّ صَعْبٍ حَادَ سَهْلًا بَعْدَمَا
قُطِعَتْ عَلَيْهِ مَرَائِرُ الأَنْفَاسِ
ما كُلُّ مَا طَلَبَ الْفَتَى هُوَ مُدْرَكٌ
إِنَّ الأُمُورَ بِحِكْمَةٍ وَقِيَاسِ
وَذِي نَخْوَةٍ نَازَعْتُهُ الْكَأْسَ مَوْهِنًا
عَلَى غِرَّةِ الأَحْرَاسِ واللَّيْلُ دَامِسُ
فَمَا زِلْتُ أَسْقِيهِ وَأَشْرَبُ مِثْلَهُ
إِلَى أَنْ هَفَا سُكْرًا وَإنِّي لَجَالِسُ
فَبِتُّ أَقِيهِ السُّوءَ إِذْ كَانَ صَاحِبِي
وَأَحْرُسُهُ إِنِّي لَدَى الْخَوْفِ حَارِسُ
لَدَى مَوْطِنٍ لا يَصْحَبُ الْمَرْءَ قَلْبُهُ
حِذَارًا وَلَا تَسْرِي إِلَيْهِ الْهَوَاجِسُ
عَدُوٌّ ولَيْلٌ مُظْلِمٌ وَصَوَاهِلٌ
تَجَاذَبُ فِي أَرْسَانِهَا وتَمَارَسُ
فَلَمَّا اسْتَهَلَّ النُّورُ وَانْحَسَرَ الدُّجَى
قَلِيلًا وَحَنَّتْ لِلصَّبَاحِ النَّوَاقِسُ
دَنَوْتُ أُفَدِّيهِ وَأَغْمِزُ كَفَّهُ
بِرِفْقٍ وَأَدْعُو بِاسْمِهِ وَهْوَ نَاعِسُ
فَجَاوَبَنِي وَالسُّكْرُ فِي لَحَظَاتِهِ
يُسَائِلُ مَاذَا تَبْتَغِي وَهْوَ عَابِسُ
فَقُلْتُ أَفِقْ هَذَا هُوَ الصُّبْحُ مُقْبِلٌ
عَلَيْنَا وَهَذِي فِي الذَّهَابِ الْحَنَادِسُ
وَنَاوَلْتُهُ كَأْسًا فَمَدَّ بَنَانَهُ
إِلَيْهَا عَلَى كُرْهٍ بِهِ وَهْوَ آيِسُ
فَمَا ذَاقَهَا حَتَّى تَهَلَّلَ ضَاحِكًا
وَأَقْبَلَ مَسْرُورًا بِمَا هُوَ آنِسُ
وَمِنْ شِيَمِي بَذْلُ الْوِدَادِ لأَهْلِهِ
كَذَلِكَ أَنِّي فِي الْوِدَادِ أُنَافِسُ
خَلِّ الْمِرَاءَ لِفِتْيَةِ الدَّرْسِ
وَاعْكُفْ عَلَى صَفْرَاءَ كَالْوَرْسِ
نُورٌ تَوَقَّدَ بَيْنَ آنِيَةٍ
كَبَيَاضِ صُبْحٍ شَفَّ عَنْ شَمْسِ
هِيَ جَوْهَرٌ كَالنَّفْسِ مَا بَرِحَتْ
تُهْدِي السُّرُورَ لِكُلِّ ذِي نَفْسِ
قَدْ شَاكَلَتْهَا فَهْيَ تَأْلَفُهَا
وَالْجِنْسُ يَأْلَفُ صُحْبَةَ الْجِنْسِ
رَقَّتْ وَدَقَّتْ فِي قَرَارَتِها
فَسَمَتْ عَنِ الإدْرَاكِ بِالحِسِّ
يَسْقِيكَهَا خَنِثٌ شَمَائِلُهُ
تَدْعُو إِلَى التَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ
فَاهْنَأ بِعَيْشٍ لَيْسَ يُوجَدُ فِي
