مفاجأة … بين شجيرات البن!
كان مركز الأبحاث في انتظار الشياطين، كانت هناك لجنة من الخبراء تقف أمام الملابس الخاصة التي سيلبسونها، ولم تكن هذه الملابس غريبةَ الشكل؛ فهي تبدو وكأنها ملابس عادية، لكن أنسجتها ضدَّ كلِّ شيء؛ ضد الماء، أو الحريق … والأشعة، والمواد الكيماوية والآلات الحادة، إنها ملابس واقية، يستطيع الشياطين استخدامَها في كلِّ الظروف، في نفس الوقت، كانت مزودةً بنوع خاص من التكييف؛ فهي تحت درجة الحرارة العالية تُرسل برودةً إلى الجسم، وفي درجة الحرارة المنخفضة تُرسل موجات من الدفء.
ابتسم رئيس اللجنة، وقال: هيَّا، لا بد أن تجرِّبوا الملابس في معمل الاختبار.
أخذ كلُّ واحد من الشياطين ملابسَه الخاصة، وانفردَ في مكان لارتدائها؛ ابتسم «قيس»، وقال: إنها ملابس مريحة فعلًا، بالإضافة إلى أنها خفيفة الوزن، ولا تعوق الحركة!
دخل الشياطين معملَ الاختبار، كان عبارةً عن غرفة عادية بلا أثاث، أغلق الباب عليهم … كان هناك لوحٌ زجاجي بعرض الغرفةِ كلِّها، يقف خلفه الخبراء. مرَّت دقائق، وكان الترمومتر المثبَّت أمام الشياطين يرتفع حتى وصل إلى درجة مائة … نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «فهد»: إنها درجة غليان الماء، غير أنني لا أشعر بشيء!
أضاف «باسم»: إن الترمومتر يُشير إلى ارتفاع أكثر، إنه يصل إلى ١٢٥ درجة!
ظل الشياطين في الغرفة خمس دقائق، ثم بدأ الترمومتر ينخفض حتى وصل إلى درجة «صفر».
فقال «أحمد»: إنها درجة التجمد.
ظلت أرقام الترمومتر تتغيَّر، حتى وصلت إلى −٢٠ درجة، لكن الشياطين أيضًا لم يشعروا بشيء، كانت درجة الحرارة بالنسبة لهم عادية، خصوصًا وهم يرتدون أقنعة لها نفس الخواص، من جديد بدأَت أرقام الترمومتر تعود إلى الدرجة العادية. فجأة، وكأن السقف قد انفتح عن الجحيم، كانت النيران تنزل من السقف وتخرج من حوائط الغرفة.
ابتسم «أحمد» وقال: إنه اكتشاف رائع!
وأضاف «قيس»: إنني لا أكاد أصدِّق، كيف لا نحترق وسط هذه النيران؟!
فجأة، تراجعَت ألسنة اللهب، وعادت الغرفة إلى ما كانت عليه. ثم فجأة مرة أخرى هطلَت أمطار غزيرة، جعلَت الشياطين يغرقون في الضحك، فلم يكونوا يشعرون بشيء.
هتف «باسم»: هل هذا معقول؟!
فجأة، توقَّفت الأمطار وعادَت الغرفة إلى حالتها الأولى، ثم جاء صوتُ رئيس الخبراء يقول: الآن، قد رأيتم وجرَّبتم ثيابكم الجديدة، فهيَّا إلى العمل!
خرج الشياطين من غرفة الاختيار، ثم ذهبوا إلى مكتب رئيس الخبراء، الذي قال: هل لديكم أية ملاحظات … الملابس ضيقة، أو غير مريحة، أو تعوق حركتكم … أي ملاحظة؟
ابتسم «أحمد» قائلًا: إننا سعداء بالتأكيد بهذا الاكتشاف المذهل.
ردَّ رئيس الخبراء بابتسامة وهو يقول: ونحن سوف نكون سعداء تمامًا، عندما لا يتوقف عملُنا.
فَهِمَ الشياطين ماذا يعني رئيس الخبراء. فقال «أحمد»: نرجو أن نُوفَّق في مغامرتنا.
وفي دقائق، كانوا يركبون السيارة إلى حيث طائرتهم. وفي دقائق أخرى كانت الطائرة تُحلِّق في الفضاء، وجاء صوت الكابتن «صقر» يقول: مرحبًا بالمغامرة الجديدة، الكابتن «صقر»، وطاقم الطائرة يرحبون بكم وينتظرون تعليماتكم.
