الفصل العاشر
كان هذا أكبر سبق صحفي في حياة جامي هوبكينز. حيث ظهرت الصحف الأخرى في ذلك المساء وبها صور مروعة للحشد الذي حضر جنازة كلاي في جولدرز جرين — برءوس تُشبه وحش ميدوسا، في صور مقربة، وهم يصرخون في وجه الكاميرا: كأرواح منتقمة شعثاء بأفواه مفتوحة يهاجمون بعضهم البعض في كراهية مطلقة — وظنت الصحف بذلك أنها أحسنت صنعًا. فلم يكن هناك في ذلك اليوم، بكل تأكيد، ما يعادل أهمية جنازة كلاي. وقد أجاد مصوروهم عملهم بدرجة كبيرة. ومن ثم جاز لهم أن يشعروا بالبهجة.
لكن لم يذهب هباءً تتبُّع هوبكينز لجرانت من شارع ويجمور، إلى مقر أورينت أوفيسز، ومن أورينت أوفيسز إلى تيمبل، ومن تيمبل إلى سكوتلاند يارد. ولم يذهب هباء انتظاره على الناصية بينما يراقب الشخص الذي استعان بخدماته سكوتلاند يارد إلى أن منحه إشارة عندما غادر جرانت سكوتلاند يارد. ولم يذهب هباءً تَتبُّعه له طَوال الطريق إلى ويستوفر.
حملت صحيفة «سنتينل» عنوان «قتل كلاي.» «قتل كلاي: القبض على القاتل!» وتجمهر الناس حول بائعي الصحف المتحمسين. وفي مقرات الصحف الأخرى ساد حنَقٌ بالغ، وسرَت شائعات عن تسريح بعض المحررين من العمل. وعبثًا جرى التوضيح لرؤساء التحرير الحانقين أن إدارة سكوتلاند يارد قد قالت إنها ستُبلغهم حالما تصبح هناك أخبار يمكن نشرها. فكان رد رؤساء التحرير: ولماذا تدفع لهم رواتبهم؟ هل لكي يجلسوا في انتظار أن يجري استدعاؤهم، ليبلغوا بمعلومات رسمية مقتضبة لا قيمة لها؟ ماذا يظنون أنفسهم؟ موظفو نقل؟
لكن جامي قُدِّر تقديرًا بالغًا من قِبل مديريه الذين يُوقِّعون على شيك راتبه. حيث أقام في غرفة في فندق مارين — أكثر فخامةً من غرفة جرانت، الذي أقام في غرفة هناك ولكن كان عليه أن يقضيَ أغلب حياته في المستقبل القريب في قسم الشرطة — وشكر الله الذي قدر مثل هذه النهاية الدراماتيكية لكريستين كلاي.
أمَّا بالنسبة إلى جرانت فقد كان يجابه عاصفةً من المعلومات، كما كان يتوقع. فبحلول ظهر يوم الثلاثاء كان تيسدول قد شوهد في كل ركن من إنجلترا وويلز، وعند موعد تناول الشاي بدأت مشاهدته في اسكتلندا. كما شوهد وهو يصطاد السمك من فوق جسرٍ على جدول في يوركشاير وقد أسدل قبعته فوق وجهه على نحوٍ مريب حينما اقترب منه المُبلِّغ. وشوهد وهو يخرج من السينما في أبريستويث. وقد استأجر غرفة في لينكولن وغادر دون سداد ثمنها. (لاحظ جرانت، تَكرار معلومة أنه قد غادر دون سداد ما عليه في كثير من البلاغات.) وقد طلب اصطحابه في رحلة على متن قارب في لويستوفت. (وقد طلب اصطحابه في رحلة على متن قارب في العديد من الأماكن الأخرى. إن عدد البلاغات عن شباب لم يسددوا ثمن الغرفة لصاحباتها ويريدون مغادرة البلاد كان يدعو للقلق.) كما عُثر عليه ميتًا في مستنقع بالقرب من بينريث. (شغل هذا البلاغ وقت جرانت طَوال فترة ما بعد الظهر.) وقد عثر عليه ثملًا في أحد أزقة لندن. كما اشترى قبعة في هايث، وجرانثام، لويس، تونبريدج، دورتشستر، أشفورد، لوتن، إيلزبري، ليستر، تشاتام، إيست جرينستيد، وفي أربعة متاجر في لندن. واشترى علبة دبابيس مشبك في سوان وإدجارز. وتناول شطيرة كابوريا في كشك للوجبات السريعة في شارع أرجايل، وتناول كعكتين وفنجان قهوة في متجر للمخبوزات بهيستينجز، وخبزًا وجُبنًا في فندق هايواردز هيث. وقد سرق كل ما يمكن تخيُّله في كل مكان يمكن تخيله — بما في ذلك قارورة من متجر خزف وزجاج في كرويدون. وعندما سئل المبلغ لماذا قد يريد تيسدول قارورة، قال إنها قد تستخدم كسلاح.
