جارودي و«وعود الإسلام»
سألني كثيرون، بتليفونات وخطابات، لماذا بالذات اخترت أن تقدم كتاب جارودي «وعود الإسلام»، وأن تتحدث عنه وعن إسلامه، وعن رؤيته للإسلام؟
وهل حدث لي تحول في تفكيري دفعني ﻟﻠ «عودة» للإسلام؟
والحقيقة أني لم أستغرب الأسئلة، فقد درجنا في الفترة الأخيرة على أن نقسم الناس قسمين: قسم مع الإسلام، وقسم مارق أو خارج أو علماني أو علمي أو ليبرالي أو يساري …
وكأن الإسلام ضد هذا كله.
بل إنه لمما دفعني على ابتسامة رثاء، تلك الندوة الشهيرة التي عقدتها نقابة الأطباء عن الإسلام والعلمانية، وأعتقد أنه قد كان وراءها صديقي وزميل العمر الدكتور عبد الفتاح شوقي الذي زاملني من دمياط الثانوية إلى كلية الطب، وشاهدته عُضوًا نشيطًا جِدًّا في الإخوان المسلمين ونحن في السنوات النهائية من دراستنا. ورغم اختلاف السبل، إلا أن غاياتنا كانت دائمًا متفقة، حتى حين أصبح عبد الفتاح شوقي ومعه نخبة عظمى من الأطباء الكرام ذوي التوجه الديني هم تقريبًا كل أعضاء مجلس إدارة النقابة. ولم يكن غريبًا أن يُنتخَب عبد الفتاح سكرتيرًا عامًّا للنقابة، وأيضًا لم يكن غريبًا أن ينشط هذا النشاط الذي بدأه بتلك الندوة.
أقول ابتسامة رثاء؛ لأننا قد وصلنا إلى وضع أصبح الإسلام فيه يوضع ندًّا للعلمانية أو العلمية، وكأنهما ضدان، وكأن العلم ضد الإسلام، أو كأن الإسلام ضد العلم.
وتلك المقولة ليست سوى مدخل لما حاق بالإسلام، خاصةً في أيامنا الأخيرة، من سوء تأويل وتحديد وإفقار …
منذ أصابت النكسة كثيرًا من الثورات الوطنية القومية في العالم الثالث، وربما في العالم الإسلامي بشكل خاص، برزت الدعوة الإسلامية بشدة، ونودي بها كبديل عن الدعوة إلى القومية والوطنية، حتى سمعت بأذني شباب النقابيين في نقابة مهنية عليا يهتفون في مظاهره لتأييد مرشحي التوجه الديني، هتافات تقول: «لا قومية، لا وطنية، إسلامية، إسلامية.» وكأن الإسلام العظيم نقيض وضد للقومية والوطنية، وكأن الوطني أو القومي لا بُدَّ أن يكون بالضرورة نقيضًا أو عدوًّا للإسلام.
ولم تَدَعْنا الحضارة الغربية، وعلى رأسها الحضارة الأمريكية الإسرائيلية، في حالنا، ولكنها بذكاء شديد أدركت المحنة الفكرية التي تمر بها الشعوب العربية والإسلامية فحاولت أن تسرب هي الأخرى مفهوم «إسلامية» تحيل به الإسلام من دين ثورة وكفاح ضد الظلم، وضد الكفر الحديث (الاستعمار) إلى دين يركز على أن الإسلام دين مزاولة عبادات فقط، ودين يضع ما يحيق بنا من ظلم على عاتق الفرد المسلم باعتبار أننا مهزومون ومدحورون لأننا زُغنا عن حقيقة الإسلام، وأبدًا ليس لأن هناك أعداء مكروا لنا وأحسنوا وأجادوا مكرهم واستعانوا بأقصى ما وصلوا إليه من اختراعات وابتكارات تكنولوجية وعلمية ليحيقوا بنا الهزيمة من ناحية وليشجعوا مفهومًا عن الإسلام يُطالِب بتجريدنا من تلك الأسلحة، من العلم والتقدم، من الذكاء والفكر والفن والابتكار، لنكون له غنيمة جاهلة سهلة.