ابتسم الشياطين، وقال «أحمد»: أظن أننا في طريقنا هذه المرة إلى «البرازيل».
ضحك الكابتن، وقال: نعم، أظن ذلك.
كانت الرحلة هادئة تمامًا، كان الشياطين يلبسون الملابس الخاصة، ويتحركون بها في بساطة وسهولة.
ابتسم «فهد» وهو يقول: هل تعرَّضَت هذه الملابس للأشعة؟
ردَّ «قيس»: من الضروري أن تكون قد تعرَّضَت، ولا أظن أن الخبراء في المقر السري قد تركوا شيئًا لم يجرِّبوه.
قال «فهد»: لكننا لم نرَ ذلك!
ضحك «باسم»، وقال: لا أظن أنك تستطيع رؤيةَ الضوء، ومَن يدري؛ فقد تكون غرفة الاختبارات قد تعرَّضَت للضوء والأشعة دون أن ندري.
هزَّ «أحمد» رأسَه، وقال: هذا حقيقي.
لم يكن هناك ما يُشغل الشياطين طوالَ رحلتهم؛ ولذلك جاء صوتُ الكابتن «صقر» يقول: ما رأْيُ الأصدقاء في مباراة «شطرنج»؟
هتف «باسم»: رائع، إننا في الانتظار!
قال الكابتن: سوف نلعب مباراة بين فريق الأصدقاء، وفريق الطائرة.
ردَّ «فهد»: هيَّا إذن!
بعد لحظات، كان طاقم الطائرة قد انضمَّ إلى الشياطين. تساءَل «فهد»: مَن سيقود الطائرة؟
ابتسم كابتن «صقر»، وقال: إنها مزودة بجهاز توجيه ذاتي، وهي تستطيع أن تَصِل إلى «البرازيل» دون أن يقودَها أحد.
تساءل «فهد» مرة أخرى، وفي الظروف الطارئة مطبات هوائية، أو أمطار، أو أي شيء آخر؟
ردَّ الكابتن: إنها تستطيع أن تفعلَ أيَّ شيء، فهذه طائرة مُجهَّزة بطريقة خاصة.
ثم بدأت المباراة. كان فريق الشياطين يمثِّله «أحمد»، وفريق الطائرة يمثِّله الكابتن «صقر»، وكانت المباراة ساخنة تمامًا؛ فقد بدأ «صقر» بتحريك عدة أحجار بطريقة ذكية تمامًا، أوقعَت «أحمد» في حيرة. كان الشياطين يراقبونه وهم يشتركون مع «أحمد» في التفكير.
قال «أحمد» وهو يفكر في نقلة غريبة: إن الكابتن يحاصرنا تمامًا.
ابتسم الكابتن وقال: إنه فقط بداية الحصار، ثم يتبعه الهجوم.
ضحك الشياطين؛ فقد كان «صقر» يتمتع بروح ضاحكة، وبرغم أن الرحلة كانت طويلة، إلا أن المباراة لم تنتهِ حتى جاء صوتٌ متقطع، جعل الكابتن «صقر» يقول: إننا نقترب من مطار «برازيليا».
ثم استأذن، واتَّجه إلى كابينة الطائرة فتَبِعه الطاقمُ كلُّه. قال «فهد»: إن «صقر» لاعب ماهر فعلًا.
بعد لحظات، جاء صوتُ «صقر» يقول: طاقم الطائرة، والكابتن «صقر» يُحيُّونكم، لقد وصلنا إلى مطار «برازيليا»، وسوف نهبط فيه بعد خمس دقائق.
أسرع الشياطين بربط الأحزمة، ثم فجأةً اهتزَّت الطائرة اهتزازًا خفيفًا، فعرفوا أن عجلاتِها قد لامسَت الأرض، دقائق سريعة ثم توقَّفَت الطائرة. عندما فُتح بابها، وخرج الشياطين …
قال «فهد»: كأننا في بلادنا؛ فالبرازيليون يُشبهوننا تمامًا!
غادروا الطائرة بسرعة … وكان معهم طاقم الطائرة. اقترب «صقر» من «أحمد»، وسأله مبتسمًا: هل ننتظر لنُكمل المباراة في طريق العودة؟
ابتسم «أحمد»، وقال: أرجو ذلك، وسوف أتصل بعميل رقم «صفر» عندما تتضح الأمور.