وجرى تلقي البلاغات عبر ثلاثة خطوط تليفونية ظلت ترن بجنون، وعبر البريد، والبرقيات، واللاسلكي، وبالحضور شخصيًّا لقسم الشرطة. وكانت نسبة تسعين بالمائة منها عديمة الجدوى، لكن كلًّا منها تستوجب الاستماع: وبعضها يتطلب الكثير من التحريات قبل أن يتضح عدم جدواها. نظر جرانت نحو كومة البلاغات المتراكمة، وفقد السيطرة على نفسه قليلًا.
وقال: «هذا ثمن باهظ أدفعه مقابل افتقاد التفكير السليم للحظة.»
فقال ويليامز: «ابتهج، يا سيدي.» وتابع: «كان من الممكن أن يسوء الأمر أكثر.»
«كان من الممكن أن يسوء الأمر أكثر! هل تخبرني ما هو الحدث الذي، في رأيك، قد يزيد الموقف سوءًا؟»
«أوه، حسنًا، حتى الآن لم يأتِ أي مخبول ليعترف بارتكابه الجريمة، ويضيع وقتنا بهذه الطريقة.»
لكن المخبول جاء في الصباح التالي.
رفع جرانت عينيه من على مِعطفٍ مُبلَّل أُحضر إليه للتو وكان يفحصه، ليرى ويليامز يُغلق الباب بغموض ويتقدم نحوه بغموض.
فسأله بحدَّة نتجت عن توقع الأسوأ: «ما الأمر، يا ويليامز؟»
قال ويليامز: «الشخص المخبول.»
«ماذا؟»
قال ويليامز: «الشخص الذي سيعترف، يا سيدي.» وقد اعترت صوته نبرة بها مسحة من الشعور بالذنب، كما لو كان يشعر بأنه قد جلب الشر عندما ذكر هذا الأمر بالأمس.
تأوَّه جرانت.
«ليس من النوع المعتاد مطلقًا، يا سيدي. مثير للاهتمام حقًّا. ومتأنق للغاية.»
«من الداخل أم من الخارج؟»
«أوه، أعني، ملابسها، يا سيدي.»
«ملابسها! هل هي امرأة؟»
«أجل، إنها سيدة راقية، يا سيدي.»
قال: «أدخلها.» وتأجج الغضب بداخله. كيف تجرؤ أنثى مخبولة على تضييع وقته كي تُرضي رغبتها المنحرفة الفاسدة.
فتح ويليامز الباب على مِصراعيه وأدخل امرأة أنيقة متألقة.
واتضح أنها جودي سلرز.
لم تَقُل شيئًا، لكنها دخلت إلى الحجرة ببطء عابس. ورغم أنه فوجئ برؤيتها، اعتقد جرانت أنها وقحة للغاية رغم مظهرها الخارجي الأنيق. كان هذا الإحساس بالامتعاض من العالم بوجه عام ومن مصيرها بوجه خاص مألوفًا للغاية بالنسبة إليه.
فسحب كرسيًّا في صمت. يمكن لجرانت أن يُصبح مخيفًا للغاية.
