الانجذاب الجنسي
(١) الزوفيليا
ويتعلق الأمر بخَلَل عَقْلي تُمارَس فيه الاحتياجات الجنسية الطبيعية للجنس البشري مع جنس مختلف، ويُعاقِب القانون على هذا الانحراف النفسي المَرَضِيِّ الذي يُعانِي منه بعضُ بني البشر والذي يؤدي إلى تعرض الحيوانات إلى إساءة معاملتها وتُنتَهَك حقوقُها (انظر الفصل الرابع عشر). وقد نُلاقي بالمصادفة حالات نادرة من هذا النوع من الزوفيليا في المناطق الريفية؛ حيث تكون احتمالات الاتصال مع الحيوانات موجودة في كل مكان، ويكون المصابون بها بعضَ الأشخاص غيرَ الناضجين (مراهقون يبحثون عن المشاعر) أو بعض المختلين الطائشين غير المسئولين عن أفعالهم. وفي حضارتنا المدنية الحديثة، توجد الأغلبية الساحقة من حالات الزوفيليا المرضية في أوساط الأفلام الإباحية التجارية التي تستغل أيضًا الأطفال (البيدوفيليا أو الغلمانية). وبسبب هذا الارتباط الوثيق بين الأفلام الإباحية مع كلٍّ من الحيوانات والأطفال (الزوفيليا والبيدوفيليا) واستنادًا إلى فكرة أن مكافحة الزوفيليا ستساهم أيضًا في مكافحة البيدوفيليا، نجحت الرابطة الفرنسية لحقوق الحيوان في عام ٢٠٠٤ في تعديل القانون الجنائي من أجل إدراج العنف الجنسي الذي يُمارَس ضد الحيوانات.
(١-١) الإنسان والحيوان مُعرَّضان لممارسة العنف ضدهما
تتفق هذه الملاحظة مع ملاحظة أخرى عامة جدًّا: تشبه المعاملة القاسية والعنف اللذان قد تتعرض لهما الحيوانات المعاملة القاسية والعنف اللذين قد يتعرض لهما البشر. وهكذا فإن بعض مفتِّشي جمعية حماية الحيوانات والمُطالَبين برصد حالات المعاملة القاسية تجاه الحيوانات رصدوا بالمناسبة ذاتِها عنفًا يُمارَس ضد الأطفال. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المناطق التي تستضيف سباقات الثيران في أوروبا هي ذاتها التي تشهد مواجهات المصارعة الرومانية. وفي عشية الإجازات يتخلَّى البعض عن حيوانات نراها ضالة في الطرق تمامًا مثلما يتخلَّى البعض عن آبائهم المُسِنِّين في المستشفيات. وثمة أمثلة لا تُحصى في هذا الإطار؛ فالعلاقة بين الأفلام الإباحية مع كلٍّ من الحيوانات والأطفال تُعزِّز هذه الملاحظة بوضوح.
وتؤدي هذه الاختلالات الزوفيلية والأفلام الإباحية البيدوفيلية بطريقة ما إلى تَشَابُهٍ (مؤسف) بين الإنسان والحيوان حتى في الجُنْحَة أو الجريمة التي قد يقعان ضحية لها، وذلك بما أن ضحايا إساءة المعاملة هذه قد يكونون بشرًا أو حيوانات على حدٍّ سواء.
(٢) الروبوفيليا
(٢-١) ثمة إثارة جنسية خفية متعلقة بالاصطناعية
(٢-٢) بيجماليون يصير أبًا لأطفال وُلدوا من التمثال الذي نحته
نجد أقدم قصص الحب بين إنسان وكائن اصطناعي في أسطورة بيجماليون القديمة كما عرضها أوفيد في قصيدة «التحولات». كان بيجماليون ملكَ قبرص، ولكنه كان قبلَ كلِّ شيء نحَّاتًا موهوبًا، ونظرًا لاشمئزازه من الأخلاق المنحلَّة التي تتسم بها بنات مملكته اللواتي يَعرِضْنَ أنفسَهن على الجميع، رفض المَلِكُ الشابُّ أن يتزوج وخصص كل وقته إلى شغفه وهو النحت، إلا أن الرغبة في العزوبية هددت بصورة مُقلِقة السلالةَ الملكية وريثة العرش. وفي يوم ما قادتْه موهبتُه إلى نحْتِ عذراءَ شابَّةٍ من العاج وكانت فائقة الجمال، فوقع أسيرًا في حبها. ولكنه عندما يَئِس من هذا الحب المستحيل توسَّل إلى أفروديت أن تمنَحَه امرأةً تُشبِه رائعتَه العاجيَّةَ، فلبَّتِ الإلهةُ أمنيتَه وتحوَّل التمثالُ إلى امرأة حقيقية: جالتيا، فقرَّرَ بيجماليون أن يتزوَّجَها، وأسفرتْ هذه العلاقة عن ميلاد طفل وهو بافوس، الذي سيكون لاحقًا مؤسس المدينة التي تحمل اسمه في قبرص. فغمرت السعادة بيجماليون؛ فهكذا وجدتِ الأسرةُ الحاكمة طوقَ النجاة.
