مذهب أبي العلاء
الفاطمية مَذهَبٌ فلسفي، كما علمت، وقد أصبح أبو العلاء فيما أَثبَتَ وقَرَّر في «اللزوميات»
شَيخَها الأعظم وإِمامَها الباقي؛ فهو لم يَدَع شيئًا يَعني «المستجيب» إلى هذه الدعوة
إلا
ذَكَره له وفنَّده، وهو لا يُقرِّر القضية مرةً ومرتَين بل يُعالجها في كل أبواب كتابه
الذي
سمَّيناه، فيما سبق، كِتابَ المذهب.
ولمَّا كانت الغريزة الجنسية أقوى ما في الإنسان، بل المخلوقات، من غرائزَ؛ لأنها
مُستودَع
بقاء النوع، فقَد أَكثَر أبو العلاء الكلام على المرأة والنسل.
ومن طالع سيرة المُعِز والعزيز والحاكم الفاطميِّين رأى أبا العلاء لا يخرج، في حدود
تعاليمه، عن تُخومِ آراءِ هؤلاء الأَيمَّة الثلاثة. ومن أَسعَده الحظُّ وقرأ رسالة النساء
الكبيرة
في كتب الدروز يرى أن النَّبع واحد. كُلُّهم يريد أن يُقصِيَ المرأة ويُنحَّيَها خوفًا
من الفتنة،
وغَيرةً على العِرْض.
ظَنَّ بعضهم، وأنا كُنتُ من هذا البعض، أن المعري لم يُرِد أن يتزوج لأنه لا يريد
أن يجني
على أحدٍ كما جنَى أبوه عليه، ولكن ليس السبب هناك، إنما هناك سببٌ آخر وهو مَذهبٌ يُؤثِر
العِفَّة، ويُحدِّد النسل عند الاضطرار، ولا يسمح بِتعدُّد الزوجات، يثور للعِرض المَهصور
ثَورتَه
لِلدَم المَهدور، ناهيك بأن تقليلَ النسل تقريبٌ للساعة التي يسُود فيها الخير هذه
الدنيا.
قال أبو العلاء يَتذكَّر شبابه:
سَقيًا لِأيامِ الشَّبَا
بِ وما حَسَرتُ مَطيَّتيَّا
أيَّامَ آمُلُ أن أَمَسَّ الْـ
ـفَرقَدَينِ بِراحَتيَّا
وأُفيضَ إحسانِي على
جَارَيَّ ثَمَّ وجَارَتيَّا
والآنَ تَعجِزُ هِمَّتِي
عَمَّا يُنالُ بِخطْوَتيَّا
أمَّا تَركُه الزواج فيقول فيه:
أنَا لِلضَّرورةِ في الحياةِ مُقارِنٌ
ما زِلتُ أَسبَحُ في البِحَارِ المُوَّجِ
وضَرورةٌ من شِيمتَين لِأنَّني
مذ كُنتُ لم أَحجُجْ ولم أتزوَّجِ
مِن مَذهَبي ألا أَشُدَّ بِفِضَّةٍ
قَدَحِي ولا أُصغِي لِشَربِ مُعوَّجِ
لكنْ أُقضِّي «مُدَّتي» بِتَقنُّعٍ
يُغْنِي وأَفرَحُ بَاليَسيرِ الأَروَجِ
وعلى المرأة، في مذهبه، أن تَلزَم بيتها. وقد أشرنا إلى كثيرٍ من أقواله في ذلك، وتائيَّته
الطويلة تُوضِّح منهجه؛ فكأنه في تلك القصيدة يكتب سورة النساء ويُحدِّد مواقفها من الحياة،
وهو في مواضعَ كثيرةٍ من كِتابه يُوضِّح أَشياءَ يرى أن يُراعِيَها الإخوان كقوله في
زواجِ ابنِ الأربعِينَ
مَثلًا:
إذا ما تَقضَّى الأربعون فلا تُرِدْ
سِوَى امْرَأةٍ في الأَربَعِينَ لَهَا قِسْمُ
فإنَّ الَّذِي وفَّى الثَّلاثِينَ وارتَقَى
عَلَيهِنَّ عَشْرًا لِلفَناء بِه وَسْمُ
زمان الغوانيُ، عَصرَ جِسمِكَ، زائدٌ
وهُنَّ عَنَاءٌ بَعدَ أن يَقِفَ الجِسمُ
أمَّا تَعدُّد الزوجات فيُعارِضه ولا يراه صوابًا:
إذَا كُنتَ ذا ثِنتَينِ فاعدِلْ أو اتَّحِدْ
بِنَفسِكَ فَالتَّوحِيدُ أَوْلَى مِنَ العَدلِ
وعند إخواننا الدروز كلمةٌ مذهبية هذا نصُّها: إن المُتعفِّف يُحسَب في عِداد المَلائكةِ
الأَطهار. وسيأتي التفصيل.
