بِقُوَّةِ الْعِلْمِ تَقْوَى شَوْكَةُ الأُمَمِ
فَالْحُكْمُ فِي الدَّهْرِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَلَمِ
كَمْ بَيْنَ مَا تَلْفِظُ الأَسْيَافُ مِنْ عَلَقٍ
وَبَيْنَ مَا تَنْفُثُ الأَقْلامُ مِنْ حِكَمِ
لَوْ أَنْصَفَ النَّاسُ كَانَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمُ
بِقَطْرَةٍ مِنْ مِدَادٍ لا بِسَفْكِ دَمِ
فَاعْكُفْ عَلَى الْعِلْمِ تَبْلُغْ شَأْوَ مَنْزِلَةٍ
فِي الْفَضْلِ مَحْفُوفَةٍ بِالْعِزِّ وَالْكَرَمِ
فَلَيْسَ يَجْنِي ثِمَارَ الْفَوْزِ يَانِعَةً
مِنْ جَنَّةِ الْعِلْمِ إِلَّا صَادِقُ الْهِمَمِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسَاعِي مَا يَبِينُ بِهِ
سَبْقُ الرِّجَالِ تَسَاوَى النَّاسُ فِي الْقِيَمِ
وَلِلْفَتَى مُهْلَةٌ فِي الدَّهْرِ إِنْ ذَهَبَتْ
أَوْقَاتُهَا عَبَثًا لَمْ يَخْلُ مِنْ نَدَمِ
لَوْلا مُدَاوَلَةُ الأَفْكَارِ مَا ظَهَرَتْ
خَزَائِنُ الأَرْضِ بَيْنَ السَّهْلِ وَالْعَلَمِ
كَمْ أُمُّةٍ دَرَسَتْ أَشْبَاحُهَا وَسَرَتْ
أَرْوَاحُهَا بَيْنَنَا فِي عَالَمِ الْكَلِمِ
فَانْظُرْ إِلَى الْهَرَمَيْنِ الْمَاثِلَيْنِ تَجِدْ
غَرَائِبًا لا تَرَاهَا النَّفْسُ فِي الْحُلُمِ
صَرْحَانِ مَا دَارَتِ الأَفْلاكُ مُنْذُ جَرَتْ
عَلَى نَظِيرِهِمَا فِي الشَّكْلِ وَالْعِظَمِ
تَضَمَّنَا حِكَمًا بَادَتْ مَصَادِرُهَا
لَكِنَّهَا بَقِيَتْ نَقْشًا عَلَى رَضَمِ
قَوْمٌ طَوَتْهُمْ يَدُ الأَيَّامِ فَانْقَرَضُوا
وَذِكْرُهُمُ لَمْ يَزَلْ حَيًّا عَلَى الْقِدَمِ
فَكَمْ بِهَا صُوَرٌ كَادَتْ تُخَاطِبُنَا
جَهْرًا بِغَيْرِ لِسَانٍ نَاطِقٍ وَفَمِ
تَتْلُو ﻟِ «هِرْمِسَ» آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى
فَضْلٍ عَمِيمٍ وَمَجْدٍ بَاذِخِ الْقَدَمِ
آيَاتِ فَخْرٍ تَجَلَّى نُورُهَا فَغَدَتْ
مَذْكُورَةً بِلِسَانِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ
وَلاحَ بَيْنَهُمَا «بَلْهِيبُ» مُتَّجِهًا
لِلشَّرْقِ يَلْحَظُ مَجْرَى النِّيلِ مِنْ أُمَمِ
كَأَنَّهُ رَابِضٌ لِلْوَثْبِ مُنْتَظِرٌ
فَرِيسَةً فَهْوَ يَرْعَاهَا وَلَمْ يَنَمِ
رَمْزٌ يَدُلُّ عَلَى أنَّ الْعُلُومَ إِذَا
عَمَّتْ بِمِصْرَ نَزَتْ مِنْ وَهْدَةِ الْعَدَمِ
فَاسْتَيْقِظُوا يَا بَنِي الأَوْطَانِ وَانْتَصِبُوا
لِلْعِلْمِ فَهْوَ مَدَارُ الْعَدْلِ فِي الأُمَمِ
وَلا تَظُنُّوا نَمَاءَ الْمَالِ وَانْتَسِبُوا
فَالْعِلْمُ أَفْضَلُ مَا يَحْوِيهِ ذُو نَسَمِ
فَرُبَّ ذِي ثَرْوَةٍ بِالْجَهْلِ مُحْتَقَرٍ
وَرُبَّ ذِي خَلَّةٍ بِالْعِلْمِ مُحْتَرَمِ
شِيدُوا الْمَدَارِسَ فَهْيَ الْغَرْسُ إِنْ بَسَقَتْ
أَفْنَانُهُ أَثْمَرَتْ غَضًّا مِنَ النِّعَمِ
مَغْنَى عُلُومٍ تَرَى الأَبْنَاءَ عَاكِفَةً
عَلَى الدُّرُوسِ بِهِ كَالطَّيْرِ في الْحَرَمِ
مِنْ كُلِّ كَهْلِ الْحِجَا في سِنِّ عَاشِرَةٍ
يَكَادُ مَنْطِقُهُ يَنْهَلُّ بِالْحِكَمِ
كَأَنَّهَا فَلَكٌ لاحَتْ بِهِ شُهُبٌ
تُغْنِي بِرَوْنَقِهَا عَنْ أَنَجُمِ الظُّلَمِ
يَجْنُونَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ زَهْرَةً عَبِقَتْ
بِنَفْحَةٍ تَبْعَثُ الأَرْوَاحَ فِي الرِّمَمِ
فَكَمْ تَرَى بَيْنَهُمْ مِنْ شَاعِرٍ لَسِنٍ
أَوْ كَاتِبٍ فَطِنٍ أَوْ حَاسِبٍ فَهِمِ
وَنَابِغٍ نَالَ مِنْ عِلْمِ الْحُقُوقِ بِهَا
مَزِيَّةً أَلْبَسَتْهُ خِلْعَةَ الْحَكَمِ
وَلُجِّ هَنْدَسَةٍ تَجْرِي بِحِكْمَتِهِ
جَدَاوِلُ الْمَاءِ فِي هَالٍ مِنَ الأَكَمِ
بَلْ كَمْ خَطِيبٍ شَفَى نَفْسًا بِمَوْعِظَةٍ
وَكَمْ طَبِيبٍ شَفَى جِسْمًا مِنَ السَّقَمِ
مُؤَدَّبُونَ بِآدَابِ الْمُلُوكِ فَلَا
تَلْقَى بِهِمْ غَيْرَ عَالِي الْقَدْرِ مُحْتَشِمِ
قَوْمٌ بِهِمْ تَصْلُحُ الدُّنْيَا إِذَا فَسَدَتْ
وَيَفْرُقُ الْعَدْلُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْغَنَمِ
وَكَيْفَ يَثْبُتُ رُكْنُ الْعَدْلِ فِي بَلَدٍ
لَمْ يَنْتَصِبْ بَيْنَهَا لِلْعِلْمِ مِنْ عَلَمِ؟
مَا صَوَّرَ اللهُ لِلأَبْدَانِ أَفْئِدَةً
إِلَّا لِيَرْفَعَ أَهْلَ الْجِدِّ وَالْفَهَمِ
وَأَسْعَدُ النَّاسِ مَنْ أَفْضَى إِلَى أَمَدٍ
فِي الْفَضْلِ وَامْتَازَ بِالْعَالِي مِنَ الشِّيَمِ
لَوْلا الْفَضِيلَةُ لَمْ يَخْلُدْ لِذِي أَدَبٍ
ذِكْرٌ عَلَى الدَّهْرِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَدَمِ
فَلْيَنْظُرِ الْمَرْءُ فِيمَا قَدَّمَتْ يَدُهُ
قَبْلَ الْمَعَادِ فَإِنَّ الْعُمْرَ لَمْ يَدُمِ
وَقَالَ يَمْدَحُ إسْمَاعِيلَ بَاشَا خِدِيوِ مِصْرَ: (من الطويل)
لِعِزَّةِ هَذِي اللاهِيَاتِ النَّوَاعِمِ
تَذِلُّ عَزِيزَاتُ النُّفُوسِ الْكَرَائِمِ
فَمَا كُنْتُ لَوْلاهُنَّ تَهْتَاجُنِي الصَّبَا
أصيلًا وَيُشْجِينِي هَدِيرُ الْحَمَائِمِ
وَلا شَاقَنِي بَرْقٌ تَأَلَّقَ مَوْهِنًا
كَزَنْدٍ تُوَالِي قَدْحَهُ كَفُّ ضَارِمِ
وَبَيْضَاءَ رَيَّا الرِّدْفِ مَهْضُومَةِ الْحَشَا
يُقِلُّ ضُحَاهَا جُنْحَ أَسْوَدَ فَاحِمِ
مِنَ الْعِينِ يَحْمِي خِدْرَهَا كُلُّ ضَيْغَمٍ
بَعِيدِ مَشَقِّ الْجَفْنِ عَبْلِ الْمَعَاصِمِ
فَلَوْلا هَوَاهَا مَا تَغَنَّتْ حَمَامَةٌ
بِغُصْنٍ وَلا انْهَلَّتْ شُئُونُ الْغَمَائِمِ
وَلا الْتَهَبَ الْبَرْقُ اللَّمُوعُ وَلا غَدَتْ
تَحِنُّ مَطَايَانَا حَنِينَ الرَّوَائِمِ
أَمَا وَهِلالٍ فِي دُجُنَّةِ طُرَّةٍ
يَلُوحُ وَدُرٍّ فِي عَقِيقِ مَبَاسِمِ
لَقَدْ أَوْدَعَ الْبَيْنُ الْمُشِتُّ بِمُهْجَتِي
نُدُوبًا كَأُثْرِ الْوَشْمِ مِنْ كَفِّ وَاشِمِ
وَكَمْ لَيْلَةٍ سَاوَرْتُهَا نَابِغِيَّةٍ
سَقَتْنِي بِمَا مَجَّتْ شِفَاهُ الأرَاقِمِ
كَأَنَّ الثُّرَيَّا كَفُّ عَذْرَاءَ طَفْلَةٍ
بِهِ رَعْشَةٌ لِلْبَيْنِ بَادِي الْخَوَاتِمِ
إِذَا اضْطَرَبَتْ تَحْتَ الظَّلامِ تَخَالُهَا
دُمُوعَ الْعَذَارَى فِي حِدَادِ الْمَآتِمِ
وَبَرْقٍ يَمَانِيٍّ أَرِقْتُ لِوَمْضِهِ
يَطِيرُ بِهُدَّابٍ كَثِيرِ الزَّمَازِمِ
كَأَنَّ اصْطِخَابَ الرَّعْدِ فِي جَنَبَاتِهِ
هَدِيرُ فُحُولٍ أَوْ زَئِيرُ ضَرَاغِمِ
تَخَالَفَتِ الأَهْوَاءُ فِيهَا فَعَاذِرٌ
هَوَايَ الَّذِي أَشْكُو وَآخَرُ لائِمِي
وَنَافَسَنِي فِي حُبِّهَا كُلُّ كِاشِحٍ
يَلُفُّ عَلَى الشَّحْنَاءِ عُوجَ الْحَيَازِمِ
فَكَمْ صَاحِبٍ أَلْقَاهُ يَحْمِلُ صَدْرُهُ
فُؤَادَ عَدُوٍّ فِي ثِيَابِ مُسَالِمِ
أُغَالِطُهُ قَوْلِي وَأَمْحَضُهُ الْوَفَا
كَأَنِّي بِمَا فِي صَدْرِهِ غَيْرُ عَالِمِ
وَمَنْ لمْ يُغَالِطْ فِي الزَّمَانِ عَدُوَّهُ
وَيُبْدِي لَهُ الْحُسْنَى فَلَيْسَ بِحَازِمِ
فَيَا رَبَّةَ الْخَالِ الَّتِي هَدَرَتْ دَمِي
وَأَلْقَتْ إِلَى أَيْدِي الْفِرَاقِ شَكَائِمِي
إِليْكِ اسْتَثَرْتُ الْعَيْنَ مَحْلُولَةَ الْعُرَا
وَفِيكِ رَعَيْتُ النَّجْمَ رَعْيَ السَّوَائِمِ
فَلا تَتْرُكِي نَفْسِي تَذُوبُ وَمُهْجَتِي
تَسِيلُ دَمًا بَيْنَ الدُّمُوعِ السَّوَاجِمِ
أَقُولُ لِرَكْبٍ مُدْلِجِينَ هَفَتْ بِهِمْ
رِيَاحُ الْكَرَى مِيلِ الطُّلَى وَالْعَمَائِمِ
تَجِدُّ بِهِمْ كُومُ الْمَهَارِي لَوَاغِبًا
عَلَى مَا تَرَاهُ دَامِيَاتِ الْمَنَاسِمِ
تُصِيخُ إِلَى رَجْعِ الْحُدَاءِ كَأَنَّهَا
تَحِنُّ إِلَى إِلْفٍ قَدِيمٍ مُصَارِمِ
وَيَلْحَقُهَا مِنْ رَوْعَةِ السَّوْطِ جِنَّةٌ
فَتَمْرُقُ شُعْثًا مِنْ فِجَاجِ الْمَخَارِمِ
لَهُنَّ إِلَى الْحَادِي الْتِفَاتَةُ وَامِقٍ
فَمِنْ رَازِحٍ مَعِي وَآخَرَ رَازِمِ
أَلا أَيُّهَا الرَّكْبُ الَّذِي خَامَرَ السُّرَى
بِكُلِّ فَتًى لِلْبَيْنِ أَغْبَرَ سَاهِمِ
قِفَا بِي قَلِيلًا وَانْظُرَا بِيَ أَشْتَفِي
بِلَثْمِ الْحَصَى بَيْنَ اللَّوَى فَالنَّعَائِمِ
فَكَمْ عَهْدِ صِدْقٍ مَرَّ فِيهِ وَأَعْصُرٍ
تَوَلَّتْ عِجَالًا دُونَ تَهْوِيمِ نَائِمِ
أَبِيتُ لَهَا دَامِي الْجُفُونِ مُسَهَّدًا
طَرِيحَ الثَّرى مُحْمَرَّ طَرْفِ الأَبَاهِمِ
وَمَا هَاجَنِي إِلَّا عُصَيْفِيرُ رَوْضَةٍ
عَلَى مَلْعَبٍ مِنْ دَوْحَةِ الضَّالِ نَاعِمِ
يَصِيحُ فَمَا أَدْرِي لِفُرْقَةِ صَاحِبٍ
كَرِيمِ السَّجَايَا أَمْ يُغَنِّي لِقَادِمِ
كَأَنَّ الْعُصَيْفِيرَ اسْتُطِيرَ فُؤَادُهُ
سُرُورًا بِرَبِّ الْمَكْرُمَاتِ الْجَسَائِمِ
أَبُو الْمَجْدِ نَجْلُ الْجَوْدِ خَالُ زَمَانِهِ
أَخُو الْفَخْرِ إِسْمَاعِيلُ خِدْنُ الْمَكَارِمِ
قَشِيبُ الصِّبَا كَهْلُ التَّدَابِيرِ جَامِعٌ
صُنُوفَ الْعُلا وَالْمَجْدِ فِي صَدْرِ جَازِمِ
تَجَمَّعَ فِيهِ الْحِلْمُ وَالْبَأْسُ وَالنَّدَى
فَلَيْسَ لَهُ فِي مَجْدِهِ مِنْ مُزَاحِمِ
ذَكَاءُ «أَرِسْطَالِيسَ» فِي حِلْمِ «أَحْنَفٍ»
وَهِمَّةُ عَمْرٍو فِي سَمَاحَةِ «حَاتِمِ»
لَهُ تَحْتَ أَسْتَارِ الْغُيُوبِ وَفَوْقَهَا
عُيُونٌ تَرَى الأَشْيَاءَ لا وَهْمُ وَاهِمِ
فَنَظْرَتُهُ وَحْيٌ وَسَاكِنُ صَدْرِهِ
فُؤَادُ خَبِيرٍ نَاطِقٍ بِالْعَظَائِمِ
تَكَادُ لِعَلْيَاهُ الْمَلائِكُ تَرْتَمِي
عَلَى كَتِفَيْهِ كَالطُّيُورِ الْحَوَائِمِ
