أوجه الصدام بين الإسلام والقومية العربية
-
إسلامية أم عربية؟
غريبٌ هذا الأمر، طوال الفترة الماضية وأنا أكتب في موضوع واحد، هو وضعنا العربي الراهن، لماذا صار إلى ما نحن عليه، وما هي الأسباب الخفية الكامنة وراءه، وما هو العلاج.
ولقد انتهيت — كما لا بُدَّ يذكر القارئ — إلى أن ما يحدث لنا ليس صدفة أبدًا، ولكن بِناءً على خطة مُحْكَمة وتدبير، مُوَجَّهَيْن ضدنا — كلنا — وأنه تَمَّ بِناءً على استغلال أعدائنا، أو بالأحرى أمريكا وإسرائيل، لطبيعة النظم العربية التي انتهيت إلى أنها كلها نُظَم قَبَلِيَّة حتى لو كانت ماركسية، وأن العقلية القبلية التعصبية هي المسيطرة الآن داخل علاقاتنا العربية، وهي التي يغذيها ويحركها الأعداء وينفخون في نيرانها.
ولقد أسعدني حقًّا ألا أكون وحدي المعنيَّ بالموضوع، والمهتم بهذا الأمر، وعلى هذا النحو. ولست أعرف إذا كان الأستاذ طارق البشري قد قرأ ما كتبتُه أم لا، ولكني فوجئت في عددٍ من مجلة الشعب التي تصدر في القاهرة بمقال له، عنوانه: الموقف من غير المسلمين والعلمانية.
وليسمح لي الأستاذ الكبير طارق البشري، وليسمح لي القراء أن أنقل لهم مقتطفات من هذا المقال الهام؛ ليدركوا إلى أي مدًى نحن لسنا متفقين فقط، ولكن لأنها الحقيقة الموضوعية الواضحة لكل ذي عينين؛ فأنا بعيد تمامًا عن الأستاذ طارق البشري، ولم يحدث بيني وبينه — للأسف — لقاء، ولا تناقشنا أبدًا حول هذا الموضوع، ولكن انظروا ماذا يقول وقارنوه بما سبق وكتبتُه.
هو يبدأ بفكرة الصراع بين القومية أو العروبة على وجه الدقة وبين الإسلامية، فيقول: إن الظرف التاريخي قد ألجأ مسلمي الهند إلى نفي القومية نفيًا مُطلَقًا؛ مما كان مثار نقد مفكرين إسلاميين كبار مثل مالك بن نبي، والظرف التاريخي أيضًا أدى بكثير من دعاة العروبة في الشام إلى نفي الجامع الإسلامي (يقصد البان إسلاميز أو الإسلامية) نفيًا مُطلَقًا؛ مما أثار نقدًا من مفكرين قوميين، نظروا إلى الإسلام بحسبانه من المقومات الحضارية والعقائدية الأساسية للمنتمين إليه. ونحن في ظروفنا التاريخية الراهنة، ما أحوجنا أن ننظر إلى صنعة هؤلاء وهؤلاء «شَوامًا وهنودًا» في إطار النسبية التاريخية!
(يجدر بي أن أذكِّر القارئ هنا أني كتبتُ مقالات كثيرة حول استعمال العروبة ضد الإسلام والإسلام ضد العروبة، بل والعروبة ضد العروبة والإسلام ضد الإسلام.)
ويستطرد الأستاذ طارق البشري ليقول: من الممكن أن نُعِير التجارِب الأخرى ما تستحق من اهتمام، حيث انسجم الهدف التوحيدي في كل من الدعوتين العربية والإسلامية، وجرت الفوارق بينهما في حدود الخلاف بين العموم والخصوص؛ ولهذا أقام هذا النظر قدرًا من الترابط والحيوية بين بعضهما البعض.
يمكن أن نضرب مثلًا مما حدث في صدر الإسلام بالنسبة للجامع السياسي؛ لقد قضى الإسلام على العصبية الجاهلية، وأقام رابطة الانتماء العقيدي للإسلام؛ فأقام دولته على هذه الرابطة.
