مَتَى أنتَ عَنْ أُحْمُوقَةِ الْغَيِّ نَازِعُ
وَفِي الشَّيْبِ لِلنَّفْسِ الأبِيَّةِ وَازِعُ
أَلا إِنَّ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ حِجَّةً
لِكُلِّ أَخِي لَهْوٍ عَنِ اللَّهْوِ رَادِعُ
فَحَتَّامَ تُصْبِيكَ الْغَوَانِي بِدَلِّهَا
وتَهْفُو بِلِيتَيْكَ الْحَمَامُ السَّوَاجِعُ
أَمَا لَكَ فِي الْمَاضِينَ قَبْلَكَ زَاجِرٌ
يَكُفُّكَ عَنْ هَذَا بَلَى أَنْتَ طَامِعُ
وَهَلْ يَسْتَفِيقُ الْمَرْءُ مِنْ سَكْرَةِ الصِّبَا
إِذَا لَمْ تُهَذِّبْ جَانِبَيْهِ الْوَقائِعُ
يَرَى الْمَرْءُ عُنْوَانَ الْمَنُونِ بِرَأْسِهِ
وَيَذْهَبُ يُلْهِي نَفْسَهُ وَيُصَانِعُ
أَلا إِنَّمَا هَذِي اللَّيَالِي عَقَارِبٌ
تَدِبُّ وَهَذَا الدَّهْرُ ذِئْبٌ مُخَادِعُ
فَلا تَحْسَبَنَّ الدَّهْرَ لُعْبَةَ هَازِلٍ
فَمَا هُوَ إلَّا صَرْفُهُ وَالْفَجَائِعُ
فَيَا رُبَّمَا بَاتَ الْفَتَى وَهْوَ آمِنٌ
وَأَصْبَحَ قَدْ سُدَّتْ عَلَيْهِ الْمَطَالِعُ
فَفِيمَ اقْتِنَاءُ الدِّرْعِ وَالسَّهْمُ نَافِذٌ
وَفِيمَ ادِّخَارُ الْمَالِ وَالْعُمْرُ ضَائعُ
يَوَدُّ الْفَتَى أَنْ يَجْمَعَ الأَرْضَ كُلَّهَا
إِلَيْهِ وَلَمَّا يِدْرِ مَا اللهُ صَانِعُ
فَقَدْ يَسْتَحِيلُ الْمَالُ حَتْفًا لِرَبِّهِ
وَتَأْتِي عَلَى أَعْقَابِهِنَّ الْمَطَامِعُ
أَلا إِنَّمَا الأَيَّامُ تَجْرِي بِحُكْمِها
فَيُحْرَمُ ذُو كَدٍّ وَيُرْزَقُ وَادِعُ
فَلا تَقْعُدَنْ لِلدَّهْرِ تَنْظُرُ غِبَّهُ
عَلَى حَسْرَةٍ فَاللهُ مُعْطٍ وَمَانِعُ
فَلَو أنَّ مَا يُعْطِي الْفَتَى قَدْرُ نَفْسِهِ
لَمَا بَاتَ رِئْبَالُ الشَّرَى وَهْوَ جَائِعُ
وَدَعْ كُلَّ ذِي عَقْلٍ يَسِيرُ بِعَقْلِهِ
يُنَازِعُ مِنْ أَهْوَائِهِ مَا يُنَازِعُ
فَمَا النَّاسُ إلَّا كَالَّذِي أَنَا عَالِمٌ
قَدِيمًا وَعِلْمُ الْمَرْءِ بِالشَّيءِ نَافِعُ
وَلَسْتُ بِعَلَّامِ الْغُيُوبِ وإنَّمَا
أَرَى بِلِحَاظِ الرَّأْيِ مَا هُوَ وَاقِعُ
وَذَرْهُمْ يَخُوضُوا إِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ
لَهُمْ بَيْنَهَا عَمَّا قَلِيلٍ مَصَارِعُ
فَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ مَا هُوَ كَائِنٌ
لَمَا نَامَ سُمَّارٌ وَلا هَبَّ هَاجِعُ
وَمَا هَذِهِ الأَجْسَامُ إلَّا هَيَاكِلٌ
مُصَوَّرَةٌ فِيهَا النُّفُوسُ وَدَائِعُ
فَأَيْنَ الْمُلُوكُ الأَقْدَمُونَ تَسَنَّمُوا
قِلالَ الْعُلا فَالأرْضُ مِنْهُمْ بَلاقِعُ
مَضَوْا وَأَقَامَ الدَّهْرُ وَانْتَابَ بَعْدَهُمْ
مُلُوكٌ وَبَادُوا وَاسْتَهَلَّتْ طَلائِعُ
أَرَى كُلَّ حَيٍّ ذَاهِبًا بِيَدِ الرَّدَى
فَهَلْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَرَحَّلَ رَاجِعُ
أُنَادِي بِأَعْلَى الصَّوْتِ أَسْأَلُ عَنْهُمُ
فَهَلْ أَنْتَ يَا دَهْرَ الأَعَاجِيبِ سَامِعُ
فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَسْمَعْ نِدَاءً وَلَمْ تُحِرْ
جَوَابًا فَأَيُّ الشَّيْءِ أَنْتَ أُنَازِعُ
خَيَالٌ لَعَمْرِي لَيْسَ يُجْدِي طِلابُهُ
وَمَأْسَفَةٌ تُدْمَى عَلَيْهَا الأَصَابِعُ
فَمَنْ لِي وَرَوْعَاتُ الْمُنَى طَيْفُ حَالِمٍ
بِذِي خُلَّةٍ تَزْكُو لَدَيْهِ الصَّنَائِعُ
أُشَاطِرُهُ وُدِّي وَأُفْضِي لِسَمْعِهِ
بِسِرِّي وَأُمْلِيهِ الْمُنَى وَهْوَ رَابِعُ
