وَقَالَ يَذْكُرُ لَيْلَةَ أُنْسٍ بِحُلْوَانَ: (من البسيط)
مَا لِي ولِلدَّارِ منِ لَيْلَى أُحَيِّيهَا
وَقَدْ خَلَتْ مِنْ غَوَانِيهَا مَغَانِيهَا؟
دَعِ الدِّيَارَ لِقوْمٍ يكْلَفُونَ بِهَا
وَاعْكُفْ عَلَى حَانَةٍ كَالْبَدْرِ سَاقِيهَا
كَمْ بَيْنَ دَائِرَةٍ أَقْوَتْ مَعَالِمُهَا
وَبَيْنَ عَامِرَةٍ تَزْهُو بِمَنْ فِيهَا؟
هَيْهَاتَ مَا الدَّارُ تُشْجِينِي بِسَاحَتِهَا
وَإِنَّمَا الدَّارُ تُشْجِينِي بِأَهْلِيهَا
فَخَلِّ هَذَا وَخُذْ فِي وَصْفِ غَانِيَةٍ
سَرَتْ بِحُلْوَانَ فِي قَلْبِي سَوَارِيهَا
رَيَّانَةُ الْقَدِّ لَوْ أَنَّ الضَّجِيعَ لَهَا
خَافَ الْعُيُونَ عَلَيْهَا كَادَ يَطْوِيهَا
فِي نَشْوَةِ الْخَمْرِ سِرٌّ مِنْ مَرَاشِفِهَا
وَفِي الأَرَاكَةِ شَكْلٌ مِنْ تَهَادِيهَا
يَا لَيْلَةً بِتُّ أُسْقَى مِنْ بَنَانَتِهَا
وَمِنْ لَوَاحِظِهَا خَمْرًا وَمِنْ فِيهَا
أَحْيَيْتُهَا وَأَمَتُّ النَّوْمَ مُعْتَصِمًا
بِلَذَّةٍ لا يَكَادُ الدَّهْرُ يُنْسِيهَا
حَتَّى إِذَا رَفَّ خَيْطُ الْفَجْرِ وَابْتَدَرَتْ
حَمَائِمُ الأَيْكِ تَشْدُوِ فِي أَغَانِيهَا
قَامَتْ تَمَايَلُ سَكْرَى فِي مَآزِرِهَا
وَالرَّوْعُ يَبْعَثُهَا طَوْرًا وَيَثْنِيهَا
تَخْشَى الضِّيَاءَ وَفِي أَزْرَارِهَا قَمَرٌ
يَسْتَوقِفُ الْعَيْنَ حَيْرَى فِي مَجَارِيهَا
ثمَّ انْثَنَتْ وَيَدِي قَيْدٌ لِخَاصِرَةٍ
كَالْخَيْزُرَانَةِ رَيًّا فِي تَثَنِّيهَا
فِي بُلْجَةٍ لا تَكَادُ الْعَيْنُ تُنْكِرُهَا
وَسُمْرةٍ رُبَّمَا شَفَّتْ نَوَاحِيهَا
حَتَّى تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا عَلَى شَرَفٍ
يَكَادُ يَمْنَعُ هَمَّ النَّفْسِ دَاعِيهَا
وَحَرَّكَتْ حَلَقَاتِ الْبَابِ فَانْفَتَحَتْ
عَنْ سَاحَةٍ سَكَنَتْ فِيهَا تَرَاقِيهَا
فَعُدْتُ وَالْعَيْنُ غَرْقَى فِي مَدَامِعِهَا
وَالْقَلْبُ فِي لَوْعَةٍ تَنْزُو نَوَازِيهَا
فَيَا لَهَا لَيْلَةً كَانَتْ بِوُصْلَتِهَا
تَارِيخَ لَهْوٍ يَهِيجُ النَّفْسَ رَاوِيهَا
وَقَالَ يَصِفُ رَوْضَةَ «بَرَدِينْيَا» فِي جَزِيرَةِ «سَرَنْديبَ» وَهِيَ إِحْدَى
جِنَانِ الدُّنْيَا: (من البسيط)
وَمَسْرَحٍ لِسِوَامِ الْعَيْنِ لَيْسَ لَهُ
فِي عَالَمِ الظَّنِّ تَقْدِيرٌ وَلا شَبَهُ
بَاكَرْتُهُ سُحْرَةً وَالشَّمْسُ نَاعِسَةٌ
فِي خِدْرِهَا وَحَمَامُ الأيْكِ مُنْتَبِهُ
وَلِلْغَمَائِمِ بَيْنَ الأُفْقِ مُنْسَحَبٌ