أَرَاهُ فَيَمْحُونِي الْجَلالُ وَأَنْتَحِي
أُغَالِطُ أَفْكَارِي وَلَسْتُ بِحَالِمِ
وَتُوهِمُنِي نَفْسِي الْكِذَابَ سَفَاهَةً
أَلا إِنَّمَا الأَوْهَامُ طُرْقُ الْمَآثِمِ
هُوَ السَّيْفُ فِي حَدَّيْهِ لِينٌ وَشِدَّةٌ
فَتَلْقَاهُ حُلْوَ الْبِشْرِ مُرَّ الْمَطَاعِمِ
تَرَاهُ لَدَى الْخَطْبِ الْمُلِمِّ مُجَمِّعًا
عُرَا الْحِلْمِ ثَبْتَ الْجَأْشِ مَاضِي الْعَزَائِمِ
لَهُ النَّظْرَةُ الشَّزْرَاءُ يَعْقُبُهَا الرِّضَا
لإسْعَافِ مَظْلُومٍ وَإِرْغَامِ ظَالِمِ
فَلَوْلا نَدَى كَفَّيْهِ أَوْقَدَ بَأْسُهُ
لَدَى الرَّوْعِ أَطْرَافَ الظُّبَا وَاللَّهَاذِمِ
وَلَوْلا ذَكَاهُ أَعْشَبَتْ بِيَمِينِهِ
قَنَا الْخَطِّ وَاخْضَلَّتْ طُرُوسُ الْمَظَالِمِ
لَهُ بَيْتُ مَجْدٍ رَفْرَفَتْ دُونَ سَقْفِهِ
حَمَامُ الدَّرَارِي مُشْمَخِرُّ الدَّعَائِمِ
فَمَنْ رَامَهُ فَلْيَتَّخِذْ مِنْ قَصَائِدِي
سُطُورًا إِلَى مَرْقَاهُ مِثْلَ السَّلالِمِ
فَيَا بْنَ الأُلَى سَادُوا الْوَرَى وَانْتَهَوْا إِلَى
تَمَامِ الْعُلا مِنْ قَبْلِ نَزْعِ التَّمَائِمِ
أُهَنِّيكَ بِالْمُلْكِ الَّذِي طَالَ جِيدُهُ
بِعِزِّكَ حَتَّى حَلَّ بَيْتَ النَّعَائِمِ
لَسَوَّدْتَهُ بِالْفَخْرِ فَابْيَضَّ وَجْهُهُ
بِأَسْمَرَ خَطِّيٍّ وَأَبْيَضَ صَارِمِ
تَدَارَكْتَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ كَادَ يَنْمَحِي
لِفَرْطِ تَبَارِيحِ الدُّهُورِ الْغَوَاشِمِ
بَكَى زَمَنًا وَاغْبَرَّ حَتَّى أَتَيْتَهُ
فَعَادَ رَحِيبَ الصَّدْرِ طَلْقَ الْمَبَاسِمِ
وَسُسْتَ الْوَرَى بِالْعَدْلِ حَتَّى تَشَوُّقًا
إِلَيْكَ الْتَوَى جِيدُ الدُّهُورِ الْقَدَائِمِ
وَجِئْتَ مَجِيءَ الْبَدْرِ مَدَّ شُعَاعَهُ
عَلَى أُفُقٍ بِالْجَوْنِ وَحْفِ الْقَوَادِمِ
بِرَأْيٍ كَخَيْطِ الشَّمْسِ نُورًا تَخَالُهُ
فِرِنْدًا تَمَشَّى فِي خُدُودِ الصَّوَارِمِ
فَلَوْ مِصْرُ تَدْرِي أَرْسَلَتْ لَكَ نِيلَهَا
لِيَلْقَاكَ فِي جُنْحٍ مِنَ اللَّيْلِ قَاتِمِ
وَجَاءَتْ لَكَ الأَهْرَامُ تَسْعَى تَشَوُّقًا
إِلَى دَارِ قُسْطَنْطِينَ سَعْيَ النَّسَائِمِ
فَبُورِكْتَ فِي مُلْكٍ وَرِثْتَ ذَمَاءَهُ
وَخَلَّدْتَهُ فِي نَسْلِ مَجْدٍ أَكَارِمِ
بِهِمْ كُلُّ غِطْرِيفٍ يَمُدُّ إِلَى الْعُلا
يَدًا خُلِقَتْ فِينَا لِبَذْلِ الْمَكَارِمِ
يَجُولُ مَجَالَ الْبَرْقِ وَالْخَيْلُ تَرْتَمِي
بِأَعْطَافِهَا فِي الْمَأْزِقِ الْمُتَلاحِمِ
فَمَا رَوْضَةٌ غَنَّاءُ بَاكَرَهَا الْحَيَا
بِأَوْطَفَ سَاجٍ أَشْعَلِ الْبَرْقِ سَاجِمِ
يَصُوعُ بِهَا نَشْرُ الْعَبِيرِ فَتَغْتَدِي
تَقَاسَمَهُ فِينَا أَكُفُّ النَّوَاسِمِ
إِذَا الشَّمْسُ لاحَتْ مِنْ خِلالِ ظِلالِهَا
عَلَى الأَرْضِ لاحَتْ مِثْلَ دُورِ الدَّرَاهِمِ
يَقِيلُ بِهَا سِرْبُ الْمَهَا وَهْوَ آمِنٌ
فَمِنْ أَرْبَدَ سَاجٍ وَأَحْوَرَ بَاغِمِ
بِأَلْطَفَ مِنْ أَخْلاقِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ
إِذَا الْعُودُ ضَمَّتْهُ أَكُفُّ الْعَوَاجِمِ
وَمَا الشِّعْرُ مِنْ دَأْبِي وَلا أَنَا شَاعِرٌ
وَلا عَادَتِي نَعْتُ الصُّوَى وَالْمَعَالِمِ
وَلَكِنْ حَدَانِي جُودُهُ فَاسْتَثَارَنِي
لِوَصْفِ مَعَالِيهِ الْعِظَامِ الْجَسَائِمِ
وَكَيْفَ وَجَدْوَاهُ ثَنَتْ ضَبْعَ هِمَّتِي
وَهَزَّتْ إِلَى نَظْمِ الْقَرِيضِ قَوَادِمِي
فَتِلْكَ لَآلٍ أَمْ رَبِيعٌ تَفَتَّحَتْ
أَزَاهِرُهُ كَالزَّهْرِ أَمْ نَظْمُ نَاظِمِ
وَمَا هُوَ إِلَّا عِقْدُ مَدْحِ نَظَمْتُهُ
لِجِيدِ عُلاهُ فِي صُدُورِ الْمَوَاسِمِ
فَعِشْ مَا تَغَنَّتْ بِالأَرَاكِ حَمَامَةٌ
وَمَا اتَّجَهَتْ لِلْبَرْقِ نَظْرَةُ شَائِمِ
لَكَ السَّعْدُ خِدْنٌ وَالْمَهَابَةُ صَاحِبٌ
وَشَخْصُ الْعُلا وَالنَّصْرِ فِي زِيِّ خَادِمِ
وَقَالَ يَذْكُرُ أَيَّامَ الشَّبَابِ: (من الكامل)
أَسَلُ الدِّيَارَ عَنِ الْحَبِيبِ وَفِي الْحَشَا
دَارٌ لَهُ مَأْهُولَةٌ وَمَقَامُ
وَمِنَ الْعَنَاءِ سُؤَالُ خاشِعَةِ الصُّوَى
بِيَدِ الْفَنَاءِ جَوَابُهَا إِرْمَامُ
ذَكَرَتْ بِهَا النَّفْسُ اللَّجُوجُ زَمَانَهَا
إِنَّ التَّذَكُّرَ لِلنُّفُوسِ غَرَامُ
إذْ لِلْهَوَى ثَمَرٌ يَرِفُّ وَلِلصِّبَا
كَأْسٌ تُشَفُّ وَلِلْمُنَى إِلْمَامُ
تَسْتَنُّ فِيهَا الْعِينُ بَيْنَ مَخَانِسٍ
فِيهَا السَّلامُ تَعَانُقٌ وَلِزَامُ
فِي فِتْيَةٍ فَاضَ النَّعِيمُ عَلَيْهِمُ
وَنَمَاهُمُ التَّبْجِيلُ وَالإعْظَامُ
ذَهَبَتْ بِهِمْ شِيَمُ الْمُلُوكِ فَلَيْسَ فِي
تَلْعَابِهِمْ هَذَرٌ وَلا إِبْرَامُ
لا يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ آدَابِ الْهَوَى
سُمُحُ النُّفُوسِ عَلَى الْبَلاءِ كِرَامُ
مِنْ كُلِّ أَبْلَجَ يُسْتَضَاءُ بِنُورِهِ
كَالْبَدْرِ جَلَّى صَفْحَتَيْهِ غَمَامُ
سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لا يَسُوءُ جَلِيسَهُ
بَيْنَ الْمَقَامَةِ وَاضِحٌ بَسَّامُ
مُتَوَاضِعٌ لِلْقَوْمِ تَحْسَبُ أَنَّهُ
مَوْلًى لَهُمْ فِي الدَّارِ وَهْوَ هُمَامُ
تَتَقَاصَرُ الأَفْهَامُ دُونَ فِعَالِهِ
وَتَسِيرُ تَحْتَ لِوَائِهِ الأَقْوَامُ
فَإِذَا تَكَلَّمَ فَالرُّءُوسُ خَوَاضِعٌ
وَإِذَا تَنَاهَضَ فَالصُّفُوفُ قِيَامُ
حَتَّى انْتَبَهْنَا بَعْدَ مَا ذَهَبَ الصِّبَا
أنَّ الْخَلاعَةَ وَالصِّبَا أَحْلامُ
لا تَحْسَبَنَّ الْعَيْشَ دَامَ لِمُتْرَفٍ
هَيْهَاتَ لَيْسَ عَلَى الزَّمَانِ دَوَامُ
تَأْتِي الشُّهُورُ وَتَنْتَهِي أَيَّامُهَا
لَمْعَ السَّرَابِ وَتَنْقَضِي الأَعْوَامُ
وَالنَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَارِدٌ
أوْ صَادِرٌ تَجْرِي بِهِ الأَيَّامُ
لا طائرٌ يَنْجُو وَلا ذُو مِخْلَبٍ
يَبْقَى وَعَاقِبَةُ النُّفُوسِ حِمَامُ
فَادْرَأْ هُمُومَ النَّفْسِ عَنْكَ إِذَا اعْتَرَتْ
بِالْكَأْسِ فَهْيَ عَلَى الْهُمُومِ حُسَامُ
فَالْعَيْشُ لَيْسَ يَدُومُ فِي أَلْوَانِهِ
إِلَّا إِذَا دَارَتْ عَلَيْهِ الْجَامُ
مِنْ خَمْرَةٍ تَذَرُ الْكَبِيرَ إِذَا انْتَشَى
بَعْدَ اشْتِعَالِ الشَّيْبِ وَهْوَ غُلامُ
لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا فَغَادَرَ جِسْمَهَا
شَبَحًا تَحَارُ لِدَرْكِهِ الأَفْهَامُ
حَمْرَاءُ دَارَ بِهَا الْحَبَابُ فَصَوَّرَتْ
فَلَكًا تَحُفُّ سَمَاءَهُ الأَجْرَامُ
لا تَسْتَقِيمُ الْعَيْنُ فِي لَمَعَانِهَا
وَتَزِلُّ عِنْدَ لِقَائِهَا الأَقْدَامُ
تَعْشُو الرِّكَابُ فَإِنْ تَبَلَّجَ كَأْسُهَا
سَارُوا وَإِنْ زَالَ الضِّيَاءُ أَقَامُوا
حُبِسَتْ بِأَكْلَفَ لَمْ يَقُمْ بِفِنَائِهِ
نُورٌ وَلَمْ يَبْرَحْ عَلَيْهِ ظَلامُ
حَتَّى إِذَا رَقَدَتْ وَقَرَّ قَرَارُهَا
سَلِسَتْ فَلَيْسَ لِذَوْقِهَا إِيلامُ
تَسِمُ الْعُيُونَ بِنَارِهَا لَكِنَّهَا
بَرْدٌ عَلَى شُرَّابِهَا وَسَلامُ
فَاصْقُلْ بِهَا صَدَأَ الْهُمُومِ وَلا تَكُنْ
غِرًّا تَطِيرُ بِلُبِّهِ الأَوْهَامُ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْءَ لَيْسَ بِخَالدٍ
وَالدَّهْرُ فِيهِ صِحَّةٌ وَسَقَامُ
يَهْوَى الْفَتَى طُولَ الْحَيَاةِ وَإِنَّهَا
دَاءٌ لَهُ دُونَ الشَّغَافِ عُقَامُ
فَاطْمَحْ بِطَرْفِكَ هَلْ تَرَى مِنْ أُمَّةٍ
خَلَدَتْ وَهَلْ لابْنِ السَّبِيلِ مُقَامُ
هَذِي الْمَدَائِنُ قَدْ خَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا
بَعْدَ النَّعِيمِ وَهَذِهِ الأَهْرَامُ
لا شَيْءَ يِبْقَى غَيْرَ أَنَّ خَدِيعَةً
فِي الدَّهْرِ تَنْكُلُ دُونَهَا الأَحْلامُ
وَلَقَدْ تَبَيَّنْتُ الأُمُورَ بِغَيْرِهَا
وَأَتَى عَلَيَّ النَّقْضُ وَالإبْرَامُ
وَإِذَا السُّكُونُ تَحَرُّكٌ وَإِذَا الْخُمُو
دُ تَلَهُّبٌ وَإِذَا السُّكُوتُ كَلامُ
وَإِذَا الْحَيَاةُ وَلا حَيَاةَ مَنِيَّةٌ
تَحْيَا بِهَا الأَجْسَادُ وَهْيَ رِمَامُ
هَذَا يَحُلُّ وَذَاكَ يَرْحَلُ كَارِهًا
عَنْهُ فَصُلْحُ تَارَةً وَخِصَامُ
فَالنُّورُ لَوْ بَيَّنْتَ أَمْرَكَ ظُلْمَةٌ
وَالْبَدءُ لَوْ فَكَّرْتَ فِيهِ خِتَامُ
وقد رويت هذه القصيدة في كتاب الوسيلة الأدبية للشيخ حسين المرصفي عَلَى الشكل التالي:
(من
الكامل)
ذَهَبَ الصِّبَا وَتَوَلَّتِ الأَيَّامُ
فَعَلَى الصِّبَا وَعَلَى الزَّمَانِ سَلامُ
تَاللَّهِ أَنْسَى مَا حَيِيتُ عُهُودَهُ
ولِكُلِّ عَهْدٍ فِي الْكِرَامِ ذِمَامُ
إِذْ نَحْنُ فِي عَيْشٍ تَرِفُّ ظِلالُهُ
وَلَنَا بِمُعْتَرَكِ الْهَوَى آثامُ
تَجْرِي عَلَيْنَا الْكَأْسُ بَيْنَ مَجَالِسٍ
فِيهَا السَّلامُ تَعَانُقُ وَلِزَامُ
فِي فِتْيَةٍ فَاضَ النَّعِيمُ عَلَيْهِمُ
وَنَمَاهُمُ التَّبْجِيلُ وَالإِعْظَامُ
ذَهَبَتْ بِهِمْ شِيَمُ الْمُلُوكِ فَلَيْسَ فِي
تَلْعَابِهِمْ هَذرٌ وَلا إِبْرَامُ
لا يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ آدَابِ الْهَوَى
سُمُحُ النُّفُوسِ عَلَى الْبَلاءِ كِرَامُ
مِنْ كُلِّ أَبْلَجَ يُسْتَضَاءُ بِنُورِهِ
كَالْبَدْرِ حَلَّى صَفْحَتَيْهِ غَمَامُ
سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لا يَسُوءُ جَلِيسَهُ
