اكتشاف … مدينة الشر!
عندما وصل «أحمد» إلى غرفته، أسرع بتجهيز حقيبتِه السرية، ثم جلس قليلًا أمام مكتبه الصغير. كان يفكِّر: هل يمكن أن يكون ما حدث ظاهرة طبيعية، وليست تجربة علمية؟ … قال في نفسه: إنني قرأتُ كثيرًا عن ظواهر طبيعية غريبة، ويمكن أن تكون هذه إحدى الظواهر … لكنه عاد يقول لنفسه مرة أخرى: هل يمكن أن تتكرر الظاهرة في عدة أماكن وبشكلٍ متوالٍ.
ظل مستغرِقًا في التفكير لحظة، ثم وقف وغادر الغرفة. كان الشياطين قد اجتمعوا في نادي الفيديو، وعندما دخل «أحمد»، بادرَته «زبيدة» بالسؤال: هل تذكر الظواهر الطبيعية؟
وقاطعها «أحمد» مبتسمًا: نعم … لقد كنتُ أفكِّر في هذه المسألة.
كان الشياطين ينظرون إليه وهو يجلس في انتظار ما سوف يقوله. مرَّت لحظة، ثم قال: إن الذي لفَت نظري هو تكرار الظاهرة، وفي أماكن مختلفة، وتقع كلُّها بشكل متتابع! …
انتظرَ لحظةً، ثم أضاف: لو أننا فكَّرنا فيما حدث لرأينا الآتي: عندما تتوقَّف أجهزةُ المقر السري، وتنسحب منها الكهرباء، تأتي رسالة تقول: إن ذلك حدث في مكان آخر … يقع على بُعْد آلاف الكيلومترات، لكنه لا يقع في نفس اللحظة، إنه يقع بعد فترة زمنية. معنى هذا أن ما حدث لا يمكن أن يكون ظاهرة طبيعية، ولا بد أن شيئًا ما قد حدث!
قال «قيس» بسرعة: إنني أوافقك، وأُضيف لما تقوله: لو أننا حسبنا الوقت الذي حدث فيه الاعتداء على المقر السري — وأنا أعتبرُه اعتداء — ثم ما حدث بعدها في المكان الآخر؛ فإننا نستطيع أن نعرف سرعة هذه الطائرة التي مرَّت فوق المقر السري، وفي هذه الحالة نستطيع أن نُحقق تقدُّمًا في معرفة ما حدث!
فجأة، جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن هذا ما نفعله فعلًا، وهذه وجهة نظر سليمة تمامًا!
نظر الشياطين إلى «قيس» الذي قال مبتسمًا: إنني أُضيف أننا يمكن أن نكون أمام قوة خفية استطاعَت أن تَصِل إلى نوع من الإشعاع، له تأثيرٌ قويٌّ على كل ما يعمل بالكهرباء …
قال «قيس» بعد قليل: إذا كان ذلك صحيحًا — وهو افتراض معقول — فإننا نكون أمام سلاح جبار، يمكن أن يهدمَ العالمَ كلَّه!
قالت «ريما»: لاحِظوا أننا لا نزال في عصر سباق التسليح بين كلِّ الدول، وإذا كان قد حدث اتفاقٌ بين الدولتَين العظميَين، والذي أنقذناه في مغامرة «المعركة الوهمية» … فإنَّ كلَّ قوة فيهما تُحاوِل في الخفاء أن تتفوق. وإذا اتفقنا على وجهة نظر «قيس»، فإننا نكون أمام نوعٍ جديد من الحرب.
ابتسم «عثمان» وقال: أظن أننا جعلنا المسألة أكبر مما ينبغي، فلماذا لا تكون المسألة خاصة بالمقر السري، ورقم «صفر» والشياطين فقط؟ إننا نتصارع مع عصابات ضخمة، وتملك أجهزةً متقدمة جدًّا. وتملك علماءَ يُجْرون أبحاثًا شريرة، فلماذا لا تكون الحكاية كلها في هذه الحدود؟!