ثُمَّ رأينا من خلال السنوات الأخيرة تغلغل مفهوم محدود تمامًا في صفوف شبابنا، وحتى قطاعات كثيرة من مهنيينا من أشاع فعلًا مفهومًا للإسلام يركز على زي المرأة والجلباب الباكستاني أو السعودي للرجل، وكأننا إذا فعلنا هذا هزمنا الشيطان، وانتصرنا على أنفسنا وعلى ظروفنا وعلى تخلفنا وعلى أعدائنا.
ثُمَّ تتحدث الأصوات جميعًا في صيحة عليا تقول إن ما ينقص حكمنا ليكون إسلاميًّا شرعيًّا، وما يضيعنا ويشيع فينا السوقة والانحلال هو عدم تمسكنا بالشريعة الإسلامية، وإن في تطبيقها الحل الكامل لكل مشاكلنا، فإذا ناقشتهم في هذه المقولة وجدت أن الجزء الذي يركزون عليه من تطبيق الشريعة هو إقامة الحدود على السارق والزاني وشارب الخمر، وكأننا إذا قطعنا بضع أيادٍ كما فعل نميري، وإذا رجمنا فتاة ليل، ووضعنا السم في الخمر، وحرقنا محلات الفيديو والسينمات والمسارح، انحلت جميع مشاكلنا وعاش مجتمعنا مؤمنًا سعيدًا ترفرف عليه آيات الحب والود والوئام.
ثُمَّ رأينا الحكم الذي يتحكم باسم الإسلام يعتبر أن المعارضة للولاة ولحكمهم هي أس البلاء، وأن الخلاص من المعارضين بالشنق وإطلاق النار هو الحل، وأن شن حرب ضروس يموت فيها الشباب بمئات الآلاف من الجانبين هو الطريق إلى الجنة.
بمعنًى آخر؛ طُرحتْ في الساحة كثرةٌ من الدعوات الإسلامية أو على وجه أدق كثرة من الدعوات التي يزعم كل منها أنه هو وحدَه الإسلام وما دونَه باطل وزَيْف.
وإذا كانت كل تلك الدعوات تشترك في شيء واحد، فهي تشترك في النظرة الأحادية الضيقة تمامًا للإسلام العظيم.
•••
وأنا أسمع وأرى وأقرأ هذا كله كانت تحضرني حقيقة لا أستطيع لها دفعًا. كنت أقول لنفسي لا يمكن أن يكون هذا هو الإسلام العظيم؛ فهو أكبر وأعظم وأجل من أن يتشفى في سارق أو مخطئ، وأعظم من أن تكون أداته هي القمع والعقاب، وأشمل من أن تكون رسالته هي فقط تطبيق الحدود، وأوسع بكثير جِدًّا من أن يضيقوه إلى هذه الدرجة التي تحيله إلى دين متعصبين لا يرون أو يسمعون إلا رأيهم وحدهم، وإلا كان كتابًا كُتِبَ في حينه؛ ليرد على قضايا كانت مطروحة في حينها، وكأنه قرآن ليس صالحًا أبدًا — أستغفر الله — للتطبيق في كل زمان ومكان.
وتصادف — وأنا في هذه الحيرة — أنْ وقع في يدي هذا الكتاب لجارودي، ورُحت على مهل أتأمل كيف تسرب الإيمان بالإسلام الشامل إلى قلب وعقل ذلك المفكر الغربي الذي بدأ كاثوليكيًّا متطرفًا إلى أن أسلم، ولم يُسلم فقط، ولكنه برؤيته للإسلام يقدم لنا إسلامًا وكأننا نراه لأول مرة، في كل أبعاده وبكل أبعاده إسلام التحضر والوحدة والسمو، الإسلام العام المدرك الشامل.
وأعجبتني تلك الرؤيا تمامًا حتى آليت على نفسي أن أنقل معظمها للقراء.
