مفاجأة … غير متوقعة!
لم يكَدْ رقم «صفر» يبدأ كلامَه أثناء الاجتماع في القاعة الصُّغرى، حتى توقَّف صوتُه، وأُظلمَت القاعة … قال «أحمد» بسرعة: هناك شيء خارج المقر السري!
سألَت «إلهام» بسرعة: ربما في داخل المقر!
قال «عثمان»: لقد انقطعَت الكهرباء عن المقر برغم أنه له مولدات كهربائية خاصة!
وقال «بو عمير»: تُرى هل هو هجوم على المقر؟!
أجاب «قيس»: لا أظن؛ فهناك أجهزة الإنذار، وهي تقع على مسافات بعيدة خارج المقر السري، وإذا حدث أيُّ شيء غير عادي، فإن الأجهزة تُعطي الإنذار المبكر!
فجأةً، عادَت الإضاءة مرة أخرى. انتظر الشياطين سماعَ صوتِ رقم «صفر»، لكن الزعيم لم يتكلَّم. نظر الشياطين إلى بعضهم في دهشة.
قالت «زبيدة»: هذه مسألة خطيرة، وهي أول مرة يحدث فيها ما حدث!
تساءَل «باسم»: هل يعني هذا أن المقر السري لم يَعُد سريًّا، وأن هناك مَن اكتشف وجودَه؟!
ردَّ «أحمد»: هذه فعلًا مسألة خطيرة. إن ذلك يكشف المقرَّ السري، ويجعلنا في النهاية هدفًا مكشوفًا.
ظل الشياطين يتناقشون. كانوا يريدون الوصولَ إلى سرِّ ما حدث. فجأةً، قال «فهد»: لماذا لا نتصل برقم «صفر»، لا بد سنجد عنده ما يفسِّر لنا الموقفَ كلَّه.
وما إنِ انتهى «فهد» من كلامه، حتى جاء صوتُ رقم «صفر» يقول: إنها مسألة خطيرة فعلًا، وأجهزة اتصالاتنا تُجري عملَها لكشفِ سرِّ غموض الموقف!
صمتَ لحظةً ثم أضاف: إن أجهزة الرادار سجَّلَت عبورَ طائرة في مجال المقر … ثم انقطع التسجيل، مرة أخرى توقَّف عن الكلام … لكنه عاد يقول: لقد تم الاتصال سريعًا بعملائنا في المنطقة المحيطة بنا، حتى يتمَّ تسجيل الطائرات التي عبرَت المجالَ الجوي، ثم يكون لنا تصرُّفٌ آخر.
كان الشياطين يستمعون لكلمات رقم «صفر»، وهم يحاولون في نفس الوقت الوصولَ إلى نتيجة … إن عبورَ طائرةٍ للمجال الجوي، ثم تأثير هذا العبور على أجهزة المقر … وتعطيلها لأجهزة الإنذار … ماذا يعني كلُّ هذا بالنسبة لرقم «صفر»؟
قال «أحمد»: إن ذلك يكشف المقرَّ السري.
ردَّ رقم «صفر»: نعم، وهذه هي الخطورة، إن ذلك يعني أنه يمكن مهاجمة المقر، أو نَسْفه في أيِّ وقت.
قال «فهد»: إنني أتوقَّع أن تكون إحدى العصابات هي التي فعلَت ذلك، خصوصًا ونحن نقفُ ضدَّ أعمال عصابات الإرهاب كلِّها.
ردَّ رقم «صفر»: ربما يكون هذا صحيحًا …
توقَّف لحظة ثم أضاف: وربما تكون صدفة نتيجة تجربة علمية عادية!
قال «أحمد»: نعم، لكن حتى مع التجربة العلمية، فإننا أصبحنا واضحين، ومكشوفين، وعملية تسريب المعلومات جائزة؛ فيمكن أن يتسرَّب الخبر إلى إحدى العصابات، وإذا حدث هذا فمن المؤكد أن الخبر سوف ينتقل إلى بقية العصابات. وفي هذه الحالة نكون قد دخلنا حربًا رهيبة مع عصاباتِ العالمِ كلِّه.
لم يردَّ رقم «صفر» مباشرة. كان يستمع لآراء الشياطين ورؤيتهم لما حدث. فجأة، قال «عثمان»: أرجو ألَّا تكونَ هذه تجربة خاصة بالمقر السري لمعرفة مدى استعدادنا للتعامل معها!
نظر الشياطين إلى «عثمان»، ثم إلى بعضهم البعض، فهذا احتمال قائم، وكثيرًا ما أجرَى المقرُّ اختباراتٍ لا تخطر على بال الشياطين حتى يرى قدرتهم على التصرف.
