قال يُهَنِّئُ الخديو «محمد توفيق باشا» بجُلُوسِهِ على الأريكَة الخديوية سنة سبع
وتسعين ومائتين وألف هجرية (١٢٩٧ﻫ/١٨٧٩م) ويذكِّره بما وَعَدَ به من إنشاء مجلس نيابيٍّ:
(من
الكامل)
أَبَنِي الْكِنَانَةِ أَبْشِرُوا بِمُحَمَّدِ
وَثِقُوا بِرَاعٍ فِي الْمَكَارِمِ أَوْحَدِ
فَهُوَ الزَّعِيمُ لَكُمْ بِكُلِّ فَضِيلَةٍ
تَبْقَى مَآثِرُهَا، وَعَيْشٍ أَرْغَدِ
مَلِكٌ نَمَتْهُ أَرُومَةٌ عَلَويَّةٌ
مَلَكتْ بسُؤْدُدِهَا عِنَانَ الْفَرْقَدِ
يَقِظُ الْبَصِيرَةِ لَوْ سَرَتْ فِي عَينِهِ
سِنَةُ الرُّقَادِ فَقَلْبُهُ لَمْ يَرْقُدِ
بَدَهَاتُهُ قَيْدُ الصَّوَابِ، وَعَزْمُهُ
شَرَكُ الْفَوَارِسِ فِي الْعَجَاجِ الأَرْبَدِ
فَإِذَا تَنَمَّرَ فَهْوَ «زَيْدٌ» فِي الوَغَى
وإذا تَكَلَّمَ فَهْوَ «قَيْسٌ» فِي النَّدِي
مُتَقَسَّمٌ مَا بَيْنَ حُنْكَةِ أَشْيَبٍ
صَدَقَتْ مَخِيلَتُهُ، وَحِلْيَةِ أَمْرَدِ
لا يَسْتَرِيحُ إِلى الْفَرَاغِ، ولا يَرَى
عَيْشًا يَلَذُّ بِهِ إِذَا لَمْ يَجْهَدِ
فَنَهَارُهُ غَيْثُ اللَّهِيفِ، وَلَيْلُهُ
فِي طَاعَةِ الرَّحْمَنِ لَيلُ الْعُبَّدِ
لَهِجٌ بِحُبِّ الصَّالِحاتِ، فَكُلَّمَا
بَلَغَ النِّهَايَةَ مِنْ صَنِيعٍ يَبْتَدِي
خُلُقٌ تَمَيَّزَ عَنْ سِوَاهُ بِفَضْلِهِ
والْفَضْلُ فِي الأَخْلاقِ إِرْثُ الْمَحْتِدِ
إِقْلِيدُ مُعْضِلَةٍ، ومَعْقِلُ عَائِذٍ
وَسَمَاءُ مُنْتَجِعٍ وَقِبْلَةُ مُهْتَدِ
حَسُنَتْ بِهِ الأَيَّامُ حَتَّى أَسْفَرَتْ
عَنْ وَجْهِ مَعْشُوقِ الشَّمَائِلِ أَغْيَدِ
وَصَفَتْ مَوَارِدُ مِصْرَ حَتَّى أَصْبَحَتْ
بَعْدَ الْكُدُورَةِ شِرْعَةً لِلْوُرَّدِ
فَالْعَدْلُ يَرْعَاهَا بِرَأْفَةِ وَالِدٍ
وَالْبَأْسُ يَحْمِيهَا بصَوْلَةِ أَصْيَدِ
بَلَغَتْ بِفَضْلِ «مُحَمَّدٍ» مَا أَمَّلَتْ
مِنْ عِيشَةٍ رَغَدٍ وَجَدِّ أَسْعَدِ
هُوَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الذي أَوْصَافُهُ
فِي الشِّعْرِ حِلْيَةُ رَاجِزٍ وَمُقَصِّدِ
فَبِنُورِهِ فِي كُلِّ جُنْحٍ نَهْتَدِي
وَبِهَدْيِهِ فِي كُلِّ خَطْبٍ نَفْتَدِي
سَنَّ الْمَشُورَةَ، وَهْيَ أَكْرَمُ خُطَّةٍ
يَجْرِي عَلَيْهَا كُلُّ رَاعٍ مُرْشِدِ
هِيَ عِصْمَةُ الدِّينِ الَّتِي أَوْحَى بِهَا
رَبُّ الْعِبَادِ إِلَى النَّبِيِّ «مُحَمَّدِ»
فَمَنِ اسْتَعَانَ بِهَا تَأَيَّدَ مُلْكُهُ
وَمَنِ اسْتَهَانَ بِأَمْرِهَا لَمْ يَرْشُدِ
أَمْرانِ مَا اجْتَمَعَا لِقَائِدِ أُمَّةٍ
إِلا جَنَى بِهَا ثِمَارَ السُّؤْدُدِ
جَمْعٌ يَكُونُ الأَمْرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ
شُورَى، وَجُنْدٌ لِلْعَدُوِّ بِمَرْصَدِ
هَيْهَاتَ يَحْيَا الْمُلْكُ دُونَ مَشُورَةٍ
وَيَعِزُّ رُكْنُ الْمَجْدِ مَا لَمْ يُعْمَدِ
فَالسَّيفُ لا يَمْضِي بِدُونِ رَوِيَّةٍ
وَالرَّأْيُ لا يَمْضِي بِغَيرِ مُهَنَّدِ
فَاعْكُفْ عَلَى الشُّورَى تَجِدْ فِي طَيِّهَا
مِنْ بَيِّنَاتِ الْحُكْمِ مَا لَم يُوجَدِ
لا غَرْوَ أَنْ أَبْصَرْتَ فِي صَفَحَاتِهَا
صُوَرَ الْحَوادِثِ، فَهْيَ مِرآةُ الْغَدِ
فَالْعَقْلُ كَالْمِنْظَارِ يُبْصِرُ ما نَأَى
عَنْهُ قَرِيبًا، دُونَ لَمْسٍ بِالْيَدِ
وَكَفَاكَ عِلْمُكَ بِالأُمورِ، وَلَيْسَ مَنْ
سَلَكَ السَّبِيلَ كَحَائرٍ لَمْ يَهْتَدِ
فَلأنْتَ أَوَّلُ مَنْ أَفَادَ بِعَدْلِهِ
حُرِّيَّةَ الأَخْلَاقِ بَعْدَ تَعَبُّدِ
أَطْلَقْتَ كُلَّ مُقَيَّدٍ وَحَلَلْتَ كُلـْ
ـلَ مُعَقَّدٍ وَجَمَعْتَ كُلَّ مُبَدَّدِ
وَتَمَتَّعَتْ بِالْعَدْلِ مِنْكَ رَعِيَّةٌ
كَانَتْ فَرِيسَةَ كُلِّ بَاغٍ مُعْتَدِ
فَاسْلَمْ لِخَيرِ وِلايَةٍ عَزَّتْ بِهَا
نَفْسُ النَّصِيحِ، وَذَلَّ كُلَّ مُفَنَّدِ
ضَرَحَتْ قَذَاةَ الْغَيِّ عَنْ جَفْنِ الْهُدَى
وَسَرَتْ قِنَاعَ الْيَأْسِ عَنْ أَمَلٍ نَدِ
ضَمَّتْ إِلَيكَ زِمَامَ كُلِّ مُثَلِّثٍ
وَثَنَتْ إِلَيْكَ عِنَانَ كُلِّ مُوَحِّدِ
وَتَألَّفَتْ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ أَنْفُسٌ
سَكَنَتْ بِعَدْلِكَ فِي نَعِيم سَرْمَدِ
فَحَبَاكَ رَبُّكَ بِالْجَمِيلِ كَرَامَةً
لِجَزِيلِ مَا أَوْلَيْتَ أُمَّةَ «أَحْمَدِ»
وَتَهَنَّ بِالْمُلْكِ الَّذِي أَلْبَسْتَهُ
شَرَفًا بِمِثْلِ رِدَائِهِ لَمْ يَرْتَدِ
بَزَغَتْ بِهِ شَمْسُ الْهِدَايَةِ بَعْدَ مَا
أَفَلَتْ، وَأَبْصَرَ كُلُّ طَرْفٍ أَرْمَدِ
لَمْ يَبْقَ مِنْ ذِي خَلَّةٍ إِلا اغْتَدَى
بِجَمِيلِ صُنْعِكَ مَصْدَرًا لِلْوُفَّدِ
بَلَغَتْ بِكَ الآمَالُ أَبْعَدَ غَايَةٍ
قَصَرَتْ عَلَى الإِغْضَاءِ طَرْفَ الْحُسَّدِ
فَاسْعَدْ وَدُمْ وَاغْنَمْ وَجُدْ وانْعَمْ وَسُدْ
وَابْدَأْ وَعُدْ وَتَهَنَّ وَاسْلَمْ وَازْدَدِ
لا زالَ عَدْلُكَ في الأَنامِ مُخَلَّدًا
فَالْعَدْلُ فِي الأَيَّامِ خيرُ مُخَلَّدِ
وقال يَفْخَرُ، وَيُعَرِّضُ بالمَظَالِم على عهد الحُكُومَةِ الاسْتِبْدَادِيَّة:
(من
الطويل)
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا لا أَوَدُّهُ
وَأَيُّ امْرِئ يَقْوَى عَلَى الدَّهْرِ زَنْدُهُ
أُحَاوِلُ وَصْلا وَالصُّدُودُ خَصِيمُهُ
وَأَبْغِي وَفَاءً وَالطَّبِيعَةُ ضِدُّهُ
حَسِبْتُ الْهَوَى سَهْلا، ولَمْ أَدْرِ أَنَّهُ
أَخُو غَدَرَاتٍ يَتْبَعُ الْهَزْلَ جدُّهُ
تَخِفْ لَهُ الأَحْلامُ وَهْيَ رَزِينَةٌ
وَيَعْنُو لَهُ مِنْ كُلِّ صَعْبٍ أَشَدُّهُ
وَمنْ عَجَبٍ أَنَّ الْفَتَى وَهْوَ عَاقِلٌ
يُطيعُ الْهَوَى فِيما يُنَافِيهِ رُشْدُهُ
يَفِرُّ مِنَ السُّلْوَانِ، وَهْوَ يُرِيحُهُ
وَيَأْوِي إلى الأشْجَانِ وَهْيَ تَكُدُّهُ
وَمَا الْحُبُّ إِلا حاكِمٌ غَيرُ عَادِلٍ
إِذا رامَ أَمْرًا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَصُدُّهُ
لَهُ مِنْ لَفِيفِ الْغِيدِ جَيْشُ مَلاحَةٍ
تُغِيرُ عَلَى مَثْوَى الضَّمائِرِ جُنْدُهُ
ذوَابِلُهُ قَامَاتُهُ، وَسُيُوفُهُ
لِحَاظُ الْعَذَارَى، وَالْقَلَائِدُ سَرْدُهُ
إِذَا مَاجَ بالْهِيفِ الْحِسَانِ، تَأَرَّجَتْ
مَسَالِكُهُ، وَاشْتَقَّ فِي الْجَوِّ نَدُّهُ
فَأَيُّ فُوادٍ لا تَذُوبُ حَصاتُهُ
غَرامًا، وَطَرْفٍ لَيْسَ يُقْذِيهِ سُهْدُهُ
بَلَوتُ الْهَوَى حَتَّى اعْتَرَفْتُ بِكُلِّ مَا
جَهِلْتُ، فَلا يَغْرُرْكَ فَالصَّابُ شَهْدُهُ
ظَلُومٌ لَهُ فِي كُلِّ حَيٍّ جَرِيرَةٌ
يَضِجُّ لَهَا غَوْرُ الْفَضَاءِ وَنَجْدُهُ
إِذَا احْتَلَّ قَلبًا مُطْمَئِنًا تَحَرَّكَتْ
وَسَاوِسُهُ فِي الصَّدْرِ، وَاخْتَلَّ وَكْدُهُ
فإنْ كُنْتَ ذا لُبٍّ فَلا تَقْرَبَنَّهُ
فَغَيرُ بعيدٍ أَنْ يُصِيبَكَ حَدُّهُ
وقد كُنْتَ أَوْلى بِالنَّصِيحَةِ لَوْ صَغَا
فُؤادِي، ولَكِنْ خَالَفَ الْحَزْمَ قَصْدُهُ
إذَا لَم يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يَقُودُهُ
فَيُوشِكُ أَنْ يَلقَى حُسَامًا يَقُدُّهُ
لَعَمرِي لَقَدْ وَلَّى الشَّبَابُ، وَحَلَّ بِي
مِنَ الشَّيْبِ خَطْبٌ لا يُطاقُ مَرَدُّهُ
فَأَيُّ نَعِيمٍ فِي الزَّمانِ أرُومُهُ؟
وَأَيُّ خَلِيلٍ لِلْوفَاءِ أُعِدُّهُ
وَكَيفَ أَلُومُ الناسَ فِي الْغَدْرِ بَعْدَمَا
رَأَيْتُ شَبابي قَدْ تَغَيَّرَ عَهْدُهُ
وَأَبْعَدُ مَفْقُودٍ شَبَابٌ رَمَتْ بِهِ
صُرُوفُ اللَّيالِي عِنْدَ مَنْ لا يَرُدُّهُ
فَمَنْ لِي بِخِلٍّ صَادِقٍ أَسْتَعِينُهُ
عَلى أَمَلِي، أَوْ نَاصِرٍ أَسْتَمِدُّهُ
صَحِبْتُ بَنِي الدُّنْيَا طَوِيلا فَلَمْ أَجِدْ
خَلِيلًا، فَهَلْ مِنْ صَاحِبٍ أَسْتَجِدُّهُ
فَأَكْثَرُ مَنْ لَاقَيتُ لَمْ يَصْفُ قَلْبُهُ
وَأَصْدَقُ مَنْ وَالَيتُ لَمْ يُغْنِ وُدُّهُ
أُطَالِبُ أَيَّامِي بِمَا لَيْسَ عِنْدَها
وَمَنْ طَلَبَ الْمَعْدُومَ أَعْيَاهُ وُجْدُهُ
فَمَا كُلُّ حَيٍّ يَنْصُرُ الْقَوْلَ فِعْلُهُ
وَلا كُلُّ خِلٍّ يَصْدُقُ النَّفْسَ وَعْدُهُ
وَأَصْعَبُ ما يَلْقَى الْفَتَى فِي زَمَانِهِ
صَحابَةُ مَنْ يَشْفِي مِنَ الدَّاءِ فَقْدُهُ
وَللنُّجْحِ أَسْبَابٌ إِذَا لَمْ يَفزْ بها
لَبِيبٌ مِنَ الْفِتْيَانِ لَمْ يُورِ زَنْدُهُ
وَلكِنْ إِذَا لَمْ يُسْعِدِ الْمَرْءَ جَدُّهُ
عَلى سَعْيِهِ لَمْ يَبْلُغِ السُّؤْلَ جِدُّهُ
وَمَا أَنَا بِالْمَغْلُوبِ دُونَ مَرامِهِ
وَلَكِنَّهُ قَدْ يَخْذُلُ الْمَرْءَ جَهْدُهُ
وما أُبْتُ بالحِرْمَانِ إِلا لأَنَّني
أَوَدُّ مِنَ الأَيَّامِ مَا تَوَدُّهُ
فَإِنْ يَكُ فَارَقْتُ الرِّضَا فَلَبَعْدَمَا
صَحِبْتُ زَمانًا يُغْضِبُ الْحُرَّ عَبْدُهُ
أَبَى الدَّهْرُ إِلَّا أَنْ يَسُودَ وَضِيعُهُ
وَيَملِكَ أَعْنَاقَ الْمَطَالِبِ وَغْدُهُ
تَدَاعَتْ لِدَرْكِ الثَّأْرِ فِينَا ثُعالُهُ
وَنَامَتْ عَلَى طُولِ الْوَتِيرَةِ أُسْدُهُ
فَحَتامَ نَسْرِي فِي دَيَاجِيرِ مِحْنَةٍ
يَضِيقُ بِهَا عَنْ صُحْبَةِ السَّيْفِ غِمْدُهُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَدْفَعْ يَدَ الْجَوْرِ إِنْ سَطَتْ
عَلَيهِ، فَلَا يَأْسَفْ إِذَا ضَاعَ مَجْدُهُ
وَمَنْ ذَلَّ خَوْفَ الْمَوتِ، كَانَتْ حَيَاتُهُ
أضَرَّ عَلَيهِ مِنْ حِمامٍ يَؤُدُّهُ
وَأَقْتَلُ دَاءٍ رُؤْيَةُ الْعَينُ ظَالِمًا
يُسِيءُ، وَيُتْلَى فِي الْمَحَافِلِ حَمْدُهُ
عَلامَ يَعِيشُ الْمَرْءُ فِي الدَّهْرِ خَامِلا
أَيَفْرَحُ فِي الدُّنْيَا بِيَوم يَعُدُّهُ؟
يَرَى الضَّيْمَ يَغْشَاهُ فَيَلْتَذُّ وَقْعَهُ
كَذِي جَرَبٍ يَلْتَذُّ بِالْحَكِّ جِلْدُهُ