بَيْنَ الْمَقَامَةِ وَاضِحٌ بَسَّامُ
مُتَوَاضِعٌ لِلْقَوْمِ تَحْسَبُ أَنَّهُ
مَوْلًى لَهُمْ فِي الدَّارِ وَهْوَ هُمَامُ
تَرْنُو الْعُيُونُ إِلَيْهِ فِي أَفْعَالِهِ
وَتَسِيرُ تَحْتَ لِوَائِهِ الأَقْوَامُ
فَإِذَا تَكَلَّم فَالْرُءُوسُ خَوَاضِعٌ
وَإِذَا تَنَاهَضَ فَالصُّفُوفُ قيَامُ
نَلْهُو وَنَلْعَبُ بَيْنَ خُضْرِ حَدَائِقٍ
لَيْسَتْ بِغَيْرِ خُيُولِنَا تُسْتَامُ
حَتَّى انْتَبَهْنَا بَعْدَ مَا ذَهَبَ الصِّبَا
إِنَّ اللَّذَاذَةَ وَالصِّبَا أَحْلامُ
لا تَحْسَبَنَّ الْعَيْشَ دَامَ لِمُتْرَفٍ
هَيْهَاتَ لَيْسَ عَلَى الزَّمَانِ دَوَامُ
تَأْتِي الشُّهُورُ وَتَنْتَهِي سَاعَاتُهَا
لَمْعَ السَّرَابِ وَتَنْقَضِي الأَعْوَامُ
وَالنَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَارِدٌ
أَوْ صَادِرٌ تَجْرِي بِهِ الأَيَّامُ
لا طَائِرٌ يَنْجُو وَلا ذُو مِخْلَبٍ
يَبْقَى وَعَاقِبَةُ الْحَيَاةِ حِمَامُ
فَادْرَأْ هُمُومَ النَّفْسِ عَنْكَ إِذَا اعْتَرَتْ
بِالْكَأْسِ فَهْيَ عَلَى الْهُمُومِ حُسَامُ
فَالْعَيْشُ لَيْسَ يَدُومُ فِي أَلْوَانِهِ
إِلَّا إِذَا دَارَتْ عَلَيْهِ الْجَامُ
مِنْ خَمْرَةٍ تَذَرُ الْكَبِيرَ إِذَا انْتَشَى
بَعْدَ اشْتِعَالِ الشَّيْبِ وَهْوَ غُلامُ
لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا فَغَادَرَ جِسْمَهَا
شَبَحًا تَهَافَتُ دُونَهُ الأَوْهَامُ
حَمْرَاءُ دَارَ بِهَا الْحَبَابُ فَصَوَّرَتْ
فَلَكًا تَحُفُّ سَمَاءَهُ الأَجْرَامُ
لا تَسْتَقِيمُ الْعَيْنُ فِي لَمَعَانِهَا
وَتَزِلُّ عِنْدَ لِقَائِهَا الأَقْدَامُ
تَعْشُو الرِّكَابُ فَإِنْ تَبَلَّجَ كَأْسُهَا
سَارُوا وَإِنْ زَالَ الضِّيَاءُ أَقَامُوا
حُبِسَتْ بِأَكْلَفَ لَمْ يَصِلْ لِفِنَائِهِ
نُورٌ وَلَمْ يَسْرَحْ عَلَيْهِ ظَلامُ
حَتَّى إِذَا اصْطَفَقَتْ وَطَارَ فِدَامُهَا
وَثَبَتْ فَلَمْ تَثْبُتْ لَهَا الأَجْسَامُ
وَقَدَتْ حَمِيَّتُهَا فَلَوْلا مَزْجُهَا
بِالْمَاءِ بَعْدَ الْمَاءِ شَبَّ ضِرَامُ
تَسِمُ الْعُيُونَ بِنُورِهَا لَكِنَّهَا
بَرْدٌ عَلَى شُرَّابِهَا وَسَلامُ
فَاصْقُلْ بِهَا صَدْأَ الْهُمُومِ وَلا تَكُنْ
غِرًّا تَطِيشُ بِلُبِّهِ الآلامُ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْءَ لَيْسَ بِخَالِدٍ
وَالدَّهْرُ فِيهِ صِحَّةٌ وَسَقَامُ
يَهْوَى الْفَتَى طُولَ الْحَيَاةِ وَإِنَّهَا
دَاءٌ لَهُ لوْ يَسْتَبِينُ عُقَامُ
فَاطْمَحْ بِطَرْفِكَ هَلْ تَرَى مِنْ أُمَّةٍ
خَلَدَتْ وَهَلْ لابْنِ السَّبِيلِ مُقَامُ
هَذِي الْمَدَائِنُ قَدْ خَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا
بَعْدَ النِّظَامِ وَهَذِهِ الأَهْرَامُ
لا شَيْءَ يَخْلُدُ غَيْرَ أَنَّ خَدِيعَةً
فِي الدَّهْرِ تَنْكُلُ دُونَهَا الأَحْلامُ
وَلَقَدْ تَبَيَّنْتُ الأُمُورَ بِغَيْرِهَا
وَأَتَى عَلَيَّ النَّقْضُ وَالإِبْرَامُ
فَإِذَا السُّكُونُ تَحَرُّكٌ وَإِذَا الْخُمُو
دُ تَلَهُّبٌ وَإِذَا السُّكُوتُ كَلامُ
وَإِذَا الْحَيَاةُ وَلا حَيَاةَ مَنِيَّةٌ
تَحْيَا بِهَا الأَجْسَادُ وَهْيَ رِمَامُ
هَذَا يَحُلُّ وَذَاكَ يَرْحَلُ كَارِهًا
عَنْهُ فَصُلْحٌ تَارَةً وَخِصَامُ
فَالنُّورُ لَوْ بَيَّنْتَ أَمْرَكَ ظُلْمَةٌ
والْبَدْءُ لَوْ فَكَّرْتَ فِيهِ خِتَامُ
وَقَالَ يَصِفُ رَوْضَةَ الْمِقْيَاس: (من الطويل)
أَلا حَيِّ بِالْمِقْيَاسِ رَيَّا الْمَعَالِمِ
وَقَلَّ لَهَا مِنَّا تَحِيَّةُ قَادِمِ
مَلاعِبُ آرَامٍ وَمَأْوَى حَمَائِمٍ
وَمَسْقَطُ أَنْدَاءٍ وَمَسْرَى نَسَائِمِ
أَحَاطَتْ بِهِ لِلنِّيلِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
جَدَاوِلُ تُسْقِيهِ سُلافَ الْغَمَائِمِ
تَدُورُ مَدَارَ الطَّوْقِ مِنْ حَيْثُ تَلْتَقي
مَسِيرًا وَتَنْسَلُّ انْسِلالَ الأَرَاقِمِ
إِذَا ضَاحَكَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ مُتُونُهَا
رَفِيفَ الثَّنَايَا خَلْفَ حُمْرِ الْمَبَاسِمِ
وَإِنْ سَلْسَلَتْهَا الرِّيحُ أَبْدَتْ سَبَائِكًا
مُقَدَّرَةً كَالْوَشْمِ فَوْقَ الْمَعَاصِمِ
تَجُوسُ خِلالَ البَاسِقَاتِ وتَنْتَهِي
إِلَى سَاعِدٍ فِي غَمْرَةِ النِّيلِ سَاجِمِ
تَرَى حَوْلَهَا الأَشْجَارَ وَلْهَى مُكِبَّةً
عَلَى الْمَاءِ فِعْلَ الصَّادِيَاتِ الْحَوَائِمِ
وَمُنْبَعِثَاتٍ فِي الْهَوَاءِ كَأَنَّهَا
بَيَارِقُ لَهْوٍ رُكِّزَتْ فِي الْمَوَاسِمِ
مِنَ اللاءِ قَدْ آلَيْنَ يَشْرَبْنَ أَوْ تَلِي
مَنَابِتُهَا غَوْرَ الْبِحَارِ الْخَضَارِمِ
إِذَا لاعَبَتْ أَعْرَافَهَا الرِّيحُ خِلْتَهَا
فَوَارِسَ تَعْصُو بِالسُّيُوفِ الصَّوَارِمِ
يَلُوحُ بِهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ كَأَنَّهُ
فَرَائِدُ سَاوَى بَيْنَهَا كَفُّ نَاظِمِ
إِذَا مَا أَتَى مِيقَاتُهَا وَتَضَرَّجَتْ
حَسِبْتَ عَقِيقًا فِي صِحَافِ الْكَمَائِمِ
مَسَارِحُ لَهْوٍ لَوْ رَأَى الشَّعْبُ حُسْنَهَا
لَعَضَّ عَلَى مَا فَاتَهُ بِالأَبَاهِمِ
ذَكَرْتُ بِهَا عَصْرًا تَوَلَّى وَلَذَّةً
تَقَضَّتْ ومَا عَهْدُ الزَّمَانِ بِدِائِمِ
وَمَا تَحْسُنُ الأَيَّامُ إِلَّا بِأَهْلِهَا
وَلا الدَّارُ إِلَّا بِالصَّدِيقِ الْمُلائِمِ
فَيَا نِعْمَ مَا وَلَّتْ بِهِ دَوْلَةُ الصِّبَا
وَلَمْ تَرْعَهُ مِنْ عَهْدِنَا الْمُتَقَادِمِ
إِذِ الْعَيْشُ أَفْنَانٌ وَنَحْنُ عِصَابَةٌ
أُولُو تَرَفٍ مَا بَيْنَ غَادٍ وَهَائِمِ
نَسِيرُ عَلَى دِينِ الْوَفَاءِ وَلَمْ يَكُنْ
سِوَى الْحُبِّ مِنْ قَاضٍ عَلَيْنَا وَحَاكِمِ
إِذَا قَالَ مِنَّا قَائِلٌ قَامَ دُونَهُ
شَهِيدٌ عَلَيْهِ صَادِقٌ غَيْرُ آثِمِ
يَحُومُ عَلَيْهِ وَالْمَنَايَا مُسِفَّةٌ
وَيَدْرَأُ عَنْهُ فِي صُدُورِ اللَّهَاذِمِ
إِذَا أَلْهَبَتْهُ غَضْبَةٌ وَتَرَجَّحَتْ
بِهِ سَوْرَةٌ أَغْرَى الظُّبَا بِالْجَمَاجِمِ
فَقَدْ مَرَّ ذَاكَ الْعَصْرُ إِلَّا لُبَانَةً
مُعَلَّقَةً بَيْنَ الْحَشَا وَالْحَيَازِمِ
إِذَا ذَكَرَتْهَا النَّفْسُ يَوْمًا تَرَاجَعَتْ
عَلَيْهَا عَقَابِيلُ الْهُمُومِ الْقَدَائِمِ
وَمَنْزِلَةٍ لِلأُنْسِ كُنَّا نَحُلُّهَا
وَنَرْعَى بِهَا اللَّذَّاتِ رَعْيَ السَّوَائِمِ
عَفَتْ وَكَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ وَالْتَقَتْ
عَلَيْهَا أَعَاصِيرُ الرِّيَاحِ الْهَوَاجِمِ
وَمَا خَيْرُ دُنْيَا لا بَقَاءَ لِعَهْدِهَا
وَمَا طِيبُ عَيْشٍ رَبُّهُ غَيْرُ سَالِمِ
عَلَى هَذِهِ تَمْضِي اللَّيَالِي وَيَنْقَضِي
حَدِيثُ الْمُنَى فِيهَا كَأَحْلامِ نَائِمِ
وَقَالَ وَكَتَبَ بِهَا مِنْ حَرْبِ رُوسيَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْن
وَأَلف هِجْرِيَّة إِلَى صَدِيقِهِ الْعَلَّامَةِ الشيْخِ «حُسَيْنٍ الْمَرْصَفِيِّ»:
(من
السريع)
يَا نَاعِسَ الطَّرْفِ إِلَى كَمْ تَنَامْ
أَسْهَرْتَنِي فِيكَ وَنَامَ الأَنَامْ
أَوْشَكَ هَذَا اللَّيْلُ أَنْ يَنْقَضِي
وَالْعَيْنُ لا تَعْرِفُ طِيبَ الْمَنَامْ
وَيْلاهُ مِنْ ظَبْيِ الْحِمَى إِنَّهُ
جَرَّعَنِي بِالصَّدِّ مُرَّ الْحِمَامْ
يَغْضَبُ مِنْ قَوْلِيَ آهٍ وَهَلْ
قَوْلِيَ آهٍ يَا بْنَ وُدِّي حَرَامْ
لا كُتْبُهُ تَتْرَى وَلا رُسْلُهُ
تَأْتِي وَلا الطَّيْفُ يُوَافِي لِمَامْ
اللهُ فِي عَيْنٍ جَفَاهَا الْكَرَى
فِيكُمْ وَقَلْبٍ قَدْ بَرَاهُ الْغَرَامْ
طَالَ النَّوَى مِنْ بَعْدِكُمْ وَانْقَضَتْ
بَشَاشَةُ الْعَيْشِ وَسَاءَ الْمُقَامْ
أَرْتَاحُ إِنْ مَرَّ نَسِيمُ الصَّبَا
وَالْبُرْءُ لِي فِيهِ مَعًا وَالسَّقَامْ
يَا لَيْتَنِي فِي السِّلْكِ حَرْفٌ سَرَى
أوْ ريشةٌ بَيْنَ خَوَافِي الْحَمَامْ
حَتَّى أُوَافِي مِصْرَ فِي لَحْظَةٍ
أَقْضِي بِهَا فِي الْحُبِّ حَقَّ الذِّمَامْ
مَوْلايَ قَدْ طَالَ مَرِيرُ النَّوَى
فَكُلُّ يَوْمٍ مَرَّ بِي أَلْفُ عَامْ
أَنْظُرُ حَوْلِيَ لا أَرَى صَاحِبًا
إِلَّا جَمَاهِيرَ وَخيْلًا صِيَامْ
وَدَيْدَبَانًا صَارِخًا فِي الدُّجَى
ارْجِعْ وَرَاءً إنَّهُ لا أَمَامْ
يُقْتَبَلُ الصُّبْحُ وَيَمْضِي الدُّجَى
وَيَنْقَضِي النُّورُ وَيَأْتِي الظَّلامْ
وَلا كِتَابٌ مِنْ حَبِيبٍ أَتَى
وَلا أَخُو صِدْقٍ يَرُدُّ السَّلامْ
فِي هَضْبَةٍ مِنْ أَرْضِ دَبْريجَةٍ
لَيْسَ بِهَا غَيْرُ بُغَاثٍ وَهَامْ
وَرَاءَنَا الْبَحْرُ وَتِلْقَاءَنَا
سَوَادُ جَيْشٍ مُكْفَهِرٍّ لُهَامْ
فَتِلْكَ حَالِي لا رَمَتْكَ النَّوَى
فَكَيْفَ أَنْتُمْ بَعْدَنَا، يَا هُمَامْ؟
حَيِّ مَغْنَى الْهَوَى بِوَادِي الشَّآمِ
وَادْعُ بِاسْمِي تُجِبْكَ وُرْقُ الْحَمَامِ
هُنَّ يَعْرِفْنَنِي بِطُولِ حَنِينِي
بَيْنَ تِلْكَ السُّهُولِ وَالآكَامِ
فَلَقَدْ طَالَمَا هَتَفْنَ بِشَدْوِي
وَتَنَاقَلْنَ مَا حَلا مِنْ هُيَامِي
وَلَكَمْ سِرْتُ كَالنَّسِيمِ عَلِيلًا
أَتَقَرَّى مَلاعِبَ الآرامِ
فِي شِعَارٍ مِنَ الضَّنَى نَسَجَتْهُ
بِخُيُوطِ الدُّمُوعِ أَيْدِي الْغَرَامِ
كُلَّمَا شِمْتُ بارِقًا خِلْتُ ثَغْرًا
