الياقوتة الخامسة
رمَت بغدادُ في أطلسها النارَ، وفي تاريخها جلجلَ
رشقُ
البرق، في تاريخها صفَّقَ طبَّالون للوهمِ، ومن نهر
دمٍ
يخفقُ من جمرِ ظلامٍ خرجَ السيَّاف والصوفي
والشاعر،
ها نحنُ نخيط الجرحَ بالدمعِ، إذا الأيامُ شبَّت في
رءوس
الناس شيبًا ردَّنا الوهمُ لحفر الموتِ في أرواحنا
دارت بنا
الدنيا، وها نحنُ نسوقُ الشمسَ للمنفى ونبكي جثثَ
الأبناءِ والآباءِ في الوديان قتلى في عراء الأفق،
ها نحنُ
نقود الكبشَ للذبحِ ولا كبش إلى الفردوس يمضي.
كلُّهم ماتوا ولم تغسلهمُ تسبيحةٌ حرَّى ولم يحملهمُ
طائرُ
نهر الموت، أهوالٌ رمَت بغداد واهتزَّ بها عرقُ دمٍ
تحت
ظلام الخوف، أهوالٌ رمَتنا فاستفَقنا نغزلُ النارَ
ونرثي
قمرَ الدمعِ الذي هلَّ ولم يُصبح هلالًا.
لماذا نحنُ في التيه؟
لماذا سقط الوردُ ونامَ الفجرُ؟ ماذا هزم الشمسَ؟
وكم
من نائحٍ غنَّى طويلًا حيث لم ينفتح الباب وصِرنا في
سجونٍ نملأُ الليلَ أنينًا؟
لماذا نحنُ في الموتِ؟
هوت أجفاننا ثم هوى الوردُ … هوت أسناننا ثم طوى
الحزنُ قلوبًا زانها الطهرُ، الغصون ارتبكَت في
يدنا
وارتبك النورُ، هوت بغداد في تاريخ قهرٍ شائكٍ لاح
بها
النهرُ غريبًا دائخًا والناسُ صرعى حوله تبكي،
تحوك
النار في موقدها أحرقَت النارُ ثيابَ الناس شلَّت
دمهم
شتتت النسلَ وما زالت.