فاتحة الكتاب
بسم الله الحيِّ، القيُّوم الأبديِّ، الأزليِّ الدايم السرمديِّ، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا رب غيره وسواه لا يُعبد، مَن خلق السموات وزيَّنها بالكواكب السايرة، والنجوم الساهرة، وبسط الأرض وأتقنها بحكمته الباهرة، وقدرته القادرة، وصنع الإنسان وولَّاه على ساير ما أبدع في دنياه، وجمَّله في العقل الفايق والذهن الرايق، وأمره بالسير على الحقِّ وحفظ السنن، وخلوص الودِّ للخلق وترك الفتن. نحمده — سبحانه وجلَّ شانه — حمدًا يليق بعزَّته ذات الجلالة، ما بزغ بدر وأشرقت غزالة.
أما بعد؛ فيقول العبد الضعيف صاحب هذا التأليف: إنه إذ قد جرت عادة الأوايل بتأليف الكتب والرسايل، وذكر ما يمرُّ عليهم من الحادثات الكونيَّة والحركات الكليَّة، كقيام دولة على دولة وانتشار الحروب المهولة، وما يتعلق بها من المواقع المريعة والأمور الفظيعة.
فحقَّ لنا أن نؤرخ في هذا الكتاب لانتفاع الطلَّاب ما حدث من التغيير والانقلاب، ممَّا أجرته يد الأقدار في هذه الأمصار، وممَّا أذنت به العزَّة الإلهيَّة بظهور المشيخة الفرنساويَّة، وما تكوَّن بسببها من الفتن في البلاد الإفرنجيَّة وديار الروميَّة، وقتل سلطانهم وخراب بلدانهم، وانتشار شانهم وربحهم من بعد خسرانهم، وذلك بظهور فرد أفرادهم وقايد أجنادهم، الليث الشديد والبطل الصنديد، أمير الجيوش الأمير بونابرته، وذكر الحروب التي ثارت بتلك الممالك وحدوث الشرور والمهالك، وقهر البلاد التي اتَّصلوا إليها والانتصارات العظيمة التي حصلوا عليها، بانتقالهم الغريب من الغرب إلى الشرق، ومرورهم العجيب أسرع من البرق، ونزولهم على جزيرة مالطة كالصواعق الهابطة، وفتوحهم ثغر الإسكندرية واستيلائهم على الأقطار المصرية، وذكر ما تمَّ لهم من التمليك في حروبهم مع جملة الغزِّ والمماليك، ومسيرهم على الأقطار الشاميَّة، ومحاصرتهم لمدينة عكَّا القويَّة مسكن ذاك الوزير الجبَّار المعروف بأحمد باشا الجزَّار، ورجوعهم إلى أرض مصر، وما تمَّ لهم في ذلك العصر، وكفاحهم مع الدولتين العظيمتين؛ الدولة العثمانية والدولة الإنكليزية، ومصادماتهم للعساكر البرِّية والبحريَّة، وخروجهم من مصر القاهرة بالتسليم من بعد حروب وافرة وهول عظيم، وذلك في مدة ثلاثة أعوام في التمام، ابتداؤها شهر محرَّم الحرام افتتاح عام ألف ومايتين وثلاثة عشر هجرية، وآخِرها شهر ربيع الثاني عام ألف ومايتين وستَّة عشر بالهجرة الإسلامية، ثم يتلوه ذكر تملُّك الدولة العثمانية والدولة الإنكليزية من بعد خروج الدولة الفرنساوية، وذكر ما تمَّ لهم مع زمرة الغزِّ والمماليك المحمَّدية من بعد فتوحهم مصر الكنانة، وبالله القوَّة والإعانة.