كان صمْتُ رقم «صفر» مثيرًا بالنسبة لهم، فهذا الصمت يمكن أن يكونَ إجابةً عن التساؤل الذي فرَض نفسه عليهم. مرَّت دقائق دون أن يقول رقم «صفر» شيئًا. التقَت أعينُ الشياطين مرة أخرى، وكان السؤال الذي لمع في خواطرهم جميعًا هو: هل ما قاله «عثمان» صحيح؟
فجأة، قال رقم «صفر»: سوف أترككم الآن بضع دقائق.
أخذَت أقدامُ الزعيم تبتعد شيئًا فشيئًا حتى اختفَت. نظر «باسم» إلى «عثمان»، وسأل: هل تظن أن ما قلتَه هو الحقيقة؟
أجاب «عثمان» بعد لحظة: أنا لم أَقُل إنه الحقيقة، ولكن أقول إنه احتمال.
تساءلَت «ريما»: ولماذا لم يردَّ الزعيم؟!
أجابَت «إلهام»: لا بد أن ما قاله «عثمان» صحيح.
تعدَّدت الأسئلة بين الشياطين. كما تكاثرَت الإجابات، لكنهم في النهاية لم يَصِلوا إلى جواب حقيقي. كان كلُّ ما توصَّلوا إليه هو فقط حَصْر الاحتمالات التي لا يمكن أن تخرج الإجابةُ عنها. في النهاية امتلأَت القاعةُ بالصمت؛ فقد غاب رقم «صفر»، وتركَهم لا يعرفون بدايةً من نهاية …
فجأةً قالَت «إلهام»: إن الزعيم قد عقَد هذا الاجتماع ليقدِّم لنا معلوماتٍ عن المغامرة الجديدة، فهل هذه كانت هي الأخرى خدعةً … أو مجردَ اختبار؟
لم يردَّ أحدٌ مباشرة، وإن كان الشياطين قد انقسموا إلى قسمين: قسم يرى أن هذا جائز … وقسم آخر يرى أن المسألة أخطر من ذلك. وأن الدعوة للاجتماع كانت من أجل مغامرة حقيقية، وليست فقط من أجل الاختبار. وكان «أحمد» على رأس هذا القسم. غير أنه قال في النهاية: لا بأس من الانتظار قليلًا حتى نعرف الحقيقة … وأظن أن رقم «صفر» لن يتركَنا هكذا … وكأننا معلَّقون في الفضاء.
فجأةً، جاء صوتُ الزعيم يقول: هذه حقيقة، وأنا في الطريق إليكم. إن أمامكم عملًا كبيرًا.
تعلَّقت أعينُ الشياطين بفراغ الصالة؛ فها هو الزعيم يتركهم مرة أخرى بلا نتيجة محددة، وإن كان «مصباح» قد قطَع الصمتَ ليقول: أظن أن كلمات الزعيم تؤكد أن ما حدث مسألة خطيرة، ما دام سوف يكون أمامنا عملٌ كبير.
ردَّت «إلهام»: ولماذا لا يكون هذا إمعانًا في تأكيد الاختبار؟!
كان «رشيد» منذ بداية ما حدث يستمع إلى ما يقولون دون أن يقولَ كلمة واحدة، وحتى إن «زبيدة» قالت: إن «رشيد» و«هدى» صامتان تمامًا!
ابتسمَت «هدى»، وقالت: أعتقد أن الموقف سوف يتضح عندما يعود الزعيم، ولا داعيَ لإضافة شيء إلى ما قلتموه؛ فقد استعرضتم شتى الاحتمالات.
نظرَت «إلهام» إلى «رشيد»، فقال مبتسمًا: إنني الآخر أفضِّل أن أنتظرَ.
وصمتَ الجميعُ ولم يقطع صمْتَهم سوى صوتِ أقدامِ رقم «صفر» وهي تقترب … كان صوت اقتراب الزعيم يزيدهم قلقًا؛ فإن الحقيقة تقف على مسافة قريبة، هي المسافة التي يقف فيها الزعيم. توقَّفَت أقدامُ رقم «صفر»، وتعلَّقَت أعينُهم بمصدر الصوت. مرَّت لحظات، ثم جاء صوته: أعرف أنكم قلقون تمامًا، وهي مسألة خطيرة فعلًا، غير أن المعلومات التي توفَّرَت لدينا حتى الآن لا تكفي لأن أشرح لكم ما حدث.
