الضحك
(١) هل تستطيع الحيوانات أن تضحك؟
عادةً ما نسمع المقولة الشائعة: «الضحك ميزة خاصة بالإنسان وحده»، ولكنها ليست صحيحة؛ فبعض الحيوانات تستطيع أن تضحك. وكما لاحظ داروين من قبلُ، يَعُود أصل الضحك إلى سلوكيات أسلافنا الحيوانات، شأنه في ذلك شأن العديد من التعبيرات الأخرى لسلوكياتنا، فالضحك إذن ليس ميزة حكرًا على الإنسان وحده.
(١-١) الضحك لدى الفئران
لدى الإنسان، يظهر الضحك لدى الطفل الصغير قبل نضوج الوظائف الإدراكية التي تَجعَله يُدرِك ما هي الفكاهة. فتعكس هذه الضحكة المجردة نوعًا من الارتياح العاطفي. وبالطريقة ذاتها لدى الكثير من الثدييات، تصاحب سلوك اللعب أصوات تعكس نوعًا من الارتياح العاطفي. وكذا لدى الفأر الصغير في أثناء اللعب، فقد حدد فريق جاك بانكسب في الولايات المتحدة (٢٠٠٣) فترات إصدار أصوات بتردد ٥٠ كيلوهرتز، تبدو كإشارات «مزاح» وتعجب أبناء الفصيلة: وتُعَدُّ الفئران التي «تضحك» مفضَّلة بصورة أكبر للمشاركة في اللعب. وقد تكون الآليات العقلية المشتركة في إنتاج هذه الأصوات مماثلة لتلك التي تفترض السرور لدى البشر. ويرى هذا الفريق أن «الفئران الضاحكة» قد تُثبِت السوابق التطورية للسعادة الإنسانية.
(١-٢) الضحك لدى القرود
حلَّل فريق يان فان هوف في هولندا التعبيرات الوجهية لدى نُظَراء الإنسان وهي القُرود، وحتى لدى أبعد نظراء الإنسان والقرود وهي بعض الثدييات الآكلة للحشرات! إن التعبيرات الوجهية هي عبارة عن مجموعة من الإشارات المرئية التي تهدف وفقًا لأسباب تطورية إلى نقل معلومات إلى أبناء الفصيلة، وتتعلق هذه المعلومات هنا بالحالة العاطفية السعيدة أو الممتعة للحيوان الذي يعبر عن ذلك. وأظهر تحليل التعبيرات الوجهية لدى القرود أن الضحك والابتسام مشتقان من تطورين مختلفين تمامًا للتعبيرات الوجهية لديها؛ فقد يكون الابتسام مرتبطًا بتعبيرات عن الخوف أو الخضوع، ولن يُصبح «ابتسامًا» (سعيدًا) إلا لاحقًا مع التطور الذي قاد إلى وجود الجنس البشري. ويختلف الضحك عن ذلك؛ فهو تعبير عن السعادة واللعب منذ البداية ويرتبط بإصدارات صوتية مميزة.
(٢) هل تستطيع الآلات أن تضحك؟
(٢-١) النزعة الآلية مضحكة والإنسان الآلي مثير للسخرية
منذ عهد برجسون، نعرف الروابط الوثيقة التي تجمع بين الضحك والآلات. فالإنسان يُثير الضحك عندما يتصرف بصورة جامدة وآلية، على سبيل المثال عندما يكرر دائمًا الخطأ ذاته دون النجاح في تصليحه، أو عندما يفسر كلمة بمعناها الحرفي وليس وفقًا لسياقها. وكذا برامج التلفاز التي تُظهِر الحوادث التي قد يتعرض لها أناس يسقطون أو ينزلقون أو ينخدعون، وتَلقَى هذه البرامجُ نجاحًا عالميًّا.
وعلى العكس من ذلك، تُعَدُّ الآلات والحيوانات مثيرة للسخرية، لا سيما إذا حاولتْ تقليد تصرفات الإنسان. فلا تُعتبر أيُّ فاكهة مثيرة للسخرية إلا إذا أبدتْ تشابهًا مع وَجْهٍ أو وَضْعٍ إنساني. وقد يكون الروبوت أكثر إثارة للسخرية من السيارة، فكلما زاد الاقتراب من الإنسان أصبح الشيء أكثر إثارة للسخرية. فيمكننا إذن أن نقول بطريقة ما إن الروبوت الناجح مضحك. ومن وجهة نظر مصمِّمِه فإن ضحك الحضور يعني أن الروبوت قد لَمَس بصورة خاصة شيئًا من جوهر الإنسان.
(٢-٢) هل نضحك مع آلة ضاحكة؟
تطرح إمكانية تصميم روبوت ضاحك أسئلة جديدة: هل نضحك على هذه الآلة الضاحكة؟ هل نضحك على هذه النزعات الآلية أو في المقابل على مصداقية سلوكياتها؟ ربما تبلغ تكنولوجيا الضحك درجات مرتفعة من التعقيد حتى إننا لن نضحك في يومٍ ما على آلة ولكننا سنضحك معها. وقد ينتهي النقاش الطويل حول المنافسة بين الإنسان والآلة بضحك طويل ومشترك، وهي فكرة تدعو إلى الابتسام.