ويَرى أن تُصان المرأة وتُقصَى، وإن تفعل غَيرَ ذلك فأنت المُجرِم لا هي:
إذا أَمِنتَ عَلَى مَالٍ أَخَا ثِقَةٍ
فَاحذَرْ أَخَاكَ ولَا تَأمَنْ عَلَى الحُرَمِ
فالطَّبعُ فِي كُلِّ جِيلٍ طَبعُ مَلْأَمةٍ
ولَيسَ فِي الطَّبعِ مَجبولٌ عَلَى الكَرَمِ
ويقول أيضًا فيُصيب عُصفورَين بِحَجرٍ واحد:
شَرٌّ على المرأةِ في حمَّامِها
إِرسالُكَ الفَاضِلَ في زِمَامِها
ومَشْيُها تَضرِبُ في أَكمَامِهَا
يَفُوحُ رَيَّا الطِّيبِ من أَمَامِها
زائرةَ المَسجِدِ في إلمَامِهَا
تَأتَمُّ والخَيبَةُ في ائتِمَامِهَا
ويَتعجَّب أبو العلاء من رجلٍ يكون عِيالًا على زوجته، فيقول:
عَجِبتُ لِكَهلٍ قاعدٍ بين نِسوةٍ
يُقاتُ بما رَدَّتْ عليه المَرادِنُ
يُعالُ على ذَمٍّ ويُزجَرُ عن قِلًى
كما زُجِرَت بين الجِيَادِ الكَوادِنُ
ويقول في المُنجِّمِين والمرأة:
أمَا لِأميرِ هذا العَصرِ عَقلُ
يُقِيمُ عَنِ الطَّرِيقِ ذَوِي النُّجومِ؟
فكَم قطَعوا الطَّريقَ على ضَعيفٍ
ولم يُعفُوا النِّساءَ من الهُجُومِ
وحيث عَرَض ذِكرُ المنجمين فلا بأس من جِلاءِ رأيه فيهم:
سَأَلَتْ مُنجِّمَها عنِ الطِّفلِ الذي
في المَهدِ كم هو عائشٌ من دَهرهِ
فأجابَها مِئةً لِيربَحَ دِرهمًا
وأَتَى الحِمامُ وليدَها في شَهرهِ
يعني: يأكُل حَلاوتَه وأمُّه تَقبُره، كما قال المثل العامي.
ويُوصِي الرَّجلَ الرَّشيدَ بالاحتفاظ بزوجتِه حتى آخر العمر، وهذا ما أراه عند إخواننا
الدروز:
إذا كانَ لَكَ امرأةٌ عَجوزُ
فلا تأخُذْ بها أَبدًا كَعَابَا
وإن كانَتْ أَقلَّ بَهاءَ وَجهٍ
فأَجدَرُ أن تكونَ أَقلَّ عَابَا
وأعرف منهم من لم يُرزَق عَقِبًا ولم يُطلِّق، وإن كان ذلك جائزًا له.
وأبو العلاء قليلُ الثقة بالمرأة، كثيرُ الشكِّ بحصانتها حتى يمنع دخول الوليد عليها
كما
مَرَّ، وإن كان لا بُد من تعليمها فليكن معلمها شيخًا فانيًا. ويُغالي فيُحذِّر من القراءة
المُجوَّدة بِحَضرتها؛ فالصوتُ هَدْر الفحل كما سبق. أمَّا مَيلُه إلى تَركِ الزواج وتحديد
النسل فهذا
يَعرِفه جميع الناس حتى العوامُّ ويَتمثَّلون به عند الغَضَب والحَردِ على المرأة والولَد،
وإليك
ما زعم:
إِذَا شِئتَ يَومًا وَصْلةً بِقَرينةٍ
فخَيرُ نِساءِ العالَمِينَ عَقِيمُها
ويقول:
قد بَكَّرَت لا يَعُوقُها سَبَلْ
كمُهرَةِ الرَّوضِ في بَنَاتِ سَبَلْ
إلى طبيبٍ على الطريقِ لِكَيْ
تَأخُذَ مِن عِندِهِ دَوَاءَ حَبَلْ
كَمْ قُذِفَتْ عِرسُ بَانسٍ بِحَصًى