أقول معظمها، لأنني لست مع جارودي في كل ما ذهب إليه، وبالذات عن الحكم الإسلامي، فجارودي قد كتب هذا الكتاب وغيره بعد أن كفر تمامًا بالغرب المسيحي وحضارته التي يقول عنها إنها حضارة خطيرة مدمرة. كفر حتى بالديمقراطية الغربية باعتبارها طريقة خادعة لتمثيل إرادة الجماعة البشرية.
وقد يكون لجارودي عذره في الكفر بالحضارة الغربية بعد أن شبعت تقدُّمًا وترفًا، ولكن رأيي أن جارودي تعسف الحكم، وتعسف حتى في كفره، فالحضارة الغربية التي يقول عنها هو نفسه إنها أخذت جذورها من المسيحية واليهودية والرومانية والإفريقية، وإنه آن الأوان لتضيف لجذورها، هذه الحضارة؛ ليست سوءًا كلها، فما فيها من تقدم علمي هو تراث بشري عام لا يخص حضارة بعينها، بناه الجنس البشري كله كما يذكر في كتابه، وأن يكفر هو بها أمر مقبول، أمَّا أن يدعونا معه للكفر بها فدعوى تحمل في طياتها دعوة خطيرة لتخلفنا العلمي والفكري.
وليس هذا هو فقط ما آخذه على جارودي، ولكني آخذ أيضًا حديثه عن الإسلام، فهو يتحدث عن الإسلام ككتلة أو بمعنًى أدق كدوجما كما يقولون في الغرب. والإسلام ليس كتلة وليس دوجما، إنه أوَّلًا وأساسًا رسالة محمدية سماوية عظمى، تحققت بالدولة الإسلامية في مراحلها الأولى فقط، وانتكست في مراحل كثيرة من سيرها طوال أربعة عشر قرنًا، ولا شيء أسوأ من تطبيق دعوة منتكسة متخلفة أو كما زعم نميري ويزعم غيره؛ إذ على خريطة الساحة التي تزعم أنها تطبق الحكم الإسلامي اليوم لا أكاد أجد نظيرًا للإسلام في نقائه الأول، ولا يزال الشوط طويلًا للوصول إلى مجتمع إسلامي متحضر حديث.
الغرب ليست دوجما والإسلام أيضًا ليس دوجما، وواجب المسلمين اليوم هو أن يفرزوا الحضارة الغربية ليختاروا منها ما هو ضروري لوجودهم في عالم اليوم، ويمحصوا تاريخ الحكم والوجود الإسلامي ليتفادوا كل نكساته ويستخلصوا كل عبره.
ولكن ما أعجبني حقًّا في كتاب جارودي هو تلك «الرؤية» للإسلام وفلسفته وامتداداتها إلى كل كبيرة وصغيرة من شئون الحياة وطقوس العبادات. انظر إليه مثلًا وهو يقول: لقد فقد الإنسان الغربي كل وحدة في علاقاته بالطبيعة والمجتمع والله، انفصل عن الطبيعة التي اعتقد أنه سيدها ومالكها، حيث اعتبرها انطلاقًا من هذا الاعتقاد أنها ملكه باعتبارها مخزنًا للمواد الأولية ومستودعًا للخامات؛ ولهذا راح يعاملها بلا خجل ولا احتشام بواسطة تكنولوجيات منحته القدرة على تدمير الأرض وأولئك الذين يسكنونها، لم يعد للطبيعة في حد ذاتها «مغزًى» بالنسبة إليه. ولم تساعد المسيحيةُ الكاثوليكيةُ الإنسانَ، بخوفها الأول من الطبيعة، ثُمَّ بعد هذا حين اشتملت على الثنائية اليونانية، وتراجعت عن مفهومها الأول تراجعات متتالية منذ عصر النهضة أمام علمية تدَّعي الإجابة على جميع مشاكل الحياة، تراجعات منحتها من الاحتفاظ بهذا البُعد الكوني للإنسان.