ثم قال: «حسنًا، أيها السيرجنت، ليست هناك حاجة إلى أن تبقى.» وبعد ذلك، وجه حديثه إلى جودي بينما يغادر ويليامز: «ألا تعتقدين أن هذا غير عادل بعض الشيء، يا آنسة سلرز؟»
«غير عادل؟»
«أنا أعمل ثلاثًا وعشرين ساعة في الأربع والعشرين، في عمل هام للغاية، وأنت تجدين أنه من المناسب تضييع وقتي من خلال اعتراف زائف.»
«إنه ليس زائفًا.»
«إنه زائف للغاية لدرجة أنني أودُّ أن أدعوك للانصراف الآن، دون كلمة واحدة أخرى.»
أوقفت تحركه نحو الباب. حيث قالت: «لا يمكنك فعل هذا. سأذهب إلى قسم شرطة آخر وأعترف وسيرسلونني إليك ثانيةً. لقد ارتكبت الجريمة، هل تفهم!»
«أوه، كلا، لم ترتكبيها.»
«ولمَ لا؟»
«لسبب واحد، أنتِ لم تكوني بالقرب من المكان.»
«كيف تعرف أين كنت؟»
«لقد نسيتِ أنه في سياق الحديث ليلة السبت كان من الواضح أنكِ كنتِ في ليلة الأربعاء في منزل الآنسة كيت في تشيلسي.»
«لقد كنت هناك من أجل حفلة كوكتيل. وانصرفت مبكرة لأن ليديا كانت ذاهبةً إلى حفل عبر النهر.»
«حتى وإن كان الأمر كذلك، هذا يجعل من غير المحتمل أن تستطيعي الوجود على شاطئ بالقرب من ويستوفر بعد الفجر بوقت قصير في صباح اليوم التالي.»
«من السهل للغاية أن أكون موجودة في شمال إنجلترا في صباح اليوم التالي. لقد قدت سيارتي إلى هناك إذا أردت أن تعرف. يمكنك أن تجريَ تحرياتك في شقتي. وستخبرك الفتاة التي أعيش معها أنني لم أعد إلى المنزل إلا في وقت الغداء يوم الخميس.»
«هذا لا يثبت البتة أنك كنت تقتلين.»
«ورغم ذلك، كنت أفعل. لقد قدت سيارتي إلى شاطئ جاب، واختبأت في الغابة، وانتظرت حتى جاءت لتسبح.»
«وكنت، بالطبع، ترتدين معطف رجل أليس كذلك؟»
«أجل، رغم أني لا أعرف كيف علمت. لقد كان الجو باردًا وأنا أقود السيارة، فارتديت معطف أخي الذي وجدته في السيارة.»
«هل ارتديتِ المِعطف وأنتِ على الشاطئ؟»
«أجل. لقد كان الجو باردًا للغاية. وأنا لا أحب السباحة عند الفجر.»
«ذهبت للسباحة!»
«بالطبع. لم يكن بإمكاني أن أغرقها من على الشاطئ، أليس كذلك؟»
«وهل تركت المعطف على الشاطئ؟»
قالت باستهزاء واضح: «أوه، كلا.» وتابعت: «لقد ذهبت للسباحة فيه!»
وتنفس جرانت الصعداء في ارتياح. لقد ساوره الخوف للحظة.
«إذن فقد استبدلت ثيابك وارتديت ثوب السباحة، وذهبت إلى الشاطئ وأنت ترتدين معطف أخيك، ثم … ماذا حدث بعد ذلك؟»
«كانت تسبح على مسافة بعيدة. فنزلت، وسبحت حتى وصلت إليها وأغرقتها.»
«كيف؟»
«لقد قالت: «مرحبًا، يا جودي.» فقلت: «مرحبًا.» فلكمتها لكمة خفيفة في الذقن. علمني أخي كيف ألكم شخصًا في ذقنه، بحيث يفقد اتزانه. ثم غطست تحتها وجذبتها من كعبها نحو الأعماق حتى غرقت.»
قال جرانت: «بارع للغاية.» وتابع: «لقد فكرت في كل الجوانب، أليس كذلك؟ هل اخترعت لك دافعًا على ارتكاب الجريمة أيضًا؟»
«أوه، أنا فقط لم أَكُن أحبها. أو بالأحرى، كنت أكرهها. نجاحها ومظهرها واستقلالها. لقد أصبحت مصدر إزعاج لي حتى لم أعد قادرة على احتمالها ليوم آخر.»