بَاسِمًا مِنْ خِلالِ تِلْكَ الْخِيَامِ
وَالْهَوى يَجْعَلُ الْخِلاجَ يَقِينًا
وَيَغُرُّ الْحَلِيمَ بِالأَوْهَامِ
خَطَرَاتٌ لهَا بِمِرْآةِ قَلْبِي
صُوَرٌ لا تَزُولُ كَالأَحْلامِ
مَا تَجَلَّتْ عَلَى الْمَخِيلَةِ إِلَّا
أَذْكَرَتْنِي مَا كَانَ مِنْ أَيَّامِي
ذَاكَ عَصْرٌ خَلا وَأَبْقَى حَدِيثًا
نَتَعَاطَاهُ بيْنَنَا كَالْمُدَامِ
كُلَّمَا زَحْزَحَتْ بَنَانَةُ فِكْرِي
عَنْهُ سِتْرَ الْخَيَالِ لاح أَمَامِي
يَا نَسِيمَ الصَّبَا فَدَيْتُكَ بَلِّغْ
أَهْلَ ذَاكَ الْحِمَى عَبِيرَ سَلامِي
وَاقْضِ عَنِّي حَقَّ الزِّيَارَةِ وَاذْكُرْ
فَرْطَ وَجْدِي بِهِمْ وَطُولَ سَقَامِي
أَنَا رَاضٍ مِنْهُمْ بِذُكْرَةِ وُدٍّ
أَوْ كِتَابٍ إِنْ لَمْ أَفُزْ بِلِمَامِ
هُمْ أَبَاحُوا الْهَوَى حَرِيمَ فُؤَادِي
وَأَذَلُّوا لِلْعَاذِلِينَ خِطَامِي
أَتَمَنَّاهُمُ وَدُونَ التَّلاقِي
قُذُفَاتٌ مِنْ لُجٍّ أَخْضَرَ طَامِي
صَائِلُ الْمَوْجِ كَالْفُحُولِ تَرَاغَى
مِنْ هِيَاجٍ وَتَرْتَمِي بِاللُّغَامِ
وَتَرَى السُّفْنَ كَالْجِبَالِ تَهَادَى
خَافِقَاتِ الْبُنُودِ وَالأَعْلامِ
تَعْتَلِي تَارَةً وَتَهْبِطُ أُخْرَى
فِي فَضَاءٍ بَيْنَ السُّهَا وَالرَّغَامِ
هِيَ كَالدُّهْمِ جَامِحَاتٌ وَلكِنْ
لَيْسَ يُثْنَى جِمَاحُهَا بِلِجَامِ
كُلُّ أُرْجُوحَةٍ تَرَى الْقَوْمَ فِيهَا
خُشَّعًا بَيْنَ رُكَّعٍ وَقِيَامِ
لا يُفِيقُونَ مِنْ دُوَارٍ فَهَاوٍ
لِيَدَيْهِ وَرَاعِفُ الأَنْفِ دَامِي
يَسْتَغِيثُونَ فَالْقُلُوبُ هَوَافٍ
حَذَرَ الْمَوْتِ وَالْعُيُونُ سَوَامِي
فِي وِعَاءٍ يَحْدُونَهُ بِدُعَاءٍ
لِجَلالِ الْمُهَيْمِنِ الْعَلَّامِ
ذَاكَ بَحْرٌ يِلِيهِ بَرٌّ تَرَامَى
فِيهِ خُوصُ الْمَطِيِّ مِثْلَ النَّعَامِ
فَسَوَادِي بِمِصْرَ ثَاوٍ وَقَلْبِي
فِي إِسَارِ الْهَوَى بِأَرْضِ الشَّآمِ
أَخْدَعُ النَّفْسَ بِالْمُنَى وَهْيَ تَأْبَى
وَخِدَاعُ الْمُنَى غِذَاءُ الأَنَامِ
فَمَتَى يَسْمَحُ الزَّمَانُ فَأَلْقَى
بِشَكِيبٍ مَا فَاتَنِي مِنْ مَرَامِ
هُوَ خِلٌّ لَبِسْتُ مِنْهُ خِلالًا
عَبِقَاتٍ كَالنُّورِ فِي الأَكْمَامِ
صَادِقُ الْوُدِّ لا يَخِيسُ بِعَهْدٍ
وَقَلِيلٌ فِي النَّاسِ رَعْيُ الذِّمَامِ
جَمَعَتْنَا الآدَابُ قَبْلَ التَّلاقِي
بِنَسِيمِ الأَرْوَاحِ لا الأَجْسَامِ
وَبَلَغْنَا بِالْوُدِّ مَا لَمْ يَنَلْهُ
بِحَيَاةِ الْقُرْبَى ذَوُو الأَرْحَامِ
فَلَئِنْ لَمْ نَكُنْ بِأَرْضٍ فَإِنَّا
لِاتِّصَالِ الْهَوَى بِدَارِ مُقَامِ
وَائْتِلافُ النُّفُوسِ أَصْدَقُ عَهْدًا
مِنْ لِقَاءٍ لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَوَامِ
أَلْمَعِيٌّ لَهُ بَدِيهَةُ رَأْيٍ
تُدْرِكُ الْغَيْبَ مِنْ وَرَاءِ لِثَامِ
وَقَرِيضٌ كَمَا وَشَتْ نَسَمَاتٌ
بِضَمِيرِ الأَزْهَارِ إِثْرَ الْغَمَامِ
هَزَّنِي شِعْرُهُ فَأَيْقَظَ مِنِّي
فِكْرَةً كَانَ حَظُّهَا فِي الْمَنَامِ
سُمْتُها الْقَوْلَ بعْدَ لأْيٍ فَبَضَّتْ
بِيَسِيرٍ لَمْ يَرْوِ عُودَ ثُمَامِ
فَارْضَ مِنِّي بِمَا تَيَسَّرَ مِنْهَا
رُبَّ ثَمْدِ فِيهِ غِنًى عَنْ جِمَامِ
وَلَوْ أَنِّي أَرَدْتُ شَرْحَ وِدَادِي
وَاشتِيَاقِي لَضَاقَ وُسْعُ الكَلامِ
أَنَا أهَوَاكَ فِطْرَةً لَيْسَ فِيهَا
مِنْ مَسَاغٍ لِلنَّقْضِ وَالإِبْرَامِ
وَإِذَا الْحُبُّ لَمْ يَكُنْ ذَا دَوَاعٍ
كَانَ أَرْسَى قَوَاعِدًا مِنْ شَمَامِ
فَتَقَبَّلْ شُكْرِي عَلَى حُسْنِ وُدٍّ
رُحْتُ مِنْهُ مُقَلَّدًا بِوِسَامِ
أَتَبَاهَى بِهِ إِذَا كَانَ غَيْرِي
يَتَبَاهَى بِزِينَةِ الإِنْعَامِ
دُمْتَ فِي نِعْمَةٍ تَرِفُّ حُلاهَا
فَوْقَ فَرْعٍ مِنْ طِيبِ أَصْلِكَ نَامِي
وَكَانَ الأَميرُ «شَكِيب أَرسلان» ذَكَرَ أَبْيَاتًا لِصَاحِبِ هَذَا الديوانِ فِي
بَعْضِ مَقَالاتِهِ الأَدَبِيَّةِ الَّتِي كَانَ يُرَاسِلُ بهَا جَرِيدَةَ الأَهْرَامِ
وَأَثْنَى عَلى قَائِلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَرِّحَ بِاسْمِهِ ثُمَّ أَوْرَدَ بَعْدَ
ذَلِكَ أَبْيَاتًا فِي مقالة أُخْرَى نَوَّهَ فِيهَا بِاسْمِهِ فَقَالَ يَشْكُرُهُ عَلَى
ذَلِكَ. وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ وبالرِّسَالَةِ بَعْدَهَا: (من
الطويل)
ثم أردف هذه القصيدة بالرسالة النثرية الآتية:
«هَذِهِ أَبْيَاتٌ تَفَطَّرَتْ بِهَا الْقَرِيحَةُ بَعْدَ الْعُقْمِ، وَتَنَفَّسَتْ
لها
الطَّبِيعَةُ بَعْدَ مُعَانَاةِ السُّقْمِ. جَعَلْتُهَا شُكْرًا لِمَا قَرَأْتُهُ فِي
الأَهْرَامِ مِنْ عَوَاطِفِ البِرِّ لَهَا وَالإِكْرَامِ. وَلَوْلا أَنِّي فِي مَكَان
حَرِيد، وَقَدْ حَانَ قِيَامُ الْبَرِيدِ، لَأَطَلْتُ عَنَانَ الثَّنَاء، وَمَلأتُ صَدْرَ
الإِنَاء. وَلَسَوْفَ أَفِي بِذِمَّةِ الْوَعْدِ، إِنْ أَضَاءَ نَجْمُ السَّعْدِ، فَاقْبَلْ
مِنِّي عَلَى عُدَوَاءِ الدَّارِ سَلامًا عَلَى جَنَاحِ الْبِدَارِ.»
وَقَالَ يَرْثِي وَالِدَتَهُ وَقَدْ وَرَدَ نَعْيُهَا وَهُوَ فِي الْحَرْبِ: (من
الطويل)
هَوًى كَانَ لِي أَنْ أَلْبَسَ الْمَجْدَ مُعْلَمَا
فَلَمَّا مَلَكْتُ السَّبْقَ عِفْتُ التَّقَدُّمَا
وَمَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا رَأَى مَا يَسُرُّهُ
مِنَ الْعَيْشِ هَمًّا يَتْرُكُ الشَّهْدَ عَلْقَمَا
وَأَيُّ نَعِيمٍ فِي حَيَاةٍ وَرَاءَهَا
مَصَائِبُ لَوْ حَلَّتْ بِنَجْمٍ لأَظْلَمَا
إِذَا كَانَ عُقْبَى كُلِّ حَيٍّ مَنِيَّةٌ
فَسِيَّانِ مَنْ حَلَّ الْوِهَادَ وَمَنْ سَمَا
وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّا نَرَى الْحَقَّ جَهْرَةً
وَنَلْهُو كَأَنَّا لا نُحَاذِرُ مَنْدَمَا
يَوَدُّ الْفَتَى فِي كُلِّ يَوْمٍ لُبَانَةً
فَإِنْ نَالَهَا أَنْحَى لأُخْرَى وَصَمَّمَا
طَمَاعَةُ نَفْسٍ تُورِدُ الْمَرْءَ مَشْرَعًا
مِنَ الْبُؤْسِ لا يَعْدُوهُ أَوْ يَتَحَطَّمَا
أَرَى كُلَّ حَيٍّ غَافِلًا عَنْ مَصِيرِهِ
وَلَوْ رَامَ عِرْفَانَ الْحَقِيقَةِ لَانْتَمَى
فَأَيْنَ الأُلَى شَادُوا وَبَادُوا أَلَمْ نَكُنْ
نَحُلُّ كَمَا حَلُّوا وَنَرْحَلُ مِثْلَمَا
مَضَوْا وَعَفَتْ آثارُهُمْ غَيْرَ ذُكْرَةٍ
تُشِيدُ لَنَا مِنْهُمْ حَدِيثًا مُرَجَّمَا
سَلِ الأَوْرَقَ الْغِرِّيدَ فِي عَذَبَاتِهِ
أَنَاحَ عَلَى أَشْجَانِهِ أَمْ تَرَنَّمَا
تَرَجَّحَ فِي مَهْدٍ مِنَ الأَيْكِ لا يَنِي
يَمِيلُ عَلَيهِ مَائِلًا وَمُقَوَّمَا
يَنُوحُ عَلَى فَقْدِ الْهَدِيلِ وَلَمْ يَكُنْ
رآهُ فَيَا للَّهِ كَيْفَ تَهَكَّمَا
وَشَتَّانَ مَنْ يَبْكِي عَلَى غَيْرِ عِرْفَةٍ
جِزَافًا وَمَنْ يَبْكِي لِعَهْدٍ تَجَرَّمَا
لَعَمْرِي لَقَدْ غَالَ الرَّدَى مَنْ أُحِبُّهُ
وَكَانَ بِوُدِّي أَنْ أَمُوتَ وَيَسْلَمَا
وَأَيُّ حَيَاةٍ بَعْدَ أُمٍّ فَقَدْتُهَا
كَمَا يفْقِدُ الْمَرْءُ الزُّلالَ عَلَى الظَّمَا
تَوَلَّتْ فَوَلَّى الصَّبْرُ عَنِّي وَعَادَنِي
غَرَامٌ عَلَيْهَا شَفَّ جِسْمِي وَأَسْقَمَا
وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا ذُكْرَةٌ تَبْعَثُ الأَسَى
وَطَيْفٌ يُوَافِينِي إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا
وَكَانَتْ لِعَيْنِي قُرَّةً وَلِمُهْجَتِي
سُرُورًا فَخَابَ الطَّرْفُ وَالْقَلْبُ مِنْهُمَا
فَلَوْلا اعْتِقَادِي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ
لَقَطَّعْتُ نَفْسِي لَهْفَةً وَتَنَدُّمَا
فَيَا خَبَرًا شَفَّ الْفُؤَادَ فَأَوْشَكَتْ
سُوَيْدَاؤُهُ أَنْ تَسْتَحِيلَ فَتَسْجُمَا
إِلَيْكَ فَقَدْ ثَلَّمْتَ عَرْشًا مُمَنَّعًا
وَفَلَّلْتَ صَمْصَامًا وَذلَّلْتَ ضَيْغَمَا
أَشَادَ بِهِ النَّاعِي وَكُنْتُ مُحَارِبًا
فَأَلْقَيْتُ مِنْ كَفِي الْحُسَامَ الْمُصَمِّمَا
وَطَارَتْ بِقَلْبِي لَوْعَةٌ لَوْ أَطَعْتُهَا
لأَوْشَكَ رُكْنُ الْمَجْدِ أَنْ يَتَهَدَّمَا
وَلَكِنَّنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي لأَنْثَنِي
عَنِ الْحَرْبِ مَحْمُودَ اللِّقَاءِ مُكَرَّمَا
فَلَمَّا اسْتَرَدَّ الْجُنْدَ صِبْغٌ مِنَ الدُّجَى
وَعَادَ كِلا الْجَيْشَيْنِ يَرْتَادُ مَجْثِمَا
صَرَفْتُ عِنَانِي رَاجِعًا وَمَدَامِعِي
عَلَى الْخَدِّ يَفْضَحْنَ الضَّمِيرَ الْمُكَتَّمَا
فَيَا أُمَّتَا زَالَ الْعَزَاءُ وَأَقْبَلَتْ
مَصَائِبُ تَنْهَى الْقَلْبَ أَنْ يَتَلَوَّمَا
وَكُنْتُ أَرَى الصَّبْرَ الْجَمِيلَ مَثُوبَةً
فَصِرْتُ أَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَأْثَمَا
وَكَيْفَ تَلَذُّ الْعَيْشَ نَفْسٌ تَدَرَّعَتْ
مِنَ الْحُزْنِ ثَوْبًا بِالدُّمُوعِ مُنَمْنَمَا
تَأَلَّمْتُ فِقْدَانَ الأَحِبَّةِ جَازِعًا
وَمَنْ شَفَّهُ فَقْدُ الْحَبِيبِ تَأَلَّمَا
وَقَدْ كُنْتُ أَخْشَى أَنْ أَرَاكِ سَقِيمَةً
فَكَيْفَ وَقَدْ أَصْبَحْتِ فِي التُرْبِ أَعْظُمَا
بَلَغْتِ مَدَى تِسْعِينَ فِي خَيْرِ نِعْمَةٍ
وَمَنْ صَحِبَ الأَيَّامَ دَهْرًا تَهَدَّمَا
إِذَا زَادَ عُمْرُ الْمَرْءِ قَلَّ نَصِيبُهُ
مِنَ الْعَيْشِ وَالنُّقْصَانُ آفَةُ مَنْ نَمَا