ولكن، كيف جرى ذلك؟ لقد جرى على حساب القبيلة كوحدة سياسية وحيدة تجمع أهلها وتمتنع عن دونهم، ولكنه لم يَجْرِ بطريق ضرب الجماعة القبلية وهدمها هدمًا تامًّا، بل إنه أبقى على العنصر الجمعي فيها من حيث هو علاقة نسب وقرابة تضم المئات، ثُمَّ نزع عنصر الامتناع الذي أُسْمِيَ «العصبية الجاهلية»، واستطاع بهذا أن يرتب العوامل الجمعية ترتيبًا غير متنافٍ، بل يغذي بعضُه بعضًا، ويُقيم بينهما ترابطًا وتدرُّجًا من الخصوص إلى العموم حتى يصل إلى الجماعة الإسلامية الكبرى. ووجدنا — مثلًا — فُسطاط مصر تنشئ «خُططًا»؛ أي «أحياء سكنية»، لجندِ كلِّ قبيلة خُطة، يبقون فيها متجاورين غير شائعين في غيرهم من جند القبائل الأخرى، ولكنهم جميعًا يَحْيَوْن، يجمعهم جهاد واحد في سبيل نشر دعوة التوحيد.
هذا أسلوب ومنهج في التفكير وفي العمل، أرجو أن يكون فيه ما يفيد (يقصد يغير حاضرنا العربي والإسلامي)، وهو ذاته الذي تقوم عليه العلاقة بين عدد من الكيانات الجمعية في مجتمعنا المعاصر، من الوحدات الاجتماعية الدنيا كالأسرة والعائلة والحي، إلى الوحدات الأكبر كالعشيرة حيث توجد والمهنة وغيرها، إلى الوحدات شبه السياسية كالدويلات والولايات في إطار علاقاتها بالدولة الأم، إلى الوحدات الأوسع كالمنظمات الدولية والإقليمية وغيرها. وللدولة علاقة بكل ذلك.
أفلا نستطيع إيجاد صيغة لهذه العلاقة، وأن نتبين عناصر التنافر بينهما لنعمل على إزالتها؟
ويرد الاتفاق بين الحركتين من الاحتواء الإسلامي للعروبة من حيث الأغلبية السكانية الغالبة، ومن حيث الهيمنة الحضارية والفكرية والتاريخية؛ هيمنة دامت حتى القرن التاسع عشر، فلا تكاد تميز بين ما يُعتبَر فكرًا وحضارةً إسلاميةً، وبين ما يُعتبَر منها «عربيًّا» إلا من حيث عموم الأولى وخصوص الثانية.
أمَّا وجوه الاختلاف بين الجامعتين فتتمثل أكثر ما تتمثل في الإطار العام للدائرة التي ترسمها كل منهما؛ إذ الجامعة الأولى تدور مع العقيدة، وتشمل العرب وغيرهم، وإذا كان العرب من أكثر الجنسيات الإسلامية، فهم لا يمثلون أكثر من سدس المسلمين. والجامعة الثانية تدور في الأساس مع اللسان العربي، وتضم المسلمين وغير المسلمين. فالدائرتان لا تتطابقان ولا تستوعب إحداهما الأخرى استيعابًا كاملًا، وهذا يُثير الجدل حول أوضاع المسلمين من العرب وغير العرب من المسلمين، وفقًا لأيٍّ من الجامعتين المعنيَّتين، وهو أمر يقتضي جهدًا توفيقيًّا في جانبين أساسيين:
أولهما: الإطار التنظيمي الذي يحدد العلاقات المتبادلة بين الجامعتين: «دولة واحدة، ولايات متحدة، اتحاد دولي، جامعة دول، جامعة شعوب … إلخ.»