«فهمت. لكن هل يمكنك تفسير لماذا، بعد أن أنجزت الجريمة الكاملة على نحو عملي، توجب عليك أن تأتيَ بهدوء إلى هنا وتضعي حبل المشنقة حول رقبتك؟»
«لأنك اعتقلت شخصًا آخر لارتكاب الجريمة.»
«هل تقصدين بسبب قبضنا على روبرت تيسدول. هذا يفسر كل شيء. والآن بعد أن أضعت بعض الدقائق الثمينة من وقتي، يمكنك أن تعوضيني وتردي اعتبار نفسك في الوقت نفسه، عن طريق إخباري بما تعرفينه عن تيسدول.»
«لا أعرف عنه شيئًا. عدا أنه آخر شخص في العالم يمكنه ارتكاب جريمة. لأي سبب.»
«إذن أنتِ تعرفينه حق المعرفة، أليس كذلك؟»
«كلا. بالكاد أعرفه.»
«ألم تكونا … صديقين؟»
«كلا، ولا عاشقَين، إذا كان هذا ما تحاول قوله. إن بوبي تيسدول لم يكن يعتبرني موجودة على قيد الحياة، إلا كي يناولني كوكتيل.»
تغيرَت نبرة جرانت. وقال بلطفٍ شديد: «ورغم ذلك أنت على استعداد للتمادي إلى هذا الحد لإخراجه من هذه الورطة؟»
ازداد استياؤها إزاء هذا اللطف. وقالت: «إذا ارتكبت جريمة قتل ألن تعترف بها لإنقاذ شخص بريء؟»
«هذا يتوقف على إلى أي مدى أظن أن الشرطة ساذجة. لقد قللت من تقييمك لقدراتنا، يا آنسة سلرز.»
«أظن أنكم مجموعة من الحمقى. لقد اتهمتم رجلًا بريئًا. وانشغلتم بمطاردته حتى الموت. وترفضون الإنصات لاعتراف سليم تمامًا عندما يقدم إليكم.»
«حسنًا، أتدرين، يا آنسة سلرز، هناك دائمًا أمور عن القضايا تعلمها الشرطة فقط ولا يمكنك معرفتها من خلال الصحف. إن الخطأ الذي وقعت فيه هو أنك نسجت خيوط قصتك عبر الاستعانة بمقالات الصحف. هناك أمر واحد لم تعرفيه. وأمر واحد نسيتِه.»
«ماذا نسيت؟»
«أنه لا أحد كان يعلم أين تقيم كريستين كلاي.»
«القاتل كان يعلم.»
«أجل. هذا مقصدي. والآن … أنا مشغول للغاية.»
«إذن فأنت لا تصدق كلمة مما قلت.»
«أوه، كلا. أنا أصدق الكثير مما قلته. لقد كنتِ خارج المنزل طَوال ليلة الأربعاء، وعلى الأرجح ذهبت للسباحة، وعدت إلى المنزل عند موعد الغداء يوم الخميس. لكن كل ذلك لا يجعلك مدانة بارتكاب جريمة قتل.»
نهضت، بنفس الطريقة المتراخية العنيدة، وأخرجت أحمر الشفاه الخاص بها. ثم قالت بتأنٍّ وهي تَطلي شفتيها: «حسنًا، بعد أن فشِلت في محاولتي الصغيرة لتحقيق الشهرة، أظن أنني يجب أن أستمر في لعب دور الشقراء البلهاء لبقية حياتي. إنه لأمر جيد أنني اشتريت تذكرة ذَهاب وعودة.»
قال جرانت، وهو يبتسم ابتسامة باهتة بينما يفتح لها الباب: «أنت لن تخدعيني.»
قالت مندفعة: «حسنًا، إذن، ربما أنت محق في ذلك، وسُحقًا لك على أي حال.» ثم تابعت وهي تخرج: «لكنك مخطئ في اتهامه بارتكاب الجريمة. مخطئ لدرجة أن سمعتك ستتأثر قبل أن تنتهيَ هذه القضية.»