صمتَ قليلًا ثم قال: لقد دعوتُكم من أجل مغامرتكم الجديدة فعلًا، وهي مغامرة يمكن أن تنتظر بعضَ الوقت، خصوصًا أمام ما حدث اليوم …
أسرعَت «إلهام» تسأل: هل ما حدث أمر حقيقي؟
جاء ردُّ رقم «صفر» مؤكدًا وجادًّا: مع الأسف، إنه حقيقي، وهذا هو المفزع في الأمر.
صمتَ لحظةً، ثم التقَت أعينُ الشياطين، فها هي الحقيقة: أن المقرَّ السريَّ قد أصبح في خطر. ولم يَعُد هناك محلٌّ للاحتمالات. جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن أول مطار يبعد عنَّا — كما تعرفون — بآلاف الكيلومترات، ولا يستطيع أحدٌ أن يرصدَ ما حدث إلا في أول مطار. وهذا يستغرق بعضَ الوقت، وليس أمامنا سوى الانتظار!
مرَّت دقائق، ثم عاد صوتُه يقول: إنكم لم تخرجوا في مغامرتكم الجديدة إلا بعد أن نَصِل إلى أسبابِ انقطاعِ التيار الكهربائي، وتوقُّفِ كلِّ أجهزة المقر، وأجهزة الإنذار. وقد تكون هذه هي مغامرتكم الجديدة.
ثم أضاف بعد لحظة سريعة: سوف يظلُّ الاجتماع مستمرًّا، حتى تصلَنا رسائلُ من عملائنا، لنرى ما سوف نفعله، ولا أقصد أن تظلُّوا هنا في قاعة الاجتماعات. أقصد أن تكونوا جاهزين للانطلاق في أيِّ وقت، وقد أصدرتُ أوامري، وأن تكون طائرتُكم جاهزةً للإقلاع؛ فنحن مهددون في النهاية.
سكت الزعيم، ثم أخذَت خطواتُه تبتعد حتى اختفَت، كان الشياطين يجلسون في أماكنهم وكأنهم قد رُبطوا إلى المقاعد؛ فلم يكن يخطر على بالهم أن ينكشفَ المقرُّ السري يومًا، ولا أن يفقدَ سرِّيَّتَه، غيرَ أن «أحمد» قطَع حالةَ الجمود والصمت التي كانوا فيها، فوقف وهو يقول: ينبغي أن نستعدَّ، فلا أحدَ يعرف ماذا في الأفق.
وما كادوا يتحركون، حتى جاء صوتُ رقم «صفر» يقول: ابقَوا في أماكنكم؛ لقد جاءت أول رسالة. وجلس الشياطين في انتظار عودة الزعيم. فجأةً، أُضيئت القاعة. كان الضوء مفاجئًا حتى إن الشياطين أغمضوا أعينَهم عدة لحظات، وهمسَت «إلهام»: إنه ضوء قوي، هل هي تجربة أخرى؟!
جاء صوت رقم «صفر» يقول: إنها المفاجأة فقط، وعندما تتعوَّد أعينكم الضوءَ سوف ينتهي كلُّ شيء.
بدأ الشياطين يفتحون أعينَهم، وينظرون إلى بعضهم البعض. قال «رشيد»: إنني أكاد لا أصدِّق ما حدث، وما يحدث!
فقال رقم «صفر»: سوف أتغيَّب عنكم قليلًا.
من جديد نظر الشياطين إلى بعضهم، إن ما يحدث مفاجئٌ تمامًا لهم. إن غياب رقم «صفر» عنهم، جعلهم يتشكَّكون في الأمر. قالت «ريما»: هل يمكن أن نظلَّ هكذا في هذا الموقف الصعب؟
ردَّ «قيس»: وماذا نستطيع أن نفعل؟! إننا لا نعرف أيَّ تفاصيل، وبالتالي فنحن لا نستطيع الحركة!
فجأةً، جاء صوتُ رقم «صفر» يقول: أعرف أنكم قلقون تمامًا، غير أن الظروفَ تضعنا في موقف صعب، وحتى ما حدث للمقر السري حدث في أماكن أخرى؛ فقد انقطعَت الكهرباء في عدة مدن، وتعطَّلَت الأجهزة في هذه المدن. حتى الآن، لا أحدَ يعرف السبب!
سكتَ لحظة ثم أضاف: إن عملاءَنا في جميع أنحاء العالم يعملون الآن، ونحن في انتظار رسائلهم.
سكت مرة أخرى، ثم قال: الآن، يمكن أن تنصرفوا، على أن تكونوا جاهزين في أيِّ لحظة للانطلاق.
ثم اختفى صوتُ رقم «صفر»، فقال «أحمد» مباشرة: أعتقد أننا ينبغي أن ننصرف الآن، وأن نجتمع في نادي الفيديو، ومعنا حقائبُنا السرية.
وبسرعة كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى خارج القاعة.