وَلِلنَّسَائِمِ نَحْوَ الرَّوْضِ مُتَّجَهُ
وَالْجَوُّ فِي حُلَّةٍ دَكْنَاءَ مَازَجَهَا
خَيْطٌ مِنَ الْفَجْرِ يَبْدُو ثُمَّ يَشْتَبِهُ
فَالنُّورُ مُنْقَبِضٌ وَالظِّلُّ مُنْبَسِطٌ
وَالطَّيْرُ مُنْشَرِحٌ وَالْجَوُّ مُدَّلِهُ
مَنَاظِرٌ لَوْ رَأَى بَهْزَادُ صُورَتَهَا
لَاعْتَادَهُ مِنْ تَمَادِي الْحَيْرَةِ الْبَلَهُ
كَأَنَّمَا الدَّوْحُ قَصْرٌ وَالْحَمَامُ بِهِ
سِرْبٌ مِنَ الْغِيدِ بِالأَلْحَانِ تَبْتَدِهُ
طَوْرًا تُغَنِّي وَأَحْيَانًا تَنُوحُ فَمَا
ذَاكَ الْغِنَا وَهَذَا النَّوْحُ وَالْوَلَهُ
كَأَنَّمَا الأَوْرَقُ الْغِرِّيدُ حِينَ شَدَا
فِي سُرْبَةِ الإِنْسِ مِنْهَا شَارِبٌ فَكِهُ
شَارَفْتُ سَاحَتَهَا فِي فِتْيَةٍ أَلِفُوا
صِدْقَ الْوِدَادَ فَلَمْ تَعْرِضْ لَهُمْ شُبَهُ
مُوقَّرُونَ كِرَامٌ لا يَخِفُّ بِهِمْ
طَيْشٌ وَلَمْ يَجْرِ فِي أَخْلاقِهِمْ سَفَهُ
مِنْ كُلِّ مَاضِي الشَّبَا وَالرَّوْعُ مُحْتَدِمٌ
وَمُسْتَنِيرِ الحِجَا وَالأَمْرُ مُشْتَبِهُ
إِنْ حَدَّثُوا مَلَئُوا الأَسْمَاعَ مِنْ أَدَبٍ
هُمْ أَهْلُهُ وإِذَا مَا أَنْصَتُوا فَقِهُوا
شَرَابُنَا صَفْوُ مَاءٍ لا يُمَازِجُهُ
إِلَّا حَدِيثٌ كَنُوَّارِ الرُّبَا نَزِهُ
فَإِنْ يَكُنْ فِي عَفَافِ النَّفْسِ مَحْمَدَةٌ
لَهَا فَفِي مِثْلِ هَذَا يَحْسُنُ الشَّرَهُ
وَقَالَ يَمْدَحُ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ «عَليًّا» كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: (من
الرجز)
أَحْبَبْتُ مَنْ وَالَى عَلِيًّا رَغْبَةً
فِي فَضْلِهِ وَكَرِهْتُ مَنْ عَادَاهُ
هُوَ ذَلِكَ الْحَبْرُ الَّذِي مَنْ أَمَّهُ
نَالَ الرِّضَا وَأُجِيبَ مَنْ نَادَاهُ
وَكَفَى بِسِبْطَيْهِ إِمَامَا رَحْمَةٍ
نَالا مِنَ الرِّضْوَانِ مَا قَصَدَاهُ
قَدْ عَزَّ مَنْ وَالاهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي
يَوْمِ الْحِسَابِ وَذَلَّ مَنْ بَادَاهُ
فَاقْصِدْ لَهُ وَاعْرِفْهُ وَاسْتَمْسِكْ بِهِ
تَلْقَ الْهُدَى وَكَفَى الْمُرِيدَ هُدَاهُ
وَإِذَا عَرَتْكَ مُلِمَّةٌ فَاهْتِفْ بِهِ
تَسْمَعْ بِقَلْبِكَ حَيْثُ كُنْتَ صَدَاهُ
وَقَالَ فِي الاسْتِغَاثَةِ: (من البسيط)
سَلْ مَالِكَ الْمُلْكِ فَهْوَ الآمِرُ النَّاهِي
وَلا تَخَفْ عَادِيًا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ
هُوَ الَّذِي يَنْعشُ الْمَظْلُومَ إِنْ عَلِقَتْ
بِهِ الرَّزَايَا وَيَجْزِي كُلَّ تَيَّاهِ