إِذَا الْمَرْءُ لَاقَى السَّيْلَ ثُمَّتَ لَمْ يَعُجْ
إِلَى وَزَرٍ يَحْمِيهِ أَرْدَاهُ مَدُّهُ
عَفَاءٌ عَلَى الدُّنْيَا إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَعِشْ
بِهَا بَطَلا يَحْمِي الْحَقِيقَةَ شَدُّهُ
مِنَ الْعَارِ أَنْ يَرْضَى الْفَتَى بِمَذَلَّةٍ
وَفِي السَّيفِ مَا يَكْفِي لِأَمْرٍ يُعِدُّهُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ لَا أَسْتَكِينُ لِصَوْلَةٍ
وَإِنْ شَدَّ سَاقِي دُونَ مَسْعَايَ قَدُّهُ
أَبَتْ لِي حَمْلَ الضَّيْمِ نَفْسٌ أَبِيَّةٌ
وَقَلْبٌ إِذَا سِيمَ الأَذَى شَبَّ وَقْدُهُ
نَمَانِي إِلَى الْعَلْيَاءِ فَرْعٌ تَأَثَّلَتْ
أَرُومَتُهُ فِي الْمَجْدِ وَافْتَرَّ سَعْدُهُ
وَحَسْبُ الْفَتَى مَجْدًا إِذَا طَالَبَ الْعُلَا
بِمَا كَانَ أَوْصَاهُ أَبُوهُ وَجَدُّهُ
إِذَا وُلِدَ الْمَوْلُودُ مِنَّا فَدَرُّهُ
دَمُ الصَّيدِ وَالْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ مَهْدُهُ
فَإِنْ عَاشَ فَالْبِيدُ الدَّيَامِيمُ دَارُهُ
وَإِنْ مَاتَ فَالطَّيرُ الأَضَامِيمُ لَحْدُهُ
أَصُدُّ عَنِ الْمَرْمَى الْقَرِيبِ تَرَفُّعًا
وَأَطْلُبُ أَمْرًا يُعْجِزُ الطَّيرَ بُعْدُهُ
وَلا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ تَلاعَبُ بِالْقَنَا
أُسُودُ الْوَغَى فِيهِ وَتَمْرَحُ جُرْدُهُ
يُمَزِّقُ أَسْتَارَ النَّواظِرِ بَرْقُهُ
وَيَقْرَعُ أَصْدَافَ الْمَسَامِعِ رَعْدُهُ
تُدَبِّرُ أَحْكَامَ الطِّعَانِ كُهُولُهُ
وَتَمْلِكُ تَصْرِيفَ الأَعِنَّةِ مُرْدُهُ
قُلُوبُ الرِّجَالِ الْمُسْتَبِدَّةِ أَكْلُهُ
وَفَيضُ الدِّماءِ الْمُسْتَهِلَّةِ وِرْدُهُ
أُحَمِّلُ صَدْرَ النَّصْلِ فِيهِ سَرِيرَةً
تُعَدُّ لأَمْرٍ لا يُحَاوَلُ رَدُّهُ
فَإمَّا حَيَاةٌ مِثْلُ مَا تَشْتَهِي الْعُلا
وَإِمَّا رَدًى يَشْفِي مِنَ الدَّاءِ وَفْدُهُ
وعَلَى رَويِّ قَصِيدةِ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانيِّ التي أَوَّلُها:
ظَنَّ الظُّنُونَ فَبَاتَ غَيرَ مُوَسَّدِ
حَيرَانَ يَكْلأُ مُسْتَنِيرَ الْفَرْقَدِ
تُلْوِي بِهِ الذُّكُراتُ حَتَّى إِنَّهُ
لَيَظَلُّ مُلْقى بَيْنَ أَيْدِي الْعُوَّدِ
طَوْرًا يَهُمُّ بِأَن يَزِلَّ بِنَفْسِهِ
سَرَفًا وَتَاراتٍ يَمِيلُ عَلَى الْيَدِ
فَكَأَنَّمَا افْتَرَسَتْ بِطَائِرِ حِلْمِهِ
مَشْمُولَةٌ أَوْ سَاغَ سُمَّ الأَسْودِ
قَالُوا غَدًا يَوْمُ الرَّحِيلِ وَمَنْ لَهُمْ
خَوْفَ التَّفَرُّقِ أَنْ أَعِيشَ إِلَى غَدِ
هِيَ مُهْجَةٌ ذَهَبَ الْهَوَى بِشَغَافِهَا
مَعْمُودَةٌ إِنْ لَمْ تَمُتْ فَكَأَنْ قَدِ
يَا أَهْلَ ذَا الْبَيتِ الرَّفِيعِ مَنَارُهُ
أَدْعُوكُمُ يَا قَوْمُ دَعْوَةَ مُقْصَدِ
إِنِّي فَقَدْتُ الْيَومَ بَيْنَ بُيُوتِكُمْ
عَقْلِي فَرُدُّوهُ عَلَيَّ لأَهْتَدِي
أَوْ فَاسْتَقِيدُونِي بِبَعضِ قِيَانِكُمْ
حَتَّى تَرُدَّ إِلَيَّ نَفْسِي أَوْ تَدِي
بَل يَا أَخَا السَّيفِ الطَّوِيلِ نِجَادُهُ
إِنْ أَنْتَ لَمْ تَحْمِ النَّزِيلَ فَأَغْمِدِ
هَذِي لِحَاظُ الْغِيدِ بَيْنَ شِعَابِكُمْ
فَتَكَتْ بِنَا خَلْسًا بِغَيرِ مُهَنَّدِ
مِنْ كُلِّ نَاعِمَةِ الصِّبَا بَدَوِيَّةٍ
رَيَّا الشَّبَابِ سَلِيمَةِ الْمُتَجَرِّدِ
هَيْفَاءَ إِنْ خَطَرَتْ سَبَتْ وَإِذَا رَنَتْ
سَلَبَتْ فُؤَادَ الْعَابِدِ الْمُتَشَدِّدِ
يَخْفِضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ تَخَتُّلا
لِلنَّفْسِ فِعْلَ الْقَانِتَاتِ الْعُبَّدِ
فَإِذَا أَصَبْنَ أَخَا الشَّبَابِ سَلَبْنَهُ
وَرَمَيْنَ مُهْجَتَهُ بِطَرْفٍ أَصْيَدِ
وَإِذَا لَمَحْنَ أَخَا الْمَشِيبِ قَلَيْنَهُ
وَسَتَرْنَ ضَاحِيَةَ الْمَحَاسِنِ بِالْيَدِ
فَلَئِنْ غَدَوْتُ دَرِيئَةً لعُيُونِهَا
فَلَقدْ أَفُلُّ زَعَارَةَ الْمُتَمَرِّدِ
وَلَقَدْ شَهِدْتُ الْحَرْبَ في إِبَّانِهَا
وَلَبِئْسَ رَاعِي الْحَيِّ إِنْ لَمْ أَشْهَدِ
تَتَقَصَّفُ الْمُرَّانُ فِي حَجَراتِهَا
وَيَعُودُ فِيهَا السَّيفُ مِثلَ الأَدْرَدِ
عَصَفَتْ بِهَا رِيحُ الرَّدَى فَتَدَفَّقَتْ
بِدَمِ الْفَوَارِسِ كَالأَتِيِّ الْمزْبِدِ
مَا زِلْتُ أَطْعَنُ بَيْنَها حَتَّى انْثَنَتْ
عَنْ مِثْلِ حَاشِيَةِ الرِّدَاءِ الْمُجْسَدِ
وَلَقَدْ هَبَطْتُ الْغَيثَ يَلْمَعُ نَوْرُهُ
فِي كُلِّ وَضَّاحِ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
تَجْرِي بِهِ الآرَامُ بَيْنَ مَنَاهِلٍ
طَابَتْ مَوَارِدُهَا وَظِلٍّ أَبْرَدِ
بِمُضَمَّرٍ أَرِنٍ كَأَنَّ سَرَاتَهُ
بَعْدَ الْحَمِيمِ سَبِيكَةٌ مِنْ عَسْجَدِ
خَلَصَتْ لَهُ الْيُمْنَى وَعَمَّ ثَلاثَةً
مِنْهُ الْبَيَاضُ إِلَى وَظِيفٍ أَجْرَدِ
فَكَأَنَّمَا انْتَزَعَ الأَصِيلَ رِدَاءَهُ
سَلَبًا وَخَاضَ مِنَ الضُّحَى فِي مَوْرِدِ
زَجِلٌ يُرَدِّدُ فِي اللَّهَاةِ صَهِيلَهُ
رَفْعًا كَزَمْزَمَةِ الْحَبِيِّ الْمُرْعِدِ
مُتَلَفِّتًا عَنْ جَانِبَيْهِ يَهُزُّهُ
مَرَحُ الصِّبَا كَالشَّارِبِ الْمُتَغَرِّدِ
فإِذَا ثَنَيْتَ لَهُ الْعِنَانَ وَجَدْتَهُ
يَمْطُو كَسِيدِ الرَّدْهَةِ الْمُتَوَرِّدِ
وَإِذَا أَطَعْتَ لَهُ الْعِنَانَ رَأَيْتَهُ
يَطْوِي الْمَهَامِهَ فَدْفَدًا فِي فَدْفَدِ
يَكْفِيكَ مِنْهُ إِذَا أَحَسَّ بِنَبْأَةٍ
شَدٌّ كَمَعْمَعَةِ الأَباءِ الْمُوقَدِ
صُلْبُ السَّنابِكِ لا يَمُرُّ بِجَلْمَدٍ
فِي الشَّدِّ إِلا رَضَّ فِيهِ بِجَلْمَدِ
نِعْمَ الْعَتَادُ إِذَا الشِّفَاهُ تَقَلَّصَتْ
يومَ الْكَرِيهَةِ فِي الْعَجَاجِ الأَرْبَدِ
وَلَقَدْ شَرِبْتُ الْخَمْرَ بَيْنَ غَطَارِفٍ
شُمِّ الْمَعَاطِسِ كَالْغُصُونِ الْمُيَّدِ
يَتَلَاعَبُونَ عَلَى الْكُئُوسِ إِذَا جَرَتْ
لَعِبًا يَرُوحُ الْجِدُّ فِيهِ وَيَغْتَدِي
لا يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ ما أَمَرَ الْهَوَى
فَكَلامُهُمْ كَالرَّوْضِ مَصْقُولٌ نَدِي
مِنْ كُلِّ وَضَّاحِ الْجَبِينِ كَأَنَّهُ
قَمَرٌ تَوَسَّطَ جُنْحَ لَيلٍ أَسْوَدِ
بَلْ رُبَّ غَانِيَةٍ طَرَقْتُ خِبَاءَهَا
وَالنَّجْمُ يَطْرِفُ عَنْ لَواحِظِ أَرْمَدِ
قَالَتْ وَقَدْ نَظَرَتْ إِلَيَّ فَضَحْتَنِي
فَارْجِعْ لِشَأْنِكَ فَالرِّجَالُ بِمَرْصَدِ
فَخَلَبْتُهَا بِالْقَولِ حَتَّى رُضْتُهَا
وَطَوَيْتُهَا طَيَّ الْحَبِيرَةِ بِالْيَدِ
مَا زِلْتُ أَمْنَعُهَا الْمَنَامَ غَوايَةً
حَتَّى لَقَدْ بِتْنَا بِلَيْلِ الأَنْقَدِ
رَوْعَاءُ تَفْزَعُ مِنْ عَصَافِيِر الضُّحَى
تَرَفًا وَتَجْزَعُ مِنْ صِيَاحِ الْهُدْهُدِ
حَتَّى إِذَا نَمَّ الصَّبَا وَتَتَابَعَتْ
زِيَمُ الْكَواكِبِ كَالْمَهَا الْمُتَبَدِّدِ
قَالَتْ دَخَلْتَ وَمَا إِخَالُكَ بَارِحًا
إِلا وَقَدْ أَبْقَيْتَ عَارَ الْمُسْنَدِ
فَمَسَحْتُهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ فُؤَادُهَا
وَنَفَيْتُ رَوْعَتَهَا بِرَأْيٍ مُحْصَدِ
وَخَرَجْتُ أَخْتَرِقُ الصُّفُوفَ مِنَ الْعِدَا
مُتَلَثِّمًا وَالسَّيْفُ يَلْمَعُ فِي يَدِي
فَلَنِعْمَ ذَاكَ الْعَيْشُ لَوْ لَمْ يَنْقَضِ
وَلَنِعْمَ هَذَا الْعَيشُ إِنْ لَمْ يَنْفَدِ
يَرْجُو الْفَتَى فِي الدَّهْرِ طُولَ حَيَاتِهِ
وَنَعِيمِهِ وَالْمَرْءُ غَيرُ مُخَلَّدِ
وقال وهو بأقريطش أيَّام الحربِ يَتَشَوَّقُ إلى مصْرَ سنة ١٢٨٢ﻫ: (من الطويل)
سَرَى الْبَرْقُ مِصْرِيًّا فَأَرَّقَنِي وَحْدِي
وَأَذْكَرَنِي مَا لَسْتُ أَنْسَاهُ مِنْ عَهْدِ
فَيَا بَرْقُ حَدِّثْنِي وَأَنْتَ مُصَدَّقٌ
عَنِ الآلِ والأَصْحَابِ مَا فَعَلُوا بَعْدِي
وَعَنْ رَوْضَةِ الْمِقْيَاسِ تَجْرِي خِلالَها
جَدَاوِلُ يُسْدِيهَا الْغَمَامُ بِمَا يُسْدِي
إِذَا صَافَحَتْهَا الرِّيحُ رَهْوًا تَجَعَّدَتْ
حَبَائِكُهَا مِثْلَ الْمُقَدَّرَةِ السَّرْدِ
وَإِنْ ضَاحَكَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ كَأَنَّهَا
مَنَاصِلُ سُلَّتْ لِلضِّرَابِ مِنَ الْغِمْدِ
نَعِمْتُ بِهَا دَهْرًا وَمَا كُلُّ نِعْمَةٍ
حَبَتْكَ بِهَا الأَيَّامُ إِلا إِلَى الرَّدِّ
فَوَا أَسَفَا إِذْ لَيْسَ يُجْدِي تَأَسُّفٌ
عَلَى مَا طَواهُ الدَّهْرُ مِنْ عَيْشِنَا الرَّغْدِ
إِذ الدَّهْرُ سَمْحٌ وَاللَّيالِي سَمِيعَةٌ
وَلَمْيَاءُ لَمْ تُخْلِفْ بِلَيَّانِهَا وَعْدِي
فَتَاةٌ تُرِيكَ الشَّمْسَ تَحْتَ خِمَارِهَا
إِذَا سَفَرَتْ وَالْغُصْنَ فِي مَعْقِدِ الْبَنْدِ
مِنَ الْفَاتِنَاتِ الْغِيدِ لَوْ مَرَّ ظِلُّهَا
عَلَى قَانِتٍ دَبَّتْ بِهِ سَوْرَةُ الْوَجْدِ
فَتَاللهِ أَنْسَى عَهْدَها ما تَرَنَّمَتْ
بَنَاتُ الضُّحَى بَيْنَ الأَرَاكَةِ وَالرَّنْدِ
حَلَفْتُ بِمَا وَارَى الْخِمَارُ مِنَ الْحَيَا
وَمَا ضَمَّتِ الأَرْدَانُ مِنْ حَسَبٍ عِدِّ
وَبِاللُّؤْلُؤِ الْمَنْضُودِ بَيْنَ يَواقِتٍ
هِيَ الشَّهْدُ ظَنًّا بَلْ أَلَذُّ مِنَ الشَّهْدِ
يَمِينًا لَوِ اسْتَسْقَيْتَ أَرْضًا بِهِ الْحَيَا
لَخَاضَ بِهَا الرُّعْيَانُ فِي كَلأٍ جَعْدِ
لأَنْتِ وَأَيُّ النَّاسِ أَنْتِ حَبِيبَةٌ
إِلَيَّ وَلَو عَذَّبْتِ قَلْبِيَ بِالصَّدِّ
إِلَيكِ سَلَبْتُ الْعَيْنَ طِيبَ مَنَامِهَا
وَفِيكِ رَعَيْتُ النَّجْمَ فِي أُفْقِهِ وَحْدِي
وَذَلَّلْتُ هَذِي النَّفْسَ بَعْدَ إِبَائِهَا
وَلَولاكِ لَمْ تَسْمَحْ بِحَلٍّ وَلا عَقْدِ
فَحَتَّامَ تَجْزِينِي بِوُدِّيَ جَفْوَةً