كُلُّ حَصَاةٍ مِنهَا نَظِيرُ جَبَلْ
وأَكرَهُ ما يَكرَه زواج الشيخ العاجز المتصابي:
وعِرْسُهُ في تَعبٍ دائمٍ
لا تَخضُبُ الكَفَّ ولا تَكتَحِلْ
مَلَّتْ وإنْ أَحْسَنَ أيَّامَهُ
تَقولُ في النفسِ مَتَى يَرتحِلْ
أمَّا النَّسل فينصح بالإقلال إن كان لا بُدَّ منه:
إذَا كُنتَ تُهدِي لي وأَجزِيكَ مِثلَهُ
فإنَّ الهَدايَا بَينَنا تَعَبُ الرُّسْلِ
فدُونَكَ شُغلًا غَيرَ هَذَا لَعلَّهُ
يَعُودُ بِنَفعٍ لَا كَشُغلِكَ بِالنَّسْلِ
ولا أَخَالُك نَسِيتَ رأي الفيلسوف اليوناني في زواج الحكيم. أمَّا رأيه الأخير في
النَّسل فهو
هذا:
دُنياكَ جَارٌ كُلُّ ساكِنِهَا
مُتوقِّعٌ سَببًا منَ النَّقْلِ
والنَّسلُ أَفضَلُ مَا فَعَلتَ بِهَا
وإذَا سَعَيتَ لَهُ فعَن عَقلِ
أمَّا إباحة النساء فلا يُوافِق أفلاطون عليها بل يُسفِّهها ويَشجُبها:
شَرُّ النِّساءِ مُشاعاتٌ غَدَونَ سُدًى
كالأَرضِ يَحمِلنَ أَوْلادًا مُشاعِينَا
•••
بَرِئتُ إلى الخَلَّاقِ من أَهلِ مَذهَبٍ
يَرَونَ مِنَ الحَقِّ الإِبَاحةَ لِلنَّسلِ
وقد تكون جرائم أولياء العهد في التاريخ، وجعلُ الحاكم وليَّ عهده عبد الحمن بن إلياس
بدلًا من ابنه، كرَّهَت الشيخ بِالنَّسل، ولا سِيَّما بعدما رأى الظاهر يفعل ما فعل،
فقال:
أَعْدَى عَدُوٍّ لِابنِ آدَمَ نَفسُهُ
ثُمَّ ابنُهُ وافَاهُ يَهْدِمُ مَا بَنَى
ويلتفت إلى المرأة فيقول لها:
أحَاضِنةَ الغلامِ ذُمِمتِ مِنهُ
أَذاكِ فَأرضِعِي حَنَشًا وضُمِّي
أمَّا النفس والجسم فقد أقرأتك ما قال فيهما، وقد أعجبني هذان البيتان فأُحِب أن تُشارِكني
فيها:
النفسُ عَندَ فِراقِها جُسمانَهَا
مَحزونةٌ لِدُروسِ رَبعٍ عَامرِ
كحمامةٍ صِيدَت فثنَّتْ جِيدَهَا
أَسَفًا لِتَنظُرَ حالَ وَكرٍ دَامرِ
أمَّا الخير فهو أساس المذهب الفاطمي، وقد أشرنا إليه كثيرًا، وأبو العلاء يَدفَعُه
حب
الخَير حتى يتناول به الحيوان، فاسمع كيف يَحُث على الخير:
قبيحُ مَقالِ الناسِ جئناهُ مرَّةً
فكَانَ قليلًا خَيرُهُ لم يُعاوِنِ
إذا أنتَ لم تُعطِ الفقيرَ فلا يَبِنْ
لهُ مِنكَ وجهُ المُعرِضِ المُتهاوِنِ
وكأن يعرف ما يقوله المثَل عندنا: قلِّلها ولا تَقطعْها، الحسَنة القليلة تَدفَع
بلايا كثيرة،
فيقول:
إذا طَرَقَ المِسكِينُ بَابَكَ فاحبُهُ
قَليلًا ولو مِقدارَ حَبَّةِ خَردَلِ
ولَا تَحتَقِرْ شَيئًا تُسَاعِفُهُ بهِ
فكَم مِن حَصاةٍ أيَّدَت ظَهْر مَجدلِ
ومَثلُنا يقول أيضًا «بَحصَةٌ تَسنُد خَابِيةً.»