فَيَا لَيْتَنَا كُنَّا تُرَابًا وَلَمْ نَكُنْ
خُلِقْنَا وَلَمْ نَقْدَمْ إِلَى الدَّهْرِ مَقْدَمَا
أَبَى طَبْعُ هَذَا الدَّهْرِ أَنْ يَتَكَرَّمَا
وَكَيْفَ يَدِي مَنْ كَانَ بِالْبُخْلِ مُغْرَمَا
أَصَابَ لَدَيْنَا غِرَّةً فَأَصَابَنَا
وَأَبْصَرَ فِينَا ذِلَّةً فَتَحَكَّمَا
وَكَيْفَ يَصُونُ الدَّهْرُ مُهْجَةَ عَاقِلٍ
وَقَدْ أَهْلَكَ الْحَيَّيْنِ عَادًا وَجُرْهُمَا
هُوَ الأزْلَمُ الْخَدَّاعُ يَخْفِرُ إِنْ رَعَى
وَيَغْدِرُ إِنْ أَوْفَى وَيُصْمِي إِذَا رَمَى
فَكَمْ خَانَ عَهْدًا واسْتَبَاحَ أَمَانَةً
وَأَخْلَفَ وَعْدًا وَاسْتَحَلَّ مُحَرَّمَا
فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ أَخْنَتْ بِصَرْفِهَا
عَلَيَّ فَأَيُّ النَّاسِ يَبْقَى مُسَلَّمَا
وَإِنِّي لأَدْرِي أَنَّ عَاقِبَةَ الأَسَى
وَإِنْ طَالَ لا يُرْوِي غَلِيلًا تَضَرَّمَا
وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تَرَى الصَّبْرَ سُبَّةً
عَلَيْهَا وَتَرْضَى بِالتَّلَهُّفِ مَغْنَمَا
وَكَيْفَ أَرَانِي نَاسِيًا عَهْدَ خُلَّةٍ
أَلِفْتُ هَوَاهَا نَاشِئًا وَمُحَكَّمَا
وَلَوْلا أَلِيمُ الْخَطْبِ لَمْ أَمْرِ مُقْلَةً
بِدَمْعٍ وَلَمْ أَفْغَرْ بِقَافِيَةٍ فَمَا
فَيَا رَبَّةَ الْقَبْرِ الْكَرِيمِ بِمَا حَوَى
وَقَتْكِ الرَّدَى نَفْسِي وَأَيْنَ وَقَلَّمَا
وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ فِدْيَةَ رَاحِلٍ
تَخَرَّمَهُ الْمِقْدَارُ فِيمَنْ تَخَرَّمَا؟
سَقَتْكِ يَدُ الرِّضْوَانِ كَأْسَ كَرَامَةٍ
مِنَ الْكَوثَرِ الْفَيَّاضِ مَعْسُولَةَ اللَّمَى
وَلا زَالَ رَيْحَانُ التَّحِيَّةِ نَاضِرًا
عَلَيْكِ وَهَفَّافُ الرِّضَا مُتَنَسَّمَا
لِيَبْكِ عَلَيْكِ الْقَلْبُ لا الْعَيْنُ إِنَّنِي
أَرَى الْقَلْبَ أَوْفَى بِالْعُهُودِ وَأَكْرَمَا
فَوَاللهِ لا أَنْسَاكِ مَا ذَرَّ شَارِقٌ
ومَا حَنَّ طَيْرٌ بِالأَرَاكِ مُهَيْنِمَا
عَلَيْكِ سَلامٌ لا لِقَاءَةَ بَعْدَهُ
إِلَى الْحَشْرِ إِذْ يَلْقى الأَخِيرُ الْمُقَدَّمَا
وَقَالَ يَرْثِي أَحَدَ قُوَّادِ الْجَيْشِ وَقَدْ مَاتَ بِأَقْرِيطِشَ: (من المنسرح)
أَيُّ فَتًى لِلْعَظِيمِ نَنْدُبُهُ
شَاطَ عَلَى أَنْصُلِ الرِّمَاحِ دَمُهْ
أَسْلَمَهُ صَحْبُهُ وَمَا عَلِمُوا
أَنْ سَوْفَ يَمْحُو وُجُودَهُمْ عَدَمُهْ
زَالَ الأُلَى حَاذَرُوا مَصَارِعَهُمْ
وَلمْ تَزُلْ عَنْ مَكَانِهَا قَدَمُهْ
طَاحَ بِجُثْمَانِهِ الرَّدَى وَرَقَا
إِلَى سَمَوَاتِ رَبِّهِ نَسَمُهْ
نِعْمَ فَتَى الْحَرْبِ فِي الْهِيَاجِ إِذْ
شَبَّ لَظَى الْبَأْسَاءِ وَاعْتَلَى ضَرَمُهْ
قَدْ أَلِفَتْ صُحْبَةَ الْقَنَا يَدُهُ
وَاعْتَادَ لَبَّيْكَ فِي السَّمَاحِ فَمُهْ
لَيْسَ بِهَيَّابَةٍ وَلا وَكَلٍ
بَلْ صَادِقٌ فِي اللِّقَاءِ مُعْتَرَفُهْ
إِنْ صَالَ فَلَّ الْعِدَا بِصَوْلَتِهِ
أَوْ قَالَ أَرْوَتْ مُشَاشَنَا كَلِمُهْ
يَنْكَفِتُ الْجَيْشُ حِينَ يَفْجَؤُهُ
وَيَصْعَقُ الْقِرْنُ حِينَ يَلْتَزِمُهْ
بَكَى بِدَمْعِ الْفِرِنْدِ صَارِمُهُ
وَانْشَقَّ مِنْ طُولِ حُزْنِهِ قَلَمُهْ
فَمَنْ إِلَى مَلْجَإِ الضَّعِيفِ إِذَا
أَقْبَلَ لَيْلٌ وَأَطْبَقَتْ ظُلَمُهْ
وَمَنْ يَقُودُ الزُّحُوفَ رَاجِفَةً
وَالْيَوْمُ بِالْحَرْبِ سَاطِعٌ قَتَمُهْ
مَاتَ وَأَبْقَى شَجًى لِفُرْقَتِهِ
يَكَادُ يَفْرِي قُلُوبَنَا أَلَمُهْ
فَاذْهَبْ عَلَيْكَ السَّلامُ مِنْ بَطَلٍ
مَاتَ وَعَاشَتْ مِنْ بَعْدِهِ نِعَمُهْ
وَقَالَ فِي هَوي لَهُ وَقَدْ مَرِضَ: (مِنَ المَدِيدِ)
وَقَالَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَدِيحِ: (من الطويل)
عَلِيلٌ أَنْتَ مُسْقِمُهُ
فَمَا لَكَ لا تُكلِّمُهُ
سَرَى فِيهِ الضَّنَى حَتَّى
بَدَتْ لِلْعَيْنِ أَعْظُمُهُ
فَلا إِنْ بَاحَ تَعْذِرُهُ
وَلا إنْ نَاحَ تَرْحَمُهُ
إِذَا كَانَ الْهَوَى ذَنْبِي
فَقُلْ لِي كَيْفَ أَكْتُمُهُ
وَدَمْعِي أَنْتَ مُرْسِلُهُ
وَقَلْبِي أَنْتَ مُؤْلِمُهُ
وَلا وَاللهِ مَا لِي فِي الـ
ـهَوَى ذَنْبٌ فَأَعْلَمُهُ
فَوَيْلِي مِنْ غَرِيبِ الدَّلـ
ـلِ أَبْلانِي تَحَكُّمُهُ
تَرَدَّدَ فِي مَحَبَّتِهِ
وَلمْ يَسْمَحْ بِهَا فَمُهُ
غَزَالٌ أَحْوَرُ الْعَيْنَيـ
ـنِ لا يَسْلُو مُتَيَّمُهُ
يَهِيمُ بِحُسْنِ صُورَتِهِ
فُؤَادِي وَهْوَ يَظْلِمُهُ
نَسَبْتُ بِهِ فَبَانَ عَلَى
جَبِينِ الشِّعْرِ مِيسَمُهُ
فَمَا لِي فِي الَّذِي أُمْلِيـ
ـن مِنْ فضْلٍ فَأَغْنَمُهُ
وَلَكِنْ حُسْنُهُ يَبْدُو
إِلَى عَيْنِي فَتَرْسُمُهُ
وَيَنْثُرُ لَفْظَهُ دُرًّا
عَلَى سَمْعِي فَأَنْظِمُهُ
وَلَوْلا ذَاكَ مَا لاحَتْ
بِأُفْقِ الشِّعْرِ أَنْجُمُهُ
فَقُلْ مَا شِئْتَ فِي شِعْرِي
وَخَيْرُ الْقَوْلِ أَحْكَمُهُ
وَقَالَ نَاظِمًا قَوْلَ رَجُلٍ أَحَبَّ امْرَأةً دُونَ قَدْرِهِ؛ فَعَذَلَهُ عَمُّهُ
فَقالَ: يَا عَم، لا تَلُمْ مُجْبَرًا عَلَى سَقَمِهِ؛ فَإِنَّ المُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ
مُسْتَغْنٍ عَن مُنَازَعَةِ خَصْمِهِ. وَإِنَّمَا يُلامُ مَنِ اقْتَرَفَ مَا يَقْدِرُ
عَلى
تَرْكِهِ، وَلَيْسَ أَمْرُ الْهَوَى إِلَى الرَّأيِ، فَيَمْلِكَهُ، وَلا الْعَقَلِ
فَيُدَبِّرَهُ بَلْ قُدْرَتُهُ أَغْلَبُ، وَجَانِبُهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ تَنْفُذَ فِيه
حِيلَةُ حَازِمٍ، وَلُطْفُ مُحْتَالٍ: (من الطويل)
مَنَحْتُكَ أَلْقَابَ الْعُلا فَادْعُنِي بِاسْمِي
فَمَا تَخْفِضُ الأَلْقَابُ حُرًّا وَلا تُسْمِي
إِذَا كَانَ عُقْبَانُ الْجَدِيدِ إِلَى بِلًى
فَلا فَرْقَ مَا بَيْنَ الْحَدِيثِ وَلا الرَّسْمِ
تَأَمَّلْ إِلَى الدُّنْيَا بِعَيْنٍ بَصِيرَةٍ
لَعَلَّكَ تَرْضَى بِالْقَلِيلِ مِنَ الْقَسْمِ
فَمَا الْعَيْشُ إِلَّا خَطْرَةٌ عَرَضِيَّةٌ
تَزُولُ كَمَا زَالَ الْحَثِيثُ مِنَ النَّسْمِ
وَهَلْ نَحْنُ إِلَّا مِثْلُ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا
فَسَلْ عَنْ جَدِيسٍ أَيْنَ وَلَّتْ وَعَنْ طَسْمِ
تَزَوَّدْ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهِ بُلْغَةٌ
فَسَوْفَ تُعَانِي الْجَدْبَ يَا رَاعِيَ الْوَسْمِي
لَعَمْرِي لَنِعْمَ الْمَرْءُ مَنْ بَاتَ رَاضِيًا
بِمَا خَصَّهُ مِنْ فَيْضِهِ سَابِقُ الرَّسْمِ
تَفَلْسَفَ قَوْمٌ فِي الْمَقَالِ وما دَرَوْا
جَرِيرَةَ مَا أَبْقَوْا عَلَى الدَّهْرِ مِنْ وَسْمِ
وَلَوْ رَاجَعُوا هَذِي النُّفُوسَ لَعَالَجُوا
بِتَرْكِ الْخَطَايَا مُعْضِلَ الدَّاءِ بِالْحَسْمِ
فَدَعْ هَذِهِ الدُّنْيَا وَإِنْ هِيَ أَقْبَلَتْ
عَلَيْكَ بِإِيمَاضِ الْبَشَاشَةِ وَالْبَسْمِ
فَلَوْ جَرَّبَ الإِنْسَانُ أَخْلاقَ دَهْرِهِ
لأَمْسَكَ بِالْيَأْسِ الْمُرِيحِ عَنِ الْعَسْمِ
فَمَنْ لِي بِرَأْيٍ صَادِقٍ أَقْتَفِي بِهِ
مَدَارِجَ قَوْمٍ أَدْرَكُوا الأَمْرَ بِالْقَسْمِ
بَرَتْنِي تَبَارِيحُ الْحيَاةِ فَلَمْ تَدَعْ
لَدَيَّ سِوَى رُوحٍ تَرَدَّدَ فِي جِسْمِ
يَقُولُونَ مَحْمُودٌ وَيَا لَيْتَ أَنَّنِي
كَمَا زَعَمُوا أَوْلَيْتَ لِي طَائِعًا كَاسْمِي
وَقَالَ فِي غَدَاةِ أُنْسٍ: (من الوافر)
وَقَالَ بَعْدَمَا اسْتَقَالَ مِنْ وَزَارَةِ الْحَرْبِيَّة يَذُمُّ بَعْضَ الوُزَرَاء:
(من البسيط)
مَا لِي بِوُدِّكَ بَعْدَ الْيَوْمِ إِلْمَامُ
فَاذْهَبْ فَأَنْتَ لَئِيمُ الْعَهْدِ نَمَّامُ
قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي أَدْرَكْتُ مَأْرُبَةً
مِنَ الْمُنَى فَإِذَا مَا خِلْتُ أَحْلامُ
هَيْهَاتَ مِنِّي الرِّضَا مِنْ بَعْدِ تَجْرِبَةٍ
إِنَّ الْمَوَدَّةَ بَيْنَ النَّاسِ أَقْسَامُ
فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ غَيْرِي إِنَّنِي رَجُلٌ
يَأْبَى لِيَ الْغَدْرَ أَخْوَالٌ وَأَعْمَامُ
كُلُّ امْرِئٍ تَابِعٌ أَعْرَاقَ نَبْعَتِهِ
وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ أَنْسَابٌ وَأَرْحَامُ
فَانْظُرْ لِفِعْلِ الْفَتَى تَعْرِفْ مَنَاسِبَهُ
إِنَّ الْفَعِالَ لأَصْلِ الْمَرْءِ إِعْلامُ
وَلا يَغُرَّنَّكَ وَجْهٌ رَاقَ مَنْظَرُهُ
فَالنَّصْلُ فِيهِ الْمَنَايَا وَهْوَ بَسَّامُ
مَا كُلُّ ذِي مَنْسَرٍ فَتْخَاءَ كَاسِرَةً
كَلَّا وَلا كُلُّ ذِي نَابَيْنِ ضِرْغَامُ
فَإِنْ يَكُنْ غَرَّنِي حِلْمِي فَلا عَجَبٌ
إِنَّ الْحُسَامَ لَيَنْبُو وَهْوَ صَمْصَامُ
ظَنَنْتُ خَيْرًا وَلَمْ أُدْرِكْ عَوَاقِبَهُ
فَكَانَ شَرًّا وَبَعْضُ الظَّنِّ آثامُ
فَيَا لَهَا ضِلَّةً مَا إِنْ أَبَهْتُ لَهَا
حَتَّى تَرَدَّتْ بِهَا فِي الشَّرِّ أَقْدَامُ
آلَيْتُ أَكْذِبُ نَفْسِي بَعْدَهَا سفَهًا
إِنَّ الْمُنَى عِنْدَ صِدْقِ النَّفْسِ أَوْهَامُ
فَيَابْنَ مَنْ تَزْدَرِيهِ النَّفْسُ مِنْ ضَعَةٍ
فَمَا يُحَسُّ لَهُ وَجْدٌ وَإِعْدَامُ
دَعِ الْفَخَارَ وَخُذْ فِيما خُلِقْتَ لَهُ
مِنَ الصَّغَارِ فَإِنَّ الطَّبْعَ إِلْزَامُ
وَاذْكُرْ مَكَانَكَ مِنْ عَبَّاسَ حَيْثُ مَضَتْ
عَلَيْكَ فِي الدَّارِ أَعْوَامٌ وَأَعْوَامُ
تَبِيتُ مُرْتَفِعًا فِي ظِلِّ دَسْكَرَةٍ