أَمَا تَرْهَبِينَ اللهَ فِي حُرْمَةِ الْمَجْدِ
سَلِي عَنِّيَ اللَّيلَ الطَّوِيلَ فَإِنَّهُ
خَبِيرٌ بِمَا أُخْفِيهِ شَوقًا وَمَا أُبْدِي
هَلِ اكْتَحَلَتْ عَيْنَايَ إِلا بِمَدْمَعٍ
إِذَا ذَكَرَتْكِ النَّفْسُ سَالَ عَلَى خَدِّي
أُصَبِّرُ عَنْكِ النَّفْسَ وَهْيَ أَبِيَّةٌ
وَهَيْهَاتَ صَبْرُ الظَّامِئَاتِ عَنِ الْوِرْدِ
كَأَنِّي أُلاقِي مِنْ هَواكِ ابْنَ خِيسَةٍ
أَخَا فَتَكَاتٍ لا يُنَهْنَهُ بِالرَّدِّ
تَنَكَّبَ مُمْسَاهُ وَأَخْطَأَ صَيْدَهُ
فَأَقْعَى عَلَى غَيْظٍ مِنَ الْجُوعِ وَالْكَدِّ
لَهُ نَعَراتٌ بِالْفَلَاةِ كَأَنَّها
عَلَى عُدَوَاءِ الدَّارِ جَلْجَلَةُ الرَّعْدِ
يُمَزِّقُ أَسْتَارَ الظَّلامِ بِأَعْيُنٍ
تَطِيرُ شَرارًا كَالسُّقَاطِ مِنَ الزَّنْدِ
كَأَنَّهُمَا مَاوِيَّتَانِ أُدِيرَتَا
إِلَى الشَّمْسِ فَانْبَثَّا شُعَاعًا مِنَ الْوَقْدِ
فَهَذَا الَّذِي أَلْقَاهُ مِنْكِ عَلَى النَّوَى
فَرَاخِي وَثَاقِي يَا بْنَةَ الْقَومِ أَوْ شُدِّي
وقال وهو في حرب الروس مع الدولة العثمانية سنة ١٢٩٤ﻫ/١٨٧٧م وأرسل بها الأستاذ الشيخ
«حسين المرصفي»: (من الطويل)
هُوَ الْبَيْنُ حَتَّى لا سَلامٌ وَلا رَدُّ
وَلا نَظْرَةٌ يَقْضِي بِهَا حَقَّهُ الْوَجْدُ
لَقَدْ نَعَبَ الْوَابُورُ بِالْبَيْنِ بَيْنَهُمْ
فَسَارُوا وَلا زَمُّوا جِمَالا وَلا شَدُّوا
سَرَى بِهِمُ سَيْرَ الْغَمَامِ كَأَنَّمَا
لَهُ فِي تَنَائِي كُلِّ ذِي خُلَّةٍ قَصْدُ
فَلا عَيْنَ إِلا وَهْيَ عَينٌ مِنَ الْبُكَى
وَلا خَدَّ إِلا لِلدُّمُوعِ بِهِ خَدُّ
فَيَا سَعْدُ حَدِّثْنِي بِأَخْبَارِ مَنْ مَضَى
فَأَنْتَ خَبيرٌ بِالأَحَادِيثِ يَا سَعْدُ
لَعَلَّ حَدِيثَ الشَّوْقِ يُطْفِئُ لَوْعَةً
مِنَ الْوَجْدِ أَوْ يَقْضِي بِصَاحِبِهِ الْفَقْدُ
هُوَ النَّارُ فِي الأَحْشَاءِ لَكِنْ لِوَقْعِهَا
عَلَى كَبِدِي مِمَّا أَلَذُّ بِهِ بَرْدُ
لَعَمْرُ الْمَغَانِي وَهْيَ عِنْدِي عَزِيزَةٌ
بِسَاكِنِهَا مَا شَاقَنِي بَعْدَهَا عَهْدُ
لَكَانَتْ وَفِيهَا مَا تَرَى عَيْنُ نَاظِرٍ
وَأَمْسَتْ وَمَا فِيهَا لِغَيْرِ الأَسَى وَفْدُ
خَلاءٌ مِنَ الأُلافِ إِلا عِصَابَةً
حَدَاهُمْ إِلَى عِرْفَانِهَا أَمَلٌ فَرْدُ
دَعَتْهُمْ إِلَيهَا نَفْحَةٌ عَنْبَرِيَّةٌ
وَبِالنَّفْحَةِ الْحَسْنَاءِ قَدْ يُعْرَفُ الْوَرْدُ
وَقَفْنَا فَسَلَّمْنَا فَرَدَّتْ بِأَلْسُنٍ
صَوَامِتَ إِلا أَنَّهَا أَلْسُنٌ لُدُّ
فَمِنْ مُقْلَةٍ عَبْرَى وَمِنْ لَفْحِ زَفْرَةٍ
لَهَا شَرَرٌ بَيْنَ الْحَشَا مَا لَهُ زَنْدُ
فَيَا قَلْبُ صَبْرًا إِنْ أَلَمَّ بِكَ النَّوَى
فَكُلُّ فِرَاقٍ أَوْ تَلاقٍ لَهُ حَدُّ
فَقَدْ يُشْعَبُ الإِلْفَانِ أَدْنَاهُمَا الْهَوَى
وَيَلْتَئِمُ الضِّدَّانِ أَقْصَاهُمَا الْحِقْدُ
عَلَى هَذِهِ تَجْرِي اللَّيَالِي بِحُكْمِهَا
فَآوِنَةً قُرْبٌ وَآوِنَةً بُعْدُ
وَمَا كُنْتُ لَوْلا الْحُبُّ أَخْضَعُ لِلَّتِي
تُسِيءُ وَلَكِنَّ الْفَتَى لِلْهَوَى عَبْدُ
فَعُودِيَ صُلْبٌ لا يَلِينُ لِغَامِزٍ
وَقَلْبِيَ سَيْفٌ لا يُفَلُّ لَهُ حَدُّ
إِبَاءٌ كَمَا شَاءَ الْفَخَارُ وَصَبْوَةٌ
يَذِلٌّ لَهَا فِي خِيسِهِ الأَسَدُ الْوَرْدُ
وَإِنَّا أُنَاسٌ لَيْسَ فِينَا مَعَابَةٌ
سِوَى أَنَّ وَادِينَا بِحُكْمِ الْهَوَى نَجْدُ
نَلِينُ وَإِنْ كُنَّا أَشِدَّاءَ لِلْهَوَى
وَنَغْضَبُ فِي شَرْوَى نَقِيرٍ فَنَشْتَدُّ
وَحَسْبُكَ مِنَّا شِيمَةٌ عَرَبِيَّةٌ
هِيَ الْخَمْرُ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ دُونِهَا حَرْدُ
وَبِي ظَمَأٌ لَمْ يَبْلُغِ الْمَاءُ رِيَّهُ
وَفِي النَّفْسِ أَمْرٌ لَيْسَ يُدْرِكُهُ الْجَهْدُ
أَوَدُّ وَما وُدُّ امْرِئٍ نَافِعًا لَهُ
وَإِنْ كَانَ ذَا عَقْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ جَدُّ
وَمَا بِيَ مِنْ فَقْرٍ لِدُنْيَا وَإِنَّمَا
طِلابُ الْعُلا مَجْدٌ وَإِنْ كَانَ لِي مَجْدُ
وَكَمْ مِنْ يَدٍ للهِ عِنْدِي وَنِعْمَةٍ
يَعَضُّ عَلَيهَا كَفَّهُ الْحَاسِدُ الْوَغْدُ
أَنَا الْمَرْءُ لا يُطْغِيهِ عِزٌّ لِثَرْوَةٍ
أَصَابَ وَلا يُلْوِي بِأَخْلَاقِهِ الْكَدُّ
أَصُدُّ عَنِ الْموَفُورِ يُدْرِكُهُ الْخَنَا
وَأَقْنَعُ بِالْمَيْسُورِ يَعْقُبُهُ الْحَمْدُ
وَمَنْ كَانَ ذَا نَفْسٍ كَنَفْسِي تَصَدَّعَتْ
لِعِزَّتِهِ الدُّنْيَا وَذَلَّتْ لَهُ الأُسْدُ
وَمَنْ شِيَمِي حُبُّ الْوَفَاءِ سَجِيَّةً
وَمَا خَيْرُ قَلْبٍ لا يَدُومُ لَهُ عَهْدُ
وَلَكِنَّ إِخْوَانًا بِمِصْرَ وَرُفْقَةً
نَسُونَا فَلا عَهْدٌ لَدَيهِمْ وَلا وَعْدُ
أَحِنُّ لَهُمْ شَوْقًا عَلَى أَنَّ دُونَنَا
مَهامِهَ تَعْيَا دُونَ أَقْرَبِها الرُّبْدُ
فَيَا سَاكِنِي الْفُسْطَاطِ مَا بالُ كُتْبِنَا
ثَوَتْ عِنْدَكُمْ شَهْرًا وَلَيْسَ لها رَدُّ
أَفِي الْحَقِّ أَنَّا ذَاكِرُونَ لِعَهْدِكُمْ
وَأَنْتُمْ عَلَينَا لَيْسَ يَعْطِفُكُمْ وُدُّ
فَلا ضَيْرَ إِنَّ اللهَ يُعْقِبُ عَوْدَةً
يَهُونُ لَهَا بَعْدَ الْمُوَاصَلَةِ الصَّدُّ
جَزَى اللهُ خَيرًا مَنْ جَزَانِي بِمِثْلِهِ
عَلَى شُقَّةٍ غَزْرُ الْحَيَاةِ بِهَا ثَمْدُ
أَبِيتُ لِذِكْرَاكُمْ بِها مُتَمَلْمِلا
كَأَنِّي سَلِيمٌ أَوْ مَشَتْ نَحْوَهُ الْوِرْدُ
فَلا تَحْسَبُونِي غَافِلا عَنْ وِدَادِكُمْ
رُوَيدًا فَمَا فِي مُهْجَتِي حَجَرٌ صَلْدُ
هُوَ الْحُبُّ لا يَثْنِيهِ نَأْيٌ وَرُبَّما
تَأَرَّجَ مِنْ مَسِّ الضِّرَامِ لَهُ النَّدُّ
نَأَتْ بِيَ عَنْكُمْ غُرْبَةٌ وَتَجَهَّمَتْ
بِوَجْهِيَ أَيَّامٌ خَلائِقُهَا نُكْدُ
أَدُورُ بِعَينِي لَا أَرَى غَيْرَ أُمَّةٍ
مِنَ الرُّوسِ بِالْبَلْقَانِ يُخْطِئُهَا الْعَدُّ
جَوَاثٍ عَلَى هَامِ الْجِبَالِ لِغَارَةٍ
يَطِيرُ بِهَا ضَوْءُ الصَّبَاحِ إِذَا يَبْدُو
إِذَا نَحْنُ سِرْنَا صَرَّحَ الشَّرُّ بِاسْمِهِ
وَصَاحَ الْقَنَا بِالْمَوْتِ وَاسْتَقْتَلَ الْجُنْدُ
فَأَنْتَ تَرَى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ كَبَّةً
يُحَدِّثُ فِيهَا نَفْسَهُ الْبَطَلُ الْجَعْدُ
عَلَى الأَرْضِ مِنْهَا بِالدِّمَاءِ جَدَاوِلٌ
وَفَوْقَ سَرَاةِ النَّجْمِ مِنْ نَقْعِهَا لِبْدُ
إِذَا اشْتَبَكُوا أَوْ رَاجَعُوا الزَّحْفَ خِلْتَهُمْ
بُحُورًا تَوَالَى بَيْنَها الْجَزْرُ وَالْمَدُّ
نَشُلُّهُمُ شَلَّ الْعِطَاشِ وَنَتْ بِهَا
مُرَاغَمَةُ السُّقْيَا وَمَاطَلَهَا الْوِرْدُ
فَهُمْ بَيْنَ مَقْتُولٍ طَرِيحٍ وَهَارِبٍ
طَلِيحٍ وَمَأْسُورٍ يُجَاذِبُهُ الْقِدُّ
نَرُوحُ إِلَى الشُّورَى إِذَا أَقْبَلَ الدُّجَى
وَنَغْدُو عَلَيْهِمْ بِالمَنَايَا إِذَا نَغْدُو
وَنَقْعٍ كَلُجِّ الْبَحْرِ خُضْتُ غِمَارَهُ
ولا مَعْقِلٌ إِلا الْمَنَاصِلُ وَالْجُرْدُ
صَبَرْتُ لَهُ والْمَوْتُ يَحْمَرُّ تَارَةً
وَيَنْغَلُّ طَوْرًا فِي الْعَجَاجِ فَيَسْوَدُّ
فَمَا كُنْتُ إِلَّا اللَّيْثَ أَنْهَضَهُ الطَّوَى
وَمَا كُنْتُ إِلا السَّيفَ فَارَقَهُ الْغِمْدُ
صَئُولٌ وِلِلأَبْطَالِ هَمْسٌ مِنَ الْوَنَى
ضَرُوبٌ وَقَلْبُ الْقِرْنِ فِي صَدْرِهِ يَعْدُو
فَمَا مُهْجَةٌ إِلا وَرُمْحِي ضَمِيرُهَا
وَلا لَبَّةٌ إِلا وَسَيفِي لَهَا عِقْدُ
وَمَا كُلُّ سَاعٍ بَالِغٌ سُؤْلَ نَفْسِهِ
وَلا كُلُّ طَلَّابٍ يُصَاحِبُهُ الرُّشْدُ
إِذَا الْقَلْبُ لَمْ يَنْصُرْكَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
فَمَا السَّيْفُ إِلا آلَةٌ حَمْلُهَا إِدُّ
إِذَا كَانَ عُقْبَى كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ زَكَا
فَنَاءٌ فَمَكْرُوهُ الْفَنَاءِ هُوَ الْخُلْدُ
وَتَخْلِيدُ ذِكْرِ الْمَرْءِ بَعْدَ وَفاتِهِ
حَيَاةٌ لَهُ لا مَوْتَ يَلْحَقُهَا بَعْدُ
فَفِيمَ يَخَافُ الْمَرْءُ سَوْرَةَ يَومِهِ
وَفِي غَدِهِ مَا لَيْسَ مِنْ وَقْعِهِ بُدُّ
لِيَضْنَ بِيَ الْحُسَّادُ غَيْظًا فَإِنَّنِي
لآنافِهِمْ رَغْمٌ وَأَكْبَادِهِمْ وَقْدُ
أَنَا الْقَائِلُ الْمَحْمُودُ مِنْ غَيْرِ سُبَّةٍ
وَمِنْ شِيمَةِ الْفَضْلِ الْعَدَاوَةُ وَالضَّدُّ
فَقَدْ يَحْسُدُ الْمَرْءُ ابْنَهُ وَهْوَ نَفْسُهُ
وَرُبَّ سِوَارٍ ضَاقَ عَنْ حَمْلِهِ الْعَضْدُ
فَلا زِلْتُ مَحْسُودًا عَلَى الْمَجْدِ والْعُلا
فَلَيْسَ بِمَحْسُودٍ فَتًى وَلَهُ نِدُّ
وقال في يوم عيد الفطر وهو في تلك الحرب: (من الطويل)
أَرَاكَ الْحِمَى شَوْقِي إِلَيْكَ شَدِيدُ
وَصَبْرِي وَنَوْمِي فِي هَوَاكَ شَريدُ
مَضَى زَمَنٌ لَمْ يَأْتِنِي عَنْكَ قَادِمٌ
بِبُشْرَى ولَمْ يَعْطِفْ عَلَيَّ بَرِيدُ
وَحِيدٌ مِنَ الْخُلَّانِ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ
أَلا كُلُّ مَنْ يَبْغِي الْوَفَاءَ وَحِيدُ
فَهَلْ لِغَرِيبٍ طَوَّحَتْهُ يَدُ النَّوَى
رُجُوعٌ وَهَلْ لِلْحَائِمَاتِ وُرُودُ
وَهَلْ زَمَنٌ وَلَّى وَعَيْشٌ تَقَيَّضَتْ
غَضَارَتُهُ بَعْدَ الذَّهَابِ يَعُودُ
أُعَلِّلُ نَفْسِي بِالْقَدِيمِ وَإِنَّما
يَلَذُّ اقْتِبَالُ الشَّيْءِ وَهْوَ جَدِيدُ
وَمَا ذِكْرِيَ الأَيَّامَ إِلَّا لأَنَّها
ذِمَامٌ لِعِرْفَانِ الصِّبَا وَعُهودُ
فَلَيْسَ بِمَفْقُودٍ فَتًى ضَمَّهُ الثَّرَى
وَلَكِنَّ مَنْ غَالَ الْبِعَادَ فَقِيدُ
أَلا أَيُّها الْيَوْمُ الَّذِي لَمْ أَكُنْ لَهُ
ذَكُورًا سِوَى أَنْ قِيلَ لِي هُوَ عِيدُ
أَتَسْأَلُنَا لُبْسَ الْجَدِيدِ سَفَاهَةً
