فجأةً … ظهر الرجل الغريب!
استيقظ «عثمان» و«قيس» أيضًا على رنين التليفون، وعندما انتهى «أحمد» من حديث «مونت» سأله «قيس»: هل هناك جديد؟
رد «أحمد»: نعم، السيد «مونت» يريدني في الساعة العاشرة.
قال «عثمان» بسرعة: لا بد أن العصابة قد اتصلَتْ به.
أضاف «قيس»: إذا كان ذلك قد حدث فعلًا، فإننا سوف نختصر الوقت.
سكتَ لحظةً ثم أضاف: لقد وضعنا احتمالات، ونسينا احتمالات أخرى، إنني لم أنَمْ جيدًا، فقد ظلَلْتُ أفكِّر في المغامرة.
كان «عثمان» و«أحمد» يتابعانه وهو يتحدث، ثم أضاف: إن العصابة يمكنها أن تنقل «بيللا» بسرعة، بعيدًا عن المنطقة كلها، أو خارج العاصمة نفسها، حتى لا تكون تحت عين أحد؛ فهم يعرفون أهمية السيد «مونت کاتیني»، وقد يكون نقلها بعيدًا قد تم في نفس الليلة، وربما تكون قد خرجت من الفيلا، إلى المكان البعيد مباشرة!
سكت «قيس»، فقال «أحمد» بعد لحظة: إنه احتمال قوي، ويمكن أن تتصرف العصابة هذا التصرُّف. قبل أي حركة من جانبنا أو جانب السيد «مونت».
صمت لحظةً ثم قال: إن اتصال العصابة بالسيد «مونت» — وهذا ما أتوقعه — سوف يساعدنا على كل حال، بالإضافة إلى أن معرفتنا لأي فرد من العصابة، سوف تقودنا إلى مكان «بيللا»، وأظن أن التفاصيل التي سمعناها من السيد «مارشيللو»، أو السيد «بوالو» سوف تكون دليلًا جيدًا لنا.
مرَّت لحظة صمت … ابتسم «عثمان»، وقال: إنني أشعر بالجوع، هيا بنا نأكل، ثم نرى!
بعد دقائق كان الشياطين يغادرون الشقة، ويتجهون إلى أحد المطاعم القريبة، حيث تناولوا إفطارهم، نظر «أحمد» في ساعة يده ثم قال: لقد حان الوقت، سوف أذهب إلى موعد السيد «مونت»!
قال «قيس»: ونحن سوف نقوم بجولة في المنطقة.
افترق الشياطين، ذهب «أحمد» إلى شارع ٤٥، ولم يكد يصل إلى هناك … حتى اقتربت منه سيارة بنية اللون رقم ٩٥٢، أسرع إليها، ثم اختفى داخلها، ألقى نظرة إلى السائق ثم ابتسم؛ فقد كان سائق السيارة، هو نفسه السيد «مونت كاتیني».
كان «أحمد» يجلس في المقعد الخلفي، قال «مونت»: سوف نتحدث داخل السيارة، ولن نذهب إلى أي مكان!
صمت قليلًا ثم أضاف: لقد وصلَتْني رسالة من العصابة.
قال «أحمد»: لقد كنا نتوقع ذلك!
أضاف «مونت»: لقد أعادت طلبها القديم؛ تسليم «بیللا» مقابل صورة من السر العسكري.
سكتَ لحظةً ثم أضاف: أنت قد لا تعلم أن هذا السر تشترك فيه أكثر من دولة، خصوصًا عدد من الدول العربية التي تقوم بالاتفاق على تصنيع سلاح مُعيَّن، وإذا حصلَتِ العصابة على السر، فإن ذلك سوف يثير أزمة خطيرة.
كان «أحمد» يعرف هذه المعلومات التي يقولها «مونت»، ولذلك لم يُعلِّق بكلمة، قال «مونت»: إنني حزين تمامًا من أجل «بيللا»، ابنتي الوحيدة، لكنني في نفس الوقت لا أستطيع أن أخون بلادي.