لِكُلِّ بَاغٍ بِهَا وَجْدٌ وَتَهْيَامُ
وَفَوْقَ ظَهْرِكَ لِلأَنْفَاسِ مُعْتَرَكٌ
وَفِي حَشَاكَ لِنَارِ الْفِسْقِ إِضْرامُ
وَيْلُمِّهَا خَزْيَةً طارَتْ بِشُنْعتِها
صَحَائِفٌ وجَرَتْ بِالذَّمِّ أَقَلامُ
فَاخْسَأْ فَمَا الْكَلْبُ أَدْنَى مِنْكَ مَنْزِلَةً
وَاخْسَأْ لِمِثْلِكَ إِعْزَازٌ وَإِكْرَامُ
هَذَا الَّذِي تَكْرَهُ الأَبْصَارُ طَلْعَتَهُ
فَحَظُّها مِنْهُ إِيذَاءٌ وَإِيلامُ
فِي وَجْهِهِ سِمَةٌ لِلْغَدْرِ بيِّنَةٌ
وَبَيْنَ جَنْبَيْهِ أَحْقَادٌ وَأَوْغَامُ
لَهُ عَلَى الشَّرِّ إِقْدَامٌ وَلَيْسَ لَهُ
إِلَّا عَنِ الْخَيْرِ وَالْمعْرُوفِ إِحْجامُ
كَأَنَّمَا أَنْفُهُ مِنْ طُولِ سَجْدَتِهِ
فِي حَانَةِ اللَّهْوِ حَرْفٌ فِيهِ إِدْغَامُ
كَعقْرَبِ الْمَاءِ يَمْشِي مِشْيَةً صَدَدًا
فَخَلْفُهُ عِنْدَ جِدِّ الأَمْرِ إِقْدَامُ
أَبْدَى بِعَاتِقِهِ الْمنْدِيلُ سِيمتَهُ
وَحَتَّ مَوْضِعَهُ مِنْ كَفِّهِ الْجَامُ
وَكَيْفَ يصْلُحُ أَمْرُ النَّاسِ فِي بَلَدٍ
حُكَّامُهُ لِبَنَاتِ اللَّهْوِ خُدَّامُ
قَدْ يَمَّمَتْهُ الْمَخَازِي فَهْيَ نَازِلَةٌ
مِنْهُ بِحَيْثُ تَلَاقَى اللُّؤْمُ وَالذَّامُ
مَا إِنْ أَصَبْتُ لَهُ خُلْقًا فَأَحْمَدَهُ
فَكُلُّ أَخْلاقِهِ لِلنَّفْسِ آلامُ
فَظٌّ غَلِيظٌ مِقيتٌ سَاقِطٌ وَجِمٌ
وَغْدٌ لَئِيمٌ ثَقِيلُ الظِّلِّ حَجَّامُ
جَاءَتْ بِهِ عَجُزٌ لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ
لَهَا بِمَدْرَجَةِ الْفَحْشَاءِ أَزْلامُ
مُسْتَيْقِظٌ لِلْمَخَازِي غَيْرَ أَنَّ لَهُ
طَرْفًا عَنِ الْعِرْضِ وَالأَوْتَارِ نَوَّامُ
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا مِنْ عَدَاوتِهِ
فَإِنَّهَا لِجَلالِ اللَّهِ إِعْظامُ
فَاذْهَبْ كَمَا ذَهَبَ الطَّاعُونُ مِنْ بَلَدٍ
تَقْفُوهُ بِاللَّعْنِ أَرْوَاحٌ وَأَجْسَامُ
وَهَاكَ مَا أَنْتَ أَهْلٌ فِي الْهِجَاءِ لَهُ
فَالْهَجْوُ فِيكَ لِنَقْضِ الْحَقِّ إِبْرَامُ
مِنْ كُلِّ قَافِيَةٍ فِي الأَرْضِ سَائِرَةٍ
لَهَا بِعِرْضِكَ إِنْجَادٌ وَإِتْهَامُ
شِعْرٌ لِوَجْهِ الْمَخَازِي مِنْهُ سَافِيَةٌ
بِحَاصِبٍ وَلأَنْفِ الْجَهْل إِرْغَامُ
تَبْلَى الْعِظَامُ وَيَبْقَى ذِكْرُهُ أَبَدًا
فِي كُلِّ عَصْرٍ لَهُ سَجْعٌ وَتَرْنَامُ
فيِ إحدى نَدَواته سأله الأديب الشاب «مصطفى صادق الرافعي» شيئًا من شعره الحديث فقال
إن
«عنترة بن شداد العبسي» يقول:
وقد نقضت هذه القصيدة بقولي: (من الكامل)
كَمْ غادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ
وَلَرُبَّ تَالٍ بَزَّ شَأْوَ مُقَدَّمِ
فِي كُلِّ عَصْرٍ عبْقَرِيٌّ لا يَنِي
يَفْرِي الْفَرِيَّ بِكُلِّ قَوْلٍ مُحْكَمِ
وَكَفَاكَ بِي رَجُلًا إِذَا اعْتُقِلَ النُّهَى
بِالصَّمْتِ أَوْ رَعَفَ السِّنَانُ بِعَنْدَمِ
أَحْيَيْتُ أَنْفَاسَ الْقَرِيضِ بِمَنْطِقِي
وَصَرَعْتُ فُرْسَانَ الْعَجَاجِ بِلَهْذَمِي
وَفَرَعْتُ نَاصِيَةَ الْعُلا بِفَضَائِلٍ
هُنَّ الْكَوَاكِبُ فِي النَّهَارِ الْمُظْلِمِ
سَلْ مِصْرَ عَنِّي إِنْ جَهِلْتَ مَكَانَتِي
تُخْبِرْكَ عَنْ شَرَفٍ وَعِزٍّ أَقْدَمِ
بَلِهٌ نَشَأْتُ مَعَ النَّبَاتِ بِأَرْضِهَا
وَلَثَمْتُ ثَغْرَ غَدِيرِهِ الْمُتَبَسِّمِ
فَنَسِيمُهَا رُوحِي وَمَعْدِنُ تُرْبِهَا
جِسْمِي وَكَوْثَرُ نِيلِهَا مَحْيَا دَمِي
فَإِذَا نَطَقْتُ فَبِالثَّنَاءِ عَلَى الَّذِي
أَوْلَتْهُ مِنْ فَضْلٍ عَلَيَّ وَأَنْعُمِ
أَهْلِي بِهَا وأَحِبَّتِي وَكَفَى بِهِمْ
فَخْرًا مَلَكْتُ بِهِ عنَانَ الأَنْجُمِ
وَأَحَقُّ دَارٍ بِالْكَرَامَةِ مَنْزِلٌ
لِلْقَلْبِ فِيهِ عَلاقَةٌ لَمْ تَصْرَمِ
هِيَ جَنَّةُ الْحُسْنِ الَّتِي زَهَرَاتُهَا
حُورُ الْمَهَا وَهَزَارُ أَيْكَتِهَا فَمِي
مَا إِنْ خَلَعْتُ بِهَا سُيُورَ تَمَائِمِي
حَتَّى لَبِسْتُ بِهَا حَمَائِلَ مِخْذَمِي
وَغَنِيتُ عَنْ قُلَّتِي بعَامِلِ أَسْمَرٍ
وَسَلَوْتُ عَنْ مَهْدِي بِصَهْوَةِ أَدْهَمِ
وَفَجَرْتُ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ بِمَنْطِقٍ
عَذْبٍ رَوَيْتُ بِهِ غَلِيلَ الْحُوَّمِ
وَلَكَمْ أَثَرْتُ غَيَابَةً مِنْ قَسْطَلٍ
بِمُهَنَّدِي وَحَلَلْتُ عُقْدَةَ مُبْرَمِ
أَخْتَالُ طَوْرًا فَوْقَ ذِرْوةِ مِنْبَرِ
وَأَكُرُّ طَوْرًا فَوْقَ نَهْدٍ شَيْظَمِ
حَتَّى رَبَأْتُ مِنَ الْمَعَالِي هَضْبَةً
شَمَّاءَ تُزْلِقُ أَخْمَصَ الْمُتَسَنِّمِ
نَشَأَتْ بِطَبْعِي لِلْقَرِيضِ بِدَائِعٌ
لَيْسَتْ بِنِحْلَةِ شَاعِرٍ مُتَقَدِّمِ
يَصْبُو بِهَا «الْحَكَمِيُّ» صَبْوَةَ عَاشِقٍ
وَتَخِفُّ مِنْ طَرَبٍ عَرِيكَةُ «مُسْلِمِ»
قَوَّمْتُهُ بَعْدَ اعْوِجَاجِ قَنَاتِهِ
وَالرُّمْحُ لَيْسَ يَرُوقُ غَيْرَ مُقَوَّمِ
فِقَرٌ يَكَادُ السِّحْرُ يَبْلُغُ بَعْضَ مَا
فِي طَيِّهَا لَوْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمِ
مُتَشَابِهُ الطَّرَفَيْنِ يُنْبِئُ صَدْرُهُ
عَمَّا تَلاحَقَ فَهْوَ بَادِي الْمَعْلَمِ
أَحْكَمْتُ مَنْطِقَهُ بِلَهْجَةِ مُفْلِقٍ
يَقِظِ الْبَدِيهَةِ فِي الْقَرِيضِ مُحَكَّمِ
يَبْتَذُّ أُهْبَةَ كُلِّ فَارِسِ بُهْمَةٍ
وَيَزُمُّ شِقْشِقَةَ الْفَتِيقِ الْمُقْرَمِ
ذَلَّلْتُ مِنْهُ غَوَارِبًا لا تُمْتَطَى
وَخَطَمْتُ مِنْهُ مَوَارِنًا لَمْ تُخْطَمِ
شِعْرٌ جَمَعْتُ بِهِ ضُرُوبَ مَحَاسِنٍ
لَمْ تَجْتَمِعْ قَبْلِي لِحَيٍّ مُلْهَمِ
فَإِذَا نَسَبْتُ فَتَنْتُ كُلَّ مُقَنَّعٍ
وَإِذَا نَأَمْتُ ذَعَرْتُ كُلَّ مُلَثَّمِ
كَالرَّوْضِ تَسْمَعُ مِنْهُ نَغْمَةَ بُلْبُلٍ
وَالْغِيلُ تَسْمَعُ مِنْهُ زَأْرَةَ ضَيْغَمِ
أَدْرَكْتُ قَاصِيَةَ الْمَحَامِدِ وَالْعُلا
وَشَأَوْتُ فِيهَا كُلَّ أَصْيَدَ مُسْنِمِ
فَأَنَا ابْنُ نَفْسِي إِنْ فَخَرْتُ وَإِنْ أَكُنْ
لِأَغَرَّ مِنْ سَلَفِ الأَكَارِمِ أَنْتَمِي
وَالْفَخْرُ بِالآبَاءِ لَيْسَ بِنَافِعٍ
إِنْ كَانَتْ الأَبْنَاءُ خُورَ الأَعْظُمِ
هَذَا وَرُبَّتَ لَذَّةٍ بَاشَرْتُهَا
فِي ظِلِّ أَخْضَرَ بِالْعَرَارِ مُنَمْنَمِ
طَفِقَ النَّسِيمُ يَحُوكُ وَشْيَ بُرُودِهِ
بِأَنَامِلٍ تَمْرِي خُيُوطَ الْمِرْزَمِ
فَبِكُلِّ أُفْقٍ مُزْنَةٌ فَيَّاضَةٌ
وَبِكُلِّ أَرْضٍ جَدْوَلٌ كَالأَرْقَمِ
هَاتِيكَ تَجْرِي فِي السَّمَاءِ كَأَنَّهَا
سُفُنٌ وَهَذَا فِي الْخَمَائِلِ يَرْتَمِي
فالرَّوْضُ بَيْنَ مُوَشَّحٍ وَمُؤَزَّرٍ
وَالزَّهْرُ بَيْنَ مُدَنَّرٍ وَمُدَرْهَمِ
طَلْقُ الْجَبِينِ تَبَسَّمَتْ أَزْهَارُهُ
عَنْ دُرِّ قَطْرٍ كَالْعُقُودِ مُنَظَّمِ
عَبِقُ الإِزَارِ كَأَنَّمَا جَرَتِ الصَّبَا
فِيهِ بِجُؤْنَةِ عَنْبَرٍ لَمْ تُخْتَمِ
صَبَحَ الْغَمَامُ غُصُونَهُ فَتَرَنَّحَتْ
طَرَبًا لِرَجْعِ الطَّائِرِ الْمُتَرَنِّمِ
فَنَسِيمُهُ أَرِجٌ وَطَائِرُ أَيْكِهِ
هَزِجٌ وَجَدْوَلُهُ بَرُودُ الْمَبْسِمِ
يَسْتَوْقِفُ الأَلْبَابَ حُسْنُ رُوَائِهِ
وَيَصِيدُ عَيْنَ النَّاظِرِ الْمُتَوَسِّمِ
وَالْمَرْءُ طَوْعُ يَدِ الزَّمَانِ يَقُودُهُ
قَوْدَ الْجَنِيبِ لِغَايَةٍ لَمْ تُعْلَمِ
فَلَكٌ يَدُورُ وَأَنْجُمٌ لا تَأْتَلِي
تَبْدُو وَتَغْرُبُ فِي فَضَاءٍ أَقْتَمِ
صُوَرٌ إِذَا نَادَيْتَهَا لمْ تَسْتَجِبْ
أَوْ رُمْتَ مِنْهَا النُّطْقَ لَمْ تتكَلَّمِ
فَدَعِ الْخَفِيَّ وَخُذْ لِنَفْسِكَ حَظَّهَا
مِمَّا بَدَا لَكَ فَهْوَ أَهْنَأُ مَغْنَمِ
لا يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ يَبْلُغَ مَا نَأَى
عَنْهُ وَلَوْ صَعِدَ السَّمَاءَ بِسُلَّمِ
بَيْنَا يَشُقُّ بِهِ الْجَوَاءَ تَرَفُّعًا
أَهْوَى بِهِ فِي كَسْرِ بَيْتٍ مُظْلِمِ
إِنَّ الْحَيَاةَ شَهِيَّةٌ مَا لَمْ تَكُنْ
غَرَضًا لإِمْرَةِ ظَالِمٍ لَمْ يَرْحَمِ
لا أَرْتَضِي عَيْشَ الْجَبَانِ وَلا أَرَى
فضْلًا لِذِي حَسَبٍ إِذَا لَمْ يُقْدِمِ
وَلرُبَّ مَلْحَمَةٍ سَرَيْتُ قِنَاعَهَا
عَنْ وَجْهِ نَصْرٍ بِالْغُبَارِ مُلَثَّمِ
لَوْ كَانَ لِلإِنْسانِ عِلْمٌ بِالَّذِي
فِي الْغَيْبِ لَمْ يَفْرَحْ وَلمْ يَتَنَدمِ
فَدَعِ الأُمُورَ إِلَى مُدَبِّرِ شَأْنِهَا
وَارْغَبْ عَنِ الدُّنْيَا بِنَفْسِكَ تَسْلَمِ
بِأَيَّ غَزَالٍ فِي الْخُدُورِ تَهِيمُ
وَغِزْلانُ نَجْدٍ مَا لَهُنَّ حَمِيمُ
يَقُدْنَ زِمَامَ النَّفْسِ وَهْيَ أَبِيَّةٌ
وَيَخْدَعْنَ لُبَّ الْمَرْءِ وَهْوَ حَكِيمُ
فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْشَى الدِّيارَ مُخَاطِرًا
فَدُونَ حِمَاهَا لِلأُسُودِ نَئِيمُ
فَوَارِسُ لا يَعْصُونَ أَمْرَ حَمِيَّةٍ
وَلا يَرْهَبُونَ الْخَطْبَ وَهْوَ عَظِيمُ
يَصُونُونَ فِي حُجْبِ الأَكِلَّةِ ظَبْيَةً
لَهَا نَسَبٌ بَيْنَ الْحِسَانِ صَمِيمُ
مِنَ الهيفِ أَمَّا نَعْتُ مَا فِي إِزَارِهَا
فَرَابٍ وَأَمَّا خَصْرُهَا فَهَضِيمُ
أَنَاةٌ بَرَاهَا اللهُ فِي الْحُسْنِ آيةً
يَدِينُ إِلَيْهَا جَاهِلٌ وَحَلِيمُ
يَمِيلُ بِهَا سُكْرُ الشَّبَابِ إِذَا مَشَتْ
كَمَا مَالَ بِالْغُصْنِ الرَّوِيِّ نَسِيمُ
لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي أَدُمْيَةُ بِيعَةٍ
تَرَدَّدُ فِيهَا الْحُسْنُ أَمْ هِيَ رِيمُ
يَلُوُمونَنِي أَنْ هِمْتُ وَجْدًا بِحُسْنِهَا
وَأَيُّ امْرِئٍ بِالْحُسْنِ لَيْسَ يَهِيمُ
وَهَلْ يَغْلِبُ الْمَرْءُ الْهَوَى وَهْوَ غَالِبٌ
وَيُخْفِي شَكَاةَ الْقَلْبِ وَهُوَ كَلِيمُ
فَإِنْ أَكُ مَحْسُورًا بِهَا فَلَرُبَّمَا
مَلَكْتُ عِنَانَ الْقَلْبِ وَهْوَ كَظِيمُ
وَكَابَدْتُ فِيهَا مَا لَوِ انْقَضَّ بَعْضُهُ
عَلَى جَبَلٍ لَانْهَالَ مِنْهُ قَوِيمُ
فَيَا رَبَّةَ الْبَيْتِ الْمَنِيعِ جِوَارُهُ
أَمَا مِنْ مُسَامٍ عِنْدَكُمْ فَأُسِيمُ
بَخِلْتِ عَلَيْنَا بِالسَّلامِ ضَنَانَةً
وَجَدُّكِ مَطْرُوقُ الفِنَاءِ كَرِيمُ
فَكَيْفَ تَلُومِينِي عَلَى مَا أَصَابَنِي
مِنَ الْحُبِّ يا لَيْلَى وَأَنْتِ غَرِيمُ
وَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا لا أَدِينُ لِظَالِمٍ
وَلَمْ يَحْتَكِمْ يَوْمًا عَلَيَّ زَعِيمُ
فَأَنْتِ الَّتِي مَرَّهْتِ عَيْنِيَ بِالْبُكَا
وَأَسْقَمْتِ هَذَا الْقَلْبَ وَهْوَ سَلِيمُ
تَنَامِينَ عَنْ لَيْلِي وَعَيْنِي قَرِيحَةٌ
وَتُشْجِينَ قَلْبِي وَهْوَ فِيكِ مُلِيمُ
مَنَحْتُكِ نَفْسِي وَهْيَ نَفْسٌ عَزِيزَةٌ
عَلَيَّ وَمَا لِي مِنْ هَوَاكِ قَسِيمُ
فَإِنْ يَكُ جِسْمِي عَنْ فِنَائِكِ رَاحِلٌ
فَإِنَّ هَوَى قَلْبِي عَلَيْكِ مُقِيمُ
شَكوْتُ إِلَى مَنْ لَيْسَ يَرْحَمُ بَاكِيًا
وَمَا كُلُّ مَنْ يُشْكَى إِلَيْهِ رَحِيمُ
فَحَتَّامَ أَلْقَى فِي الْهَوَى مَا يَسُوءُنِي
وَأَحْمِلُ عِبْءَ الصَّبْرِ وَهْوَ عَظِيمُ
وَإِنِّي لَحُرٌّ بَيْنَ قَوْمِي وَإِنَّمَا
تَعَبَّدَنِي حُلْوُ الدَّلالِ رَخِيمُ
وَإِنِّي وإِنْ كُنْتُ الْمُسَالِمَ فِي الْهَوَى
لَذُو تُدْرَإٍ فِي النَّائِبَاتِ خَصِيمُ
أَفُلُّ شَبَاةَ الْخَصْمِ وَهْوَ مُنَازِلٌ
وَأَرْهَبُ كَرَّ الطَّرْفِ وَهْوَ سَقِيمُ
أَلا قَاتَلَ اللهُ الْهَوَى مَا أَلَذَّهُ
عَلَى أَنَّهُ مُرُّ الْمَذَاقِ أَلِيمُ
طَوَيْتُ لَهُ نَفْسِي عَلَى مَا يَسُوءُهَا
وَأَصْبَحْتُ لا يَلْوِي عَلَيَّ حَمِيمُ
فَمَنْ لِي بِقَلْبٍ غَيْرِ هَذَا فَإِنَّنِي
بِهِ عِنْدَ رَوْعَاتِ الْفِرَاقِ عَلِيمُ
كَأَنِّي أُدَارِي مِنْهُ بَيْنَ جَوَانِحِي
لَظًى حَرُّهَا يَكْوِي الْحَشَا وَيَضِيمُ
بَلَوْتُ لَهُ طَعْمَيْنِ أَمَّا مَذَاقُهُ
فَعَذْبٌ وَأَمَّا سُؤْرُهُ فَوَخِيمُ
وَجَرَّبْتُ إِخْوانَ الصَّفَاءِ فَلَمْ أَجِدْ
صَدِيقًا لَهُ فِي الطَّيِّبَاتِ قَسِيمُ
لَهُمْ نَزَوَاتٌ بَيْنَهُنَّ تَفَاوُتٌ
وَعَنٌّ عَلَى طُولِ اللِّقَاءِ ذَمِيمُ
بِمَنْ يَثِقُ الإِنْسَانُ وَالْغَدْرُ شِيمَةٌ
لِكُلِّ ابْنِ أُنْثَى وَالْوَفَاءُ عَقِيمُ
فَلا تَعْتَمِدْ إِلَّا عَلَى اللَّهِ فِي الَّذِي
تَوَدُّ مِنَ الْحَاجَاتِ فَهْوَ رَحِيمُ
وَلا تَبْتَئِسْ مِنْ مِحْنَةٍ سَاقَهَا الْقَضَا
إِلَيْكَ فَكَمْ بُؤْسٍ تَلاهُ نَعِيمُ
فَقَدْ تُورِقُ الأَشْجَارُ بَعْدَ ذُبُولِهَا
وَيَخْضَرُّ سَاقُ النَّبْتِ وَهْوَ هَشِيمُ
إِذَا مَا أَرَادَ اللهُ إِتْمَامَ حَاجَةِ
أَتَتْكَ عَلَى وَشْكٍ وَأَنْتَ مُقِيمُ
فِي قَائِمِ السَّيْفِ إِنْ عَزَّ الرِّضَا حَكَمُ
فَالْحُكْمُ لِلسَّيْفِ إِنْ لَمْ تَصْدَعِ الْكَلِمُ
تَأْبَى لِيَ الضَّيْمَ نَفْسٌ حُرَّةٌ وَيَدٌ
أَطَاعَهَا الْمُرْهَفَانِ السَّيْفُ وَالْقَلَمُ
وَعَزْمَةٌ بَعَثَتْهَا هِمَّةٌ شَهَرَتْ
بِهَا عَلَى الدَّهْرِ عَضْبًا لَيْسَ يَنثَلِمُ
وَفِتْيَةٌ كَأُسُودِ الْغَابِ لَيْسَ لَهُمْ
إِلَّا الرِّمَاحُ إِذَا احْمَرَّ الْوَغَى أَجَمُ
كَالْبَرْقِ إِنْ عَزَمُوا وَالرَّعْدِ إِنْ صَدَمُوا
وَالْغَيْثِ إِنْ رَحِمُوا وَالسَّيْلِ إِنْ هَجَمُوا
إِنْ حَارَبُوا مَعْشَرًا فِي جَحْفَلٍ غَلَبُوا
أَوْ خَاصَمُوا فِئَةً فِي مَحْفِلِ خَصَمُوا
لا يَرْهَبُونَ الْمَنَايَا أَنْ تُلِمَّ بِهِمْ
كَأَنَّ لُقْيَ الْمَنَايَا عِنْدَهُمْ حَرَمُ
مُرَفَّهُونَ حِسَانٌ فِي مَجَالِسِهِمْ
وَفِي الْحُرُوبِ إِذَا لاقَيْتَهُمْ بُهَمُ
مِنْ كُلِّ أَزْهَرَ كَالدِّينَارِ غُرَّتُهُ
يَجْلُو الْكَرِيهَةَ مِنْهُ كَوْكَبٌ ضَرِمُ
لا يَرْكَنُونَ إِلَى الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا
إِذَا هُمُ شَعَرُوا بِالذُّلِّ أَوْ نَقَمُوا
قَدْ حَبَّبَ الْمَوْتَ كُرْهُ الضَّيْمِ فِي نَفَرِ
لَوْلاهُمُ لَمْ تَدُمْ فِي الْعَالَمِ النِّعَمُ
مَاتُوا كِرَامًا وَأَبْقَوْا لِلْعُلا أَثَرًا
نَالَتْ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ الأُمَمُ
فَكَيْفَ يَرْضَى الْفَتَى بِالذُّلِّ يَحْمِلُهُ
وَالذُّلُّ تَأْنَفُهُ الْعُبْدَانُ وَالْخَدَمُ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَتَى فَضْلٌ وَمَحْمِيَةٌ
فَإِنَّ وِجْدَانَهُ فِي أَهْلِهِ عَدَمُ
فَالْحِلْمُ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قُدْرَةٍ خَوَرٌ
وَالصَّبْرُ فِي غَيْرِ مَرْضَاةِ الْعُلا نَدَمُ
فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ عَنْ حَالٍ تُضَامُ بِهَا
فَلَيْسَ بَعْدَ اطِّرَاحِ الذُّلِّ مَا يَصِمُ
وَلا تخَفْ وِرْدَ مَوْتٍ أَنْتَ وَارِدُهُ
مَنْ أَخْطَأَتْهُ الَّرزَايَا غَالَهُ الْهَرَمُ
إِنَّ الْعُلا أَثَرٌ تَحْيَا بِذُكْرَتِهِ
أَسْمَاءُ قَوْمٍ طَوَى أَحْسَابَهَا الْقِدَمُ
أَلَمْ يَأْنِ أنْ يَرْضَى عَنِ الدَّهْرِ مُغْرَمُ
أَمِ الْعُمْرُ يَفْنَى وَالْمآرِبُ تُعْدَمُ
أُحَاوِلُ وَصْلًا مِنْ حَبِيبٍ مُمَنَّعٍ
وَبَعْضُ أَمَانِي النَّفْسِ غَيْبٌ مُرَجَّمُ
وَمَا كُلُّ مَنْ رَامَ الْعَظَائِمَ نَالَهَا
وَلا كُلُّ مَنْ خَاضَ الْكَرِيهَةَ يَغْنَمُ
يَسُرُّ الْفَتَى مِنْ عِشْقِهِ مَا يَسُوءُهُ
وَفِي الرَّاحِ لَهْوٌ لِلنُّفُوسِ وَمَغْرَمُ
وَلَوْ كَانَ لِلإِنْسَانِ عِلْمٌ يَدُلُّهُ
عَلَى خَافِيَاتِ الْغَيْبِ مَا كَانَ يَنْدَمُ
كَتَمْتُ الْهَوَى خَوْفَ الْوُشَاةِ فَلَمْ يَزَلْ
بِيَ الدَّمْعُ حَتَّى بَانَ مَا كُنْتُ أَكْتُمُ
وَكَيْفَ أُدَارِي النَّفْسَ وَهْيَ مَشُوقَةٌ
وَأَحْلُمُ عَنْهَا وَالْهَوَى لَيْسَ يَحْلُمُ
وَتَحْتَ جَنَاحِ اللَّيْلِ مِنِّي ابْنُ لَوْعَةٍ
يَرِقُّ إِلَيْهِ الطَّائِرُ الْمُتَرَنِّمُ
إِذَا مَدَّ مِنْ أَنْفَاسِهِ لاحَ بَارِقٌ
وَإِنْ حَلَّ مِنْ أَجْفَانِهِ فَاضَ خِضْرِمُ
وَإِنَّ الَّتِي يَشْتَاقُهَا الْقَلْبُ غَادَةٌ
لَهَا الرُّمْحُ قَدٌّ وَالْمُهَنَّدُ مِعْصَمُ
يَنُمُّ بِهَا صُبْحٌ مِنَ الْبِيضِ أَزْهَرٌ
وَيَكتُمُهَا نَقْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ
إِذَا رَاسَلَتْ كَانَتْ رِسَالَةُ حُبِّهَا
بِضَرْبِ الظُّبَا تُوحِي وَبِالطَّعْنِ تَعْجُمُ
لَهَا مِنْ دِمَاءِ الصِّيدِ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى
شَرَابٌ وَمِنْ هَامِ الْفَوَارِسِ مَطْعَمُ
فَتِلْكَ الَّتِي لا وَصْلُهَا مُتَوَقَّعٌ
لَدَيْنَا وَلا سُلْوَانُهَا مُتَصَرَّمُ
عَلِقْتُ بِهَا وَهْيَ الْمَعَالِي وَقَلَّمَا
يَهِيمُ بِهَا إِلَّا الشُّجَاعُ الْمُصَمِّمُ
هَوًى لَيْسَ فِيهِ لِلْمَلامَةِ مَسْلَكٌ
وَلا لِامْرِئٍ نَاجَى بِهِ النَّفْسَ مَأْثَمُ
تَلَذُّ بِهِ الآلامُ وَهْيَ مُبِيرَةٌ
وَيَحْلُو بِهِ طَعْمُ الرَّدَى وَهْوَ عَلْقَمُ
فَمَنْ يَكُ بِالْبِيضِ الْكَوَاعِبِ مُغْرَمًا
فَإِنِّي بِالْبِيضِ الْقَوَاضِبِ مُغْرَمُ
أَسِيرُ وَأَنْفَاسُ الْعَوَاصِفِ رُكَّدٌ
وَأَسْرِي وَأَلْحَاظُ الْكَوَاكِبِ نُوَّمُ
وَمَا بَيْنَ سَلِّ السَّيْفِ وَالْمَوْتِ فُرْجَةٌ
لَدَى الْحَرْبِ إِلَّا رَيْثَمَا أَتَكَلَّمُ
أَنَا الْمَرْءُ لا يَثْنِيهِ عَمَّا يَرُومُهُ
نَهِيتُ الْعِدَا وَالشَّرُّ عُرْيَانُ أَشْأَمُ
أُغِيرُ عَلَى الأَبْطَالِ وَالصُّبْحُ أَشْهَبٌ
وَآوِي إِلَى الضِّيفَانِ وَاللَّيْلُ أَدْهَمُ
وَيَصْحَبُني فِي كُلِّ رَوْعٍ ثَلاثَةٌ
حُسَامٌ وَطِرْفٌ أَعْوَجِيٌّ وَلَهْذَمُ
وَيَنْصُرُنِي فِي كُلِّ جَمْعٍ ثَلاثَةٌ
لِسَانٌ وَبُرْهَانٌ وَرَأْيٌ مُحَكَّمُ
فَمَا أَنَا بِالْمَغْمُورِ إِنْ عَنَّ حَادِثٌ
وَلا بِالَّذِي إِنْ أَشْكَلَ الأَمْرُ يَفْحَمُ
لِسَانِي كَنَصْلِي فِي الْمَقَالِ وَصَارِمِي
كَغَرْبِ لِسَانِي حِينَ لَمْ يَبْقَ مُقْدِمُ
إِذَا صُلْتُ فَدَّتْنِي فِرَاسٌ بِشَيْخِهَا
وَإِنْ قُلْتُ حَيَّانِي شَبِيبٌ وَأَكْثَمُ
فَلا تَحْتَقِرْ فَضْلَ الْكَلامِ فَإِنَّهُ
مِنَ الْقَوْلِ مَا يَبْنِي الْمَعَالِي وَيَهْدِمُ
وَمَا هُوَ إِلَّا جَوْهَرُ الْفَضْلِ وَالنُّهَى
يُسَرَّدُ فِي سِلْكِ الْمَقَالِ وَيُنْظَمُ
فَمَا كُلُّ مَنْ حَاكَ الْقَصَائِدَ شَاعِرٌ
وَلا كُلُّ مَنْ قَالَ النسِيبَ مُتَيَّمُ
فَإِنْ يَكُ عَصْرُ الْقَوْلِ وَلَّى فَإِنَّنِي
بِفَضْلِي وَإِنْ كُنْتُ الأَخِيرَ مُقَدَّمُ
رُدِّي الْكَرَى لأَرَاكِ فِي أَحْلامِهِ
إِنْ كَانَ وَعْدُكِ لا يَفِي بِذِمَامِهِ
أَوْ فَابْعَثِي قَلْبِي إِلَيَّ فَإِنَّهُ
جَارَى هَوَاكِ فَقَادَهُ بِزِمَامِهِ