وَأَثْوَابُنَا مَا قَدْ عَلِمْتَ حَدِيدُ
فَحَظُّ أُنَاسٍ مِنْهُ كَأْسٌ وَقَيْنَةٌ
وَحَظُّ رِجالٍ ذُكْرَةٌ وَنَشِيدُ
لِيَهْنَ بِهِ مَنْ بَاتَ جَذْلانَ نَاعِمًا
أَخَا نَشَوَاتٍ مَا عَلَيْهِ حَقُودُ
تَرَى أَهْلَهُ مُسْتَبْشِرينَ بِقُرْبِهِ
فَهُمْ حَوْلَهُ لا يَبْرَحُونَ شُهُودُ
إِذَا سارَ عَنْهُمْ سَارَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ
وَإِنْ عَادَ فِيهِمْ عَادَ وَهْوَ سَعِيدُ
يُخَاطِبُ كُلًّا بِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ
فَمُبْدِئُ شُكْرٍ تَارَةً وَمُعِيدُ
فَمَنْ لِغَرِيبٍ «سَرْنَسُوفُ» مُقَامُهُ
رَمَتْ شَمْلَهُ الأَيَّامُ فَهْوَ لَهِيدُ
بِلادٌ بِهَا ما بِالْجَحِيمِ وإِنَّما
مَكَانَ اللَّظَى ثَلْجٌ بِهَا وَجَلِيدُ
تَجَمَّعَتِ الْبُلْغَارُ وَالرُّومُ بَيْنَها
وزَاحَمَهَا التَّاتَارُ فَهْيَ حُشُودُ
إِذَا رَاطَنُوا بَعْضًا سَمِعْتَ لِصَوْتِهِمْ
هَدِيدًا تَكَادُ الأَرْضُ مِنْهُ تَمِيدُ
قِبَاحُ النَّوَاصِي وَالْوُجُوهِ كَأَنَّهُمْ
لِغَيْرِ أَبِي هَذَا الأَنَامِ جُنُودُ
سَواسِيَةٌ لَيسُوا بِنَسْلِ قَبيلَةٍ
فَتُعْرَف آبَاءٌ لَهُمْ وجُدُودُ
لَهُمْ صُوَرٌ لَيْسَتْ وُجُوهًا وِإنَّما
تُنَاطُ إِلَيْهَا أَعْيُنٌ وَخُدُودُ
يَخُورُونَ حَوْلِي كَالْعُجُولِ وَبَعْضُهُمْ
يُهَجِّنُ لَحْنَ الْقَوْلِ حِينَ يُجِيدُ
أَدُورُ بِعَيني لا أَرَى بَيْنَهُمْ فَتًى
يَرُودُ مَعِي في الْقَوْلِ حَيثُ أَرُودُ
فَلا أَنَا مِنْهُمْ مُسْتَفِيدٌ غَرِيبَةً
وَلَا أَنَا فِيهِمْ مَا أَقَمْتُ مُفِيدُ
فَمَنْ لِي بِأَيَّامٍ مَضَتْ قَبْلَ هَذِهِ
بِمِصْرَ وَعَيشِي لَوْ يَدُومُ حَمِيدُ
عَسَى اللهُ يَقْضِي قُرْبَةً بَعْدَ غُرْبَةِ
فَيَفْرَحَ بِاللُّقْيَا أَبٌ وَوَليدُ
تَوَلَّى الصِّبَا عَنِّي فَكَيْفَ أُعِيدُهُ
وَقَدْ سَارَ فِي وَادِي الْفَنَاءِ بَرِيدُهُ
أُحَاوِلُ مِنْهُ رَجْعَةً بَعْدَ مَا مَضَى
وذَلِكَ رَأْيٌ غَابَ عَنِّي سَدِيدُهُ
فَمَا كُلُّ جَفْرٍ غَاضَ يَرْتَدُّ نَبْعُهُ
وَلا كُلُّ سَاقٍ جَفَّ يَخْضَرُّ عُودُهُ
فَإِنْ أَكُ فَارَقْتُ الشَّبَابَ فَقَبْلَهُ
بَكَيْتُ رَضَاعًا بَانَ عَنِّي حَمِيدُهُ
وَأَيُّ شَبَابٍ لا يَزُولُ نَعِيمُهُ
وَسِرْبالِ عَيْشٍ لَيْسَ يَبْلَى جَدِيدُهُ
فَلا غَرْوَ أَنْ شَابَتْ مِنَ الْحُزْنِ لِمَّتِي
فَإِنِّيَ فِي دَهْرٍ يَشِيبُ وَلِيدُهُ
يُهَدِّمُ مِنْ أَجْسَادِنَا مَا يَشِيدُهُ
وَيَنْقُصُ مِنْ أَنْفَاسِنَا مَا يَزِيدُهُ
أَرَى كُلَّ شَيءٍ لا يَدُومُ فَمَا الَّذِي
يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ حُبِّ مَا لا يُفِيدُهُ
وَلَكِنَّ نَفْسًا رُبَّمَا اهْتَاجَ شَوْقُهَا
فَحَنَّتْ وَقَلْبًا رُبَّمَا اعْتَادَ عِيدُهُ
فَوَا حَسْرَتَا كَمْ زَفْرَةٍ إِثْرَ لَوْعَةٍ
إِذَا عَصَفَتْ بِالْقَلْبِ كَادَتْ تُبِيدُهُ
أَحِنُّ إِلَى وَادِي النَّقَا ويَسُرُّنِي
عَلَى بُعْدِهِ أَنْ تَسْتَهِلَّ سُعُودُهُ
وَأَصْدُقُهُ وُدِّي وإِنْ كُنْتُ عَالِمًا
بِأَنَّ النَّقَا لَمْ يَدْنُ مِنِّي بَعِيدُهُ
مَعَانُ هَوًى تَجْرِي بِدَمْعِي وَهَادُهُ
وَتُشْرِقُ مِنْ نِيرانِ قَلْبِي نُجُودُهُ
تَضِنُّ بِإِهْدَاءِ السَّلامِ ظِباؤُهُ
وَتُكْرِمُ مَثْوَى الطَّارِقِينَ أُسُودُهُ
تَسَاهَمَ فِيهِ الْبَأْسُ والْحُسْنُ فَاسْتَوَتْ
ضَرَاغِمُهُ عِنْدَ اللِّقَاءِ وغِيدُهُ
تَلاقَتْ بِهِ أَسْيَافُهُ وَلِحَاظُهُ
وَمَالَتْ بِهِ أَرْمَاحُهُ وَقُدُودُهُ
فَكَمْ مِنْ صَرِيعٍ لا تُدَاوَى جِرَاحُهُ
وَكَمْ مِنْ أَسِيرٍ لا تُحَلُّ قُيُودُهُ
وَفي الْحَيِّ ظَبْيٌ إِنْ تَرَنَّمْتُ بِاسْمِهِ
تَنَمَّرَ وَاشِيهِ وَهَاجَ حَسُودُهُ
تَهِيمُ بِهِ أَسْتَارُهُ وَخُدُورُهُ
وَتَعْشَقُهُ أَقْرَاطُهُ وَعُقُودُهُ
تَأَنَّقَ فِيهِ الْحُسْنُ فَامْتَدَّ فَرْعُهُ
إِلَى قَدَمَيْهِ واستَدَارَتْ نُهُودُهُ
فَلِلْمِسْكِ رَيَّاهُ ولِلْبَانِ قَدُّهُ
وَلِلْوَرْدِ خَدَّاهُ وَلِلظَّبْيِ جِيدُهُ
فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ يَا صَاحِ بِالْهَوَى
فَإِنَّ الرَّدَى حِلْفُ الْهَوَى وَعَقِيدُهُ
وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَرْهَبُ الْمَوْتَ إِنْ سَطَا
إِذَا لَمْ تَكُنْ نُجْلَ الْعُيُونِ شُهُودُهُ
أَفُلُّ أَنَابِيبَ الْقَنَا وَيَفُلُّنِي
قَوَامٌ تَنَدَّتْ بِالْعَبِيرِ بُرُودُهُ
فَإِنْ أَنَا سَالَمْتُ الْهَوَى فَلَطَالَمَا
شَهِدْتُ الْوَغَى وَالطَّعْنُ يَذْكُو وَقُودُهُ
وَتَحْتَ جَنَاحِ الدِّرْعِ مِنِّي ابْنُ فَتْكَةٍ
مُعَوَّدَةٌ ألا تُحَطَّ لُبُودُهُ
إِذَا حَرَّكَتْهُ هِمَّةٌ نَحْوَ غَايَةٍ
تَسَامَى إِلَيهَا فِي رَعِيلٍ يَقُودُهُ
وَمُعْتَرَكٍ لِلْخَيلِ فِي جَنَبَاتِهِ
صَهِيلٌ يَهُدُّ الرَّاسِيَاتِ وَئِيدُهُ
بَعِيدِ سَماءِ النَّقْعِ يَنْقَضُّ نَسْرُهُ
عَلَى جُثَثِ الْقَتْلَى وَيَنْغَلُّ سِيدُهُ
تَرِفُّ عَلَى هَامِ الْكُمَاةِ سُيُوفُهُ
وَتَخْفُقُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ بُنُودُهُ
إِذَا اشْتَجَرَتْ فِيهِ الرِّماحُ تَرَاجَعَتْ
سَوَافِرَ عَنْ نَصْرٍ يُضِيءُ عَمُودُهُ
تَقَحَّمْتُهُ وَالرُّمْحُ صَدْيانُ يَنْتَحِي
نِطَافَ الْكُلَى وَالْمَوْتُ يَمْضِي وَعِيدُهُ
فَمَا كُنْتُ إِلا الْغَيْثَ طَارَتْ بُروقُهُ
ومَا كُنْتُ إِلا الرَّعْدَ دَوَّى هَدِيدُهُ
أَنَا الرَّجُلُ الْمَشْفُوعُ بِالْفِعْلِ قَولُهُ
إِذَا مَا عَقِيدُ الْقَومِ رَثَّتْ عُقُودُهُ
تَعَوَّدْتُ صِدْقَ الْقَوْلِ حَتَّى لَوَ أَنَّنِي
تَكَلَّفْتُ قَوْلًا غَيْرَهُ لَا أُجِيدُهُ
أُضَاحِكُ وَجْهَ الْمَرْءِ يَغْشَاهُ بِشْرُهُ
وَأَعْلَمُ أَنَّ الْقَلْبَ تَغْلِي حُقُودُهُ
وَمَنْ لَمْ يُدارِ النَّاسَ عَادَاهُ صَحْبُهُ
وَأَنْكَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَسُودُهُ
فَمَنْ لِي بِخِلٍّ أَسْتَعِينُ بِقُرْبِهِ
عَلَى أَمَلٍ لَمْ يَبْقَ إِلا شَرِيدُهُ
أُحَاوِلُ وُدًّا لا يُشَانُ بِغَدْرَةٍ
وَدُونَ الَّذِي أَرْجُوهُ مَا لا أُرِيدُهُ
سَمِعْتُ قَدِيمًا بِالوَفَاءِ فَلَيْتَنِي
عَلِمْتُ عَلَى الأَيَّامِ أَيْنَ وُجُودُهُ
فَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْلِكْ صَدِيقًا فَإِنَّنِي
لِنَفْسِي صَدِيقٌ لا تَخِيسُ عُهُودُهُ
وَحَسْبُ الْفَتَى مِنْ رَأْيِهِ خَيْرُ صَاحِبٍ
يُوازِرُهُ فِي كُلِّ خَطْبٍ يَئُودُهُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلمَرءِ مِنْ بَدَهَاتِهِ
نَصِيرٌ فَأَخْلِقْ أَنْ تَخِيبَ جُدُودُهُ
وَإِنِّي وَإِنْ أَصْبَحْتُ فَرْدًا فَإِنَّني
بِنَفْسِي عَشِيرٌ لَيْسَ يَنْجُو طَرِيدُهُ
وَلِي مِنْ بَدِيعِ الشِّعْرِ مَا لَوْ تَلَوْتُهُ
عَلَى جَبَلٍ لَانْهَالَ فِي الدَّوِّ رَيْدُهُ
إِذَا اشْتَدَّ أَوْرَى زَنْدَةَ الْحَرْبِ لَفْظُهُ
وَإِنْ رَقَّ أَزْرَى بِالْعُقُودِ فرِيدُهُ
يُقَطِّعُ أَنْفَاسَ الرِّياحِ إِذَا سَرَى
وَيَسْبِقُ شَأْوَ النَّيِّرَيْنِ قَصِيدُهُ
إِذَا ما تَلاهُ مُنْشِدٌ فِي مَقَامةٍ
كَفَى الْقَوْمَ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ نَشِيدُهُ
سَيَبْقَى بِهِ ذِكْرِي عَلَى الدَّهْرِ خَالِدًا
وذِكْرُ الْفَتَى بَعْدَ الْمَمَاتِ خُلُودُهُ
وقال يَذُمُّ رِجَالَ الحُكُومَةِ الاسْتِبْدَاديَّةِ في عَهْدِ إسْمَاعِيلَ خديو
مصر:
(من الخفيف)
كَرَمُ الطَّبْعِ شِيمَةُ الأَمْجَادِ
وَجَفَاءُ الأَخْلاقِ شَأْنُ الْجَمَادِ
لَنْ يَسُودَ الْفَتَى ولَو مَلَكَ الْحِكـ
ـمَةَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الأَجْوَادِ
وَلَعَمْرِي لَرِقَّةُ الطَّبْعِ أَوْلَى
مِنْ عِنادٍ يَجُرُّ حَرْبَ الْفَسَادِ
قَدْ يَنَالُ الْحَلِيمُ بِالرِّفْقِ مَا لَيـْ
ـسَ يَنَالُ الْكَمِيُّ يَوْمَ الْجِلادِ
فَاقْرُنِ الْحِلْمَ بِالسَّماحَةِ تَبْلُغْ
كُلَّ مَا رُمْتَ نَيْلَهُ مِنْ مُرَادِ
وَضَعِ الْبِرَّ حَيثُ يَزْكُو لِتَجْنِي
ثَمَرَ الشُّكْرِ مِنْ غِرَاسِ الأَيَادِي
وَاحْذَرِ النَّاسَ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّ النـْ
ـنَاس أَحْلَاسُ خُدْعَةٍ وَتَعَادِي
رُبَّ خِلٍّ تَرَاهُ طَلْقَ الْمُحَيَّا
وَهْوَ جَهْمُ الضَّمِيرِ بِالأَحْقَادِ
فَتَأَمَّلْ مَوَاقِعَ اللَّحْظِ تَعْلَمْ
مَا طَوَتْهُ صَحَائِفُ الأَكْبَادِ
إِنَّ فِي الْعَيْنِ وَهْوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ
لَدَلِيلًا عَلَى خَبَايَا الْفُؤَادِ
وَأُنَاس صَحِبْتُ مِنْهُمْ ذِئَابًا
تَحْتَ أَثْوَابِ أُلْفَةٍ وَوِدَادِ
يَتَمَنَّوْنَ لِي الْعِثَارَ وَيَلْقَوْ
نِي بِوَجْهٍ إِلَى الْمَوَدَّةِ صَادِي
سَابَقُونِي فَقَصَّرُوا عَنْ لَحَاقِي
إِنَّما السَّبْقُ مِنْ خِصَالِ الْجَوَادِ
أَنَا مَا بَيْنَ نِعْمَةٍ وَحَسُودٍ
وَالْمَعَالِي كَثِيرَةُ الْحُسَّادِ
فَلْيَمُوتُوا بِغَيظِهِم فَاحْتِمَالُ الـ
ـغَيظِ موْتٌ لَهُمْ بِلا مِيعَادِ
كَيفَ تَبْيَضُّ مِنْ أُنَاسٍ وُجُوهٌ
صَبَغَ اللُّؤْمُ عِرْضَهُمْ بِسَوَادِ
أَظْهَرُوا زُخْرُفَ الْخِدَاعِ وَأَخْفَوا
ذَاتَ نَفْسٍ كَالْجَمْرِ تَحْتَ الرَّمَادِ
فَتَرَى الْمَرْءَ مِنْهُمُ ضَاحِكَ السنـْ
ـنِ وَفِي ثَوْبِهِ دِمَاءُ الْعِبَادِ
مَعْشَرٌ لا وَلِيدُهُمُ طَاهِرُ الْمَهـ