وتجاوزت ويليامز المذهول واثنين من الموظفين واختفت.
قال ويليامز: «حسنًا، هذه هي الأولى. إن البشر في غاية الغرابة، أليس كذلك يا سيدي؟ أتعلم، إذا أعلنَّا أن المعطف الذي نبحث عنه به زر مفقود، فسيقطع بعض الأشخاص أزرارًا من معاطفهم ويحضرونها إلى هنا. بدافع التسلية فقط. كما لو أن الأمور ليست صعبة بما فيه الكفاية بدون ذلك. إنها ليست من النوع المعتاد، رغم ذلك، أليس كذلك يا سيدي؟»
«أجل. ما رأيك فيها يا ويليامز؟»
«ممثلة خفيفة. تبحث عن الدعاية للمساعدة في حياتها المهنية. ذات شخصية قوية.»
«كل ذلك خطأ. ممثلة قوية جدًّا. تكره حياتها المهنية. رقيقة القلب لدرجة التضحية بنفسها.»
بدا ويليامز محبطًا قليلًا. وقال مذكرًا جرانت: «بالطبع، لم تُتَح لي الفرصة للتحدث معها.»
«أجل. بناء على المظهر فإن استنباطك لشخصيتها جيد، يا ويليامز. أتمنى أن أتمكن من استنباط هذه القضية بالجودة نفسها.» ومن ثم جلس ومرَّر أصابعه عبر شعره. وقال: «ماذا كنت ستفعل، يا ويليامز، بمجرد أن تتمكن من الهرب من فندق مارين؟»
أدرك ويليامز أنه من المفترض أن يضع نفسه في موضع تيسدول.
«كنت سأستقل حافلةً مزدحمة إلى مكانٍ ما. أول ما قد أعثر عليه. وأنزل مع حشد من الآخرين، وأنطلق كما لو كنت أعرف إلى أين أنا ذاهب. في الواقع، أينما ذهبت، فعليَّ أن أبدوَ كما لو أنني أعرف إلى أين أنا ذاهب.»
«ثم ماذا؟»
«ربما سأُضطر إلى ركوب حافلة أخرى للابتعاد عن المدن الكبرى.»
«سوف تخرج من المناطق السكنية، أليس كذلك؟»
قال ويليامز، مندهشًا: «بالتأكيد!»
«يسهل تمييز المرء في المناطق الريفية المكشوفة.»
«هناك غابات. في الواقع، قد تُخفي بعض الغابات في هذا الجزء من العالم رجلًا إلى أجلٍ غير مُسمًّى. وإذا وصل رجل إلى أقصى الغرب عند غابة أشداون، فسيتطلب الأمر نحو مائة رجل لتمشيط أشداون بشكل صحيح.»
هزَّ جرانت رأسه. «أهناك طعام؟ أهناك مأوًى؟»
«يمكنه النوم في العراء. إنه طقس دافئ.»
«إنه هارب منذ ليلتين الآن. إذا كان قد ذهب إلى الريف، فلا بدَّ أن مظهره قد أصبح مزريًا الآن. ولكن هل ذهب؟ هل لاحظت أن أحدًا لم يُبلغ أنه شاهده يشتري ماكينة حلاقة؟ هناك احتمال أن يكون مختبئًا عند أصدقاء له. إني أتساءل …» شردت عيناه إلى الكرسي حيث كانت جودي جالسة. وتابع: «لكن لا! لن تخاطر أبدًا بخدعة كبيرة كهذه. لا داعي لها.»
تمنى ويليامز أن يذهب جرانت إلى الفندق وينام بعض الوقت. فهو يتحامل على نفسه كثيرًا لفشله في القبض على تيسدول. إن الأخطاء تحدث لأفضل الناس، ويعلم الجميع أن جرانت مفتش جيد. وإدارة سكوتلاند يارد تدعمه. لماذا يجلد نفسه بشأن شيء قد يحدث لأي شخص؟ وهناك واحد أو اثنان ممن يصطادون في الماء العكِر بالطبع — الأشخاص الطامعون في وظيفته — لكن لا أحد يعير أمثالهم انتباهًا. حيث يعرف الجميع ما يصبون إليه. إن جرانت مفتش جيد، والجميع يعرف ذلك. لذا من السخف أن ينزعج كل هذا الانزعاج بسبب زلة صغيرة.