قَدْ كَانَ خَلَّفَنِي لِمَوْعِدِ سَاعَةٍ
مِنْ يَوْمِهِ فَقَضَى مَسِيرَةَ عَامِهِ
لَمْ أَدْرِ هَلْ ثَابَتْ إِلَيْهِ أَنَاتُهُ
أَمْ لَمْ يَزَلْ فِي غَيِّهِ وَهُيَامِهِ
عَهْدِي بِهِ صَعْبُ الْقِيَادِ فَمَا لَهُ
أَلْقَى يَدًا لِلسِّلْمِ بَعْدَ غَرَامِهِ
خَدَعَتْهُ سَاحِرَةُ الْعُيُونِ بِنَظْرَةٍ
مِنْهَا فَمَلَّكَهَا عِذَارَ لِجَامِهِ
يَا هَلْ يَعُودُ إِلَى الْجَوَانِحِ بَعْدَمَا
سَلَبَتْ فَتَاةُ الْحَيِّ ثِنْيَ لِجَامِهِ
تَاللهِ لَوْ مَلَكَتْ يَدَايَ جِمَاحَهُ
لَعَقَدْتُ قَائِمَ رَسْنِهِ بِخِدَامِهِ
يَا لائِمَ الْمُشْتَاقِ فِي أَطْرَابِهِ
مَهْلًا إِليْكَ فَلَسْتَ مِنْ لُوَّامِهِ
أَظَنَنْتَ لَوْعَتَهُ فُكَاهَةَ مَازِحٍ
فَطَفِقْتَ تَعْذِلُهُ عَلَى تَهْيَامِهِ
إنْ كُنْتَ تُنْكِرُ شَجْوَهُ فَانْظُرْ إِلَى
أَنْفَاسِهِ وَدُمُوعِهِ وَسَقَامِهِ
صَبٌّ بَرَتْهُ يَدُ الضَّنَى حَتَّى اخْتَفَى
عَنْ أَعْيُنِ الْعُوَّادِ غَيْرَ كَلامِهِ
نَطَقَتْ مَدَامِعُهُ بِسِرِّ ضَمِيرِهِ
وَذَكَتْ جَوَانِحُهُ بِنَارِ غَرَامِهِ
طَوْرًا يُخَامِرُهُ الذُّهُولُ وَتَارَةً
يَبْكِي بُكَاءَ الطِّفْلِ عِنْدَ فِطَامِهِ
يَصْبُو إِلَى بَانِ الْعَقِيقِ وَرَنْدِهِ
وَعَرَارِهِ وَبَرِيرِهِ وَبَشَامِهِ
وَادٍ سَرَى فِي جَوِّهِ كَنَسِيمِهِ
وَبَكَى عَلَى أَغْصَانِهِ كحَمَامِهِ
أَرِجُ النَّبَاتِ كَأَنَّمَا غَمَرَ الثَّرَى
طِيبًا مُرُورُ الْخِضْرِ بَيْنَ إِكَامِهِ
مَالَتْ خَمَائِلُهُ بِخُضْرِ غُصُونِهِ
وَصَفَتْ مَوَارِدُهُ بِزُرْقِ جِمَامِهِ
يَا صَاحِبِي إِنْ جِئْتَ ذَيَّاكَ الْحِمَى
فَاحْذَرْ عُيُونَ الْعِينِ مِنْ آرامِهِ
وَاسْأَلْ عَنِ الْبَدْرِ الَّذِي كَسَمِيِّهِ
فِي نُورِ غُرَّتِهِ وَبُعْدِ مَرَامِهِ
فَإِنِ اشْتَبَهْتَ وَلَمْ تَجِدْ لَكَ هَادِيًا
فَاسْمَعْ أَنِينَ الْقَلْبِ عِنْدَ خِيَامِهِ
فَبِذَلِكَ الْوَادِي غَزَالَةُ كِلَّةٍ
تَرْوِي حَدِيثَ الْفَتْكِ عَنْ ضِرْغامِهِ
ضَاهَتْ بِقَامَتِهَا سرَاحَ قَنَاتِهِ
وَحَكَتْ بِلَحْظَتِهَا مَضَاءَ حُسَامِهِ
هِيَ مِثْلُهُ فِي الْفَتْكِ أَوْ هُوَ مِثْلُهَا
سِيَّانِ وَقْعُ لِحَاظِهَا وسِهَامِهِ
فَسَقَى الْحِمَى دَمْعِي إِذَا ضَنَّ الْحَيَا
بِجُمَانِ دِرَّتِهِ سُلافَةَ جَامِهِ
مَغْنًى رَعَيْتُ بِهِ الشَّبِيبَةَ غَضَّةً
وَرَوَيْتُ قَلْبِي مِنْ سُلافِ غَمَامِهِ
فَنَسِيمُ رُوحِي مِنْ أَثِيرِ هَوَائِهِ
وَقِوَامُ جِسْمِي مِنْ مِزَاجِ رَغَامِهِ
لا يَنْتَهي شَوْقِي إِلَيْهِ وَقَلَّمَا
يَسْلُو حَمَامُ الأيْكِ عَنْ تَرْنَامِهِ
يَا حَبَّذَا عَصْرُ الشَّبَابِ وَحَبَّذَا
رَوْضٌ جَنَيْتُ الْوَرْدَ مِنْ أَكْمَامِهِ
عَصْرٌ إِذَا رَسَمَ الْخَيَالُ مِثَالَهُ
فِي لَوْحِ فِكْرِي لاحَ لِي بِتَمَامِهِ
إِنِّي لأَذْكُرُهُ وَأَعْلَمُ أنَّنِي
بَاقٍ عَلَى التَّبِعَاتِ مِنْ آثَامِهِ
مَا كَانَ أَحْسَنَ عَهْدَهُ لَوْ دَامَ لِي
مِنْهُ الْوِدَادُ وَكَيْفَ لِي بِدَوَامِهِ
وَالدَّهْرُ مَصْدَرُ عِبْرَةٍ لَوْ أَنَّنَا
نَتْلُو سِجِلَّ الْغَدْرِ مِنْ آثامِهِ
عَمْرِي لَقدْ رَحَلَ الشَّبَابُ وَعَادَنِي
شَيْبٌ تَحَيَّفَ لِمَّتِي بِثَغَامِهِ
أَعِدْ عَلَى السَّمْعِ ذِكْرَ الْبَانِ وَالْعَلَمِ
وَاعْذِرْ شَآبِيبَ دَمْعِي إِنْ جَرَتْ بِدَمِ
مَلاعِبٌ لِلصِّبَا أَقْوَتْ وَمَا بَرِحَتْ
مَلاعِبًا لِلأَسَى وَالأَعْيُنِ السُّجُمِ
كَانَتْ لَنَا سَكَنًا حَتَّى إِذَا قَوِيَتْ
مِنَّا غَدَتْ سَكَنًا لِلرِّيحِ وَالدِّيَمِ
لَمْ أَتَّخِذْ بَعْدَهَا دَارًا أُقِيمُ بِهَا
إِلَّا تَذَكَّرْتُ أَيَّامِي بِذِي سَلَمِ
وَكَيْفَ أَنْسَى دِيَارًا قَدْ نَشَأْتُ بِهَا
فِي مَنْبِتِ الْعِزَّ بَيْنَ الأَهْلِ وَالْحَشَمِ
يَا مَنْزِلًا لَمْ يَدَعْ وَشْكُ الْفِرَاقِ بِهِ
إِلَّا رُسُومًا كَوَحْيِ الْخَطِّ بِالْقَلَمِ
أَيْنَ الَّذِينَ بِهِمْ كَانَتْ نَوَاظِرُنَا
تَرْعَى الْمَحَاسِنَ مِنْ فَرْعٍ إِلَى قَدَمِ
وَدَّعْتُ شَطْرَ حَيَاتِي يوْمَ فُرْقَتِهِمْ
وَصَافَحَتْنِي يَدُ الأَحْزَانِ وَالْهَرَمِ
فَيَا أَخَا الْعَذْلِ لا تَعْجَلْ بِلائِمَةٍ
عَلَيَّ فَالْحُبُّ مَعْدُودٌ مِنَ الْقِسَمِ
أَسْرَفْتَ فِي اللَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَصَبْتَ بِهِ
مَقَاطِعَ الْحَقِّ لَمْ تَسْلَمْ مِنَ التُّهَمِ
فَارْحَمْ شَبَابَ فَتًى أَلْوَتْ بِنَضْرَتِهِ
أَيْدِي الضَّنَى فَغَدَا لَحْمًا عَلَى وَضَمِ
تَاللهِ مَا غَدْرَةُ الْخِلَّانِ مِنْ أَرَبِي
وَلا التَّلَوُّنُ فِي الأَخْلاقِ مِنْ شِيَمِي
فَكيْفَ أُنْكِرُ وُدًّا قَدْ أَخَذْتُ بِهِ
عَلَى الْوَفاءِ عُهُودًا بَرَّةَ الْقَسَمِ
إِنْ لَمْ يكُنْ لِلْفَتَى عقْلٌ يَصُونُ بِهِ
عَلائِقَ الْوُدَّ ضَاعَتْ ذِمَّةُ الْحُرَمِ
وَأَيْنَ مَنْ تَمْلِكُ الأَحْرَارَ شِيمَتُهُ
وَالْغَدْرُ فِي النَّاسِ دَاءٌ غَيْرُ مُنْحَسِمِ
فَانْفُضْ يَدَيْكَ مِنَ الدُّنْيَا فَلَسْتَ تَرَى
خِلًّا وَفِيًّا وَعَهْدًا غَيْرَ مُنْصَرِم
هَيْهَاتَ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا أَخُو ثِقَةٍ
يَرْعَى الْمَوَدَّةَ أَوْ يُلْقِي يَدَ السَّلَمِ
فَلا يَغُرَّنكَ مِنْ وَجْهٍ بَشَاشَتُهُ
فَالنَّارُ كَامِنَةٌ فِي نَاخِرِ السَّلَمِ
تَغَيَّرَ النَّاسُ عَمَّا كُنْتُ أَسْمَعُهُ
وَاسْتَحْكَمَ الْغَدْرُ فِي السَّادَاتِ وَالْحَشَمِ
وَظَلَّ أَعْدَلُ مَنْ تَلْقَاهُ مِنْ رَجُلٍ
أَعْدَى عَلَى الْخَلْقِ مِنْ ذِئْبٍ عَلَى غَنَمِ
مِنْ كُلِّ أَشْوَهَ فِي عِرْنِينِهِ فَطَسٌ
خَالٍ مِنَ الْفَضْلِ مَمْلُوءٍ مِنَ النَّهَمِ
سُودُ الْخَلائِقِ دَلاجُونَ مَا طُبِعُوا
عَلَى الْمَحَارِمِ هَدَّاجُونَ فِي الظُّلَمِ
لا يُحْسِنُونَ التَّقاضِي فِي الْحُقُوقِ وَلا
يُوفُونَ بِالْعَهْدِ إِلَّا خِيفَةَ النِّقَمِ
صُفْرُ الْوُجُوهِ مِنَ الأَحْقَادِ تَحْسَبُهُمْ
وَهُمْ أَصِحَّاءُ فِي دِرْعٍ مِنَ السَّقَمِ
فَلا ذَمَامَةَ فِي قَوْلٍ وَلا عَمَلٍ
وَلا أَمَانَةَ فِي عَهْدٍ وَلا قَسَمِ
بَلَوْتُ مِنْهُمْ خِلالًا لَوْ وَسَمْتَ بِهَا
وَجْهَ الغَزَالَةِ لَمْ تُشْرِقْ عَلَى عَلَمِ
لَمْ أَدْرِ هَلْ نَبَغَتْ فِي الأَرْضِ نَابِغَةٌ
أَمْ هَذِهِ شِيمَةُ الدُّنْيَا مِنَ الْقِدَمِ
لا يُدْرِكُ الْمَجْدَ إِلَّا مَنْ إِذَا نَهَضَتْ
بِهِ الْحَمِيَّةُ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَغَمِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسَاعِي مَا يَبِينُ بِهِ
فَضْلُ الرِّجَالِ تَسَاوَى النَّاسُ فِي الْقِيَمِ
فَأَيُّ غَامِضَةٍ لَمْ تَجْلُهَا فِطَنِي
وَأَيُّ بَاذِخَةٍ لَمْ تَعْلُهَا قَدَمِي
وَكَيْفَ لا تَسْبِقُ الْمَاضِينَ بَادِرَتِي
وَالسَّمْهَرِيَّةُ تَخْشَى الْفَتْكَ مِنْ قَلَمِي
لِكُلِّ عَصْرٍ رِجَالٌ يُذْكَرُونَ بِهِ
وَالْفَضْلُ بِالنَّفْسِ لَيْسَ الْفَضْلُ بِالْقِدَمِ
مَنْ لِعَيْنٍ إِنْسَانُهَا لا يَنَامُ
وَفُؤَادٍ قَضَى عَلَيْهِ الْغَرَامُ
أَقْطَعُ اللَّيْلَ بَيْنَ حُزْنٍ وَدَمْعٍ
وَسُهَادٍ وَالنَّاسُ عَنِّي نِيَامُ
لا صَدِيقٌ يَرْثِي لِمَا بِتُّ أَلْقَا
هُ وَلا مُسْعِدٌ فَأَيْنَ الْكِرَامُ
لَمْ تَدَعْ لَوْعَةُ الصَّبَابَةِ مِنِّي
غَيْرَ نَفْسٍ غِذَاؤُهَا الآلامُ
رَقَّ طَبْعُ النَّسِيمِ رِفْقًا بِحَالِي
وَبَكَى رَحْمَةً عَلَيَّ الْحَمَامُ
وَبِنَفْسِي لَوْ كُنْتُ أَمْلِكُ نَفْسِي
قَمَرٌ نُورُهُ عَلَيَّ ظَلامُ
تَسْتَطِيبُ الْقُلُوبُ فِيهِ الرَّزَايَا
فَانْظُرُوا كَيْفَ تُعْبَدُ الأصْنَامُ؟
غَيَّرَتْهُ الْوُشَاةُ فَازْوَرَّ عَنِّي
وَهْوَ مِنِّي بِنَجْوَةٍ لا تُرَامُ
زَعَمُونِي أَتَيْتُ ذَنْبًا وَمَا لِي
يَعْلَمُ اللهُ فِي هَوَاهُ أَثَامُ
سَوْفَ يَلْقَى كُلُّ امْرِئٍ مَا جَنَاهُ
وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأحْكَامُ
يَا نَدِيمَيَّ عَلِّلانِي فَلَنْ تَهـ
ـلِكَ نَفْسٌ قَدْ عَلَّلَتْهَا النِّدَامُ
رُبَّ قَوْلٍ يَرُدُّ لَهْفَةَ قَلْبٍ
وَكَلامٍ تَجِفُّ مِنْهُ الْكِلامُ
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَرَاهُ سَلِيمًا
وَهْوَ دَاءٌ تَدْوَى بِهِ الأَفْهَامُ
قَدْ لَعَمْرِي بَلَوْتُ دَهْرِي فَمَا أَحـ
ـمَدْتُ مِنْهُ مَا تَحْمَدُ الأَقْوَامُ
صَلَفٌ لا يَبُلُّ غُلَّةَ صَادٍ
وَمَرَاعٍ هَشِيمُهَا لا يُشَامُ
أَطْلُبُ الصِّدْقَ فِي الْوِدَادِ وَأَنَّى
يَصْدُقُ الوُدُّ وَالْعُهُودُ رِمَامُ
كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ أَصَبْتُ خَلِيلًا
أَضْحَكَتْنِي مِنْ غَدْرِهِ الأَيَّامُ
فَتَفَرَّدْ تَعِشْ بِنَفْسِكَ حُرًّا
رُبَّ فَرْدٍ يَخْشَاهُ جَيْشٌ لُهَامُ
وَاحْذَرِ الضَّيْمَ أَنْ يَمَسَّكَ فَالضَّيـ
ـمُ حِمَامٌ يَفِرُّ مِنْهُ الْحِمَامُ
ضَلَّ قَوْمٌ تَوَهَّمُوا الصَّبْرَ حِلْمًا
وَهْوَ إلَّا لَدَى الْكَرِيهَةِ ذَامُ
يَحْسَبُونَ الْحَيَاةَ في الذُّلِّ عَيْشًا
وَهْوَ مَوتٌ يَعِيشٌ فِيهِ اللِّئَامُ