ـدِ وَلا كَهْلُهُمْ عَفِيفُ الْوِسِادِ
حَكَمُوا مِصْرَ وَهْيَ حَاضِرَةُ الدُّنـ
ـيَا فَأَمْسَتْ وَقَدْ خَلَتْ فِي الْبَوَادِي
أَصْبَحَتْ مَنْزِلَ الشَّقَاءِ وَكَانَتْ
جَنَّةً لَيْسَ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ
وَقَعُوا بَيْنَ رِيفِهَا وَقُرَاهَا
بِضُرُوبِ الْفَسَادِ وَقْعَ الْجَرَادِ
في زَمَانٍ قَدْ كَانَ لِلظُّلْمِ فِيهِ
أَثَرُ النَّارِ فِي هَشِيمِ الْقَتَادِ
حِينَ لَمْ يُرْحَمِ الْكَبِيرُ وَلَمْ يُعـ
ـطَفْ عَلَى الأُمَّهَاتِ وَالأَوْلَادِ
تَحْتَ رِجْزٍ مِنَ الْعَذَابِ مُهِينٍ
وَمُبِيرٍ مِنَ الأَذَى رَعَّادِ
تِلْكَ آثارُهُمْ تَدُلُّ عَلَى مَا
كَانَ مِنْهُمُ مِنْ جَفْوَةٍ وَتَبَادِي
لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ الْمَعَالِي لِلْفَخـ
ـرِ كَمَنْ يَطْلُبُ الْعُلا لِلزَّادِ
وَقَلِيلًا مَا يَصْلُحُ الْمَرْءُ لِلْجَدِ
إِذَا كَانَ سَاقِطَ الأَجْدَادِ
فَاعْتَصِمْ بِالنُّهَى تَفُزْ بِنَعِيمِ الدَّ
هْرِ غَضًّا فَالْعَقْلُ خَيْرُ عَتَادِ
إِنَّ فِي الْحِكْمَةِ الْبَلِيغَةِ للرُّو
حِ غِذَاءً كَالطِّبِّ لِلأَجْسَادِ
وقال يَرْثِي زَوْجَهُ وَقَد وَرَدَ إلَيْهِ نَعْيُهَا وهو بِسرَنْديِبَ: (من
الكامل)
أَيَدَ الْمَنُونِ قَدَحْتِ أَيَّ زِنَادِ
وَأَطَرْتِ أَيَّةَ شُعْلَةٍ بِفُؤَادِي
أَوهَنْتِ عَزْمِي وَهْوَ حَمْلَةُ فَيْلَقٍ
وَحَطَمْتِ عُودِي وَهْوَ رُمْحُ طِرَادِ
لَمْ أَدْرِ هَلْ خَطْبٌ أَلَمَّ بِسَاحَتِي
فَأَنَاخَ أَمْ سَهْمٌ أَصَابَ سَوَادِي
أَقْذَى الْعُيُونَ فأَسْبَلَتْ بِمَدَامِعٍ
تَجْرِي عَلَى الْخَدَّيْنِ كَالْفِرْصَادِ
مَا كُنْتُ أَحْسَبُنِي أُرَاعُ لِحَادِثٍ
حَتَّى مُنِيتُ بِهِ فَأَوْهَنَ آدِي
أَبْلَتْنِي الْحَسَراتُ حَتَّى لَمْ يَكَدْ
جِسْمِي يَلُوحُ لِأَعْيُنِ الْعُوَّادِ
أَسْتَنْجِدُ الزَّفَراتِ وَهْيَ لَوَافِحٌ
وَأُسَفِّهُ الْعَبَرَاتِ وَهْيَ بِوَادِي
لا لَوْعَتِي تَدَعُ الْفُؤَادَ وَلا يَدِي
تَقْوَى عَلَى رَدِّ الْحَبِيبِ الْغَادِي
يَا دَهْرُ فِيمَ فَجَعْتَنِي بِحَلِيلَةٍ
كَانَتْ خُلاصَةَ عُدَّتي وَعَتَادِي
إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَايَ لِبُعْدِهَا
أَفَلا رَحِمْتَ مِنَ الأَسى أَوْلادِي
أَفْرَدْتَهُنَّ فَلَمْ يَنَمْنَ تَوَجُّعًا
قَرْحَى الْعُيُونِ رَوَاجِفَ الأَكْبَادِ
أَلْقَيْنَ دُرَّ عُقُودِهِنَّ وَصُغْنَ مِنْ
دُرِّ الدُّمُوعِ قَلائِدَ الأَجْيَادِ
يَبْكِينَ مِنْ وَلَهٍ فِرَاقَ حَفِيَّةٍ
كَانَتْ لَهُنَّ كَثِيرَةَ الإِسْعَادِ
فَخُدُودُهُنَّ مِنَ الدُّمُوعِ نَدِيَّةٌ
وَقُلُوبُهُنَّ مِنَ الْهُمُومِ صَوَادِي
أَسَلِيلَةَ الْقَمَرَيْنِ أَيُّ فَجِيعةٍ
حَلَّتْ لِفَقْدِكِ بَيْنَ هَذَا النَّادِي
أَعْزِزْ عَلَيَّ بِأَنْ أَرَاكِ رَهِينَةً
فِي جَوْفِ أَغْبَرَ قَاتِمِ الأَسْدَادِ
أَوْ أَنْ تَبِينِي عَنْ قَرَارَةِ مَنْزِلٍ
كُنْتِ الضِّيَاءَ لَهُ بِكُلِّ سَوَادِ
لَوْ كَانَ هَذَا الدَّهْرُ يَقْبَلُ فِدْيَةً
بِالنَّفْسِ عَنْكِ لَكُنْتُ أَوَّلَ فَادِي
أَوْ كَانَ يَرْهَبُ صَوْلَةً مِنْ فَاتِكٍ
لَفَعَلْتُ فِعْلَ الحَارِثِ بْنِ عُبَادِ
لَكِنَّهَا الأَقْدَارُ لَيْسَ بِنَاجِعٍ
فَيها سِوَى التَّسْلِيمِ وَالإِخْلادِ
فَبِأَيِّ مَقْدِرَةٍ أَرُدُّ يَدَ الأَسَى
عَنِّي وَقَدْ مَلَكَتْ عِنَانَ رَشَادِي
أَفَأَسْتَعِينُ الصَّبْرَ وَهْوَ قَسَاوَةٌ
أَمْ أَصْحَبُ السُّلْوَانَ وَهْوَ تَعَادِي
جَزَعُ الْفَتَى سِمَةُ الْوَفَاءِ وصَبْرُهُ
غَدْرٌ يَدُلُّ بِهِ عَلَى الأَحْقَادِ
وَمِنَ الْبَلِيَّةِ أَنْ يُسَامَ أَخُو الأَسَى
رَعْيَ التَّجَلُّدِ وَهْوَ غَيْرُ جَمَادِ
هَيْهَاتَ بَعْدَكِ أَنْ تَقَرَّ جَوَانِحِي
أَسَفًا لِبُعْدِكِ أَوْ يَلِينَ مِهَادِي
وَلَهِي عَلَيْكِ مُصَاحِبٌ لِمَسِيرَتِي
وَالدَّمْعُ فِيكِ مُلازِمٌ لِوِسَادِي
فَإِذَا انْتَبَهْتُ فَأَنْتِ أَوَّلُ ذُكْرَتِي
وَإِذَا أَوَيْتُ فَأَنْتِ آخِرُ زَادِي
أَمْسَيْتُ بَعْدَكِ عِبْرَةً لِذَوِي الأَسَى
فِي يَومِ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَحِدَادِ
مُتَخَشِّعًا أَمْشِي الضَّرَّاءَ كَأَنَّنِي
أَخْشَى الْفُجَاءَةَ مِنْ صِيَالِ أَعَادِي
مَا بَيْنَ حُزْنِ باطِنٍ أَكَلَ الْحَشَا
بِلَهيبِ سَوْرَتِهِ وَسُقْمٍ بَادِي
وَرَدَ الْبَرِيدُ بِغَيْرِ ما أَمَّلْتُهُ
تَعِسَ الْبَرِيدُ وشَاهَ وَجْهُ الْحَادِي
فَسَقَطْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ كَأَنَّمَا
نَهَشَتْ صَمِيمَ الْقَلْبِ حَيَّةُ وَادِي
وَيْلُمِّهِ رُزْءًا أَطَارَ نَعِيُّهُ
بِالْقَلْبِ شُعْلَةَ مَارِجٍ وَقَّادِ
قَدْ أَظْلَمَتْ مِنْهُ الْعُيُونُ كَأَنَّما
كَحَلَ الْبُكَاءُ جُفُونَها بِقَتَادِ
عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ عَلَيَّ بِقَدْرِ مَا
عَظُمَتْ لَدَيَّ شَمَاتَةُ الْحُسَّادِ
لامُوا عَلَى جَزَعِي وَلَمَّا يَعْلَمُوا
أَنَّ الْمَلَامَةَ لا تَرُدُّ قِيَادِي
فَلَئِنْ لَبِيدُ قَضَى بِحَوْلٍ كَامِلٍ
فِي الْحُزْنِ فَهْوَ قَضَاءُ غَيْرِ جَوَادِ
لَبِسَ الزَّمَانَ عَلَى اخْتِلافِ صُرُوفِهِ
دُوَلًا وَفَلَّ عَرَائِكَ الآبَادِ
كَمْ بَيْنَ عَادِيٍّ تَمَلَّى عُمْرَهُ
حِقَبًا وَبَيْنَ حَدِيثَةِ الْمِيلَادِ
هَذَا قَضَى وَطَرَ الْحَيَاةِ وَتِلْكَ لَمْ
تَبْلُغْ شَبِيبَةَ عُمْرِهَا الْمُعْتَادِ
فَعَلامَ أَتْبَعُ مَا يَقُولُ وَحُكْمُهُ
لا يَسْتَوِي لِتَبَايُنِ الأَضْدَادِ
سِرْ يَا نَسِيمُ فَبَلِّغِ الْقَبْرَ الَّذِي
بِحِمَى الإِمَامِ تَحِيَّتِي ووِدَادِي
أَخْبِرْهُ أَنِّي بَعْدَهُ فِي مَعْشَرٍ
يَسْتَجْلِبُونَ صَلاحَهُمْ بِفَسَادِي
طُبِعُوا عَلَى حَسَدٍ فَأَنْتَ تَرَاهُمُ
مَرْضَى الْقُلُوبِ أَصِحَّةَ الأَجْسَادِ
وَلَوَ انَّهُمْ عَلِمُوا خَبِيئَةَ مَا طَوَى
لَهُمُ الرَّدَى لَمْ يَقْدَحُوا بِزِنادِ
كُلُّ امْرِئٍ يَومًا مُلاقٍ رَبَّهُ
والنَّاسُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مِيعَادِ
وَكَفَى بِعَادِيَةِ الْحَوَادِثِ مُنْذِرًا
لِلْغَافِلِينَ لَوِ اكْتَفُوا بِعَوَادِي
فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ نَظْرَةَ عَاقِلٍ
لِمَصَارِعِ الآباءِ وَالأَجْدَادِ
عَصَفَ الزَّمَانُ بِهِمْ فَبَدَّدَ شَمْلَهُمْ
فِي الأَرْضِ بَيْنَ تَهَائِمٍ وَنِجَادِ
دَهْرٌ كَأَنَّا مِنْ جَرَائِرِ سِلْمِهِ
فِي حَرِّ يَومِ كَرِيهَةٍ وَجِلادِ
أَفْنَى الْجَبَابِرَ مِنْ مَقَاوِلِ حِمْيَرٍ
وأُولي الزَّعَامَةِ مِنْ ثَمُودَ وَعَادِ
وَرَمَى قُضَاعَةَ فَاسْتَبَاحَ دِيَارَهَا
بِالسُّخْطِ مِنْ سَابُورَ ذِي الأَجْنَادِ
وَأَصَابَ عَنْ عُرْضٍ إِيادَ فَأَصْبَحَتْ
مَنْكُوسَةَ الأَعْلامِ فِي سِنْدَادِ
فَسَلِ الْمَدَائِنَ فَهْيَ مَنْجَمُ عِبْرَةٍ
عَمَّا رَأَتْ مِنْ حَاضِرٍ أَوْ بادِي
كَرَّتْ عَلَيهَا الْحَادِثَاتُ فَلَمْ تَدَعْ
إِلا بَقَايَا أَرْسُمٍ وَعِمَادِ
وَاعْكُفْ عَلَى الْهَرَمَيْنِ وَاسْأَلْ عَنْهُمَا
بَلْهِيبَ فَهْوَ خَطِيبُ ذَاكَ الْوَادِي
تُنْبِئْكَ أَلْسِنَةُ الصُّمُوتِ بِمَا جَرَى
فِي الدَّهْرِ مِنْ عَدَمٍ وَمِنْ إِيجَادِ
أُمَمٌ خَلَتْ فَاسْتَعْجَمَتْ أَخْبَارُهَا
حَتَّى غَدَتْ مَجْهُولَةَ الإِسْنَادِ
فَعَلامَ يَخْشَى الْمَرْءُ صَرْعَةَ يَوْمِهِ
أَوَلَيْسَ أَنَّ حَيَاتَهُ لِنَفَادِ
تَعَسَ امْرُؤٌ نَسِيَ الْمَعَادَ وَمَا دَرَى
أَنَّ الْمَنُونَ إِلَيهِ بِالْمِرْصَادِ
فَاسْتَهْدِ يَا مَحْمُودُ رَبَّكَ وَالْتَمِسْ
مِنْهُ الْمَعُونَةَ فَهْوَ نِعْمَ الْهَادِي
وَاسْأَلْهُ مَغْفِرَةً لِمَنْ حَلَّ الثَّرَى
بِالأَمْسِ فَهْوَ مُجِيبُ كُلِّ مُنَادِي
هِيَ مُهْجَةٌ وَدَّعْتُ يَوْمَ زِيَالِهَا
نَفْسِي وَعِشْتُ بِحَسْرَةٍ وَبِعَادِ
تَاللهِ ما جَفَّتْ دُمُوعِي بَعْدَمَا
ذَهَبَ الرَّدَى بِكِ يَا بْنَةَ الأَمْجَادِ
لا تَحْسَبِينِي مِلْتُ عَنْكِ مَعَ الْهَوَى
هَيْهَاتَ مَا تَرْكُ الْوَفَاءِ بِعَادِي
قَدْ كِدْتُ أَقْضِي حَسْرَةً لَوْ لَمْ أَكُنْ
مُتَوَقِّعًا لُقْيَاكِ يَوْمَ مَعَادِي
فَعَلَيْكِ مِنْ قَلْبِي التَّحِيَّةُ كُلَّمَا
نَاحَتْ مُطَوَّقَةٌ عَلَى الأَعْوَادِ
كَيفَ طَوَتْكَ الْمَنُونُ يَا وَلَدِي
وَكَيفَ أَوْدَعْتُكَ الثَّرَى بِيَدِي
وَا كَبِدِي يَا عَلِيُّ بَعْدَكَ لَوْ
كَانَتْ تَبُلُّ الْغَلِيلَ وَا كَبِدِي
فَقْدُكَ سَلَّ الْعِظَامَ مِنِّي وَرَد
الصَّبْرَ عَنِّي وَفَتَّ فِي عَضُدِي
كَمْ لَيْلَةٍ فِيكَ لا صَبَاحَ لَهَا
سَهِرْتُهَا بَاكِيًا بِلَا مَدَدِ
دَمْعٌ وَسُهْدٌ وَأَيُّ نَاظِرَةٍ
تَبْقَى عَلَى الْمَدْمَعَيْنِ وَالسَّهَدِ
لَهْفِي عَلَى لمحةِ النَّجَابَةِ لَوْ
دَامَتْ إِلَى أَنْ تَفُوزَ بِالسَّدَدِ
مَا كُنْتُ أَدْرِي إِذْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيـ
ـكَ الْعَيْنَ أَنَّ الْحِمَامَ بِالرَّصَدِ
فَاجَأَنِي الدَّهْرُ فِيكَ مِنْ حَيثُ لا
أَعْلَمُ خَتْلا وَالدَّهْرُ كَالأَسَدِ
لَوْلا اتِّقَاءُ الْحَيَاءِ لاعْتَضْتُ بِالـ
ـحِلْمِ هُيَامًا يَحِيقُ بِالْجَلَدِ
لَكِنْ أَبَتْ نَفْسِي الْكَرِيمَةُ أَنْ
أَثْلِمَ حَدَّ الْعَزَاءِ بِالْكَمَدِ
فَلْيَبْكِ قَلْبِي عَلَيكَ فَالْعَيْنُ لا