ويُوصِي الإمام بعيادة المرضى والإحسان إلى الفُقراء منهم:
إذا عُدتَ في مَرضٍ مُكثِرًا
فخَفِّفْ وخَفْ أن تُمِلَّ العَلِيلَا
وإن كانَ ذا فَاقَةٍ مُقْتِرًا
فأَسْعِفْ وإن كانَ نَيْلًا قَلِيلَا
ويتناول الإنسان والحيوان معًا، فيقول:
أسأْتَ بِعَبدِك في عَسْفِهِ
وحمَّلتَ غَيرَكَ مَا لَمْ يُطِقْ
ولا يَفوتَنَّك أن تقسيم الثروة في موطن أبي العلاء لا يرضى عنه حتى الساعة، ويقول
في
الحيوان:
تَسريحُ كَفِّيَ بُرغُوثًا ظَفِرتُ بِهِ
أَبرُّ مِن دِرهَمٍ تُعطيهِ مُحتاجَا
لا فَرقَ بَينَ الأَسَكِّ الجَونِ أُطلِقُهُ
وَجَونِ كِندَةَ أَمسى يَعقِدُ التَّاجَا
كِلاهُما يَتَوَقَّى وَالحَياةُ لَهُ
حَبيبَةٌ وَيَرومُ العَيشَ مُهتَاجَا
ويُوغِل فيقول:
فاجعَلْ حِذائِي خَشَبًا إنَّنِي
أريدُ إِبقاءً على الدَّارِشِ
وقصيدته الحائية مشهورة وفيها يُحرِّم كل ما الحياة فيه حاضرة أو كائنة. ويَسخَط على
أميرٍ
يبيع جواريه وله في بطونِهن ودائعُ، فيقول:
أزالَ اللهُ خيرًا عن أَميرٍ
له ولَدٌ على عِلمٍ يُباعُ
جوارٍ كالنِّياقِ يُسَقْنَ عَنهُ
وفي أَحشَائهِنَّ لَهُ رِبَاعُ
أمَّا الصلاة والزكاة فشأنهما عظيمٌ عنده، وكذلك هما عند إخواننا الدروز؛ فالصلاة
هي
صلة المخلوق بالخالق، والزكاة عمل الخير فِعلًا، ثم إعطاء المال، وهاكَ قولَ
الإمام:
إذا صلَّوا فصَلِّ وعِفَّ وابذُلْ
زَكاتَكَ واجتَنِبْ قَالًا وقِيلَا
ولا تُرهِفْ مُدًى لِعَبيطِ نحضٍ
ولا تَشهَرْ على قِرنٍ صَقيلَا
ثم يُوصِي بالصمت لأن الكلمة كثيرًا ما تكون شُعلة شَر فيقول:
أوجَزَ الدَّهرُ بِالمقَالِ إلى أَنْ
جُعِلَ الصَّمتُ غايةَ الإِيجازِ
•••
أصمُتَ الشُّهورَ فهَلَّا صَمَتَّ
ولا صَومَ حتى تُطِيلَ الصُّمُوتَا
وما أَجملَ قولَه هذا:
بِالصَّمتِ يُدرِكُ طَامرٌ مَا نَالَهُ
وتَخيبُ منه بَعُوضَةٌ مِهذَارُ
أمَّا السلوك في الحياة فقِوامه تَركُ الشَّر والاعتداء، ولكنه يُوصِي بالدفاع الشريف
فيقول:
ادفَعِ الَّشرَّ إذا جَاءَ بِشَرْ
وتَوَاضَعْ فإنَّما أَنتَ بَشَرْ
هَذهِ الأَجسامُ تُربٌ هَامدٌ
فمِنَ الجَهلِ افتِخارٌ وأَشَرْ
ويقول في الكَذِب، ودعَامَة المَذهَب الصِّدق:
إن عَذُبَ المَينُ بأَفواهِكُمْ
فإنَّ صِدقِي بِفَمِي أَعذَبُ
•••
أَهْوَى الحَيَاةَ وحَسبِي مِن مَعَايِبِهَا
أَنِّي أَعِيشُ بِتَموِيهٍ وتَدلِيسِ
فاكْتُمْ حَدِيثَكَ لَا يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ
مِن رَهْطِ جِبرِيلَ أَوْ مِن حِزْبِ إِبلِيسِ
وأخيرًا يقول:
اصدُقْ إلى أن تظُنَّ الصِّدقَ مَهلَكةً
وعندَ ذَلِكَ فاقعُدْ كَاذبًا وقُمِ
وما أَخَالُه إلا يَعنِي قولهم: «الضَّروراتُ تُبِيحُ المَحظورات.» وإذا جاز للإنسان
أن يدافع عن
نفسه، إذا تعَرَّضَت لِلهَلاك، بالنار والحديد أفلا يصونها بكذبة؟ …
ولكنَّ الشيخ ما كَذَب قَطُّ حتى في أَعصَبِ الساعات، وما أكثرها في تاريخ حياة الأحرار!