غَيْرِ الْكَرَى أَو عَالَمِ الْحَدْسِ
أَحِمَى الْجَزِيرَةِ مَطْلَعُ الشَّمْسِ
أَمْ لاحَ ضَوْءُ غَزَالَةِ الإنْسِ؟
خَرَجَتْ إِلَى الْبُسْتَانِ لاهِيَةً
تَخْتَالُ بَيْنَ كَوَاعِبٍ خَمْسِ
فَتَبِعْتُ مَسْرَاهَا عَلَى عَجَلٍ
حَتَّى ظَفِرْتُ بِنَظْرَةٍ خَلْسِ
فَسَتَرْنَهَا عَنِّي وَسِرْنَ بِهَا
فِي رَوْضَةٍ فَيْنَانَةِ الْغَرْسِ
فَوَقَفْتُ مَطْوِيًّا عَلَى كَمَدٍ
وَمَضَتْ عَلَى آثَارِهَا نَفْسِي
تِلْكَ الَّتِي لَوْلَا هَوَايَ بِهَا
مَا بِتُّ مِن أَمَلٍ عَلَى يَأْسِ
هَيْهَاتَ أَنْسَى حُسْنَ صُورَتِها
وحَوادِثُ الأيَّامِ قَدْ تُنْسِي
نَزَعْتُ عَنِ الصِّبَا وَعَصَيْتُ نَفْسِي
وَدَافَعْتُ الْغَوَايَةَ بِالتَّأَسِّي
وَقُلْتُ لِصَبْوَتِي وَالْعَيْنُ غَرْقَى
بِأَدْمُعِهَا رُوَيْدَكِ لا تَمَسِّي
فَقَدْ وَلَّى الصِّبَا إِلَّا قَلِيلًا
أُنَازِعُ سُؤْرَهُ بِفُضُولِ كَأْسِي
وَمَنْ يَكُ جَاوَزَ الْعِشْرِينَ تَتْرَى
وأَرْدَفَهَا بِأَرْبَعَةٍ وخَمْسِ
فَقَدْ سَفَرَتْ لِعَيْنَيْهِ اللَّيَالِي
وَبَانَ لَهُ الْهُدَى مِنْ بَعْدِ لَبْسِ
نَظَرْتُ إِلَى الْمِرَاةِ فَكَشَّفَتْ لِي
قِنَاعًا لَاحَ فِيهِ قَتِيرُ رَأْسِي
وَكُنْتُ وَكَانَ فَيْنَانًا أَثِيثًا
أُنَازِعُ شِرَّتِي وَأَذُودُ بَأْسِي
فَعُدْتُ وَقَدْ ذَوَى مِنْ بَعْدِ لِينٍ
أُدَارِي صَبْوَتِي وَأُسِرُّ يَأْسِي
فَمَا أَمْسِي كَيَوْمِي حِينَ أَغْدُو
عَلَى كِبَرٍ وَمَا يَوْمِي كَأَمْسِي
وَمَا الأَيَّامُ إِلَّا صَائِبَاتٌ
تَمُرُّ بِكُلِّ سَابِغَةٍ وتُرْسِ
أَبَادَتْ قَبْلَنَا إِرَمًا وَعَادًا
وَطَارَتْ بَيْنَ «ذُبْيَانٍ وَعَبْسِ»
وَأَلْوَتْ «بالمُضَلَّلِ» وَاسْتَمَالَتْ
عِمَادَ «الشَّنْفَرَى» وَهَوَتْ بِقُسِّ
فَلَا «جَمشِيدُ» دَافَعَ إِذْ أَتَتْهُ
بِحَادِثِهَا وَلا رَبُّ الدِّرَفْسِ
عَلَى هَذَا يَسِيرُ النَّاسُ طُرًّا
وَيَبْقَى اللهُ خَالِقُ كُلِّ نَفْسِ
وقال في تَهْنِئَةِ الخديو «عباس باشا حلمي الثاني» بِعيدِ الفِطْرِ: (من الطويل)