تُعَدُّ كلمة «شخص» غامضة بالطبع. وإذا كانت غالبية القواميس تستخدم لفظ «شخص» للإشارة
إلى الشخص من البشر فقط، فنحن نجد امتدادين للكلمة: الشخص الإلهي أو الذات الإلهية والشخص
المعنوي (أي مجموعة من المصالح؛ «ميناء بيريه شخص معنوي»). وبالإضافة إلى ذلك فإن مسألة
وجود
«شخص حيواني» هي الآن محل العديد من النقاشات.
(١-١) الشخص الحيواني
في الكتاب
1 الذي يُدافِع فيه عالِم الأحياء إيف كريستين عن هذه المسألة، يقترح تعريفًا
أوسع «للشخص»، وقد يشمل هذا التعريف المملكة الحيوانية. وإذا طبقنا هذا التعريف في المثال
التالي على فهد، فقد ينطبق على أيِّ حيوان يمتلك شكلًا من أشكال الاستقلالية:
2 «فهو فرد لأنه يختلف عن البقية، وهو شخص لأنه، بصفته فردًا، يندرج في شبكة من
العلاقات بين الأفراد.» ولنلاحظ، وهي مفهوم قريب جدًّا من مفهوم «الشخص الحيواني» من
الناحية، بهذه المناسبة أن هذه الشبكة من العلاقات بين الأشخاص قد سمحت أيضًا لمفكِّر
مُلحِدٍ بتعريف «الروح الحيوانية» (انظر الفصل التاسع عشر)، الفلسفية، وهذا التعريف للشخص
على أنه فرد لا مثيل له يفترض أن كل فرد يمتلك خصائص محددة يمكن التعرف عليها؛ أيْ إنه
يمتلك «هوية» فردية. ويذكرنا كريستين
3 قائلًا: «هل تتسبب الحيوانات في تدهور […] هويتها؟ […] فإن العديد من الأعمال
المتعلقة بصورة خاصة بالطيور، ولا سيما البطريق، تفترض بقوة وجود أصوات خاصة تشبه توقيع
الأفراد.» ولقد استطعنا إثبات أن كل حيوان يمكنه التعرف بصورة فردية على كل أبناء جنسه،
وذلك بصفة عامة لدى الحيوانات الاجتماعية، بدءًا من الدلافين وحتى الدجاج.
(١-٢) الجانب القانوني
لكن مفهوم «الشخص» له عواقب قانونية؛ فالقانون بالطبع من وضع الجنس البشري، ولكنه
يهدف
إلى التأمل في مجموعة العلاقات بين الجنس البشري والعالَم المحيط به. فهو يَهدِف إذن
إلى
وضْع تعريف وإطار للأشياء أو للكائنات الحساسة أو للأشخاص؛ لأن هؤلاء هم «موضوع القانون»
ويمتلكون امتيازات محددة: هوية ومنزلًا وحقوقًا عديدة. وإن لم يكن هناك أدنى شك في أن
الحيوانات كائنات حساسة ومختلفة عن الأشياء الجامدة
4 وإذا كان تطور القانون يسلك هذا الاتجاه (انظر الفصل الرابع عشر) فهل يمكننا أن
ننسب إلى بعض الحيوانات مفهوم «الشخص» بمعناه القانوني؟ لا تزال المسألة محل نقاش، ولكن
بالإضافة إلى الشخص الإنساني والشخص المعنوي حاول بعض فقهاء القانون أن يحددوا ما قد
يَعنيه
هذا الشخص الحيواني في القانون.
وهكذا اعتقد نقيب المحامين الفرنسي ألبرت برونوا
5 أنه من الممكن أن ننسب إلى الحيوانات نوعًا من الشخصية القانونية، وأقر أن مثل
هذا الإجراء سيفرض بلا شك عددًا من المشكلات. وهو يشير ضمنيًّا هنا إلى الحيوانات الأكثر
تطورًا، ولا سيما الحيوانات المنزلية. ولكنه لا ينوي جديًّا أن يمد هذه الصفة الشخصية
إلى
كل الحيوانات، من الشمبانزي إلى الإسفنج! ويرى أنه في حالة الحيوانات الأكثر تطورًا يمكن
تحديد أُطُر قانونية محددة لهذه الشخصية القانونية: الحالة المدنية والمنزل وتدابير الحماية
… ومِن ثَمَّ فقد تختلف هذه الشخصية بوضوح عن الشخصيات الطبيعية (البشر) والمعنوية (مجموعة
المصالح) حتى لو تقاسمت مع الشخصيات المعنوية والشخصيات الطبيعية المُعاقة عجزَها عن
التعبير عن أنفسها. فمن الضروري إذن أن يمثلها ويدافع عن حقوقها وسيط إنساني كمحامٍ أو
ممثِّل لجمعية للدفاع عن الحيوانات: «للجنين والقاصر والمختلِّ عقليًّا ممثلون شرعيون،
فينبغي إذن أن يكون هناك ممثل عن الحيوان.»
6 وفي السياق ذاته توضح المحامية كارولين دايجوبرس
7 من مدينة بوردو أنه يتعين أن يكون الحيوان «موضوعًا لقانون من نوع خاص» ولقد
رأينا أن «موضوع القانون» يقودنا بالضرورة إلى مسألة الشخص. ولا يتفق كل فقهاء القانون
على
هذا الموقف؛ فتظل قضية الحدود القانونية المحتملة «للشخصية الحيوانية» محل العديد من
النقاشات.
ولكن توضح الفقيهة القانونية ماري-أنجيل إرميت:
8 «منذ الوقت الذي امتلكتْ فيه الجمعيات القدْرة على تمثيل الحيوانات في القضاء
[…] صار الحيوان موضوعًا للقانون.» وأضافتْ قائلة: «نعيش فترة وسطية يُعَدُّ فيها الحيوان
موضوعًا للقانون وتحت طائلة القانون، وهو ما يُعَدُّ محيرًا للفقيه القانوني؛ لأنه لا
يمكن
بطبيعة الحال أن نجمع بين الصفتين.»
9