وكأنه
قد أَعيَتهُ مُداواةُ البَشَر فآيَسَ منهم، وقال مع أشعيا:
أيكونُ رَفعٌ للشُّرورِ فيَنتهِي
غَاوٍ ويَقنَعُ بالنباتِ الضَّيْغَمُ؟
أمَّا الحلال والحرام فلِلشيخ فيهما رأيٌ لا يحيد عنه مُتنزِّهةُ الدروز أبدًا، ولو
جَرَّ إلى
الهلاك، قال الشيخ:
لا تَأنَفَنَّ من احترافِكَ طَالِبًا
حِلًّا وعَدِّ مكاسِبَ الفُجَّارِ
ويقول في مال الظالمِين، وهذا سنقول فيه كلامًا:
مَتَى ما تُصِبْ يومًا طعامًا لِظالمٍ
فقُم عنه، وافغَرْ بَعْدَهُ فمَ قَالِسِ
ويرى أن كل ما في الكون يُسبِّح لله ولا يمُنُّ، أو لا يطلب أجرًا، إلا الإنسان فيخاطبه
قائلًا:
كُلٌّ يُسبِّحُ فافهَمِ التقديسَ في
صَوتِ الغُرابِ وفي صِياحِ الجُدجُدِ
ثم يقول في الإنسان، هذا المخلوق المُتغطرِس المُتكبِّر الذي يظُنُّ أن الكونَ خُلِق
لخدمته،
كما قال النبي داود في المزمور الثامن: «بالمَجدِ والكَرامةِ كلَّلتُه، وعَلَى أَعمالِ
يدَيكَ
سلَّطتُه.» أمَّا أبو العلاء فيرى غير ذلك ويقول:
فلَكٌ يدورُ بِحِكْمةٍ
ولَهُ، بلا رَيبٍ، مُديرْ
إن منَّ مالكُنا بِمَا
نَهوَى فمالِكُنا قَدِيرْ
أو لَا فعَالَمُ آدمٍ
بإِهانةِ المَولَى جَدِيرْ
ثم يشتد غضَب الشيخ في مكانٍ آخر فيُنكِر «الغائية» التي يزعُمها البَشَر فيقول:
تَوَرَّعوا يا بَني حوَّاءَ عن كَذِبٍ
فمَا لَكُم عِندَ رَبٍّ صَاغَكُمْ خَطَرُ
لم تُجْدِبُوا لِقَبِيحٍ مِن فِعَالِكُمُ
ولم يَجِئكُم لِحُسنِ التَّوبةِ المَطَرُ
ويقول في الخمرة التي يناهضها «عُقَّال» الدروز في زماننا، بل ذهبوا أَبعدَ مما ذَهبَ
إليه
المعري فتَورَّعوا عن التدخينِ وما يُشبِهه:
لَوْ كَانَتِ الخَمْرُ حِلًّا مَا سَمَحتُ بِهَا
يومًا لِنَفسِيَ لَا سِرًّا ولَا عَلَنَا
فلْيَغفِرِ اللهُ كَمْ تَطْغَى مَآرِبُنَا
ورَبُّنَا قَدْ أَحَلَّ الطَّيِّباتِ لَنَا
ومن مذهبه طَردُ كلِّ خُرافةٍ من أذهان الإخوان، فيقول في الجِن وأشباه الجِن:
قد عِشتُ عُمرًا طويلًا ما عَلِمتُ بهِ
حِسًّا يُحَسُّ لِجِنيٍّ ولَا مَلَكِ
ويقول:
فَاخشَ المَلِيكَ ولا تُوجَدْ على رَهَبٍ
إن أنتَ بِالجِنِّ في الظَّلماءِ خُشِّيتَا
فإنَّما تِلكَ أَخبارٌ مُلفَّقةٌ
لِخدعَةِ الغَافِلِ الحُوشِيِّ حُوشِيتَا
أمَّا اليمين فينهى عنها في كل حال:
لا تَحلِفَنَّ على صِدقٍ ولَا كَذِبِ
فمَا يُفيدُكَ إلا المَأثَمَ الحَلِفُ
وهو يرى أن الناس لا يَتديَّنون إلا خوفًا، فيقول:
والنَّاسُ يَطغَونَ في دُنياهُمُ أَشَرًا
لولا المَخَافَةُ مَا زَكَّوْا ومَا سَجَدُوا
حتى يخاطب السيف بِسُخره المعهود، فيقول:
خَيرٌ وشَرٌّ ولَيلٌ بَعدَهُ وضُحًى
والنَّاسُ في الدَّهر مِثلُ الدَّهرِ قِسمَانِ
واللُّبُّ حارَبَ تَركيبًا يُجاهِدُهُ
فالعَقلُ والطَّبعُ حَتَّى المَوتِ خَصْمانِ
هَلْ أَلحَدَ السَّيفُ أَو قَلَّتْ دِيَانَتُه
أَو كَانَ صَاحِبَ تَوحيدٍ وإيمانِ؟
ورَابَنِي مِنهُ تَركُ الجَاحِدِينَ سُدًى
لم يُفجَعُوا بِرُءوسٍ مُنذُ أَزمانِ
أمَّا نحن فنَشكُر إلحاد السيف في زمن الشيخ فسَلِم لنا … أمَّا الدينُ عنده وقد سبق
الكلام
عنه فهو:
الدِّينُ هَجْرُ الفَتَى اللَّذَّاتِ عَن يُسُرٍ
في صِحَّةٍ واقتدارٍ مِنهُ ما عَمِرَا
ورحم الله عمِّي الذي كان يقول: تَوبة المَرَضِ مريضة.