لَعَلِّي إِذَا صَادَفْتُ فِي الْقَوْلِ رَاحَةً
نَضَحْتُ غَلِيلًا مَا رَوَتْهُ الْمَشَارِعُ
لَعَمْرُ أَبِي وَهْوَ الَّذِي لَوْ ذَكَرْتُهُ
لَمَا اخْتَالَ فَخَّارٌ ولا احْتَالَ خَادِعُ
لَمَا نَازَعَتْنَى النَّفْسُ فِي غَيْرِ حَقِّهَا
وَلا ذَلَّلَتْنِي لِلرِّجَالِ الْمطَامِعُ
وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا نَعِيمٌ وَلَذَّةٌ
بِذِي تَرَفٍ تَحْنُو عَلَيْهِ الْمَضَاجِعُ
فَلا السَّيْفُ مَفلُولٌ وَلا الرَّأيُ عَازِبٌ
وَلا الزَّنْدُ مَغْلُولٌ وَلا السَّاقُ ظَالِعُ
وَلَكِنَّنِي فِي مَعْشَرٍ لَمْ يَقُمْ بِهِمْ
كَرِيمٌ وَلَمْ يَرْكَبْ شَبَا السَّيْفِ خَالِعُ
لَوَاعِبُ بِالأَسْمَاءِ يَبْتَدِرُونَهَا
سَفَاهًا وَبِالأَلْقَابِ فَهْيَ بَضَائِعُ
وَهَلْ فِي التَّحَلِّي بِالْكُنَى مِنْ فَضِيلَةٍ
إِذَا لَمْ تُزَيَّنْ بِالْفعَالِ الطَّبَائِعُ
أُعاشِرُهُمْ رَغْمًا وَوُدِّي لَوَ انَّ لِي
بِهِمْ نَعَمًا أَدْعُو بِهِ فَيُسَارِعُ
فَيَا قَوْمُ هُبُّوا إنَّمَا الْعُمْرُ فُرْصَةٌ
وَفِي الدَّهْرِ طُرْقٌ جَمَّةٌ وَمَنَافِعُ
أَصَبْرًا عَلَى مَسِّ الْهَوَانِ وَأَنْتُمُ
عَدِيدُ الْحَصَى إنِّي إِلَى اللهِ رَاجِعُ
وَكَيْفَ تَرَوْنَ الذُّلَّ دَارَ إِقَامَةٍ
وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ فِي الأَرْضِ وَاسِعُ
أَرَى أَرْؤُسًا قَدْ أَيْنَعَتْ لِحَصَادِهَا
فَأَيْنَ وَلا أَيْنَ السُّيُوفُ الْقَوَاطِعُ
فَكُونُوا حَصِيدًا خَامِدِينَ أَوِ افْزَعُوا
إِلَى الْحَرْبِ حَتَّى يَدْفَعَ الضَّيْمَ دَافِعُ
أَهَبْتُ فَعَادَ الصَّوْتُ لَمْ يَقْضِ حَاجَةً
إِلَيَّ وَلَبَّانِي الصَّدَى وَهْوَ طَائِعُ
فَلَمْ أَدْرِ أَنَّ اللَّهَ صَوَّرَ قَبْلَكُمْ
تَمَاثِيلَ لَمْ يُخْلَقْ لَهُنَّ مَسَامِعُ
فَلا تَدَعُوا هَذِي الْقُلُوبَ فَإِنَّهَا
قَوَارِيرُ مَحْنِيٌّ عَلَيْهَا الأضَالِعُ
وَدُونَكُمُوهَا صَعْدَةً مَنْطِقِيَّةً
تَفُلُّ شَبَا الأَرْمَاحِ وَهْيَ شَوَارِعُ
تَسِيرُ بِهَا الرُّكْبَانُ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ
وَتَلْتَفُّ مِنْ شَوْقٍ إِلَيْهَا الْمَجَامِعُ
فَمِنْهَا لِقَوْمٍ أَوْشُحٌ وَقَلائِدٌ
وَمِنْهَا لِقَوْمٍ آخَرِينَ جَوَامِعُ
أَلا إنَّهَا تِلْكَ الَّتِي لَوْ تَنَزَّلَتْ
عَلَى جَبَلٍ أَهْوَتْ بِهِ فَهْوَ خَاشِعُ
أَتُرَى الْحَمَامَ يَنُوحُ مِنْ طَرَبٍ مَعِي
وَنَدَى الْغَمَامَةِ يَسْتَهِلُّ لِمَدْمَعِي
مَا لِلنَّسِيمِ بَلِيلَةً أَذْيَالُهُ
أَتُرَاهُ مَرَّ عَلَى جَدَاوِلِ أَدْمُعِي
بَلْ مَا لِهَذَا الْبَرْقِ مُلْتَهِبَ الْحشَا
أَسَمَتْ إِلَيْهِ شَرَارَةٌ مِنْ أَضْلُعِي
لَمْ أَدْرِ هَلْ شَعَرَ الزَّمَانُ بِلَوْعَتِي
فَرَثَى لَهَا أَمْ هَاجَتِ الدُّنْيَا مَعِي
فَالْغَيْثُ يَهَمِي رِقَّةً لِصَبَابَتِي
وَالطَّيْرُ تَبْكِي رَحْمَةً لِتَوَجُّعِي
خَطَرَاتُ شَوْقٍ أَلْهَبَتْ بِجَوَانِحِي
نَارًا يَدِبُّ أَزِيزُهَا فِي مِسْمَعِي
وَجَوًى كَأَطْرَافِ الأَسِنَّةِ لَمْ يَدَعْ
لِلصَّبْرِ بَيْنَ مقِيلِهِ مِنْ مَفْزَعِ
يَا أَهْلَ ذَا النَّادِي أَلَيْسَ بِكُمْ فَتًى
يَرْثِي لِوَيْلاتِ الْمَشُوقِ الْمُولَعِ
أَبْكِي فَيَرْحَمُنِي الْجَمَادُ وَلا أَرَى