قال «مصباح»: حتى الآن كلُّ هذا جائز، ويمكن أن تكون كلُّ وجهات النظر صحيحة …
ثم أضاف بسرعة: ولكن الذي يجعل المسألةَ أكبر من المقر السري، ورقم «صفر» والشياطين، هو تكرارها في أماكن أخرى!
قالت «إلهام»: ربما تكون التجربة فقط؛ ولذلك حدثَت في المقر السري وفي غيرها من الأماكن الأخرى!
كانت القضية محيرة تمامًا، ورغم أن الشياطين اجتهدوا في الوصول إلى نتيجة، إلا أنَّ كلَّ النتائج كانت تنتهي عند نقطة معينة. نقطة تقول: إنَّ هذا كلَّه جائز.
ولكن الوقت لم يكن يمرُّ عبثًا؛ فقد كانت أفكار الشياطين تقترب فعلًا من الحقيقة، ولم يتضح ذلك إلا عندما جاء صوت رقم «صفر» يقول: لقد أجهدتُم أفكاركم، وقد كانت كلُّها أفكارًا جيدة بالتأكيد.
سكت لحظة ثم أضاف: إنني سعيد جدًّا؛ لأنكم تفكِّرون بهذه الطريقة الناضجة.
مرَّت دقيقة قبل أن يقولَ: إنني في الطريق إليكم؛ فقد وضَح لدينا كلُّ شيء بعد أن جاءَت تقاريرُ عملائنا.
أخذ صوتُ أقدام رقم «صفر» يقترب شيئًا فشيئًا، حتى توقَّف في النهاية، في نفس الوقت الذي كان الشياطين ينتظرون كلماتِه بفارغ الصبر. إن الحقيقة تقف على بُعد دقيقة أو دقيقتين منهم، الحقيقة التي قال رقم «صفر» إنها ظهرت. مرَّت دقائق ثقيلة قبل أن يقول الزعيم: إننا فعلًا أمام سلاح جديد مخيف هو سلاح الأشعة!
انتظر لحظة، ثم أضاف: أنتم طبعًا تعرفون أن الأشعة استُخدمَت منذ زمن بعيد، لكنها لم تكن بهذه القوة، إن ما حدث يعني أن السلاح الجديد يستطيع شلَّ فاعليةِ أيِّ شيء؛ إنه يمكن أن يُوقِفَ الحياةَ ذاتها.
صمتَ قليلًا ثم قال: إنني سوف أضربُ لكم مثلًا؛ تصوَّروا مدينةً تقوم حياتُها على الكهرباء … من ثلاجات إلى أجهزة تكييف، إلى أجهزة علمية، إلى مصانع ومزارع وغيرها، تصوَّروا لو توقَّف كلُّ شيء، وماذا يمكن أن يحدث؟ إن هذه مسألة مخيفة؛ فالحياة سوف تتوقَّف في هذه المدينة، وتصوَّروا لو أن هذه الأشعة لَعِبت دورَها في منطقة مثل منطقتنا العربية، ماذا يمكن أن يحدث؟! أولًا يتوقَّف ضخُّ البترول، ثم تتوقَّف المصانع؛ وهذا يعني أن يتوقَّفَ كلُّ شيء، وتتوقَّف الحياة. نحن إذن أمام قوة مدمرة تحاول أن تسيطر على العالم.
توقَّفَ قليلًا عن الكلام ثم قال: إن تقارير عملائنا أكَّدَت أن هناك مدينة علمية ضخمة في منطقة نائية في البرازيل.
سكتَ رقم «صفر»، وأُضيئَت الخريطة الإلكترونية؛ اتجهَت أنظار الشياطين إليها، ظهرَت أمريكا الجنوبية التي تقع في قلب الماء؛ يحدُّها من الشرق والشمال المحيط الأطلنطي، ويحدُّها من الغرب المحيط الهادي، تحدَّدَت دائرة حمراء حول «البرازيل» التي تتَّسع مساحتُها لمعظم أمريكا الجنوبية، وحولها تقع بقية الدول؛ «أورجواي»، وباراجواي، وبوليفيا، وبيرو، وكولومبيا، وفنزويلا، وجيانا، والأرجنتين، وكلُّها تشترك معها في الحدود، ويمرُّ بها خطُّ الاستواء، ومدار الجدي.