اهتز صوت «مونت» الذي كان يبدو حزينًا جدًّا، حتى إن «أحمد» ظن أن «مونت» يبكي. مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: هل أستطيع أن أرى الرسالة؟
مدَّ «مونت» يده بورقة صغيرة «لأحمد» الذي أخذها بسرعة، واستغرق في قراءتها مباشرة … عَلَت الدهشة وجهه عندما وصل في الرسالة إلى نقطة الاتفاق.
كانت النقطة تقول: «التسليم يتم في مكان سوف نحدِّده إذا اتفقنا، وسوف يكون خارج روما، ولا تحاول أن تفعل أيَّ شيء؛ لأن أيَّ محاولة منك سوف تجعلك لا ترى ابنتك مرة أخرى!»
شعر «أحمد» بالحزن؛ فهذه الكلمات قاسية تمامًا بالنسبة ﻟ «مونت».
همس «أحمد»: هل فكَّرتَ في شيء؟
لم يردَّ الرجل مباشرةً، لكنه قال بعد لحظة: أبدًا.
قال «أحمد»: هل نستطيع استغلال فرصة الاتفاق مع العصابة!
مرَّ ظِلُّ ابتسامةٍ على وجه «مونت» وهو يقول: إن العصابة ليست ساذجة، فالمسألة سوف تكون أكثر تعقيدًا مما تظن.
سكتَ لحظةً ثم أضاف: إن ما يقلقني حقًّا هو المدة التي حددوها، فهي لا تتجاوز يومَينِ فقط، أي بعد غد.
جرى «أحمد» بعينَيهِ فوق كلمات الرسالة مرة أخرى، وتوقف عند كلمات أخيرة تقول: «إذا لم يتم الاتفاق خلال يومَينِ، فإن العزيزة «بيللا» تكون قد انتهت تمامًا.»
فجأةً، شعر «أحمد» بدفء جهاز الاستقبال الصغير معه، وضع عليه يده، بينما قال «مونت»: أخشى أن يحدث خطأ ما، ونفشل!
كان «أحمد» قد بدأ يتلقى الرسالة، فلم يرد على «مونت» الذي انتظر لحظةً، ثم قال: ما رأيك أنت؟
لم يرد «أحمد»، فقد كان لا يزال يستقبل الرسالة التي عرف أنها من الشياطين.
قال «مونت»: هل سمعتني يا عزيزي «جليم»؟
لكن «أحمد» لم يسمع كلمات «مونت»، كانت الرسالة طويلة، وكان يحاول أن يفك رموزها بسرعة، نظر «مونت» خلفه، فرأى «أحمد» مستغرقًا في التفكير … قال: هل هناك شيء؟
هزَّ «أحمد» رأسه، فسكت «مونت»، انتهت الرسالة، وكانت بالشفرة.
قالت الرسالة: ««۹۰ – ٤۲ – ۲۰» وقفة «٢ – ٣٧ – ۲۰ – ۱۰ – ۳۷» وقفة «٢ – ٤٣ – ١٢ – ٣٨ – ٢٠» وقفة «۳۹ – ۱۲ – ۳۱» وقفة «٢٩ – ٦ – ٦ – ٤ – ٣٢ –٤٢» وقفة «۲ – ۳۷ – ۳۹ – ۳٥ – ١٠ – ٤٢» وقفة «۳۸» انتهى.»
فكَّر «أحمد» لحظةً، بعد أن عرف مضمون الرسالة.
قال «لمونت»: يجب أن نعود بسرعة!
سأل «مونت»: إلى أين؟
رد «أحمد»: إلى أقرب نقطة من الفيلا!
ظهرت الدهشة على وجه «مونت» وسأل: لماذا؟
رد «أحمد»: يبدو أننا سوف نمسك بداية الخيط.
داس «مونت» فرامل السيارة فجأة، حتى إن «أحمد» اهتز بعنف، التفت «مونت» إليه، وقال: معذرة، فقد دستُ الفرامل فجأةً، ماذا تقول؟!
قال «أحمد»: يبدو أن الزملاء قد اقتربوا من البداية!
سأل «مونت»: ماذا تعني؟
قال «أحمد» بسرعة: لا شيء أكثر من ذلك.
ثم أضاف: ينبغي أن نصل إلى مكان قريب من الفيلا حالًا، قبل أن يتغير الموقف!