خِلًّا يَرِقُّ إِلَى شَكَاتِي أَوْ يَعِي
فَإِذَا دَعَوْتُ بِصَاحِبٍ لَمْ يَلْتفِتْ
وَإِذَا لَجَأْتُ إِلَى أَخٍ لَمْ يَنْفَعِ
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّنِي أَشْكُو الْهَوَى
وَالذَّنْبُ لِي فِي كُلِّ مَا أَنَا مُدَّعِي
قَدْ طَالَمَا يَا قَلْبُ قُلْتُ لَكَ احْتَرِسْ
أَرَأَيْتَ كَيْفَ يَخِيبُ مَنْ لَمْ يَسْمَعِ
أَوْقَعْتَ نَفْسَكَ فِي حَبَائِلِ خُدْعَةٍ
لا تُسْتَقَالُ فَخُذْ لِنَفْسِكَ أَوْ دَعِ
يَا ظَبْيَةَ الْمِقْيَاسِ هَذَا مَدْمَعِي
فَرِدِي وَهَذَا رَوْضُ قَلْبِي فَارْتَعِي
إِنْ كَانَ لا يُرْضِيكِ إِلَّا شِقْوَتِي
فَلَقَدْ بَلَغْتِ مُنَاكِ مِنْهَا فَاقْنَعِي
أَنَا مِنْكِ بَيْنَ صَبَابَةٍ لا تَنْقَضِي
أيَّامُهَا وَغَوَايَةٍ لَمْ تُقْلِعِ
فَثِقِي بِمَا تُمْلِيهِ أَلْسِنَةُ الْهَوَى
وَهْيَ الدُّمُوعُ فَحَقُّهَا لَمْ يُدْفَعِ
لا تَحْسَبِي قَوْلِي خَدِيعَةَ مَاكِرٍ
إِنَّ الْوَفِيَّ بِعَهْدِهِ لَمْ يَخْدَعِ
إِنِّي لَأَقْنَعُ مِنْ هَوَاكِ بنَظْرَةٍ
وَأَعُدُّهَا صِلَةً إِذَا لَمْ تَمْنَعِي
هَذِي مُنَايَ وَحَبَّذَا لَوْ نِلْتُهَا
عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَهْيَ أَكْبَرُ مُقْنِعِ
هَلْ مِنْ فَتًى يَنْشُدُ قَلْبِي مَعِي
بَيْنَ خُدُورِ الْعِينِ بِالأَجْرَعِ
كَانَ مَعِي ثُمَّ دَعَاهُ الْهَوَى
فَمَرَّ بِالْحَيِّ وَلَمْ يَرْجعِ
فَهَلْ إِذَا نَادَيْتُهُ بِاسْمِهِ
يُفِيقُ مِنْ سَكْرَتِهِ أَوْ يَعِي
هَيْهَاتَ يَلْقَى رَشَدًا بَعْدَ مَا
أَغْوَاهُ لَحْظُ الرَّشَإِ الأَتْلَعِ
فَيَا دُمُوعَ الْقَطْرِ سِيلِي دَمًا
وَيَا بَنَاتِ الأَيْكِ نُوحِي مَعِي
وَأَنْتِ يَا نَسْمَةَ وَادِي الْغَضَى
مُرِّي بِرَيَّاكِ عَلَى مَرْبَعِي
وَأَنْتِ يَا عُصْفُورَةَ الْمُنْحَنَى
بِاللَّهِ غَنِّي طَرَبًا وَاسْجَعِي
وَأَنْتِ يَا عَيْنُ إِذَا لَمْ تَفِي
بِذِمَّةِ الدَّمْعِ فَلا تَهْجَعِي
صَبَابَةٌ أَغْرَتْ عَلَيَّ الأَسَى
ودَلَّتِ السُّهْدَ عَلَى مَضْجَعِي
ويْلاهُ مِنْ نَارِ الْهَوَى إِنَّهَا
لَوْلا دُمُوعِي أَحْرَقَتْ أَضْلُعِي
أَبِيتُ أَرْعَى النَّجْمَ فِي سُدْفَةٍ
ضَلَّ بِهَا الصُّبْحُ فَلَمْ يَطْلُعِ
لا أَهْتَدِي فِيهَا إِلَى حِيلَةٍ
تَقِي حَيَاتِي مِنْ يَدَيْ مَصْرَعِي
طَوْرًا أُدَارِي لَوْعَتِي بِالْمُنَى
وَتَارَةً يَغْلِبُنِي مَدْمَعِي
فَهَلْ إِلَى الأشْوَاقِ مِنْ غَايَةٍ
أَمْ هَلْ إِلَى الأَوْطَانِ مِنْ مَرْجَعِ
لا تَأْسَ يَا قَلْبُ عَلَى مَا مَضَى
لَا بُدَّ لِلمِحْنَةِ مِنْ مَقْطَعِ
فُؤَادٌ بِأَقْمَارِ الأَكِلَّةِ مُولَعُ
وَعَيْنٌ عَلَى إِثْرِ التَّفَرُّقِ تَدْمَعُ
وَشَوْقٌ كَنَصْلِ السَّيْفِ لَوْ شِمْتُ حَدَّهُ
عَلَى بَطَلٍ لانْقَدَّ مِنْهُ الْمُقَنَّعُ
أُحَاوِلُ كِتْمَانَ الْهَوَى فَتَشِي بِهِ
غُرُوبٌ مِنَ الْعَيْنِ الْقَرِيحَةِ تَهْمَعُ
وَمَا الْحُبُّ إلَّا نَفْثَةٌ بَابِلِيَّةٌ
يَكَادُ الصَّفَا مِنْ مَسِّهَا يَتَصدَّعُ
خَلِيلَيَّ هَلْ بَعْدَ الصَّبَابَةِ سَلْوَةٌ
وَهَلْ لِشَبَابٍ فَاتَ بِالأَمْسِ مَرْجِعُ
أَبِيتُ أُمَنِّي النَّفْسَ طَوْرًا فَتَرْعَوِي
وَأَتْلُو عَلَيْهَا الْيَأْسَ طَوْرًا فَتَجْزَعُ
وَمَا ذِكْرُ رَيْعَانِ الصِّبَا غَيْرُ حَسْرَةٍ