وليس ثمة موقف نظري أو عَقَدي يَحُول دون اتخاذ الشكل المناسب لأوضاع الجماعات وأي ظرف تاريخي محدد، أو يَحُول دون إدخال التعديلات المناسبة مع تغيير الأوضاع التاريخية. والمهم في ذلك أن ينظر ذوو التوجه الإسلامي إلى العروبة بوصفها واحدًا من مكونات انتمائهم الأشمل، ويحسبون أن التوحيد العربي يجري في اتجاه متفق مع تحقيق انتمائهم الأشمل، وأن ينظر العرب «القوميون» إلى الجامع الإسلامي بحسبانه جامع نضال تحريري وتضامن يجري بين شعوب ذات تكوين عَقَدي واحد، ويتضمن ذاتية تحريرية ونزعة للنهوض. وإذا كان العرب الوطنيون لا يعارضون ما يُسَمَّى بالتضامن الإفريقي الآسيوي، رغم الاختلاف الشاسع في الموارد الحضارية التي تضم هؤلاء جميعًا، فما أحرى العرب أن يحرصوا على ما يقوم من وشائج بينهم وبين سائر المسلمين، من حيث التاريخ والتكوين الحضاري! وما أحراهم من بعد أن ينظروا إلى العالم الإسلامي من وجهة النظر المكافحة للاستعمار والقمع الدولي! وهو عالم يتكون جميعه الآن ممن يسميهم مالك بن نبي منبوذي القرن العشرين.
وثاني الجانبين متعلق بمبدأ المواطنة؛ أي إمكانية إيجاد صيغة للمساواة التامة بين المسلمين وغير المسلمين من أبناء الوطن الواحد، وذلك في إطار الجامعة الإسلامية، وإمكان إيجاد صيغة بين العرب وغير العرب من مواطني العالم العربي كالأكراد والبربر والزنوج وغيرهم. وأتصور أن كلتا الجامعتين يمكن أن تقوم بدور التغذية المتبادلة في هذا الشأن. إن الإنجاز التاريخي للحركة القومية «سواء كانت الحركة العربية أو حتى الحركة الوحدية الإقليمية في العشرينيات» كان في أنها وثقت الرِّباط بين المسلمين وغير المسلمين من أبناء أوطاننا، وأوقفت احتمالات المداخلة من الدول الكبرى والقوى الطامحة بين أبناء الوطن الواحد. تلك إنجازات خطيرة يتعين أن نحفظها لصالح العرب والمسلمين، ولصالح تحريرهم ونهوضهم جميعًا.
•••
إلى هنا وأنا مع الأستاذ الكبير طارق البشري في كل ما قاله، ففعلًا لن نكون مسلمين صالحين إلا إذا كُنَّا أوَّلًا عربًا صالحين، وعشائر صالحة، وأسرًا صالحة، ونقطن أوطانًا صالحة. هنا لا تعارض بين الأغلبية وبين عالمية الإسلام ولا بين القومية والإسلامية.
وهذا رد قوي مفحِم على الجماعات الإسلامية التي تنادي بإلغاء نظرة العروبة والقومية وإحلال الإسلامية محلها؛ مثلما حدث وسمعتُ شباب المهندسين في نقابة المهندسين ذوي التيار الإسلامي يهتفون: «لا قومية، لا وطنية، إسلامية، إسلامية.»
إنك لا تستطيع أن تبني الطابق الثاني من البيت قبل أن يرتكز على الطابق الأول، ولا تستطيع أن تبني الطابق الأول إلا وهو مرتكز على أرضٍ ووطن وانتماء؛ فالمسلم ليس كائنًا مُطلَقًا يحيا في عالم مُطلَق، المسلم كائن من أبٍ معيَّن وأم معينة وأسرة معينة وبلد معين ووطن معين؛ فالخصوصية فكرة تجعل للعمومية الإسلامية قدرة وقيمة ومهمة، فالله سبحانه أورثنا الأرض لنزرعها ونعمرها ونحياها ونمتلكها، وأن نتنازل عن هذا كله لكي نكون مسلمين قلبًا وقالبًا إنما هو عصيان واضح لما خلق الله سبحانه الإنسان وأمره به.