لقد حُكم على الإنسان في مجتمعاتنا الغربية بفردية متفاقمة أدت به إلى الوحدة والانعزال عن الآخرين، وباتساع منافسات اقتصاد «السوق» والوحشية سحقت المعدمين بواسطة خربي الذمة وتكنولوجيات استثمارات أحط الرغبات التي تجد لنفسها متنفسًا في الدعاية والتسويق. هذا النظام يولد بالضرورة العنف، ولا سيَّما لدى الشباب المحروم من الأشياء التي يلقنونه الرغبة في امتلاكها وفي نفس الوقت لا يجد في يده القدرة على امتلاكها.
هكذا نرى أن كتاب جارودي هذا ليس سوى قصيدة سباب وثورة على المجتمع الغربي الذي ينتمي إليه. حتى حقوق الإنسان لم تَسلَم من ثورته؛ إذ يقول جارودي:
إن إعلان حقوق الإنسان والمواطن يؤكد على أن «حريتي تقف حيث تبدأ حرية الآخرين»؛ فحرية الإنسان الآخر إذن حد فاصل وليست شرطًا لحريتي الخاصة. إن الحرية على هذا النحو حالة خاصة من «الملكية»، «مسجلة» و«مطوية» ومحفوظة، ولا بُدَّ لمثل هذه الفردية في تملك الحرية من أن تعده لحرب الجميع ضد الجميع، إلى أن تأتي اللحظة التي تتحول فيها بحكم منطقها الخاص إلى عكسها تمامًا، أي إلى الشمولية حيث يبرز دور فرد تتجسد فيه مجموعة منتصرة ويصير رمزًا لها ويحول كل الآخرين إلى خدم للدولة أو للحزب أو للطبقة. إن مجتمعاتنا الغربية (وتلك المجتمعات التي نشأت على منوالها في العالم الثالث) لا تنفك تتذبذب منذ أربعة قرون بين فردانية الغاب وشمولية النمل.
في حين أن الإسلام، إذ يرفض الثنائيات والثلاثيات والتعدد في السياسة والعقيدة، يربط بصورة لا انفصام فيها بين المجتمع ككل وبين التسامي، ويبشر بكل ما هو إلهي، أو على وجه أصح بنمط من الحكم والسلوك يجعل كل سلطة وكل ملكية وكل معرفة مسألة نسبية بالقياس إلى القاعدة الأساسية التي تتجاوزها وتسمو عليها. فالإنسان يعيش في عالم يملك القدرة ليس على تغييره فقط وإنما أيضًا على التسامي به.
•••
أعود فأقول لقد حاولت أن أقدم كتاب جارودي؛ لأنه أعجبني، بل الحق أنه بهرني في كثير من أجزائه وجزئياته، مع أن وصول جارودي إليها لم يكن سهلًا، فوصول مفكر غربي عَبَرَ بكل التجارِب الغربية في الفلسفة والاعتقاد إلى الاعتراف بديننا الإسلامي الحنيف وسموه ليس أمرًا سهلًا، وأصعب منه في رأيي أن يصل مسلم اليوم وسط هذه الغابة الهائلة من الدعاوَى المحدودة الأفق لفهم الإسلام، إلى حقيقة الإسلام نفسه. وربما حينذاك نكون في حاجة إلى رؤية محايدة وشاهدٍ من أهلهم؛ لندرك حقيقة رسالتنا. وليس هذا عيبنا على أية حال إنما هو عيب من يستخرجون من بطون الكتب الصفراء أقوالًا لا تُقنع إنسانَ هذا العصر، ولا تتلاءم مع طريقة تفكيره وأحاسيسه؛ إذ بهذه الطريقة يتصور أنه لكي يكون مسلمًا جَيِّدًا عليه أن يكون — أو بالأصح — متخلفًا جَيِّدًا. أمَّا أن يكون مسلمًا متقدمًا واعيًا مدركًا متعلمًا مثقفًا مبتكرًا خلَّاقًا، فتلك جريمة كبرى في نظر أصحاب الكتب الصفراء.