تَذِلُّ لَهَا نَفْسُ الْعَزِيزِ وتَخْضَعُ
فَلا رَحِمَ اللهُ الْمَشِيبَ وَعَصْرَهُ
وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ الْحِلْمُ أَجْمَعُ
نَهَارُ مَشِيبٍ سَاءَنِي وَهْوَ أَبْيَضٌ
وَلَيْلُ شَبَابٍ سَرَّنِي وَهْوَ أَسْفَعُ
إِذَا شَابَ رَأْسُ الْمَرْءِ شَابَ فُؤَادُهُ
وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ لِلْبَشَاشَةِ مَوْضِعُ
وَأَيُّ نَعِيمٍ فِي مَشِيبٍ وَرَاءَهُ
هُمُومٌ إِذَا مَرَّتْ عَلَى الْقَلْبِ يَفْزَعُ
لِيَبْكِ الصِّبَا قَلْبِي وَطَرْفِي كِلاهُمَا
وَقَلَّ لَهُ مِنِّي نَجِيعٌ وَأَدْمُعُ
زَمَانٌ تَوَلَّى غَيْرَ أَعْقَابِ ذُكْرَةٍ
إِذَا خَطَرَتْ كَادَتْ لَهَا النَّفْسُ تُنْزَعُ
أَلَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ تَسْمَعَا
فَأَشْكُو إِلَيْكَ نَمُومًا سَعَى
أَطَاعَ لَهُ الْمَاءُ حَتَّى اسْتَقَى
وَأَمْكَنَهُ الرِّعْيُ حَتَّى رَعَى
أَتَاكَ فَأَغْشَيْتَهُ مَنْزِلًا
رَحِيبًا وَأَرْعَيْتَهُ مِسْمَعَا
فَأَبْدَعَ مَا شَاءَ فِي فِرْيَةٍ
تَأَنَّقَ فِي صُنْعِهَا وَادَّعَى
صَنَاعُ اللِّسَانِ خَلُوبُ الْبَيَا
نِ يَخْلُقُ مِنْ ضِحْكِهِ أَدْمُعَا
حَرِيصٌ عَلَى الشَّرِّ لا يَنْثَنِي
عَنِ الْقَصْدِ مَا لَمْ يَجِدْ مَنْزَعا
يَسِيرُ مَعَ الرِّفْقِ حَتَّى إِذَا
تَمَكَّنَ مِنْ فُرْصَةٍ أَوْضَعَا
وَمَا كَانَ لَوْلا خِلاجُ الظُّنُونِ
لِيَرْغَبَ فِي الْقَوْلِ أَوْ يَطْمَعَا
وَلا وَحِفَاظِكَ وَهْوَ الْيَمِيـ
ـنُ مَا حُلْتُ عَنْ عَهدِكُمْ إِصْبَعَا
وَلَكِنَّهَا نَزَغَاتُ الْوُشَاةِ
أَصَابَتْ هَوًى فَلَوَتْ أَخْدَعَا
وَلَيْسَ مَلامِي عَلَى مَنْ وَشَى
وَلَكِنْ مَلامِي عَلَى مَنْ وَعَى
أَيَجْمُلُ بِالْعَهْدِ أَنْ يُسْتَبَاحَ
لِوَاشٍ وَلِلْوُدِّ أَنْ يُقْطَعَا
فَشَتَّانَ مَا بَيْنَنَا فِي الْوِدَا
دِ خِلٌّ أَضَاعَ وَخِلٌّ رَعَى
وَمَنْ أشرَكَ النَّاسَ فِي أَمْرِهِ
دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ أَنْ يُخْدَعَا
فَخُذْهَا إِلَيْكَ عِتَابيَّةً
تَرُدُّ عَصِيَّ الْمُنَى طَيِّعَا
وَلَوْلا مَكَانُكَ مِنْ مُهْجَتِي
لَمَا قُلْتُ لِابْنِ عِثَارٍ لَعَا
وقَالَ يَرْثِي صَدِيقَهُ «أَحْمَدَ فَارس» وَيُعَزِّي ابْنَهُ: (من الطويل)
مَتَى يَشْتَفِي هَذَا الْفُؤَادُ الْمُفَجَّعُ
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ رَاحِلٌ لَيْسَ يَرْجِعُ
نَمِيلُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى ظِلِّ مُزْنَةٍ
لَهَا بَارِقٌ فِيهِ الْمَنِيَّةُ تَلْمَعُ
وَكَيْفَ يَطِيبُ الْعَيْشُ وَالْمَرْءُ قَائِمٌ
عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَوْلِ مَا يَتَوَقَّعُ
بِنَا كُلَّ يَوْمٍ لِلْحَوَادِثِ وَقْعَةٌ
تَسِيلُ لَهَا مِنَّا نُفُوسٌ وَأَدْمُعُ
فَأَجْسَادُنَا فِي مَطْرَحِ الأَرْضِ هُمَّدٌ
وَأَرْوَاحُنَا فِي مَسْرَحِ الجَوِّ رُتَّعُ
ومِنْ عَجَبٍ أنَّا نُسَاءُ ونَرْتَضِي
وَنُدْرِكُ أَسْبَابَ الفَنَاءِ وَنَطْمَعُ
وَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ عُقْبانَ أَمْرِهِ
لَهَانَ عَلَيْهِ مَا يَسُرُّ ويَفْجَعُ
تَسِيرُ بِنَا الأَيَّامُ وَالْمَوْتُ مَوْعِدٌ