أمَّا أخلاقُ الإمام الخاصَّة فيُعرِّفنا بها بقوله:
وتُؤثِرُ حَالَةَ الزِّمِّيتِ نَفْسِي
وأَكْرَهُ شِيمَةَ الرَّجُلِ المِفَنِّ
ثم يرد على الذين يزعمون أن النجوم عاقلة، وقد سَبقَت كلمةٌ حول هذه الفكرة، فيتهكَّم
ويتساءل إن كانت أديانهم مختلفةً مثل أَديانِنا، حتى ينتهي إلى رأيه في النسل
فيقول:
إن شِئتَ أن تُكفَى الحِمامَ فلا تَعِشْ
هذِي الحَياةُ إلى المَنيَّةِ سُلَّمُ
أمَّا كُرهُه الدنيا فمعروفٌ مشهور، ومع كل ذلك يَصدُق فيُعلِنُ أنه راحلٌ عنها كارهًا،
استطاب
البَقَاء على علَّاته، وحَسْبُه أنه يتزود منها ما يلي:
خابَ الذي سارَ عن دنياهُ مُرتحِلًا
ولَيسَ في كفِّه من دِينِهِ طَرَفُ
لا خَيْرَ لِلمَرءِ إلا خَيرُ آخرةٍ
يَبقَى علَيهِ فذَاكَ العِزُّ والشَّرَفُ
ثم يرى كما رأى ابنُ سينا: «وكُلُّ الشكِّ في أَمْر الخُروجِ.» ولكنه يجعل هذا الشك
حقيقةً
ملموسة فيقول:
أمَّا الحقيقةُ فهْيَ أنِّي ذَاهبٌ
واللهُ يَعلمُ بالذي أنا باقِ
وأظنُّني من بَعدُ لَستُ بِذاكرٍ
ما كان مِن يُسرٍ ومِن إِملاقِ
يا مَرحبًا بالموت مِن مُتنَظِّرٍ
إن كان ثَمَّ تَعَارُفٌ وتَلَاقِ
ولذلك فخير ما يعمل الإنسان هو تطهير نفسه ليكون أحسن حالًا، فيقول:
ومن يُطهِّرْ بِخوفِ الله مُهجَتَهُ
فذَاكَ إنسانُ قَومٍ يُشبِهُ المَلَكَا
ويضحك ممن يُوصِي عند الموت فيقول بِلهجَته المعهودة:
يُوصي الفتى عند الحمام كأنه
يمرُّ فيقضي حاجةً ويعودُ
ومادامت الحياة شقاءً، فالشيخ يتمنى قصر العمر:
ودَدْتُ أن إلهي كان غادَرَني
و«مُدَّتي» في يدَيهِ أَقصَرُ المُدَدِ
وهذه «المدة» من كلام الإخوان اليوم، وكذلك المهلة وقد سمعتَ قولَهم، إن كُنتَ ممن
عاشَرَهُم: «دَامَت مُهلَتُك.» أمَّا المُلوكُ فشِعَارُه أخيرًا فيهم كما قال السيد المسيح:
«أَعطُوا ما
لِقَيصَرَ لِقَيصَرَ»:
واخْشَ المُلوكَ ويَاسِرْهَا بِطَاعَتِهَا
فالمُلكُ لِلأَرْضِ مِثلُ المَاطِرِ الثَّانِي
إن يَظْلِمُوا فلَهُمْ نَفعٌ يُعَاشُ بِهِ
وكَمْ حَمَوكَ بِرَجْلٍ أَو بِفُرسَانِ
أمَّا الصلاة فليس لها عنده مكانٌ خاص، بل يقول فيها:
مَتى يقوم إمامٌ يَستفيدُ لنا
فتعرف العَدلَ أجبَالٌ وغِيطَانُ؟
صلُّوا بحيثُ أَرَدتُم فالبلادُ إذنْ
كأنما كُلُّها للإِبلِ أَعْطَانُ
ويقول:
القُدسُ لم يَفْرِضْ عَلَيكَ مَزَارَهُ
فاسجُد لِرَبِّكَ في الحياةِ مُقَدِّسَا
•••
مَتَى يُخلِصِ التَّقوَى إِلى اللهِ لَا تَغِضْ
عَطَايَاهُ مَن صَلَّى وقِبلَتُهُ الشَّرقُ
والاتِّكال على الله هو كل شيءٍ في نظر الشيخ؛ فالله كريمٌ يعطي بلا حساب:
لا تَخْبأَنْ لِغَدٍ رزقًا وبعدَ غدٍ
فكُلُّ يَومٍ يُوافِي رِزقُهُ مَعَهُ
واذخَرْ جَمِيلًا لِأَدْنَى القُوتِ تُدْرِكُهُ
ولِلقِيامَةِ تَعرِفْ ذَاكَ أَجمَعَهُ
فرِّق تِلادَكَ فِيمَا شِئتَ مُحتَقرًا
فليس يَذرِفُ، خَلْفَ النَّعشِ، أَدمُعَهُ
وافعَلْ بِغَيرِكَ مَا تَهْوَاهُ يَفعَلُهُ
وأَسْمِعِ النَّاسَ مَا تَختارُ مَسْمَعَهُ
ويقول أيضًا قولًا جميلًا، وقد أَحسَن الأداء:
واطْلُبِ الرِّزقَ بِالمرُورِ من الشَّجْـ
ـرَاءِ لا من أَسِنَّةٍ ومَناصِلْ
وتَشَبَّهْ بِالطَّيرِ تَغدُو خِمَاصًا
وتَعُدُّ اليَسَارَ مَلْءَ الحَوَاصِلْ
وأراني لست في حاجة إلى لفتِ نَظَرك إن كنت ممن قَرءُوا الإنجيل.