تَبْلُغُ بِالدَّمْعِ رُتْبَةَ الْخَلَدِ
إِنْ يَكُ أَخْنَى الرَّدَى عَلَيكَ فَقَدْ
أَخْنَى أَلِيمُ الضَّنَى عَلَى جَسَدِي
عَلَيكَ مِنِّي السَّلامُ تَودِيعَ لا
قَالٍ وَلَكِنْ تَودِيعَ مُضْطَهَدِ
وقال في صِباهُ يَرْثِي وَالِدَهُ: (من البسيط)
لا فَارِسَ الْيَوْمَ يَحْمِي السَّرْحَ بِالْوَادِي
طَاحَ الرَّدَى بِشِهَابِ الْحَرْبِ وَالنَّادِي
مَاتَ الَّذِي تَرْهَبُ الأَقْرَانُ صَوْلَتَهُ
وَيَتَّقِي بَأْسَهُ الضِّرْغَامَةُ الْعَادِي
هَانَتْ لِمَيْتَتِهِ الدُّنْيَا وَزَهَّدَنَا
فَرْطُ الأَسَى بَعْدَهُ فِي الْمَاءِ وَالزَّادِ
هَلْ لِلْمَكَارِمِ مَنْ يُحْيِي مَنَاسِكَهَا
أَمْ لِلضَّلالَةِ بَعْدَ الْيَوْمِ مِنْ هَادِي
جَفَّ النَّدَى وَانْقَضَى عُمْرُ الْجَدَا وَسَرَى
حُكْمُ الرَّدَى بَيْنَ أَرْوَاحٍ وَأَجْسَادِ
فَلْتَمْرَحِ الْخَيْلُ لَهْوًا فِي مَقَاوِدِهَا
وَلْتَصْدَأِ الْبِيضُ مُلْقَاةً بِأَغْمَادِ
مَضَى وَخَلَّفَنِي فِي سِنِّ سَابِعَةٍ
لا يَرْهَبُ الْخَصْمُ إِبْرَاقِي وَإِرْعَادِي
إِذَا تَلَفَّتُّ لَمْ أَلْمَحْ أَخَا ثِقَةٍ
يَأْوِي إِلَيَّ وَلا يَسْعَى لإِنْجَادِي
فَالْعَيْنُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دَمْعِهَا وَزَرٌ
وَالْقَلْبُ لَيْسَ لَهُ مِنْ حُزْنِهِ فَادِي
فَإِنْ أَكُنْ عِشْتُ فَرْدًا بَيْنَ آصِرَتِي
فَهَا أَنَا الْيَوْمَ فَرْدٌ بَيْنَ أَنْدَادِي
بَلَغْتُ مِنْ فَضْلِ رَبِّي مَا غَنِيتُ بِهِ
عَنْ كُلِّ قَارٍ مِنَ الأَمْلَاكِ أَوْ بَادِي
فَمَا مَدَدْتُ يَدِي إِلا لِمَنْحِ يَدٍ
وَلا سَعَتْ قَدَمِي إِلا لإِسْعَادِ
تَبِعْتُ نَهْجَ أَبِي فَضْلًا وَمَحْمِيَةً
حَتَّى بَرَعْتُ وَكَانَ الْفَضْلُ لِلْبَادِي
أَبِي وَمَنْ كَأَبِي فِي الْحَيِّ نَعْلَمُهُ
أَوْفَى وَأَكْرَمُ فِي وَعْدٍ وَإِيعادِ
مُهَذَّبُ النَّفْسِ غَرَّاءٌ شَمائِلُهُ
بَعِيدُ شَأْوِ الْعُلا طَلاعُ أَنْجَادِ
قَدْ كَانَ لِي وَزَرًا آوِي إِلَيهِ إِذَا
غَاضَ الْمَعِينُ وَجَفَّ الزَّرْعُ بِالوَادِي
لا يَسْتَبِدُّ بِرَأْيٍ قَبْلَ تَبْصِرَةٍ
وَلا يَهُمُّ بِأَمْرٍ قَبْلَ إِعْدَادِ
تَرَاهُ ذَا أُهْبَةٍ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ
كَاللَّيْثِ مُرْتَقِبًا صَيْدًا بِمِرْصَادِ
وَقَال وَهُوَ بِسَرَنْدِيبَ يَتَشَوَّقُ إلَى مِصْرَ: (من الطويل)
تَرَحَّلَ مِنْ وَادِي الأَرَاكَةِ بِالْوَجْدِ
فَبَاتَ سَقِيمًا لا يُعِيدُ وَلا يُبْدِي
سَقِيمًا تَظَلُّ الْعَائِدَاتُ حَوَانِيًا
عَلَيهِ بِإِشْفَاقٍ وَإِنْ كَانَ لا يُجْدِي
يَخَلْنَ بِهِ مَسًّا أَصَابَ فُؤَادَهُ
وَلَيْسَ بِهِ مَسٌّ سِوَى حُرَقِ الْوَجْدِ
بِهِ عِلَّةٌ إِنْ لَمْ تُصِبْهَا سَلامَةٌ
مِنَ اللهِ كَادَتْ نَفْسُ حَامِلِهَا تُرْدِي
وَمِنْ عَجَبِ الأَيَّامِ أَنِّي مُولَعٌ
بِمَنْ لَيْسَ يَعْنِيهِ بُكَائِي وَلا سُهْدِي
أَبِيتُ عَلِيلا في سَرَنْدِيبَ سَاهِرًا
أُعَالِجُ مَا أَلْقَاهُ مِنْ لَوْعَتِي وَحْدِي
أَدُورُ بِعَيْنِي لا أَرَى وَجْهَ صَاحِبٍ
يَرِيعُ لِصَوتِي أَوْ يَرِقُّ لِمَا أُبْدِي
وَمِمَّا شَجَانِي بَارِقٌ طَارَ مَوْهِنًا
كَمَا طَارَ مُنْبَثُّ الشَّرَارِ مِنَ الزَّنْدِ
يُمَزِّقُ أَسْتَارَ الدُّجُنَّةِ ضَوْءُهُ
فَيَنْسِلُهَا مَا بَيْنَ غَوْرٍ إِلَى نَجْدِ
أَرِقْتُ لَهُ وَالشُّهْبُ حَيْرَى كَلِيلَةٌ
مِنَ السَّيرِ وَالآفَاقُ حَالِكَةُ الْبَرْدِ
فَبِتُّ كَأَنِّي بَيْنَ أَنْيَابِ حَيَّةٍ
مِنَ الرُّقْطِ أَوْ فِي بُرْثُنَيْ أَسَدٍ وَرْدِ
أُقَلِّبُ طَرْفِي وَالنُّجُومُ كَأَنَّها
قَتِيرٌ مِنَ اليَاقُوتِ يَلْمَعُ فِي سَرْدِ
وَلا صَاحِبٌ غَيْرُ الْحُسامِ مَنُوطَةٌ
حَمَائِلُهُ مِنِّي عَلَى عَاتِقٍ صَلْدِ
إِذَا حَرَّكَتْهُ رَاحَتِي لِمُلِمَّةٍ
تَطَلَّعَ نَحْوِي يَشْرَئِبُّ مِنَ الْغِمْدِ
أَشَدُّ مَضَاءً مِنْ فُؤَادِي عَلَى الْعِدَا
وَأَبْطَأُ نَصْرِي عَلَى الشَّوْقِ مِنْ فِنْدِ
أَقُولُ لَهُ وَالْجَفْنُ يَكْسُو نِجَادَهُ
دُمُوعًا كَمُرْفَضِّ الْجُمَانِ مِنَ الْعِقْدِ
لَقَدْ كُنْتَ لِي عَوْنًا عَلَى الدَّهْرِ مَرَّةً
فَمَا لِي أَرَاكَ الْيَوْمَ مُنْثَلِمَ الْحَدِّ
فَقَالَ إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ سَوْرَةَ الْهَوَى
وَأَنْتَ جَلِيدُ الْقَوْمِ مَا أَنَا بِالْجَلْدِ
وَهَلْ أَنَا إِلا شِقَّةٌ مِنْ حَدِيدَةٍ
أَلَحَّ عَلَيهَا الْقَيْنُ بِالطَّرْقِ وَالْحَدِّ
فَمَا كُنْتُ لَوْلا أَنَّنِي وَاهِنُ الْقُوَى
أُعَلَّقُ فِي خَيْطٍ وَأُحْبَسُ فِي جِلْدِ
فَدُونَكَ غَيرِي فَاسْتَعِنْهُ عَلَى الْجَوَى
وَدَعْنِي مِنَ الشَّكْوَى فَدَاءُ الْهَوَى يُعْدِي
خَلِيلَيَّ هَذَا الشَّوْقُ لا شَكَّ قَاتِلِي
فَمِيلَا إِلَى الْمِقْيَاسِ إِنْ خِفْتُمَا فَقْدِي
فَفِي ذَلِكَ الْوَادِي الَّذِي أَنْبَتَ الْهَوَى
شِفَائِي مِنْ سُقْمِي وَبُرْئِيَ مِنْ وَجْدِي
مَلاعِبُ لَهْوٍ طَالَمَا سِرْتُ بَيْنَهَا
عَلَى أَثَرِ اللَّذَّاتِ فِي عِيشَةٍ رَغْدِ
إِذَا ذَكَرَتْهَا النَّفْسُ سَالَتْ مِنَ الأَسَى
مَعَ الدَّمْعِ حَتَّى لا تُنَهْنَهُ بِالرَّدِّ
فَيَا مَنْزِلًا رَقْرَقْتُ مَاءَ شَبِيبَتِي
بِأَفْنَائِهِ بَيْنَ الأَرَاكَةِ وَالرَّنْدِ
سَرَتْ سَحَرًا فَاسْتَقْبَلَتْكَ يَدُ الصَّبَا
بِأَنْفَاسِهَا وَانْشَقَّ فَجْرُكَ بِالْحَمْدِ
وَزَرَّ عَلَيْكَ الأُفْقُ طَوْقَ غَمَامَةٍ
خَضِيبَةِ كَفِّ الْبَرْقِ حَنَّانَةِ الرَّعْدِ
فَلَسْتُ بِنَاسٍ لَيْلَةً سَلَفَتْ لَنَا
بِوَادِيهِ وَالدُّنْيَا تَغُرُّ بِمَا تُسْدِي
إِذِ الْعَيْشُ رَيَّانُ الأَمَالِيدِ وَالْهَوَى
جَدِيدٌ وَإِذْ لَمْيَاءُ صَافِيَةُ الْوُدِّ
مُنَعَّمَةٌ لِلْبَدْرِ مَا فِي قِنَاعِهَا
وَلِلْغُصْنِ ما دَارَتْ بِهِ عُقْدَةُ الْبَنْدِ
سَبَتْنِي بِعَيْنَيْهَا وَقَالَتْ لِتِرْبِهَا
أَلا مَا لِهَذَا الْغِرِّ يَتْبَعُنِي قَصْدِي
وَلَم تَدْرِ ذَاتُ الْخَالِ وَالْحُبُّ فَاضِحٌ
بِأَنَّ الَّذِي أُخْفِيهِ غَيْرُ الَّذِي أُبْدِي
حَنَانَيْكِ إِنَّ الرَّأْيَ حَارَ دَلِيلُهُ
فَضَلَّ وَعَادَ الْهَزْلُ فِيكِ إِلَى الْجِدِّ
فَلا تَسْأَلِي مِنِّي الزِّيَادَةَ فِي الْهَوَى
رُوَيْدًا فَهَذَا الْوَجْدُ آخِرُ مَا عِنْدِي
وَهَأَنَا مُنْقَادٌ كَمَا حَكَمَ الْهَوَى
لِأَمْرِكِ فَاخْشَيْ حُرْمَةَ اللهِ وَالْمَجْدِ
فَلَوْ قُلْتِ قُمْ فَاصْعَدْ إِلَى رَأْس شَاهِقٍ
وَأَلْقِ إِذَا أَشْرَفْتَ نَفْسَكَ لِلْوَهْدِ
لَأَلْقَيْتُهَا طَوْعًا لَعَلَّكِ بَعْدَها
تَقُولِينَ حَيَّا اللهُ عَهْدَكَ مِنْ عَهْدِ
سَجِيَّةُ نَفْسٍ لا تَخُونُ خَلِيلَهَا
وَلا تَرْكَبُ الأَهْوَالَ إِلا عَلَى عَمْدِ
وَإِنِّي لَمِقْدَامٌ عَلَى الْهَوْلِ وَالرَّدَى
بِنَفْسِي وَفِي الإِقْدَامِ بِالنَّفْسِ مَا يُرْدِي
وَإِنِّي لَقَوَّالٌ إِذَا الْتَبَسَ الْهُدَى
وَجَارَتْ حُلُومُ الْقَومِ عَنْ سَنَنِ الْقَصْدِ
فَإِنْ صُلْتُ فَدَّانِي الْكَمِيُّ بِنَفْسِهِ
وَإِنْ قُلْتُ لَبَّانِي الْوَلِيدُ مِنْ الْمَهْدِ
وَلِي كُلُّ مَلْسَاءِ الْمُتُونِ غَرِيبَةٍ
إِذَا أُنْشِدَتْ أَفْضَتْ لِذِكْرِ بَنِي سَعْدِ
أَخَفُّ عَلَى الأَسْمَاعِ مِنْ نَغَمِ الْحُدَا
وَأَلْطَفُ عِنْدَ النَّفْسِ مِنْ زَمَنِ الْوَرْدِ
مُخَدَّرَةٌ تَمْحُو بِأَذْيَالِ حُسْنِهَا
أَسَاطِيرَ مَنْ قَبْلِي وَتُعْجِزُ مَنْ بَعْدِي
كَذَلِكَ إِنِّي قَائِلٌ ثُمَّ فَاعِلٌ
فِعَالِي وَغَيرِي قَدْ يُنِيرُ وَلا يُسْدِي
وقال أَيْضًا وهو في سرنديب يتشوق إلى مصر: (من مجزوء البسيط)
هَلْ لِسَلامِ الْعَلِيلِ رَدُّ
أَمْ لِصَبَاحِ اللِّقَاءِ وَعْدُ
أَبِيتُ أَرْعَى الدُّجَى بِعَيْنٍ
غِذَاؤُهَا مَدْمَعٌ وَسُهْدُ
لا صَاحِبٌ إِنْ شَكَوْتُ حَالِي
يَرْثِي وَلا سَامِعٌ يَرُدُّ
بَيْنَ قِنَانٍ عَلَى ثَرَاها
مِنْ سُتُراتِ الْغَمَامِ بُرْدُ
أَظَلُّ فِيهَا أَنُوحُ فَرْدًا
وَكُلُّ نَائِي الدِّيَارِ فَرْدُ
فَمَنْ لِقَلْبِي بِظَبْيِ وَادٍ
بَيْنَ وَشِيجِ الرِّمَاحِ يَعْدُو
صَارَ بِحُكْمِ الْهَوَى مَلِيكِي
وَمَا لِحُكْمِ الْهَوَى مَرَدُّ
يَا سَعْدُ قُلْ لِي فَأَنْتَ أَدْرَى
مَتَى رِعَانُ الْعَقِيقِ تَبْدُو
أَشْتَاقُ نَجْدًا وَسَاكِنيهِ
وَأَيْنَ مِنِّي الْغَدَاةَ نَجْدُ
ذَابَ فُؤَادِي بِحُبِّ لَيْلَى
يَا لِفُؤَادٍ بَرَاهُ وَجْدُ
فَكَيْفَ أُمْسِي بِغَيرِ قَلْبٍ
يَا نُورَ عَيْنِي وَكَيفَ أَغْدُو
لِكُلِّ شَيءٍ وَإِنْ تَمَادَى
حَدٌّ وَمَا لِلْغَرَامِ حَدُّ
فَلَيْسَ قَبْلَ الْغَرَامِ قَبْلٌ
وَلَيْسَ بَعْدَ الْغَرَامِ بَعْدُ
فَهَلْ لِنَيْلِ الْوِصَالِ يَوْمًا
بَعْدَ مَدِيدِ الصُّدُودِ عَهْدُ
وَهَلْ أَرَانِي رَفِيقَ حَادٍ
بِمَدْحِ خَيْرِ الأَنَامِ يَحْدُو
عَسَى إِلَهِي يَفُكُّ أَسْرِي
فَهْوَ فَعُولٌ لِمَا يَوَدُّ
أَنَسِيمٌ سَرَى بِنَفْحَةِ رَنْدِ
أَمْ رَسُولٌ أَدَّى تَحِيَّةَ هِنْدِ؟
أَطْرَبَتْنِي أَنْفَاسُهُ فَكَأَنِّي
مِلْتُ سُكْرًا مِنْ جُرْعَةٍ مِنْ بِرَنْدِي
وَأَخُو الْوَجْدِ لا يَزَالُ طَرُوبًا
يَتْبَعُ الشَّوْقَ بَيْنَ سَهْلٍ وَفِنْدِ
طَالَ شَوْقِي إِلَى الدِّيَارِ وَلَكِنْ
أَيْنَ مِنْ مِصْرَ مَنْ أَقَامَ بِكَنْدِي
حَبَّذَا النِّيلُ حِينَ يَجْرِي فَيُبْدِي