وَتَدْفَعُنَا الأَرْحَامُ والأَرْضُ تَبْلَعُ
عَفَاءٌ عَلَى الدُّنْيَا فَمَا لِعِدَاتِهَا
وَفَاءٌ وَلا فِي عَيْشِهَا مُتَمَتَّعُ
أبَعْدَ سَمِيرِ الْفَضْلِ أَحْمَدَ فَارِسٍ
تَقِرُّ جُنُوبٌ أَوْ يُلائِمُ مَضْجَعُ
كَفَى حَزنًا أنَّ النَّوَى صَدَعَتْ بِهِ
فُؤَادًا مِنَ الحِدْثَانِ لا يَتَصدَّعُ
وَمَا كُنْتُ مِجْزَاعًا وَلَكِنَّ ذَا الأَسَى
إِذَا لَمْ يُسَاعِدْهُ التَّصبُّرُ يَجْزَعُ
فَقَدْنَاهُ فِقْدَانَ الشَّرَابِ عَلَى الظَّمَا
فَفِي كُلِّ قَلْبٍ غُلَّةٌ لَيْسَ تُنْقَعُ
وَأَيُّ فُؤَادٍ لَمْ يَبِتْ لِمُصَابِهِ
عَلَى لَوْعَةٍ أَوْ مُقْلَةٍ لَيْسَ تَدْمَعُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّمعِ فِي الْخَدِّ مَسْرَبٌ
رَوِيٌّ فَمَا لِلْحُزْنِ فِي الْقَلْبِ مَوْضِعُ
مَضَى وَوَرِثْنَاهُ عُلُومًا غَزِيرَةً
تَظَلُّ بِهَا هِيمُ الْخَوَاطِرِ تَشْرَعُ
إِذَا تُلِيَتْ آيَاتُهَا فِي مَقَامَةِ
تَنَافَسَ قَلْبٌ فِي هَوَاهَا ومِسْمَعُ
سَقَى جَدَثًا فِي أرْضِ لُبْنَانَ عَارِضٌ
مِنَ الْمُزْنِ فَيَّاضُ الْجَدَاوِلِ مُتْرَعُ
فَإِنَّ بِهِ لِلْمَكْرُمَاتِ حُشَاشَةً
طَوَاهَا الرَّدَى فَالْقَلْبُ حَرَّانُ مُوجَعُ
فَإِنْ يَكُنِ الشِّدْيَاقُ خَلَّى مَكَانَهُ
فَإِنَّ ابْنَهُ عَنْ حَوْزَةِ الْمَجْدِ يَدْفَعُ
وَمَا مَاتَ مَنْ أَبْقَى عَلَى الدَّهْرِ فَاضِلًا
يُؤَلِّفُ أَشْتَاتَ الْمَعَالِي وَيَجْمَعُ
رَزِينُ حَصَاةِ الحِلْمِ لا يَسْتَخِفُّهُ
إِلَى اللَّهْوِ طَبْعٌ فَهْوَ بالْجِدِّ مُولَعُ
تَلُوحُ عَلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ شَمَائِلٌ
تَدُلُّ عَلَى طِيبِ الْخِلالِ وَتَنْزِعُ
فَصَبْرًا جَمِيلًا يَا سَلِيمُ فإنَّمَا
يُسِيغُ الْفَتَى بِالصَّبْرِ مَا يَتَجَرَّعُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَهُ
فَمَاذَا تُرَاهُ فِي الْمُقَدَّرِ يَصْنَعُ
وَمِثْلُكَ مَنْ رَازَ الأُمُورَ بِعَقْلِهِ
وَأَدْرَكَ مِنْهَا مَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ
فَلا تُعْطِيَنَّ الْحُزْنَ قَلْبَكَ وَاسْتَعِنْ
عَلَيْهِ بِصَبْرٍ فَهْوَ فِي الْحُزْنِ أنْجَعُ
وَهَاكَ عَلَى بُعْدِ الْمَزَارِ قَرِيبَةً
إِلَى النَّفْسِ يَدْعُوهَا الْوَفَاءُ فَتَتْبَعُ
رَعَيْتُ بِهَا حَقَّ الْوِدَادِ عَلَى النَّوَى
ولِلْحَقِّ فِي حُكْمِ البَصِيرَةِ مَقْطَعُ
وَقَالَ يُجِيبُ الأَمِيرَ «شكيب أرسلان» عن قَصِيدَة لَهُ: (من الكامل)
رُدِّي التَّحِيَّةَ يَا مَهَاةَ الأَجْرَعِ
وَصِلِي بِحَبْلِكِ حَبْلَ مَنْ لَمْ يَقْطَعِ
وتَرَفَّقِي بِمُتَيَّمٍ عَلِقَتْ بِهِ
نَارُ الصَّبَابَةِ فَهْوَ ذَاكِي الأضْلُعِ
طَرِبِ الْفُؤَادِ يَكَادُ يَحْمِلُهُ الْهَوَى
شَوْقًا إِلَيْكِ مَعَ الْبُرُوقِ اللُّمَّعِ
لا يَسْتَنِيمُ إِلَى الْعَزَاءِ وَلا يَرَى
حَقًّا لِصَبْوَتِهِ إِذَا لَمْ يَجْزَعِ
ضَمَّتْ جَوَانِحُهُ إِلَيْكِ رِسَالَةً
عُنْوَانُهَا فِي الْخَدِّ حُمْرُ الأَدْمُعِ
فَمَتَى يَبُوحُ بِمَا أَجَنَّ ضَمِيرُهُ
إِنْ كُنْتِ عَنْهُ بِنَجْوَةٍ لَمْ تَسْمَعِي
أَصْبَحْتُ بَعْدَكِ فِي دَيَاجِرِ غُرْبَةٍ
مَا لِلصَّبَاحِ بِلَيْلِهَا مِنْ مَطْلَعِ
لا يَهْتَدِي فِيهَا لِرَحْلِيَ طَارِقٌ
إِلَّا بِأَنَّةِ قَلْبِيَ الْمُتَوَجِّعِ