أسرع «مونت» إلى الفيلا، وعندما اقتربا منها، قال «أحمد»: سوف أنزل هنا، وسوف أتصل بك.
أوقف «مونت» السيارة، فنزل «أحمد» مباشرةً وأغلق الباب، ثم اختفى عند أول تقاطع مع الشارع. بينما كان «مونت» يراقب كلَّ ما يدور حوله من أحداث، وهو لا يدري، أيحزن أم يفرح؟!
عند طرف الشارع رأى «أحمد» «قيس» و«عثمان» يقفان هناك، أشار «قيس» إشارات فهمها «أحمد» فلم يتقدم أكثر، بل إنه تراجع، وهو يمثِّل أنه يبحث عن رقم أحد المنازل، ثم عاد من جديد إلى ناصية الشارع، فجأةً، خرج رجل من بيت قريب، ألقى «أحمد» نظرة سريعة عليه، وأخفى دهشته، لقد كانت ملامح الرجل هي نفسها ملامح الرجل صاحب الوجه الغريب، التي وصفها «بوالو» في نفس النظارة القديمة أيضًا، وكان يمشي وكأنه عجوز متهدم، فكَّر «أحمد» في كلمات «بوالو» ونظرة الرجل المنكسرة، مرَّ الرجل بجواره فتحقق «أحمد» منه جيدًا، إنه يكاد يكون هو نفسه الذي وصفه «بوالو».
قال في نفسه: هل يمكن أن يكون هو؟! وهل يمكن أن تكون الصدفة جاءت به إلى هنا بهذه السرعة، حتى يظهر أول الخيط؟
كان الرجل قد تجاوز «أحمد» بخطوات فنظر في اتجاه «قيس» و«عثمان»، وأعطى إشارات فهمها، ثم اختفى الاثنان.
في هدوء ظلَّ «أحمد» يتبع الرجل من بعيد، بينما ظلَّ الرجل ماشيًا … لكن فجأةً … وقف على رصيف الشارع، فكَّر «أحمد»: يجب أن تكون سيارة الشياطين جاهزة الآن.
فجأةً، أشار الرجل إلى تاكسي، فتوقَّفَ وركب بسرعة.
فكَّر «أحمد»؛ إن الفرصة قد تفلت منه الآن إذا اختفى هذا الرجل!
لكن فجأةً، توقفت سيارة أمامه، وفتح بابها، انحنى يرى من بداخلها وكانت دهشته، عندما رأى «قيس» يجلس إلى عجلة القيادة، و«عثمان»، يجلس في الخلف … قفز إلى السيارة بسرعة، فانطلقَتْ في أعقاب التاكسي الذي لم يكن قد ابتعد كثيرًا.
سأل «أحمد»: كيف وجدتما هذا الرجل الغريب؟
ردَّ «قيس»: لقد ذهبنا إلى بيت «بوالو» ورأينا السيارة، إنها سيارة فيات قديمة … استطعنا أن نحدد كيف يمكن أن تقطع مسافة في ربع ساعة، وحدَّدنا دائرة، يمكن أن يقع فيها البيت، وفجأةً رأينا الرجل الغريب يدخل البيت الذي خرج منه.
قال «أحمد»: هذا عمل عظيم … وهذه السيارة؟
رد «عثمان»: اتصلنا بعميل رقم «صفر»، حتى نكون مستعدِّينَ لأي مفاجأة، وكانت السيارة تقف في الشارع المجاور لبيت الرجل الغريب.
همس «أحمد»: رائع!
كانت سيارة الشياطين تتبع التاكسي، ولم يكن يفصل بينهما سوى عدة أمتار قليلة … فجأةً توقف التاكسي … فأوقف «قيس» السيارة، فجأةً — مرةً أخرى — اقتربت سيارة مرسيدس سوداء، وتوقفَتْ أمام الرجل الغريب … الذي ركبها بسرعة، كان الشياطين يراقبون ما يحدث، فقال «أحمد»: الآن يمكن أن أؤكد أن الرجل الغريب هو نفسه الشخص الذي وصفه «بوالو»، وانطلقت سيارة الشياطين خلف سيارة الرجل الغريب.