النقطة الثانية التي أعجبتني تمامًا في كلمة الأستاذ طارق البشري هي قوله: إنه ما دام التوجه واحدًا، أي محاربة الاستعمار والأعداء؛ فسوف تنتفي التناقضات بين الإسلامية والعروبة، وتحل الوحدة والاتحاد والوئام بين الدائرتين. أمَّا أن يكون الهدف من الإسلامية هو محاربة المسلمين لشِيَع غيرهم من المسلمين وكف المسلم على ذاته يؤنبها وكأنه هو المذنب وليس عدوه؛ أمَّا إقامة الدين على الشعائر الظاهرة فقط وترك جوهره الكفاحي العظيم، فذلك إسلام آخر؛ هو أمر محسوب علينا ليفتَّ مِن عَضُدِنا، ويُفَرِّقنا شِيَعًا، ويهزمنا ويسحقنا.
•••
أمَّا الشيء الذي لستُ أبدًا مع الأستاذ طارق البشري فيه، فهو حين يقول في نهاية كلمته:
بقيت الإشارة إلى وجود التنافي بين الجامعتين، وأهم هذه الوجوه في ظني هو الوضع «العلماني» الذي قامت عليه «عروبة الشام» و«مصرية ١٩١٩م». ويبدو لي أن مِحَكَّ الصدام بين الإسلام والقومية هو في هذا الجانب العلماني. والقومية قريبة من الإسلام ما ابتعدت عن العلمانية، بعيدة عنه ما اقتربت منها. فلا تجتمع علمانية وإسلام إلا بطريق التلفيق وصرف أيٍّ منهما على غير حقيقة معناه. وإن الدعوة الإسلامية تقوم أول ما تقوم على مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية واعتبارها الإطار المرجعي ومصدر الشرعية والحاكمية في المجتمع، وهذا وجه التنافي للعلمانية معها. وإذا كانت العلمانية هي مجال التنافي الأساسي فلا أرى وجهًا لاعتبارها لصيقة بالحركة القومية، أو بحركة الوحدة التي تقوم على أساس العروبة. وإن التصاق العلمانية بالتصنيف القومي في التاريخ الأوروبي لا يجعلها كذلك عند نقلها إلى أي سياق تاريخي وحضاري مختلف، وليس من المقنع أن نفترض تلازُمًا غير مُنفَكٍّ بين جامع سياسي يقوم على اللغة والتاريخ وبين نمط للحكم يفصل نظام الأرض عن حكم السماء. كما أنه ليس من المقنع أن نفترض تلازمًا غير مُنفَكٍّ بين التنظيمات الديمقراطية وبين نظرية سيادة الأمة التي تقرر وضعية القوانين وعلمانية النظم. ونحن نزعم أن من الممكن أن نستخلص النموذج التنظيمي سواء النموذج القومي في تصنيف الجماعات أو النموذج الديمقراطي في رسم شكل الحكم. نستخلص من ذلك النظريات الأوروبية، وأن نستوعبها في إطار نظرية أخرى وقيم حضارية وسياق تاريخي مخالف، متى كان ذلك ممكنًا، وهو في تقديري ممكن.
•••
لا يا سيدي.
إني معك تمامًا أن الإسلام دين ودنيا، وأن الحكم بما جاء به الإسلام هو القاعدة التي لا مَحِيص عنها، ولكن خلافي معك هو هنا في تعريفك للعلمانية، فالعلمانية كلمة أوروبية مترجمة هي الضد للثيوقراطية أو حكم الكنيسة؛ فالثيوقراطية ليست حكم السماء ولكنها حكم رجال الكنيسة وباباواتها؛ وكذلك العلمانية، بعض الناس يستعملونها هنا لفصل الدين عن الدولة، وأنت قد افترضت إمكان ذلك ضمنًا، ولكن الكارثة الكبرى أنها تُستعمل عندنا في مصر على الأقل، بل ربما على مستوى العالم العربي والإسلامي كله، على أنها نبذ العلم من ناحية، ونبذ الطرق الديمقراطية الحديثة التي يُختار بها الحاكم، من انتخابات واستفتاءات وترشيحات، واتخاذ نظام البيعة الإسلامية وسيلة لإيجاد الحاكم المسلم. أمَّا نبذ العلم ففي رأيي أنه المؤامرة الكبرى على العقل العربي، فالدولة الإسلامية في عنفوانها وقوتها قامت على الأخذ بأسباب الدرس والعلم والتجريب والطب والهندسة والجبر والفلك والجغرافيا والتاريخ. ولقد تلقنت أوروبا هذا كله ومعه ما ترجمه العرب عن علوم الإغريق وجعلته قاعدة تنطلق منها إلى حيث نهضتها الحديثة، وما دمنا نريد لأمتنا الإسلامية التي تعلمت عنها أن تنهض من كبوتها وأن تقهر أعداءها، وأعداؤها مسلحون بالعلم والمعرفة، فلا بُدَّ لنا أن نجعل العلم والتعليم ومعرفة التكنولوجيا الحديثة هدفًا أصيلًا من أهداف تلك الدولة سواء أكان جامعة عربية أصغر أم جامعة إسلامية أكبر.