أَرْعَى الْكَوَاكِبَ فِي السَّمَاءِ كَأَنَّ لِي
عِنْدَ النُّجُومِ رَهِينَةً لَمْ تُدْفَعِ
زُهْرٌ تَأَلَّقُ بِالْفَضَاءِ كَأَنَّهَا
حَبَبٌ تَرَدَّدَ فِي غَدِيرٍ مُتْرَعِ
وَكَأَنَّهَا حَوْلَ الْمَجَرِّ حَمَائِمٌ
بِيضٌ عَكَفْنَ عَلَى جَوَانِبِ مَشْرَعِ
وَتَرَى الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ كَأنَّهَا
حَلَقَاتُ قُرْطٍ بِالْجُمَانِ مُرَصَّعِ
بَيْضَاءُ نَاصِعَةٌ كَبَيْضِ نَعَامَةٍ
فِي جَوْفِ أُدْحِيٍّ بِأَرْضٍ بَلْقَعِ
وَكَأَنَّهَا أُكَرٌ تَوَقَّدَ نُورُهَا
بِالْكَهْرَبَاءَةِ فِي سَمَاوَةِ مَصْنَعِ
وَاللَّيْلُ مَرْهُوبُ الْحَمِيَّةِ قَائِمٌ
فِي مسْحِهِ كَالرَّاهِبِ المُتَلَفِّعِ
مُتَوَشِّحٌ بِالنَّيِّرَاتِ كَبَاسِلٍ
مِنْ نَسْلِ حَامٍ باللُّجَيْنِ مُدَرَّعِ
حَسِبَ النُّجُومَ تَخلَّفَتْ عَنْ أَمْرِهِ
فَوَحَى لَهُنَّ مِنَ الْهِلالِ بِإِصْبَعِ
مَا زِلْتُ أرْقُبُ فَجْرَهُ حَتَّى انْجَلَى
عَنْ مِثْلِ شَادِخَةِ الْكُمَيْتِ الأَتْلَعِ
وَتَرَنَّمَتْ فَوْقَ الأَرَاكِ حَمَامَةٌ
تَصِفُ الْهَوَى بِلِسَانِ صَبٍّ مُولَعِ
تَدْعُو الْهَدِيلَ وَمَا رَأَتْهُ وَتِلْكَ مِنْ
شِيَمِ الْحَمَائِمِ بِدْعَةٌ لَمْ تُسْمَعِ
رَيَّا الْمَسَالِكِ حَيْثُ أَمَّتْ صَادَفَتْ
مَا تَشْتَهِي مِنْ مَجْثَمٍ أوْ مَرْتَعِ
فَإِذَا عَلَتْ سَكَنَتْ مَظَلَّةَ أَيْكَةٍ
وَإِذَا هَوَتْ وَرَدَتْ قَرَارَةَ مَنْبَعِ
أَمْلَتْ عَلَيَّ قَصِيدَةً فَجَعَلْتُهَا
لِشَكِيبَ تُحْفَةَ صَادِقٍ لَمْ يَدَّعِ
هِيَ مِنْ أَهَازِيجِ الْحَمَامِ وَإِنَّمَا
ضَمَّنْتُهَا مَدْحَ الْهُمَامِ الأَرْوَعِ
هُوَ ذَلِكَ الشَّهْمُ الَّذِي بَلَغَتْ بِهِ
مَسْعَاتُهُ أَمَدَ السِّمَاكِ الأَرْفَعِ
نِبْرَاسُ دَاجِيَةٍ وَعُقْلَةُ شَارِدٍ
وَخَطِيبُ أَنْدِيَةٍ وَفَارِسُ مَجْمَعِ
صَدْقُ الْبَيَانِ أَعَضَّ «جَرْوَلَ» بِاسْمِهِ
وَثَنَى «جَرِيرًا» بِالْجَرِيرِ الأَطْوَعِ
لَمْ يَتَّخِذْ بَدْرَ المُقَنَّعِ آيَةً
بَلْ جَاءَ خَاطِرُهُ بِآيَةِ يُوشَعِ
أَحْيَا رَمِيمَ الشِّعْرِ بَعْدَ هُمُودِهِ
وَأَعَادَ لِلأَيَّامِ عَصْرَ «الأَصْمَعِي»
كَلِمٌ لَهَا فِي السَّمْعِ أَطْرَبُ نَغْمَةٍ
وَبِحُجْرَةِ الأَسْرَارِ أَحْسَنُ مَوْقِعِ
كَالزَّهْرِ خَامَرَهُ النَّدَى فَتَأَرَّجَتْ
أَنْفَاسُهُ بِالْعَنْبَرِ الْمُتَضَوِّعِ
يَعْنُو لَهَا الْخَصْمُ الأَلَدُّ ويغْتَذِي
بِلِبَانِهَا ذِهْنُ الْخَطِيبِ الْمِصْقَعِ
هِيَ نُجْعَةُ الأدَبِ الَّتِي مَنْ أَمَّهَا
أَلْقَى مَرَاسِيَهُ بِوَادٍ مُمْرِعِ
مَلكَتْ هَوَى نَفْسِي وَأَحْيَتْ خَاطِرِي
وَرَوَتْ صَدَى قَلْبِي وَلَذَّتْ مسْمَعِي
فَاسْلَمْ شَكِيبُ وَلا بَرِحْتَ بِنِعْمَةٍ
تَحْنُو عَلَيْكَ بِأَيْكِهَا الْمُتَفَرِّعِ
فَلأَنْتَ أَجْدَرُ بِالثَّنَاءِ لِمِنَّةٍ
أَوْلَيْتَهَا والْبِرُّ أَفْضَلُ مَا رُعِي
أَرْهَفْتَ حَدِّي فَهْوَ غَيْرُ مُفَلَّلٍ
وَرَعَيْتَ عَهْدِي فَهْوَ غَيْرُ مُضَيَّعِ
وَبَثَقْتَ لِي مِنْ فَيْضِ بَحْرِكَ جَدْوَلًا
غَمَرَ الْبِحَارَ بِسَيْلِهِ الْمُتَدَفِّعِ
عَذُبَتْ مَوَارِدُهُ فَلَوْ أَلْقَتْ بِهِ
هِيمُ السَّحَابِ دِلاءَهَا لَمْ تُقْلِعِ
وَزَهَتْ فَرَائِدُهُ فَصَارَتْ غُرَّةً