ويقول في أساليب الحياة:
ويُعجِبُني دَأْبُ الذينَ تَرهَّبوا
سوى أكلِهِم كَدَّ النفُوسِ الشَّحَائحِ
وأطيبُ منهم مَطمعًا في حَيَاتهمْ
سعاةُ حلالٍ بين غادٍ ورائحِ
فمَا حبسَ النفسَ المَسيحُ تَعبُّدًا
ولكن مشَى في الأرض مِشيةَ سائحِ
ويقول في صلاة المعيول:
صلاةُ الأميرِ الكاسميِّ بمسجدٍ
أَبرُّ وأوفَى من صَلاةِ البَطارِقِ
أمَّا النواميس التي تُعقِّد القضايا وتَخلُق المشاكل، فيقول فيها:
تنمَّسَ منا للديانةِ معشرٌ
وقَد بَطَلَتْ عند اللبيبِ النَّوامِسُ
ويقول في الفُقهاء شُرَّاح النوامِس:
أجازَ الشافعيُ فَعالَ شيءٍ
وقالَ أبو حَنيفَةَ لا يَجوزُ
فضَلَّ الشِّيبُ والشبَّانُ مِنَّا
وما اهتَدتِ الفَتاةُ ولا العَجوزُ
ولم آمَنْ على الفقَهاءِ حَبسًا
إذا ما قِيلَ لِلفقهاءِ جُوزوا
ثم ينسب هذا التفريق إلى طباع البشر فيقول:
لولا عَداوةُ أَصلٍ في طِباعِهمِ
كانت مَساجِدُ مَقرونًا بها البِيَعُ
وأخيرًا يُعدِّي عن كل هذا فيقول:
إذا الإنسانُ كفَّ الشرَ عنِّي
فسَقيًا في البلادِ له ورَعيًا
ويَدرُس إن أراد كتابَ مُوسى
ويُضمِر إن أحبَّ ولاءَ شعيَا
والشيخُ لا يترك شيئًا إلا ويُحدِّث الإخوان عنه؛ فها هو يُحرِّم البكاء على الميت؛
لأن
الموت انتقالٌ وراحة وتغيُّر منزل و«القضية ثابتة» كما يقول أفلاطون، فيقول، وسترى أيضًا
قولًا مثل هذا قبل أن يفارق:
بكَى جَزعًا لميِّته كَفورٌ
فجاءَ بمُنتهَى الرأيِ الأَفينِ
مُصيبةُ دينه لو كان يَدرِي
أَجَلُّ من المُصيبةِ بِالدَّفينِ
وهو يَزعُم أنه لا يخشى الموت، مع أني رأيتُه خائفًا جدًّا مع إيمانه بعقيدته
الثابتة:
ولستُ كموسى أهابُ الحِمامَ
ولكِنْ أَوَدُّ لِقاءَ المَلِكْ
ويَعرِض له الشك في الله، ولكن شكه هذا ابن عم الإيمان، فيقول:
أمَّا الإله فأَمرٌ لَستُ مُدرِكَه
فاحذَرْ لجيلِك فوقَ الأرضِ إسخاطَا
هَبْهُ أغوسطينوس أو توما الأكويني، فقد اعتَورَهما مثل هذا كما يَعتَوِر أكبرَ النُّسَّاكِ
والحُبَساء.
ها هو الشيخ يقترب من هُوَّة الأبدية، فاسمع ما يقول وكيف يعلن إمامته، ويبوح بالسر
الذي
أَتعَبه وأَتعَب الناس به، وحمَل داعي الدعاة على تحبير تلك الرسائل:
لَوِ اتَّبعوني ويحَهُم لَهديتُهمْ
إلى الحقِّ أو نَهجٍ لذاك مُقاربِ
فما للفتى إلا انفرادٌ ووَحدةٌ
إذا هو لم يُرزقْ بُلوغَ المآربِ
وكأن الإمام قد شعر بِدُنوِّ الرحيل فقال:
أُنافقُ في الحياةِ كفعلِ غيري
وكلُّ الناسِ شأنُهم النِّفاقُ
أُعلِّلُ مُهجَتي ويَصيحُ دَهرِي
ألا تَغدُو فقد ذَهَب الرِّفاقُ؟
ثم يُوصِينا بقراءة كتابه هذا، وقد فعَلْنا ذلك مَرَّات:
اقرأْ كتابي إذا ضَمَّ الثَّرى جَسَدي
فإنه لكَ ممن قالَهُ خَلَفُ
صَدَقتَ أيها الإمام.
