قافية الصاد
قال يصفُ غَيْضَةً احْتَلَّهَا في «قنديَةَ» أَيَّامَ الحرْب: (من الطويل)
وَمُرْتَبَعٍ لُذْنَا بِهِ غِبَّ سُحْرَةٍ
وَلِلصُّبْحِ أَنْفَاسٌ تَزيدُ وَتَنْقُصُ
وَقَدْ مَالَ لِلْغَرْبِ الْهلالُ كَأنَّهُ
بِمِنْقَارِهِ عَنْ حَبَّةِ النَّجْمِ يَفْحَصُ
رَقِيقِ حَوَاشِي النَّبْتِ أَمَّا غُصُونُهُ
فَرَيَّا وَأَمَّا زَهْرُهُ فَمُنَصَّصُ
إِذَا عَبَتْ أَفْنَانَهُ الرِّيحُ خِلْتَهَا
سَلاسِلَ تُلْوَى أَوْ غَدَائِرَ تُعْقَصُ
كأنَّ صِحَافَ الزَّهْرِ وَالطَّلُّ ذَائِبٌ
عُيُونٌ يَسِيلُ الدَّمْعُ مِنْهَا وَتَشْخَصُ
يَكَادُ نَسِيمُ الْفَجْرِ إِنْ مرَّ سُحْرَةً
بِسَاحَتِهِ الشَّجْراءِ لا يَتَخَلَّصُ
كَأَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ وَالرِّيحُ رَهْوَةٌ
إِذَا رُدَّ فِيهِ سِارِقٌ يَتَرَبَّصُ
يَمُدُّ يَدًا دُونَ الثِّمارِ كَأَنَّمَا
يُحَاوِلُ مِنْهَا غَايَةً ثمَّ يَنْكُصُ
عَطَفْنَا إِلَيْهِ الْخَيْلَ فَلَّ مَسِيرَةٍ
وَلِلْقَوْمِ طَرْفٌ مِنْ أَذَى السُّهْدِ أَخْوَصُ
فَمَا أَبْصَرَتْهُ الْخَيْلُ حَتَّى تَمَطَّرَتْ
بِفُرْسَانِهَا وَاسْتَتْلَعَتْ كَيْفَ تَخْلُصُ
مَدَى لَحْظَةٍ حَتَّى أَتَتْهُ وَمَاؤُهُ
عَلَى زَهْرِهِ والظِّلُّ لا يَتَقَلَّصُ
فَمَدَّتْ بِهِ الأعْنَاقَ تَعْطُو وَتَخْتَلِي
نِهَابًا وَتُغْلِي فِي النَّبَاتِ وَتُرْخِصُ
أَقَمْنَا بِهِ شَمْسَ النَّهَارِ وَكُلُّنَا
عَلَى مَا بِهِ مِنْ شِدَّةِ الْعُجْبِ يَحْرِصُ
فَلَمَّا اسْتَرَدَّ الشَّمْسَ جُنْحٌ مِنَ الدُّجَى
وَأَعْرَضَ تَيْهُورٌ مِنَ اللَّيْلِ أَعْوَصُ
دَعَوْنَا بِأَسْمَاءِ الْجِيَادِ فَأَقْبَلَتْ
لَوَاعِبَ فِي أَرْسَانِهَا تَتَرَقَّصُ
وَقُمْنَا وَكُلٌّ بَعْدَ مَا كَانَ لَاهِيًا
بِأَظْلالِهِ كُرْهَ الرَّحِيلِ مُنَغَّصُ
يَودُّ الفَتَى ألَّا يَزَالَ بِنِعْمَةٍ
وَلَيْسَ لَهُ مِنْ صَوْلَةِ الدَّهْرِ مَخْلَصُ
فَللَّهِ عَيْنَا مَنْ رَأَى مِثْلَ حُسْنِهِ
وَمَا أَنَا فِيمَا قُلتُهُ أَتَخَرَّصُ
ظَفِرْتُ بِهِ فِي حِقْبَةٍ فَقَنَصْتُهُ
عَلَى غِرَّةِ الأيَّامِ واللَّهْوُ يُقنَصُ
وقال في الحكمة: (من الرمل)
بَادِرِ الْفُرْصَةَ وَاحْذَرْ فَوْتَهَا
فَبُلُوغُ الْعِزِّ فِي نَيْلِ الْفُرَصْ
وَاغْتَنِمْ عُمْرَكَ إِبَّانَ الصِّبَا
فَهُوَ إِنْ زَادَ مَعَ الشَيْبِ نَقَصْ
إِنَّمَا الدُّنْيَا خَيَالٌ عَارِضٌ