لِجَبِينِ كُلِّ مُتَوَّجٍ وَمُقَنَّعِ
هُوَ ذَلِكَ النَّظْمُ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ
أَهْلُ الْبَرَاعَةِ بِالْمَقَالِ الْمُبْدَعِ
أَبْصَرْتُ منْهُ أَخَا «إِيَادٍ» خَاطِبًا
وسَمِعْتُ «عَنْتَرَةَ» الْفَوَارِسِ يَدَّعِي
وَحَلَمْتُ أَنِّي فِي خَمَائِلِ جَنَّةٍ
وَمِنَ الْعَجَائِبِ حَالِمٌ لَمْ يَهْجَعِ
فَضْلٌ رَفَعْتَ بِهِ مَنَارَ كَرَامَةٍ
صَرَفَ الْعُيُونَ عَنِ الْمَنَارِ «لِتُبَّعِ»
فَمَتَى أَقُومُ بِشُكْرِ مَا أَوْلَيْتَنِي
وَالنَّجْمُ أَقْرَبُ غَايَةً مِنْ مَنْزِعِي
فَاعْذِرْ إِذَا قَصَرَ الثَّنَاءُ فَإِنَّنِي
رُزْتُ الْمَقَالَ فَلَمْ أجِدْ مِنْ مَقْنَعِ
لا زِلْتَ تَرْفُلُ فِي وِشَاءِ سَعَادَةٍ
وَحَبِيرِ عَافِيَةٍ وعَيْشٍ أَمْرَعِ
هَلْ بِالْحِمَى عَنْ سَرِيرِ الْمُلْكِ مَنْ يَزَعُ
هَيْهَاتَ قَدْ ذَهَبَ الْمَتْبُوعُ وَالتَّبَعُ
هَذِي الْجَزِيرَةُ فَانْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا
يَنْأَى بِهِ الْخَوْفُ أَوْ يَدْنُو بِهِ الطَّمَعُ
أَضْحَتْ خَلاءً وَكَانَتْ قَبْلُ مَنْزِلَةً
لِلْمُلْكِ مِنْهَا لِوَفْدِ الْعِزِّ مُرْتَبَعُ
فَلا مُجِيبَ يَرُدُّ القَوْلَ عَنْ نَبَإٍ
وَلا سَمِيعَ إِذَا نَادَيْتَ يَسْتَمِعُ
كَانَتْ مَنَازِلَ أَمْلاكٍ إِذَا صَدَعُوا
بِالأَمْرِ كَادَتْ قُلُوبُ النَّاسِ تَنْصَدِعُ
عَاثُوا بِهَا حِقْبَةً حَتَّى إِذَا نَهَضَتْ
طَيْرُ الْحَوَادِثِ مِنْ أَوْكَارِهَا وَقَعُوا
لَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا مِقْدَارَ مَا فَغَرَتْ
بِهِ الْحَوَادِثُ مَا شَادُوا وَلا رَفَعُوا
دَارَتْ عَلَيْهِمْ رَحَى الأيَّامِ فَانْشَعَبُوا
أَيْدِي سَبَا وَتَخَلَّتْ عَنْهُمُ الشِّيَعُ
كَانَتْ لَهُمْ عُصَبٌ يَسْتَدْفِعُونَ بِهَا
كَيْدَ الْعَدُوِّ فَمَا ضَرُّوا وَلا نَفَعُوا
أَيْنَ الْمَعَاقِلُ بَلْ أَيْنَ الْجَحَافِلُ بَلْ
أَيْنَ الْمَنَاصِلُ وَالْخِطِّيَّةُ الشَّرَعُ
لا شَيْءَ يَدْفَعُ كَيْدَ الدَّهْرِ إِنْ عَصَفَتْ
أَحْدَاثُهُ أَوْ يَقِي مِنْ شَرِّ مَا يَقَعُ
زَالُوا فَمَا بَكَتِ الدُّنْيَا لِفُرْقَتِهِمْ
وَلا تَعَطَّلَتْ الأَعْيَادُ وَالْجُمَعُ
وَالدَّهْرُ كَالْبَحْرِ لا يَنْفَكُّ ذَا كَدَرِ
وَإنَّمَا صَفْوُهُ بَيْنَ الْوَرَى لُمَعُ
لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ فِكْرٌ فِي عَوَاقِبِهِ
مَا شَانَ أَخْلاقَهُ حِرْصٌ وَلا طَبَعُ
وَكَيْفَ يُدْرِكُ مَا فِي الْغَيْبِ مِنْ حَدَثٍ
مَنْ لَمْ يَزَلْ بِغُرُورِ الْعَيْشِ يَنْخَدِعُ
دَهْرٌ يَغُرُّ وَآمَالٌ تَسُرُّ وَأَعـْ
ـمَارٌ تَمُرُّ وَأيَّامٌ لَهَا خُدَعُ
يَسْعَى الْفَتَى لأُمُورٍ قَدْ تَضُرُّ بِهِ
وَلَيْسَ يَعْلَمُ مَا يَأْتِي وَمَا يَدَعُ
يَا أَيُّهَا السَّادِرُ الْمُزْوَرُّ مِنْ صَلَفٍ
مَهْلًا فَإِنَّكَ بِالأَيَّامِ مُنْخَدِعُ
دَعْ مَا يَرِيبُ وَخُذْ فِيمَا خُلِقْتَ لَهُ
لَعَلَّ قَلْبَكَ بِالإِيمَانِ يَنتَفِعُ
إِنَّ الْحَيَاةَ لَثَوْبٌ سَوْفَ تَخْلَعُهُ
وَكُلُّ ثَوْبٍ إِذَا مَا رَثَّ يَنْخَلِعُ
وَقَالَ وَهُوَ بِسَرَندِيب: (من البسيط)
لَبَّيْكَ يَا دَاعِيَ الأَشْوَاقِ مِنْ دَاعِي
أَسْمَعْتَ قَلْبِي وَإِنْ أَخْطَأْتَ أَسْمَاعِي