ويوصي الإخوان باتباع خطَّته، وقد فعلوا أيضًا:
إن ماتَ صاحبُكم فجِدُّوا بَعدَهُ
في النُّسْكِ واتَّخِذوا الخُشوعَ جَلِيسَا
وأشهد، وشهادتي حق هي، لأني أعيش وعشتُ بينهم قرابة ربع قرن، إنَّ «أجاويدهم» لا
يقصرون عن شيخهم أبي العلاء، إن لم يكن بعض «المتنزهة» منهم قد تجاوزه. وها هو الشيخ
يُعلِن مذهبه الذي كتَمه عنا طُول العمر فيقول أولًا:
وإن تسألوا عن مَذهَبي فهو خَشيةٌ
من اللهِ لا طَوعًا أبثُّ ولا جَبرَا
ويقول أيضًا:
إذا قومُنا لم يعبدوا اللهَ وحدهُ
بِنُصحٍ فإنَّا منهمُ لَبَراءُ
وهو لم يُخفِ هذا التوحيد المجرَّد عن كل شيء في منتصف العمر فقال:
بِوَحدانيَّة العَلَّام «دِنَّا»
فدَعنِي أَقطعُ الأيَّامَ وَحدِي
وها هو يُعلِن ذلك السر المكتوم فيقول:
طَوى عنك سِرًّا صاحبٌ قبل شَيبِهِ
فلمَّا انجلَى عنه المَشِيبُ جَلَاهُ
ولا مُلكَ إلا لِلَّذي عَزَّ وَجهُهُ
ودامَت على مرِّ الزمانِ عُلَاهُ
ويقول أيضًا:
إذا سألوا عن مَذْهبي فهْو بيِّنٌ
فهَل أنا إلا مِثلُ غَيرِيَ أَبلَهُ
خُلِقتُ من الدنيا وعِشتُ كأهلِها
أَجِدُّ كما جَدُّوا وأَلهُو كما لَهُوا
وأَشهَد أني بالقضاء حَلَلْتُها
وأَرحَلُ عنها خائفًا أَتألَّهُ
ويدنو الموتُ منه فيُحِسُّ به الشيخ فيصف لنا حاله:
قد خَفَّ جِرمي وصارَ جُرمِي
أَثقلَ من هَضْبةٍ عَلَيَّا
نَفسِيَ أَوْلى بمن عنَاهَا
من هَؤلاءِ وهَؤليَّا
ويخشى أن يُناح عليه، ومن له لينوح عليه، فيقول معلمًا الإخوان:
قَبيحٌ أن يُحَسَّ نحيبُ بَاكٍ
إذا حان الرَّدَى فقَضَيتُ نَحبِي
فأُوصِيكُم بِدُنيانا هَوانًا
فإني تابعٌ آثَارَ صَحبِي
ثم يختمُ كِتاب حَياته ومَذهبه بهذَين البيتَين:
أَزولُ وَلَيسَ في الخَلَّاقِ شَكُّ
فَلا تَبكُوا عَلَيَّ وَلا تُبَكُّوا
خُذوا سِيَري فَهُنَّ لَكُم صَلاحٌ
وَصَلُّوا في حَياتِكُمُ وَزَكُّوا
لا أدري أيها القارئ، وقد فرغتُ من الكلام على رأيي في مذهب أبي العلاء، إن كنتَ صِرتَ
لي
حِزبًا. فإن كنتَ لا توافِقُني فأنا مُستعِدٌّ أن أتبعَك إن جئتَ برأيٍ يستظهر على زعمي،
وسوف
أنتقل إلى المواطن التي يتفق فيها أبو العلاء مع فاطميِّي اليوم وسيكون سبيلنا إلى ذلك
إثباتَ وقائع لا استشهاد في الشعر؛ فقد فرَغنَا من هذا. وما ذَكَرنا ما ذَكَرناه لك إلا
لِنُطبِّق
أعمال الجماعة على أقوال الإمام، فتَرى أنهم إخوانٌ يتبعون منهجًا واحدًا، لا يختلف إلا
في قضيةٍ واحدة لا مجال لِذِكرها. وإن كان هناك بعضُ اختلاف، وأعتقد أنه غير موجود، فعند
الدروز كلمةٌ تشير إلى التطوُّر الذي لا بُدَّ منه، وليس يَجري عَصرُنا كسائر الأَعصار.