رَوْنَقَ السَّيفِ وَاهْتِزَازَ الْفِرِنْدِ
تَتَثَنَّى الْغُصُونُ فِي حَافَتَيْهِ
كَالْعَذَارَى يَسْحَبْنَ وَشْيَ الْفِرِنْدِ
قَلَّدَتْهَا يَدُ الْغَمَامِ عُقُودًا
هِيَ أَبْهَى مِنْ كُلِّ عِقْدٍ وَبَنْدِ
كَيْفَ لا تَهْتِفُ الْحَمَامُ عَلَيْهِ
وَهْيَ تُسْقَى بِهِ سُلافَةَ قَنْدِ
هُوَ مَرْمَى نَبْلِي وَمَلْعَبُ خَيْلِي
وَحِمَى أُسْرَتِي وَمَرْكَزُ بَنْدِي
كُلَّمَا صَوَّرَتْهُ نَفْسِي لِعَيْنِي
قَدَحَ الشَّوْقُ فِي الْفُؤَادِ بِزَنْدِ
لِي بِهِ صَاحِبٌ عَلَيَّ عَزِيزٌ
مِثْلُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الشَّوْقِ عِنْدِي
أَتَمَنَّاهُ غَيرَ أَنَّ فُؤَادِي
مِنْ إِسَارِ النَّوَى مُحَاطٌ بِجُنْدِ
فَاهْدِ مِنِّي لَهُ تَحِيَّةَ صِدْقٍ
وَتَلَطَّفْ بِحَالَتِي يَا أَفَنْدِي
أَنَا وَاللهِ مُغْرَمٌ بِهَواهُ
حَيثُمَا دُرْتُ بَيْنَ هِنْدٍ وَسِنْدِ
إِنَّ شَوْقِي إِلَيهِ أَسْرَعُ شَأْوًا
مِنْ سُلَيْكٍ وَالْوَصْلُ فِي بُطْءِ فِنْدِ
أَسْأَلُ الدَّهْرَ نِعْمَةَ الْقُرْبِ مِنْهُ
وَهْوَ كَرٌّ بِنِعْمَةٍ لَيْسَ يُنْدِي
لَوْ سِوَى الدَّهْرِ رَامَ غَبْنِي لأَصْحَرْ
تُ مُشِيحًا بِالنَّصْلِ فَوقَ سَمَنْدِ
لَسْتُ أَقْوَى عَلَى الزَّمَانِ وَإِنْ كُنـ
ـتُ أَفُلُّ الْعِدا بِقُوَّةِ زَنْدِي
أَرَى نَفْحَةً دَلَّتْ عَلَى كَبِدِي الْوَجْدَا
فَمَنْ كَانَ بِالْمِقْيَاسِ أَقْرَبَكُمُ عَهْدَا
مَلاعِبُ آرامٍ وَمَجْرَى جَدَاوِلٍ
وَمُلْتَفُّ أَفْنَانٍ تَقِي الْحَرَّ وَالْبَرْدَا
إِذَا انْبَعَثَتْ فِيهِ النَّسَائِمُ خِلْتَهَا
تُنِيرُ عَلَى مَتْنِ الْغَدِيرِ بِهِ بُرْدَا
كَأَنَّ الصَّبَا تُلْقَى عَلَيهِ إِذَا جَرَتْ
مَسَائِلُ فِي الأَرْقَامِ أَوْ تَلْعَبُ النَّرْدَا
أَقَامَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ فِي حَجَراتِهَا
وَأَسْدَى لَهَا مِنْ نِعْمَةِ النِّيلِ مَا أَسْدَى
فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ صَبْوَةٍ كَانَ لِي بِهَا
رَوَاحٌ إِلَى حُسَّانَةِ الْجِيدِ أَوْ مَغْدَى
إِذِ الدَّهْرُ لَمْ يُخْفِرْ ذِمَامًا وَلَمْ يَخُنْ
نِظَامًا وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَى ذِي هَوًى حِقْدَا
تَدُورُ عَلَينَا بِالأَحَاظِي شُمُوسُهُ
وَتُمْسِي عَلَينَا طَيْرُ أَنْجُمِهِ سَعْدَا
وَيَا رُبَّ لَيلٍ لَفَّنَا بِرِدَائِهِ
عِنَاقًا كَمَا لَفَّ الصَّبَا الْبَانَ وَالرَّنْدَا
وَلَثْمٍ تَوَالَى إثْرَ لَثْمٍ بِثَغْرِهَا
كَمَا شَافَهَ الْبَازِي عَلَى ظَمَأٍ وِرْدَا
فَتَاةٌ كَأَنَّ اللهَ صَوَّرَ لَحْظَهَا
لِيَهْتِكَ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ بِهِ عَمْدَا
لَهَا عَبَثَاتٌ عِنْدَ كُلِّ تَحِيَّةٍ
تَسُوقُ إِلَيْهَا عَنْ فَرَائِسِهَا الأُسْدَا
إِذَا انْفَتَلَتْ بِالْكَأْسِ خِلْتَ بَنَانَها
تُدِيرُ عَلَيْنَا مِنْ جَنَى خَدِّهَا وَرْدَا
وَمَا أَنْسَهُ لا أَنْسَ يَوْمًا تَسَابَقَتْ
بِهِ عَبْرَتَاهَا وَالنَّوَى تَصْدَعُ الصَّلْدَا
فَلَمْ أَرَ لَحْظًا كَانَ أَقْتَلَ بَاكِيًا
وَأَمْضَى الظُّبَا فِي الْفَتْكِ مَا سَالَ إِفْرِنْدَا
حَرَامٌ عَلَى الْعَيْنَينِ إِنْ لم تَسِلْ دَمًا
عَلَى بَيْنِهَا وَالْقَلْبِ إِنْ لَمْ يَذُبْ وَقْدَا
فَيَا قَلْبُ مَا أَشْجَى إِذَا الدَّارُ بَاعَدَتْ
وَيَا دَمْعُ مَا أَجْرَى وَيَا بَيْنُ مَا أَرْدَى
وَيَا صَاحِبِي الْمَذْخُورَ لِلسِّرِّ إِنَّنِي
ضَلَلْتُ فَهَلْ مِنْ وَثْبَةٍ تُكْسِبُ الْحَمْدَا
حَلَفْتُ بِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ نِقَابُهَا
وَيَا لَكَ حَلْفًا مَا أَرَقَّ وَمَا أَنْدَى
بِأَلا تَفِيء الْعَيْنُ عَنْ سُنَّةِ الْبُكَى
وَأَلا تَرِيعَ النَّفْسُ إِنْ لَمْ تَمُتْ وَجْدَا
وَكَيفَ يُفِيقُ الْقَلْبُ مِنْ سَوْرَةِ الْهَوَى
وَقَدْ مَدَّهُ سِحْرُ الْعُيُونِ بِمَا مَدَّا
وَمَا كُنْتُ لَوْلا الْعَذْلُ أُبْدِي خَفِيَّةً
وَلَكِنْ تَوَالِي الْقَدْحِ يَسْتَرْعِفُ الزَّنْدَا
وَمَنْ لِي بِأَنَّ الْقَلْبَ يَكْتُمُ وَجْدَهُ
وَكَيفَ تُسَامُ النَّارُ أَنْ تَكْتُمَ النَّدَّا
فَلا وَصْلَ إِلا ذُكْرَةٌ تَبْعَثُ الأَسَى
عَلَى النَّفْسِ حَتَّى لا تُطِيقَ لَهُ رَدَّا
أَبِيتُ قَرِيحَ الْجَفْنِ لا أَعْرِفُ الْكَرَى
طَوالَ اللَّيالِي وَالْجَوَانِحُ لا تَهْدَا
فَيَأَيُّهَا النُّوَّامُ وَالشَّوقُ عَازِرٌ
إِلا أَحَدٌ يَشْرِي بِغَفْوَتِهِ السُّهْدَا
لَقَدْ ذَلَّ مَنْ يَبْغِي مِنَ النَّاسِ نَاصِرًا
وَقَد خَابَ مَنْ يَجْنِي مِنَ الأَرْقَمِ الشَّهْدَا
فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعْ بِشِيمَةِ صَاحِبٍ
فَمَنْ ظَنَّ خَيْرًا بِالزَّمَانِ فَقَدْ أَكْدَى
فَقَدْ طَالَمَا جَرَّبْتُ خِلًّا فَمَا رَعَى
وَحِلْفًا فَمَا أَوْفَى وَعَوْنًا فَمَا أَجْدَى
وَمَا النَّاسُ إِلا طَالِبٌ غَيْرُ وَاجِدٍ
لِمَا يَبْتَغِي أَوْ وَاجِدٌ أَخْطَأ الْقَصْدَا
فَلا تَحْسَبَنَّ النَّاسَ أَبْنَاءَ شِيمَةٍ
فَمَا كُلُّ مَمْدُودِ الْخُطَا بَطَلًا جَعْدَا
ودعا لعبادة الخالق والنظر إلى أسرار الحياة والتمتع بها فقال: (من السريع):
مَنْ قَلَّدَ الزَّهْرَ جُمَانَ النَّدَى
وَأَلْهَمَ الْقُمْرِيَّ حَتَّى شَدَا
وَزَيَّنَ الأَرْضَ بِأَلْوَانِهَا
وَصَوَّرَ الأَبْيَضَ وَالأَسْوَدَا
سُبْحَانَ مَنْ أَبْدَعَ فِي مُلْكِهِ
حَتَّى بَدَا مِنْ صُنْعِهِ مَا بَدَا
تَنَزَّهَتْ عَنْ صِفَةٍ ذَاتُهُ
وَقَامَ فِي لاهُوتِهِ أَوْحَدَا
فَاسْجُدْ لَهُ وَاقْصِدْ حِمَاهُ تَجِدْ
رَبًّا كَرِيمَا وَمَلِيكًا هَدَى
فَقُمْ بِنَا يَا صَاحِ نَزْعَ النَّدَى
وَنَسْأَلِ اللهَ عَمِيمَ النَّدَى
أَمَا تَرَى كَيْفَ اسْتَحَارَ الدُّجَى
وَكَيفَ ضَلَّ النَّجْمُ حَتَّى اهْتَدَى
وَلاحَ خَيْطُ الْفَجْرِ فِي سُحْرَةٍ
كَصَارِمٍ فِي قَسْطَلٍ جُرِّدَا
فَالْجَوُّ قَدْ بَاحَ بِمَكْنُونِهِ
وَالأَرْضُ قَدْ أَنْجَزَتِ الْمَوْعِدَا
غَمَامَةٌ أَلْقَتْ بِأَفْلاذِهَا
وَجَدْوَلٌ مَدَّ إِلَينَا يَدَا
فَانْهَضْ وَسِرْ وَانْظُرْ وَمِلْ وَابْتَهِجْ
وَامْرَحْ وَطِبْ وَاشْرَبْ لِتُرْوِي الصَّدَى
وَلا تَسَلْ عَنْ خَبَرٍ لَمْ يَحِنْ
مِيقَاتُهُ وَانْظُرْ إِلَى الْمُبْتَدَا
وَلا تَلُمْ خِلا عَلَى هَفْوَةٍ
فَقَلَّمَا تَلْقَى فَتًى أَمْجَدَا
لَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ مَا أَضْمَرَتْ
أَحْبَابُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ الْعِدَا
فَدَعْ بَنِي الدُّنْيَا لِأَهْوَائِهِمْ
وَلَا تُطِعْ مَنْ لَامَ أَوْ فَنَّدَا
مَا لِي وَلِلنَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ
كُلُّ امْرِئٍ رَهْنُ حِسَابٍ غَدَا
هَلْ هِيَ إِلا مُدَّةٌ تَنْقَضِي
وَكُلُّ نَفْسٍ خُلِقَتْ لِلرَّدَى
فَاسْتَعْمِلِ الرِّفْقَ تَعِشْ رَاشِدًا
وَاعْطِفْ عَلَى الأَدْنَى تَكُنْ سَيِّدَا
وَاسْعَ لِمَا أَنْتَ لَهُ فَالْفَتَى
إِنْ هَجَرَ الرَّاحَةَ حَازَ الْمَدَى
مَا خَلَقَ اللهُ الْوَرَى بَاطِلًا
لِيَرْتَعُوا بَيْنَ الْبَوَادِي سُدَى
فَاقْبَلْ وَصَاتِي وَاسْتَمِعْ حِكْمَتِي
فَلَيْسَ مَنْ أَغْوَى كَمْنَ أَرْشَدَا
إِنِّي وَإِنْ كُنْتُ أَخَا صَبْوَةٍ
وَمِسْمَعٍ يُطْرِبُنِي مَنْ شَدَا
فَقَدْ أَزُورُ اللَّيْثَ فِي غَابِهِ
وَأَهْبِطُ الأَرْضَ عَلَيهَا النَّدَى
وَأَصْدَعُ الْخَصْمَ وَمَا خِلْتُنِي
أَصْدَعُ إِلا الْبَطَلَ الأَصْيَدَا
بِلَهْذَمٍ لَيْسَتْ لَهُ صَعْدَةٌ
لَكِنَّهُ يَمْضِي إِذَا سُدِّدَا
أَوْ صَارِمٍ يَفْرِي نِيَاطَ الْكُلَى
وَلَمْ يَزَلْ فِي جَفْنِهِ مُغْمَدَا
مَاضِي الْغِرَارَيْنِ وَلَكِنَّهُ
لا يَعْرِفُ الصَّيْقَلَ وَالْمِبْرَدَا
أَوْ مِشْقَصٍ إِنْ فَوَّقَتْ نَصْلَهُ
إِلَى امْرِئٍ غَيْرُ يَدٍ أَقْصَدَا
أَو طَائِرٍ فِي وَكْرِهِ جَاثِمٍ
يَشُوقُ إِنْ هَيْنَمَ أَو غَرَّدَا
لَمْ يَعْدُ كِنًّا لَمْ يَزَلْ سَاكِنًا
فِيهِ وَبَابًا دُونَهُ مُؤْصَدَا
قَدْ لَانَ إِلا أَنَّهُ إِنْ قَسَا
يَوْمَ نِضَالٍ صَدَعَ الْجَلْمَدَا
مُعْتَقَلٌ لَكِنَّهُ مُطْلَقٌ
يَجُولُ فِي مَسْكَنِهِ سَرْمَدَا
يَحْكُمُ بِالذَّوْقِ عَلَى مَا يَرَى
وَيَعْرِفُ الأَصْلَحَ وَالأَفْسَدَا
لَهُ صِحَابٌ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِ
تَنْقُلُ عَنْهُ نَبَرَاتِ الصَّدَى
فَهْوَ بِهَا مُجْتَمِعٌ شَمْلُهُ
إِنْ أَصْدَرَ الْقَوْلَ بِهَا أَوْرَدَا
مُشْتَبِهَاتُ الرَّصْفِ فِي جَوْدَةٍ
تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي جَوَّدَا
يَبِيتُ مِنْهَا وَهْوَ ذُو مِرَّةٍ
فِي رَصَفٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ نُضِّدَا
ذَاكَ لِسَانِي وَهْوَ حَسْبِي إِذَا
مَا أَبْرَقَ الْحَاسِدُ أَوْ أَرْعَدَا
مَا لِقَلْبِي مِنْ لَوْعَةٍ لَيْسَ يَهْدَا
أَوَلَمْ يَكْفِ أَنَّه ذَابَ وَجْدَا؟
وَسَمَتْنِي بِنَارِهَا الْغِيدُ حَتَّى
تَرَكَتْنِي فِي عَالَمِ الْحُبِّ فَرْدَا
فَضُلُوعِي مِنْ قَدْحَةِ الزَّنْدِ أَوْرَى
وَدُمُوعِي مِنْ صَفْحَةِ الْغَيْمِ أَنْدَى
مَا عَلَى الْبَرْقِ لَوْ تَحَمَّلَ عَنِّي
بَعْضَ مَا خَفَّ مِنْ سَلامٍ فَأَدَّى
أَيُّهَا السَّاهِرُونَ حَولَ وِسَادِي
لَسْتُ مِنْكُمْ أَوْ تَذْكُرُوا لِي نَجْدَا