مُرْنِي بِمَا شِئْتَ أَبْلُغْ كُلَّ مَا وَصَلَتْ
يَدِي إِلَيْهِ فَإِنِّي سَامِعٌ وَاعِي
فَلا وَرَبِّكَ مَا أُصْغِي إِلَى عَذَلٍ
وَلا أُبِيحُ حِمَى قَلْبِي لِخَدَّاعِ
إِنِّي امْرُؤٌ لا يَرُدُّ الْعَذْلُ بَادِرَتِي
وَلا تَفُلُّ شَبَاةُ الْخَطْبِ إِزْمَاعِي
أَجْرِي عَلَى شِيمَةٍ فِي الْحُبِّ صَادِقَةٍ
لَيْسَتْ تَهُمُّ إِذَا رِيعَتْ بِإِقْلاعِ
لِلْحُبِّ مِنْ مُهْجَتِي كَهْفٌ يَلُوذُ بِهِ
مِنْ غَدْرِ كُلِّ امْرِئٍ بالشَّرِّ وَقَّاعِ
بَذَلْتُ فِي الْحُبِّ نَفْسِي وَهْيَ غَالِيَةٌ
لِبَاخِلٍ بِصَفَاءِ الْوُدِّ مَنَّاعِ
أَشْكُو إِلَيْهِ وَلا يُصْغِي لِمَعْذِرَتي
مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ جَنَتْهُ النَّفْسُ أَوْ دَاعِي
وَيْلاهُ مِنْ حَاجَةٍ فِي النَّفْسِ هَامَ بِهَا
قَلْبي وَقَصَّرَ عَنْ إِدْرَاكِهَا بَاعِي
أسْعَى لَهَا وَهْيَ مِنِّي غَيْرُ دَانِيَةٍ
وَكَيْفَ يَبْلُغُ شَأْوَ الْكَوْكَبِ السَّاعِي
يَا حَبَّذَا جُرْعَةٌ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ
وَضَجْعَةٌ فَوْقَ بَرْدِ الرَّمْلِ بِالْقَاعِ
وَنَسْمَةٌ كَشَمِيمِ الْخُلْدِ قَدْ حَمَلَتْ
رَيَّا الأَزَاهِيرِ مِنْ مِيثٍ وَأَجْرَاعِ
يَا هَلْ أَرَانِي بِذَاكَ الْحَيِّ مُجتَمِعًا
بِأَهْلِ وُدِّي مِنْ قَوْمِي وَأَشْيَاعِي
وَهَلْ أَسُوقُ جَوَادِي لِلطِّرَادِ إِلَى
صَيْدِ الْجَآذِرِ فِي خَضْرَاءَ مِمْرَاعِ
مَنَازِلٌ كُنْتُ مِنْهَا فِي بُلَهْنِيَةٍ
مُمَتَّعًا بَيْنَ غِلْمَانِي وَأَتْبَاعِي
إِذَا أَشَرْتُ لَهُمْ فِي حَاجَةٍ بَدَرُوا
قَضَاءَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلْمَاعِي
يَخْشَى الْبَلِيغُ لِسَانِي قَبْلَ بَادِرَتِي
وَيُرْعَدُ الْجَيْشُ بِاسْمِي قَبْلَ إِيقَاعِي
فَالْيَوْمَ أَصْبَحْتُ لا سَهْمِي بِذِي صَرَدٍ
إِذَا رَمَيْتُ وَلا سَيْفِي بقَطَّاعِ
أَبِيتُ فِي قُنَّةٍ قَنْوَاءَ قَدْ بَلَغَتْ
هَامَ السِّمَاكِ وَفَاتَتْهُ بِأَبْوَاعِ
يَسْتَقْبِلُ الْمُزْنَ لِيَتَيْهَا بِوَابِلِهِ
وَتصْدِمُ الرِّيحُ جَنْبَيْهَا بِزَعْزَاعِ
يَظَلُّ شِمْرَاخُهَا يَبْسًا وَأَسْفَلُهَا
مُكَلَّلًا بِالنَّدَى يَرْعَى بِهِ الرَّاعِي
إِذَا الْبُرُوقُ ازْمَهَرَّتْ خِلْتَ ذِرْوَتَهَا
شَهْمًا تَدَرَّعَ مِنْ تِبْرٍ بِأَدْرَاعِ
تَكَادُ تَلْمِسُ مِنْهَا الشَّمْسَ دَانِيَةً
وَتَحْبِسُ الْبَدْرَ عَنْ سَيْرٍ وَإقْلاعِ
أَظَلُّ فِيهَا غَرِيبَ الدَّارِ مُبْتَئِسًا
نَابِي الْمَضَاجِعِ مِنْ هَمٍّ وَأَوْجَاعِ
لا فِي سَرَنْدِيبَ خِلٌّ أَسْتَعِينُ بِهِ
عَلَى الْهُمُومِ إِذَا هَاجَتْ وَلا رَاعِي
يَظُنُّنِي مَنْ يَرَانِي ضَاحِكًا جَذِلًا
أَنِّي خَلِيٌّ وَهَمِّي بَيْنَ أَضْلاعِي
وَلا وَرَبِّكَ مَا وَجْدِي بِمُنْدَرِسٍ
عَلَى الْبِعَادِ وَلا صَبْرِي بِمِطْوَاعِ
لَكِنَّنِي مَالِكٌ حَزْمِي وَمُنْتَظِرٌ
أَمْرًا مِنَ اللَّهِ يَشْفِي برْحَ أَوْجَاعِي
أَكُفُّ غَرْبَ دُمُوعِي وَهْيَ جَارِيَةٌ
خَوْفَ الرَّقِيبِ وَقَلْبِي جِدُّ مُلْتَاعِ
فَإِنْ يَكُنْ سَاءَنِي دَهْرِي وَغَادَرَنِي
رَهْنَ الأَسَى بَيْنَ جَدْبٍ بَعْدَ إِمْرَاعِ
فَإنَّ فِي مِصْرَ إِخْوَانًا يَسُرُّهُمُ
قُرْبِي وَيُعْجِبُهُمْ نَظْمِي وَإِبْدَاعِي