أمَّا أن نعود إلى نظام البيعة واختيار «أمير المؤمنين» بأن يجتمع شعب كالشعب المصري مثلًا في صحراء مصر الجديدة و«يبايع» هذا أو ذاك أميرًا للمؤمنين، فهو أمر لم يعد يصلح للعصر الحديث، فنحن في مصر مثلًا ٥٢ مليونًا من البشر، بينهم على الأقل ثلاثون مليون ناخب، فكيف يَنتخبون، أو على أي أساس يمكن أن يُرشَّح أمير المؤمنين، وكيف يتم انتخابه وكأننا في اجتماع السَّقِيفة الذي كان بالكاد يضم طائفتين من طوائف أهل المدينة؟!
إن السر المستتر وراء هذه الدعوة إلى تطبيق الشريعة، في الحكم، هو أن يتولى رجال الدين أمر الحكم، كما تولى مِنْ قَبْلهم في أوروبا رجالُ الكنيسة أمرَ الحكم. ولعلك تعرف جَيِّدًا البشاعات التي ارتكبها حكم الكنيسة في أوروبا في القرون الوسطى، وأمامنا الآن مثل واضح وصريح؛ الحكم «الإسلامي» الخوميني القائم في إيران، هل يملك أحد محاسبتك على إهلاك أرواح المسلمين باسم الإسلام وباسم محاربة الكفرة.
إنها دعوة مكشوفة لاجتثاث الحكومات المدنية الحديثة، وركوب الدعاة كراسيَّ الحكم، وتطبيق الحدود بحق أو بغير حق. وهذا وحده كفيل بأن يفكك أي جامعة إسلامية أو عربية أو حتى قومية ضيقة.
إننا محتاجون من هذه الجامعة الإسلامية الكبرى التي نتحدث عنها والجامعة العربية الصغرى إلى تنظيم أسس علمية، مستفيدين بما حققته أوروبا من بضاعتنا التي أخذَتْها مِنَّا، وإلى اختيار حكامنا أيضًا على أسس ديمقراطية؛ إذ هي وحدها الكفيلة بإيجاد ليس فقط الحاكم الواحد الصالح ولكن المجالس الشورية والنيابية والوزراء والقضاة الصالحين.
إن القضية أكبر بكثير من أن تكون صراعًا بين العلمانية والحكم الإسلامي، فلا تناقض في رأيي بينهما مطلقًا، إن الحكم الإسلامي الذي لا يعترف بالعلم وبالديمقراطية وبالحرية («اطلبوا العلم ولو في الصين»، «متى استعبدتم الناس وقد ولدَتْهم أماتُهم أحرارًا»، «لا فضلَ لعربي على أعجمي إلا بالتقوى» …) إنه لا يُعلَن له برنامج مُفصَّل نرى فيه كيف سيحكم ومن الذي سيحكم وبأي القوانين «غير قطع اليد وإقامة الحد» سيحكم!
كل ما في الأمر أنهم يريدون «هؤلاء الدعاة والمدعية» الاستيلاء على الحكم، وبعدها يفعل الله سبحانه ما يشاء.
والحديث الشريف الذي يقول اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، ترجمته الواضحة هي التفكير والتخطيط للمستقبل، ودراسة ما نحن مقبلون عليه، وهل هو شر كله، أم خير كله، أم من المستحب مناقشته مناقشة جادة وخطيرة، والوصول به إلى أقصى ما يستطيع عقلنا البشري المسلم من حلول لمشاكل حاضرنا ومستقبلنا.