تحدَّدَت دائرةٌ أخرى صفراء حول هضبة «ماتوجروسو» التي تُغطِّي مساحةً كبيرة من شرق «البرازيل»، وعندما تحدَّدَت الهضبةُ؛ قال الزعيم: هنا تقع المدينة الشريرة.
سكتَ لحظة ثم أضاف: إن اكتشافَ هذه المدينة ليس جديدًا؛ فعملاؤنا كانوا يرصدون قيامَها منذ سنوات، لكن الغرض منها لم يكن واضحًا، وفي تقرير قديم من عميلنا في البرازيل، ذكر أن مدينة «برازيليا» — العاصمة — قد تعرَّضَت منذ فترة إلى هذه الكارثة؛ فقد أظلمَت المدينة وتوقَّفَت الحياة فيها لدقائق، ويبدو أن هذه كانت واحدة من التجارب الأولى …
صمتَ قليلًا ثم قال: إن مدينة الشر هذه، لا يعرف مكانَها أحدٌ حتى الآن؛ فهضبة «ماتوجروسو» هضبة مهجورة.
بعد لحظات قال: إن أجهزة التحليل والبحث في المقر السري، قد قامت بتحليل الضوء الذي تعرَّض له المقر، وتوصَّلَت إلى نتيجة أن هذا الضوء خطرٌ على الحياة كلها؛ فآثارُه ليست فقط إيقافَ عملِ الأجهزة، إن الأثر يتعدَّى ذلك إلى كل شيء، وإن كان لا يظهر إلا بعد سنوات.
ثم أضاف: لقد ظهرَت أبعادُ المؤامرة المخيفة الآن، وأصبحَت مهمَّتُكم هي التخلُّص، ليس من المدينة؛ لأن تفجيرَها قد تكون له آثارٌ مدمرة على العالم كلِّه، إن مهمَّتَكم هي الوصول إلى جهاز تكييف الأشعة الذي يحوِّلها إلى قوة مُدمرة.
نظر الشياطين إلى بعضهم في ارتياح؛ فقد وصلوا إلى نتيجة، هذه النتيجة التي توقَّعوها … جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن ملابس خاصة تُصنع الآن، حتى تلبسَها مجموعةُ المغامرة، حتى لا يكونَ للإشعاع أيُّ تأثير عليهم.
سكتَ لحظة، ثم أضاف: إن مجموعة مغامرة «مدينة الشر» تضمُّ «أحمد» و«قيس» و«فهد» و«باسم» …
صمتَ قليلًا ثم قال: هل لديكم أسئلة؟
لم ينطق أحدٌ من الشياطين، إلا أن «فهد» قال: متى سوف نبدأ؟
ردَّ رقم «صفر»: الليلة، سوف تطيرون إلى «برازيليا».
سأل «أحمد»: هل توجد علامة مميزة لجهاز تكييف الأشعة؟
مرَّت لحظة قبل أن يقول رقم «صفر»: لقد تعمَّدتُ أن أترك هذه النقطة، حتى أرى ماذا سوف تفعلون؟
ثم أضاف: نعم، إن علامة الجهاز هي «إكس ٨».
ثم قال بسرعة: هل لديكم استفسارات أخرى؟
ولمَّا لم ينطق أحد. أخذ صوت أقدام رقم «صفر» يبتعد شيئًا فشيئًا حتى اختفى في الوقت الذي كان فيه الشياطين يغادرون أماكنهم في صمت؛ فجأة جاء صوت الزعيم مرة أخرى يقول: على المجموعة أن تتوجَّه لمركز الأبحاث لتجربة الملابس الخاصة.
نظرَت المجموعة إلى بعضها، ثم خرجوا الواحد بعد الآخر، في طريقهم إلى مركز الأبحاث.