فَاسْجُدْ لَهُ واقْتَرِبْ تَبْلُغْ بِطَاعَتِهِ
مَا شِئْتَ فِي الدَّهْرِ مِنْ عِزٍّ وَمِنْ جَاهِ
يَا رَبُّ قَدْ طَالَ بِي شَوْقِي إِلَى وَطَنِي
فَاحْلُلْ وَثَاقِي وأَلْحِقْنِي بِأَشْبَاهِي
وَامْنُنْ عَلَيَّ بِفَضْلٍ مِنْكَ يَعْصِمُنِي
مِنْ كُلِّ سُوءٍ فَإِنِّي عَاجِزٌ وَاهِي
هَذَا دُعَائِي وَحَسْبِي أَنْتَ مِنْ حَكَمٍ
يَعْنُو لَهُ كُلُّ شَاهٍ أَوْ شَهِنْشَاهِ
دِينِي الْحَنِيفُ وَرَبِّيَ اللهُ
وَشَهَادَتِي أَنْ لَيْسَ إِلَّا هُو
لا جَاهَ لِي إِلَّا بِطَاعتِهِ
وَلَنِعْمَ عُقْبَى الطَّاعَةِ الْجَاهُ
أَنَا خَاشِعٌ لِجَلالِ قُدْرَتِهِ
مُتَقَلِّبُ الْجَنْبَيْنِ أَوَّاهُ
فَأَضَالِعِي لِلْوَجْدِ نَارُ غَضًى
وَمَحَاجِري بِالدَّمْعِ أَمْوَاهُ
زَهَتِ الْقُلُوبُ بِنُورِ حِكْمَتِهِ
وَتَعَطَّرَتْ بِالذِّكْرِ أَفْوَاهُ
أَنَا أُمَّةٌ وَحْدِي عَلَى سَرَفٍ
فِي حُبِّهِ وَالنَّاسُ أَشْبَاهُ
إِنْ تَاهَ غَيْرِي بِالزَّمَانِ فَلِي
قَلْبٌ بِذِكْرِ اللهِ تَيَّاهُ
لِمُصْطَفَى صَادِقٍ فِي الشِّعْرِ مَنْزِلَةٌ
أَمْسَى يُعَادِيهِ فِيهَا مَنْ يُصَافِيهِ
صَاغَ الْقَرِيضَ بِإِتْقَانٍ فَلَوْ تُلِيَتْ
صُدُورُهُ عُلِمَتْ مِنْهَا قَوَافِيهِ
مُهَذَّبُ الطَّبْعِ مَأْمُونُ الضَّمِيرِ إِذَا
بَلَوْتَهُ كَانَ بَادِيهِ كَخَافِيهِ
حازَ الْكَمَالَ فَلَمْ يَحْتَجْ لِمَنْقَبَةٍ
فَلَسْتَ تَنْعَتُهُ إِلَّا بِمَا فِيهِ
وَقَالَ فِي أَهْلِ «سَرَنْدِيبَ»: (من السريع)
إِنَّ سَرَنْدِيبَ عَلَى حُسْنِهَا
يَسْكُنُهَا قَوْمٌ قِبَاحُ الْوُجُوهْ
مِنْ كُلِّ فَدْمٍ لائِكٍ مُضْعَةً
يَمُجُّهَا كَالدَّمِ فِي الأَرْضِ فُوهْ
تَحْسَبُهُ مِنْ نَضْحِ أَشْدَاقِهِ
رَكِيَّةً تَجْرِي دَمًا أَوْ تَمُوهْ
لا يُشْبِهُ الْوَالِدُ مَوْلُودَهُ
مِنْهُمْ وَلا الْمَوْلُودَ مِنْهُمْ أَبُوهْ
يَغْلُظُ طَبْعٌ مِنْهُمُ فَاقِدٌ
مَزِيَّةَ الْعِلْمِ وَوَجْهٌ يَشُوهْ
مِنْ أَيْنَ يَدْرِي الْفَضْلَ مَعْدُومُهُ
لا يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ إِلَّا ذَوُوهْ
لا تَلْبَثُ الحِكْمَةُ مَا بَيْنَهُمْ
وَلا يَرِيثُ الْفَضْلُ حَتَّى يَتُوهْ
تَظُنُّ بَعْضَ الْقَوْمِ عَلَّامَةً
وَهْوَ إِذَا يَنْطِقُ هَامٌ يَنُوهْ
لا تَعْرِفُ الْمَرْءَ بِأَخْلاقِهِ
فِي غَمْرَةِ الْعَالَمِ حَتَّى يَفُوهْ
وَقَالَ فِي أَهْلِ «رَجُل» اسمُهُ زُنْبُورٌ: (من الهزج)