افترق الفريقان؛ اتجه فريق الطائرة إلى فندق المطار، واتجه فريق الشياطين إلى الخارج، كانت سيارة في انتظارهم، عندما استقروا داخلها جاء صوت عميل رقم «صفر» يرحب بهم، ثم قال: سوف تقضون الليلة في فندق «هيلتون»، وغدًا تكون رحلتكم.
سأل «أحمد»: ولماذا لا نرحل الآن؟
جاء صوت العميل يقول: إنها رحلة شاقة تمامًا، وأقترح أن تتحركوا في الصباح الباكر، إن أمامكم ألفًا ومائةَ كيلومتر حتى الوصول إلى هناك.
انتظر لحظة ثم أضاف: إن الطقس شديدُ الحرارة هذه الأيام؛ ولذلك فإن الرحيل مبكرًا سوف يكون طيبًا!
ابتسم الشياطين؛ فلا أحدَ يعرف أنهم يلبسون ملابسَ خاصة. فكَّر «أحمد» لحظة ثم قال: لا بأس، سوف نرحل غدًا.
ثم شكره، وانتهَت المكالمة. قال «فهد»: لماذا وافقتَ على الرحيل صباحًا؟
ردَّ «أحمد» مباشرة: إننا سنقطع مسافة طويلة، وسنسلك طُرُقًا صعبة، وهذه تحتاج للنهار أكثر، ثم إن رحيلنا بالنهار لن يلفتَ نظرَ أحد؛ فيمكن أن نكون من السائحين الذين يزورون «البرازيل» كثيرًا.
انتظر لحظة، ثم قال: وإذا كنَّا سنقطع الطريق إلى هضبة «ماتوجروسو» حيث مدينة الشر، فإن وصولَنا ليلًا سوف يكون في صالحنا.
كانت السيارة قد دخلَت مدينة «برازيليا» عاصمة البرازيل، وكانت الشوارع قليلة الحركة مع أن النهار كان في منتصفه، إلا أن حرارةَ الجو كانت سببًا في قلة الحركة. إن مدينة «برازيليا» لا تختلف كثيرًا عن أيِّ مدينة أخرى سوى أن لها طابعًا خاصًّا يكاد يكون أفريقيًّا، أو عربيًّا، حتى إن «باسم» قال: أشعر أنني لستُ غريبًا هنا!
ابتسم «أحمد»، وقال: لا تنسَ أن جذور «البرازيليِّين» فيها مسحة عربية، وربما فرعونية أيضًا.
ثم أضاف: لقد اكتشفتُ أماكنَ لها ملامحُ فرعونيةٌ حقيقية.
وصلَت السيارة إلى فندق «هيلتون برازيليا»، ولم تمضِ دقائق حتى كان الشياطين في غُرَفِهم بعد أن اتفقوا على التحرك في الرابعة صباحًا؛ ولذلك فقد لجئوا إلى النوم، حتى في النهار.
وعندما كانت الساعة تدقُّ الثالثة، كان «أحمد» يرفع سماعة التليفون ليوقظَ بقيةَ مجموعة الشياطين. وما إنْ مرَّت نصف ساعة، حتى كانوا يغادرون الفندق.
كانت الشوارع خالية تمامًا، وهم يقطعونها خروجًا من العاصمة، كان «فهد» يجلس إلى عجلة القيادة، وقد حدَّد اتجاه البوصلة إلى حيث هضبة «ماتوجروسو». ولم تمضِ ساعة، حتى كانوا قد تركوا العاصمة تمامًا. فجأةً، امتلأَت أنوفُهم برائحة البن، فابتسم «قيس»، وقال: إن رائحة البن تبعث على النشاط.
فضحك الشياطين. كانت شجيرات البن تُغطي المنطقةَ التي يمرُّون بها …
فقال «قيس»: أرجو أن يُذكِّرَني أحدُكم؛ حتى أحملَ معي هديةً من البن الأخضر لأصدقائنا الشياطين في المقر السري.
ضحك الشياطين لهذه المداعبة، لكن فجأة، ظهرَت الدهشةُ على وجوههم؛ فقد لمَع ضوءٌ من بين شجيرات البن، ثم دوَّت طلقةٌ في الظلام.