قَلَّمَا يَبْقَى وَأَخْبَارٌ تُقَصْ
تَارةً تَدْجُو وَطَوْرًا تَنْجَلِي
عَادَةُ الظِّلِّ سَجَا ثُمَّ قَلَصْ
فَابْتَدِرْ مَسْعَاكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ
بَادَرَ الصَّيْدَ مَعَ الفَجْرِ قَنَصْ
لَنْ يَنَالَ الْمَرْءُ بِالْعَجْزِ الْمُنَى
إِنَّمَا الْفَوْزُ لِمَنْ هَمَّ فَنَصْ
يَكْدَحُ الْعَاقِلُ فِي مَأْمَنِهِ
فَإِذَا ضَاقَ بهِ الأمْرُ شَخَصْ
إِنَّ ذَا الْحَاجَةِ مَا لَمْ يَغْتَرِبْ
عَنْ حِمَاهُ مِثْلُ طَيْرٍ فِي قَفَصْ
وَلْيَكُنْ سَعْيُكَ مَجْدًا كُلُّهُ
إِنَّ مَرْعَى الشَّرِّ مَكْرُوهٌ أَحَصْ
وَاتْرُكِ الْحِرْصَ تَعِشْ فِي رَاحَةٍ
قَلَّمَا نَالَ مُنَاهُ مِنْ حَرَصْ
قَدْ يَضُرُّ الشَّيءُ تَرْجُو نَفْعَهُ
رُبَّ ظَمْآنَ بِصَفْوِ الْمَاءِ غَصْ
مَيِّزِ الأَشْيَاءَ تَعْرِفْ قَدْرَهَا
لَيْسَتِ الْغُرَّةُ مِنْ جِنْسِ الْبَرَصْ
وَاجْتَنِبْ كُلَّ غَبِيٍّ مَائِقٍ
فَهْوَ كَالْعَيْرِ إِذَا جَدَّ قَمَصْ
إِنَّمَا الْجَاهِلُ فِي الْعَيْنِ قَذًى
حَيْثُمَا كَانَ وَفِي الصَّدْرِ غَصَصْ
وَاحْذَرِ النَّمَّامَ تَأْمَنْ كَيْدَهُ
فَهْوَ كَالْبُرْغُوثِ إِنْ دَبَّ قَرَصْ
يَرْقُبُ الشَّرَّ فَإِنْ لَاحَتْ لَهُ
فُرْصَةٌ تَصْلُحُ لِلْخَتْلِ فَرَصْ
سَاكِنُ الأَطْرَافِ إِلَّا أَنَّهُ
إِنْ رَأَى مَنْشَبَ أُظْفُورٍ رَقَصْ
وَاخْتَبِرْ مَنْ شِئْتَ تَعْرِفْهُ فَمَا
يَعْرِفُ الأَخْلاقَ إِلَّا مَنْ فَحَصْ
هَذِهِ حِكْمَةُ كَهْلٍ خَابِرٍ
فَاقْتَنِصْهَا فَهْيَ نِعْمَ الْمُقْتَنَصْ
وقال في واجبات الحَاكمِ: (من المتقارب)
إِذَا سُدْتَ فِي مَعْشَرٍ فَاتَّبِعْ
سَبِيلَ الرَّشَادِ وَكُنْ مُخْلِصَا
وَوَالِ الْكَرِيمَ وَدَارِ السَّفيهَ
وَصِلْ مَنْ أَطَاعَ وَخُذْ مَنْ عَصَى
ونَقِّبْ لِتَعْلَمَ غَيْبَ الأُمُورِ
فَإِنَّ مِنَ الحَزْمِ أَنْ تَفْحَصَا
وَلا تُبْقِيَنَّ عَلَى فَاجِرٍ
فَإِنَّ اللِّئَامَ عَبِيدُ الْعَصَا
وَإِنْ خَفِيَ الْحَقُّ فَاصْبِرْ لَهُ
وَبَادِرْ إِلَيْهِ إِذَا حَصْحَصَا
وَأَخْلِصَ لِرَبِّكَ فِي كُلِّ مَا
نَوَيْتَ تَجِدْ عِنْدَهُ مَخْلَصَا
فَمَا الدَّهْرُ إِلَّا خَيَالٌ سَرَى
وظِلٌّ إِذَا مَا سَجَا قَلَّصَا
وقال مُفْتَخِرًا: (من الوافر)
لَعَمْرُ أَبيكَ مَا خَفَّتْ حَصَاتِي
لِنَازِلَةٍ وَلا ارْتَعَدَ الْفَرِيصُ
وَمَا قَصَّرْتُ فِي طَلَبِ الْمَعَالِي
وَلَكِنْ رُبَّمَا خَابَ الْحَرِيصُ