ولكي تدركوا وجهة نظري، خُذوا مثلًا رأي هذا الفيلسوف في «الملكية» في الإسلام.
يقول: جاء في القرآن الكريم: للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (سورة البقرة: الآية ٢٨٤).
ومن هذا يتضح انطلاقًا من مجتمع المدينة الذي أسسه النبي ﷺ أن التصور للملكية يقودنا إلى نقيض للتصور الغربي الروماني الأصل للملكية. ففي الحق الروماني تُعتبر الملكية هي «حق الاستعمال والإسراف وأحيانًا حتى حق سوء الاستعمال». وهذا المبدأ الرئيسي يشكل الأساس في قانون نابليون وكل النظام الاقتصادي الرأسمالي. إنه يَهَب المالك حقًّا «إلهيًّا» حقيقيًّا؛ فهو يستطيع أن يدمِّر — دون أن يعاقَبَ — ما يملكه، حتى ولو كان بتصرفه هذا يحرم المجتمع من ثروات لا غنى عنها لحياته.
والتصور الإسلامي يعارض بشدة هذا النظام، فالملكية في الإسلام، نسبية بنسبتها إلى السمو والرجوع إلى الله، وهي أبدًا ليست حقًّا من حقوق الفرد أو الدولة وإنما هي وظيفة اجتماعية، وعلى المالك أيًّا كان؛ فردًا أو جماعةً أو حتى دولة، تقديم حساب عن ملكيته؛ فهو المدير المسئول عنها.
والسرقة في الإسلام ليست في أن يأخذ المرء ما هو بحاجة إليه، بل ما لا يكون في حاجة إليه. والقرآن الكريم لا ينفك يظهر الكراهية، بل يلعن الذي يكنز الأموال؛ كقوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ … وقوله: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى … وقوله: وَجَمَعَ فَأَوْعَى … وقوله: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا.
إلا أن الإسلام يعترف أيضًا بحق الملكية الشخصية المكتسبة بالعمل أو بالإرث أو بالهبة، ولكن العمل يلعب دورًا رئيسيًا في الملكية. وثمة حديث نبوي يقول: «مالك الأرض هو من وضع فيها عمله.» وفي كتابه «دراسة في الاقتصاد السياسي» يقول «شارل جيد»: إن التشريع الإسلامي لا يقر ملكية فردية للأرض إلا لمن يكدح فيها. ورغم هذا فإن مبدأ المتصوفين الإسلاميين الأساسي أنهم لا يملكون شيئًا ولا شيء يملكهم … ذلك الذي ذكره أبو الحسن الندوي.
•••
وإذا اعتبرنا كتاب جارودي هذا ثورة مفكر غربي على مجتمعه الغربي، ومحاولة لَيِّ عنقه ليرى إسلامنا على حقيقته، فما أشد حاجتنا نحن إلى مفكر إسلامي جديد وحديث، يثور لنا وباسمنا على كافة تلك المسميات التي ملأت الساحة باسم الإسلام، ويقدم لنا رؤية يقبلها عقل الإنسان مِنَّا وقلبه دون أن يجبر نفسه على التخلف فكريًّا وحضاريًّا ونفسيًّا ليقبلها!
أجل، لقد بدأ الإسلام غريبًا، وأصبح اليوم في عالمنا الإسلامي الشاسع المترامي أكثر غربة بتلك الدعاوى الشديدة الضيق التي يحاول كل منها أن يمسك بخناق الإسلام الحنيف ويبتره ويجتزئه ويحصره داخل نطاق ضيق شديد الضيق، ويفرض على الجميع، بالميكروفونات أحيانًا، وبالهراوات والكرابيج في أحيان أخرى، وبالمشانق والرصاص — يا للهول — باسم أعظم دعوة يتلقاها البشر، وكان مفروضًا أن ينزلها الدعاة والداعون على قلوبهم بردًا وسلامًا.
يا إلهي، ارحمنا من بعض دعاة الإسلام، أمَّا أعداء الإسلام فنحن كفيلون بهم.