تعتبر أسطورة بيجماليون بلا شك التجلي الأول لموضوع اتخاذ الكائن الاصطناعي شريكًا، أو زوجة في هذا الموقف، مما سمح لمصمم هذا الكائن بالتخلص من وحدته. ولكن الأسطورة لا تُقدِّم جالتيا بصفتها بديلة للمرأة أو امرأة من صنف أدنى، فلن تكون في هذه الحالة الملاذَ الأخيرَ لرجل ترفضه النساء ومحكومٍ عليه بحبِّ امرأة اصطناعية، بل هي أكثرُ جَمَالًا وجاذبية في نظر النحَّات من كل البنات الحقيقية في مملكته. ويبدو أن النهاية السعيدة تُظهِر أنه يجب ألا نبحث عن درس أخلاقي سلبي في هذا النص؛ فقد كان الإغريقيون يُدينون التكبُّر والتجاوزات وانعدام المسئولية، بالإضافة إلى حماقة إيكاروس أو انتهاك أوديب للأعراف الاجتماعية. ولكن بيجماليون ليس من بين هؤلاء فهو موهوب ومتواضع وقد يكون أيضًا ورعًا؛ فكل ما كان يتمنَّاه هو السعادة فقط.
(٢-٣) في ظل الحركة الرومانسية، الكائنات الاصطناعية تصبح أشياء مرغوبة ولكن مرفوضة
لماذا يُعتبر حب آلة أو الرغبة فيها صادمًا في يومنا هذا؟ فقد مرت الحركة الرومانسية بهذه المرحلة! ففي عام ١٨١٦ في الوقت الذي كانت ماري شيلي تعمل على كتابة روايتها «فرانكنشتاين» كان إرنست هوفمان يقص في «الرجل الرملي» نسخة جديدة من أسطورة بيجماليون. ولكنه نسي حماسة الإغريقيين وصارت جالتيا في ظل الرومانسية بديلة وخدعة لا تستطيع رؤيتها إلا أعين مُغرَمة. وفي الإطار ذاته اقترح فيلييه دوليل آدم في «حواء المستقبل» في عام ١٨٨٦ مغامرة مأساوية جديدة وكان موضوعها هو تشكيل امرأة مثالية. وعبر هذه القصص استكشفت الحركة الرومانسية السحر الجنسي الذي تضمه أسطورة بيجماليون، فالمرأة الاصطناعية تُعتَبر هنا وهمًا. ويرى هؤلاء المؤلِّفون أن الإنسان الذي يُفتَن بهذه الخُدَع هو مُدانٌ بصورة مزدوجة؛ فهو الإنسان الحديث الذي لا يكترث بمبادئ الطبيعة والمنخدع بالتقنيات الحديثة، وبالإضافة إلى ذلك هو يستبعد نفسه من المجتمع باشتهاء شيء مرغوب ولكن مرفوض.
(٢-٤) مع تطور صناعة الروبوتات والذكاء الاصطناعي، أليس من الممكن أن نصل في المستقبل إلى تصميم هذا الكائن المثالي الذي تصفه الروايات؟
منذ حوالي عشرة أعوام أُحرِز تقدمٌ بالغ فيما يتعلق بالحركات والمعدات والوجود والعواطف الاصطناعية. ويحاول بعض الباحثين في اليابان تصميم روبوتات واقعية جدًّا يصعب تمييزها عن الإنسان، ويحاول البعض الآخر استكشاف طريقة نشأة العلاقات بين الإنسان والآلة عبر لوغاريتمات تسمح للروبوتات بالاختلاف بعضها عن بعض وفقًا لطريقة تفاعلنا معها، إلا أن الروبوت «المستنسَخ» من الإنسان لا يزال بعيدَ المَنَال. وبالإضافة إلى ذلك يُظهِر لنا تاريخ الكائنات الاصطناعية أن عدم كمال الكائن هو دائمًا ما يجعله ممتعًا. ففي الروايات لا تكون الكائنات الاصطناعية من سلالة جالتيا نساءً، بل نساءٌ ينقصُهُنَّ شيء. وغالبًا ما تنبع الإثارة الجنسية تجاه الكائن من غياب الاستقلالية لديه ومن سلبيته. وبذلك ليس من المؤكد على الإطلاق أن تُصبِح الآلات التي تتقدم في محاكاتها للإنسان مرغوبًا فيها بصورة أكبر.