وَعُهُودًا لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ مِنْهَا
لِأَخِي صَبْوَةٍ ذِمَامًا وَعَهْدَا
وَنَسِيمًا إِذَا سَرَى ضَوَّعَ الآ
فَاقَ مِسْكًا وَعَطَّرَ الْجَوَّ نَدَّا
لا تَخُوضُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ حَدِيثٍ
فَهْوَ حَسْبِي وَأَيُّ مَاءٍ كَصَدَّا
هِيَ أُحْدُوثَةٌ تُسَاقُ وَلَكِنْ
رُبَّمَا اسْتَوجَبَتْ ثَنَاءً وَحَمْدَا
آهِ مِنْ لَوعَةٍ أَطَارَتْ بِقَلْبِي
شُعْلَةً شَفَّتِ الْجَوَانِحَ وَقْدَا
كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ تَنَاهَى غَرَامِي
عَادَ مِنْهُ مَا كَانَ أَصْمَى وَأَرْدَى
يَا رَفِيقِي إِذَا عَرَانِي خَطْبٌ
وَنَصِيرِي إِذَا خَصِيمٌ تَصَدَّى
أَصْبَحَتْ حَاجَتِي إِلَيْكَ فَخُذْ لِي
بِحُقُوقِي مِنْ ظَالِمٍ قَدْ تَعَدَّى
وَجَدَ الْقَلْبَ خَالِيًا فَاحْتَوَاهُ
وَرَأَى النَّفْسَ طَوْعَهُ فَاسْتَبَدَّا
وَكَذاكَ السُّلْطَانُ إِنْ ظَنَّ بالأمـْ
ـمَةِ عَجْزًا سَطَا عَلَيْهَا وَشَدَّا
فَأَقِلْنِي مِنْ عَثْرَةِ الْحُبِّ إِنْ أُو
تِيتَ حُكْمًا أَوْ قُلْ لِقَلْبِيَ يَهْدَا
فَمِنْ الْعَارِ غَضُّ طَرْفِكَ عَنِّي
إِنَّ خَيْرَ الصِّحَابِ أَنْفَعُ وُدَّا
وَبِنَفْسِي حُلْوُ الشَّمَائِلِ مُرُّ الـ
ـهَجْرِ يُحْيِي وَصْلا وَيَقْتُلُ صَدَّا
ذُو قَوَامٍ أَعْدَى مِنَ الرُّمْحِ لِينًا
وَلِحَاظٍ أَمْضَى مِنَ السَّيْفِ حَدَّا
كَانَ قَلْبِي وَدِيعَةً عِنْدَ عَيْنَيـ
ـهِ فَآلَى بِالسِّحْرِ أَلا يُرَدَّا
مَا عَلَى قَومِهِ وَإِنْ كُنْتُ حُرَّا
أَنْ دَعَتْنِي لَهُ الْمَحَبَّةُ عَبْدَا
غُصْنُ بَانٍ قَدْ أَطْلَعَ الْحُسْنُ فِيهِ
بِيَدِ السِّحْرِ جُلَّنَارًا وَوَرْدَا
مَا هِلالُ السَّماءِ مَا الظَّبيُ مَا الْوَرْ
دُ جَنِيًّا مَا الْغُصْنُ إِذْ يَتَهَدَّى
هُوَ أَبْهَى وَجْهًا وَأَقْتَلُ أَلْحَا
ظًا وَأَنْدَى خَدًّا وَأَلْيَنُ قَدَّا
فَدَعِ اللَّوْمَ يَا عَذُولُ فَإِنِّي
لَسْتُ أَبْغِي مِنَ الْعَوَاذِلِ رُشْدَا
لا تَخَلْنِي عَلَى غَرَاتِكَ سَهْلا
أَنَا أَدْرَى بِلَوْعَتِي مِنْكَ جِدَّا
لَسْتُ أَقْوَى عَلَى الصُّدُودِ وَإِنْ كُنـ
ـتُ عَلَى سَوْرَةِ الْحَوَادِثِ جَلْدَا
إِنْ تَكُنْ رَحْمَةٌ فَنَفْسِيَ أَوْلَى
أَوْ تَكُنْ ضَلَّةٌ فَرَبِّيَ أَهْدَى
لَقَدْ طَالَ عَهْدِي بِالشَّبَابِ وَإِنَّهُ
لأَدْعَى لِشَوْقِي أَنْ يَطُولَ بِهِ عَهْدِي
تَبِيتُ عُيُونٌ بِالْكَرَى مُطْمَئِنَّةً
وَعَيْنَايَ فِي بَرْحٍ مِنَ الدَّمْعِ وَالسُّهْدِ
فَلَيْتَ الَّذِي حَازَ الشَّبِيبَةَ رَدَّهَا
وَلَيْتَ الَّذِي أَهْدَى لَنَا الشَّيْبَ لَمْ يُهْدِ
كَأَنِّي وَقَدْ جَاوَزْتُ سِتِّينَ حِجَّةً
مَسَحْتُ بِهَا عَنْ نَاظِرِي سِنَةَ الْفَهْدِ
فَسُحْقًا لِدَارٍ لا يَدُومُ نَعِيمُها
وَتَبًّا لِخِلٍّ لا يَدُومُ عَلَى الْعَهْدِ
وَكَيفَ يَلَذُّ الْمَرْءُ بِالْعَيشِ بَعْدَمَا
رَأَى أَنَّ سُمَّ الْمَوتِ فِي ذَلِكَ الشَّهْدِ
إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَضِدِّهَا
سِوَى مُهْلَةٍ فَاللَّحْدُ أَشْبَهُ بِالْمَهْدِ
وَلِلْمَوْتِ أَسْبَابٌ يَنَالُ بِهَا الْفَتَى
فَمَنْ بَاتَ فِي نَجْدٍ كَمَنْ بَاتَ فِي وَهْدِ
وَكُلُّ امْرِئٍ فِي النَّاسِ لاقٍ حِمَامَهُ
فَسِيَّان رَبُّ الْعِيرِ وَالْفَرَسِ النَّهْدِ
وَلَوْلا ارْتِيَاعُ النَّفْسِ من صَوْلَةِ الرَّدَى
لَمَا عَفَّ عَن طيبِ النَّعِيمِ أخُو زُهْدِ
فَدَعْ مَا مَضَى وَاصْبِرْ عَلَى حِكْمَةِ الْقَضَا
فَلَيْسَ يَنَالُ الْمَرْءُ مَا فَاتَ بِالْجَهْدِ
وَلا تَلْتَمِسْ مِنْ غَيْرِ مَوْلاكَ هَادِيًا
إِذَا اللهُ لَمْ يَهْدِ الْعِبَادَ فَمَنْ يَهْدِي
وقال معتذرًا إلى الأمير «شَكِيب أرسْلانَ»: (من البسيط)
أَدِّي الرِّسَالَةَ يَا عُصْفُورَةَ الْوَادِي
وَبَاكِرِي الْحَيَّ مِنْ قَولِي بِإِنْشَادِ
تَرَقَّبِي سِنَةَ الْحُرَّاسِ وَانْطَلِقِي
بَيْنَ الْخَمَائِلِ مِنْ لُبْنَانَ وَارْتَادِي
لَعَلَّ نَغْمَةَ وُدٍّ مِنْكِ شَائِقَةً
تَهُزُّ عِطْفَ شَكِيبٍ كَوْكَبِ النَّادِي
هُوَ الْهُمَامُ الَّذِي أَحْيَا بِمَنْطِقِهِ
آثَارَ قَومٍ أَجَادُوا النُّطْقَ بِالضَّادِ
تَلْقَيْ بِهِ أَحْنَفَ الأَخْلاقِ مُنْتَدِيًا
وَفِي الْكَرِيهَةِ عَمْرًا وَابْنَ شَدَّادِ
أَخِي وِدَادًا وَحَسْبِي أَنَّهُ نَسَبٌ
خَالِي الصَّحِيفَةِ مِنْ غِلٍّ وَأَحْقَادِ
أَفَادَنِي أَدَبًا مِنْ مَنْطِقٍ شَهِدَتْ
بِفَضْلِهِ النَّاسُ مِنْ قَارٍ وَمِنْ بَادِي
عَذْبِ الشَّرِيعَةِ لَوْ أَنَّ السَّحَابَ هَمَى
بِمِثْلِهِ لَمْ يَدَعْ فِي الأَرْضِ مِنْ صَادِي
سَرَتْ بِقَلْبِي مِنْهُ نَشْوَةٌ مَلَكَتْ
بِحُسْنِهَا مِسْمَعِي عَنْ نَغْمَةِ الشَّادِي
يَا بْنَ الْكِرَامِ عَدَتْنِي عَنْكَ عَادِيَةٌ
كَادَتْ تَسُدُّ عَلَى عَيْنِي بِأَسْدَادِ
فَاعْذِرْ أَخَاكَ فَلَوْلا مَا بِهِ لَجَرَى
فِي حَلْبَةِ الشُّكْرِ جَرْيَ السَّابِقِ الْعَادِي
وَهَاكَها تُحْفَةً مِنِّي وَإِنْ صَغُرَتْ
فَالدُّرُّ وَهْوَ صَغِيرٌ حَلْيُ أَجْيَادِ
وقال في رسالة إلى صاحِبِ جَريِدَة النَّحْلَة: (من الوافر)
هَلْ فِي التَّصَابِي عَلَى امْرِئٍ فَنَدُ
أَمْ هَلْ يَعِيبُ الْفَتَى الْكَرِيمَ دَدُ؟
كُلٌّ مَسُوقٌ لِمَا أُرِيدَ بِهِ
فَفِيمَ هَذَا الْخِصَامُ وَاللَّدَدُ
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الطِّبَاعِ مُخْتَلَفٌ
مَا شَذَّ عَنْ طَبْعِ وَالِدٍ وَلَدُ
وَلَوْ تَسَاوَى الرِّجَالُ فِي خُلُقٍ
لَزَالَ هَذَا الْخِلافُ وَالْحَرَدُ
وَالنَّاسُ شَتَّى وَإِنْ هُمُ اجْتَمَعُوا
فِي وَاحِدٍ لَيْسَ قَبْلَهُ أَحَدُ
فَزَائِعٌ فِي الضَّلالِ مُنْهَمِكٌ
وَنَاسِكٌ فِي الصَّلاحِ مُجْتَهِدُ
وَأَيُّ لَومٍ عَلَى امْرِئٍ طَلَبَ الـ
ـلَهْوَ وَأَثْوَابُ عُمْرِهِ جُدُدُ
لِكُلِّ عَصْرٍ مِنْ كَبْرَةٍ وَصِبًا
شَوْطٌ لَهُ بَعْدَ مُهْلَةٍ أَمَدُ
فَاسْعَ لِمَا شِئْتَ غَيْرَ مُتَّئِدِ
فَلَنْ يَحُوزَ الْكَمَالَ مُتَّئِدُ
لَوْلا سُرَى الْبَدْرِ مَا اسْتَنَارَ وَلا
أَدْرَكَ شَأْوَ الْخِطَارِ مُنْجَرِدُ
وَلا يَهُمَّنْكَ لَوْمُ ذِي حَسَدٍ
فَشَأْنُ أَهْلِ العَدَاوَةِ الْحَسَدُ
لَوْ حَذِرَ الْمَرءُ كُلَّ لَائِمَةٍ
لَضَاعَ مِنْهُ الصَّوَابُ وَالرَّشَدُ
وَلَو أَصَخْنَا لِكُلِّ مُنْتَقِدٍ
فَكُلُّ شَيءٍ فِي الدَّهْرِ مُنْتَقَدُ
وَالْهُ بِمَا شِئْت قَبْلَ مَنْدَمَةٍ
يَكْثُرُ فِيهَا الْعَنَاءُ وَالْكَمَدُ
فَلَيْسَ بَعْدَ الشَّبَابِ مُقْتَرَحٌ
وَلا وَرَاءَ الْمَشِيبِ مُفْتَقَدُ
قَلِيلٌ مَنْ يَدُومُ عَلَى الْوِدَادِ
فَلا تَحْفِلْ بِقُرْبٍ أَوْ بِعَادِ
إِذَا كَانَ التَّغَيُّرُ فِي اللَّيَالِي
فَكَيْفَ يَدُومُ وُدٌّ فِي فُؤَادِ
وَمَنْ لَكَ أَنْ تَرَى قَلْبًا نَقِيًّا
وَلَمَّا يَخْلُ قَلْبٌ مِنْ سَوَادِ
فَلا تَبْذُلْ هَوَاكَ إِلَى خَلِيلٍ
تَظُنُّ بِهِ الوَفَاءَ وَلا تُعَادِ
وَكُنْ مُتَوَسِّطًا فِي كُلِّ حَالٍ
لِتَأْمَنَ مَا تَخَافُ مِنَ الْعِنَادِ
مُدَارَاةُ الرِّجَالِ أَخَفُّ وَطْئًا
عَلَى الإِنْسَانِ مِنْ حَرْبِ الْفَسَادِ
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَحْبُوبًا إِذَا مَا
نَحا في سَيْرِهِ قَصْدَ السَّدَادِ
وَمَا الدُّنْيَا سِوَى عَجْزٍ وَحِرْصٍ
هُما أَصْلُ الْخَلِيقَةِ فِي الْعِبَادِ
فَلَوْلا الْعَجْزُ مَا كَانَ التَّصَافِي
وَلَوْلا الْحِرْصُ مَا كَانَ التَّعَادِي
وَمَا عَقَدَ الرِّجَالُ الْوُدَّ إِلا
لِنَفْعٍ أَوْ لِمَنْعٍ مِنْ تَعَادِي
وَمَا كَانَ الْعِداءُ يَخِفُّ لَوْلا
أَذَى السُّلْطَانِ أَو خَوْفُ الْمَعَادِ
فَيَا بْنَ أَبِي وَلَسْتَ بِهِ وَلَكِنْ
كِلانَا زَرْعُ أَرْضٍ لِلْحَصَادِ
تَأَمَّلْ هَلْ تَرَى أَثَرًا فَإِنِّي
أَرَى الآثَارَ تَذْهَبُ كَالرَّمَادِ
حَيَاةُ الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا خَيَالٌ
وَعَاقِبَةُ الأُمُورِ إِلَى نَفَادِ
فَطُوبَى لامْرِئٍ غَلَبَتْ هَوَاهُ
بَصِيرَتُهُ فَبَاتَ عَلَى رَشَادِ
وَقَالَ فِي الْحَضِّ عَلَى حِفْظِ السِّرِّ: (من الكامل)
وَصَاحِبٍ لَا كَانَ مِنْ صَاحِبٍ
أَخْلاقُهُ كَالْمِعْدَةِ الْفَاسِدَهْ
أَقْبَحُ مَا فِي النَّاسِ مِنْ خَصْلَةٍ
أَحْسَنُ مَا فِي نَفْسِهِ الْجَامِدَهْ
لَوْ أَنَّهُ صُوِّرَ مِنْ طَبْعِهِ
كَانَ لَعَمْرِي عَقْرَبًا رَاصِدَهْ
يَصْلُحُ لِلصَّفْعِ لِكَيْلا يُرَى
فِي عَدَدِ النَّاسِ بِلا فَائِدَهْ
يَغْلِبُهُ الضَّعْفُ وَلَكِنَّهُ
يَهْدِمُ فِي قَعْدَتِهِ الْمَائِدَهْ
يُرَاقِبُ الصَّحْنَ عَلَى غَفْلَةٍ
مِنْ أَهْلِهِ كَالْهِرَّةِ الصَّائِدَهْ
كَأَنَّمَا أُظْفُورُهُ مِنْجَلٌ
وَبَيْنَ فَكَّيهِ رَحًى رَاعِدَهْ
كَأَنَّمَا الْبَطَّةُ فِي حَلْقِهِ
نَعَامَةٌ فِي سَبْسَبٍ شَارِدَهْ
تَسْمَعُ لِلْبَلْعِ نَقِيقًا كَمَا
نَقَّتْ ضَفَادِي لَيلَةٍ رَاكِدَهْ
كَأَنَّمَا أَنْفَاسُهُ حَرْجَفٌ
وَبَيْنَ جَنْبَيهِ لَظًى وَاقِدَهْ
وَيْلُمِّهِ إِذْ مَخَضَتْ هَلْ دَرَتْ
أَنَّ الرَّدَى فِي بَطْنِهَا الْعَاقِدَهْ
تَبًّا لَهَا شَنْعَاءَ جَاءَتْ بِهِ
مِنْ لَقْحَةٍ فِي فَقْحَةٍ كَاسِدَهْ
لا رَحْمَةُ اللهِ عَلَى وَالِدٍ
غَمَّ بِهِ الدُّنْيَا ولا وَالِدَهْ
وَقَالَ في الاسْتغَاثَةِ: (من المنسرح)