إذا كان من الممكن القول إن قلب الشرطي يتألم، فإن قلب ويليامز القوي يتألم من أجل مديره.
قال جرانت، مشيرًا إلى المعطف: «يمكنك التخلص من هذا الشيء المثير للاشمئزاز. إن عمره عشرون عامًا، على الأقل، وليس به زر واحد خلال العشرة الأواخر. هذا شيء يحيرني، كما تعلم، يا ويليامز. كان معه عند الشاطئ، وأصبح مفقودًا عندما عاد. كان عليه أن يتخلص من ذلك المعطف في مكان ما عبر طريقه. إنه ليس طريقًا طويلًا للغاية، في واقع الأمر. ولم يكن هناك وقت ليذهب بعيدًا عنه. ولا بدَّ أنه كان قلقًا جدًّا كي يعود ويتلاشى خطؤه في الهروب. ومع ذلك لم نعثر على المعطف. بركتا بط، كلتاهما ضحلتان، جرى البحث فيهما على نحو جيد. ثلاثة جداول ماء لا يمكنها أن تُخفيَ عملة معدنية واحدة ولن يطفوَ عليها قارب ورقي. كما فتشنا المصارف، وجدران الحدائق من الجانب الآخر، وخميلتين صغيرتين. ولم نجد شيئًا! ماذا فعل به؟ ماذا ستفعل به لو كنت في مكانه؟»
«أحرقه.»
«ليس هناك وقت كافٍ. كما أنه رطب أيضًا. مبتل للغاية، على الأرجح.»
«أطبقه إلى حجم صغير وأخفيه بين أغصان شجرة. إن الجميع ينظر نحو الأرض بحثًا عن الأشياء.»
«ويليامز، أنت مجرم بالفطرة. أخبر سانجر بنظريتك واطلب منه التحقيق فيها هذا المساء. أفضل العثور على ذلك المعطف أكثر من العثور على تيسدول. في الواقع، لا بدَّ أن أحصل على ذلك المعطف!»
«بالحديث عن ماكينات الحلاقة، هل تظن أنه ربما، أخذ معه ماكينة الحلاقة الخاصة به، يا سيدي؟»
«لم أفكر في ذلك. لم أظن أنه يتمتع بحضور الذهن. لكن أنا لم أظن أيضًا أنه ستواتيه الجرأة الكافية كي يهرب. لقد ركزت على الانتحار. أين متعلقاته؟»
«لقد تَحفَّظ عليها سانجر هنا في الحقيبة. كل شيء يخصه.»
«هل تأكدت مما إذا كانت ماكينة الحلاقة موجودة؟ من الجيد أيضًا معرفة ما إذا كان قد حلق ذقنه أم لا.»
لم تكن هناك ماكينة حلاقة.
قال جرانت: «عجبًا! من كان يتوقع ذلك؟ يشغل انتباهي وهو يقول: «لقد خيبت ظني، أيها المفتش»، وفي الوقت نفسه يضع ماكينة الحلاقة في جيبه بهدوء، ويرتب لهروبه بينما المحقق الأحمق يراقبه. أنا مخطئ تمامًا بشأن هذا الفتى، أيها السيرجنت. مخطئ للغاية. لقد ظننت في البداية، عندما أخذته من جلسة التحقيق أنه واحد من هذه المخلوقات العفوية الهستيرية. ثم بعد أن علمت بالوصية، غيرت رأيي. ورغم ذلك، ظللت أعتقد أنه «شخص مسكين». والآن بعد اكتشاف أنه كان يخطط للهروب أمام عيني — ونجح في ذلك! ليس تيسدول هو من أخفق، بل أنا!»
قال ويليامز بحماس: «هوِّن على نفسك، يا سيدي. لقد فارقنا الحظ في الوقت الحالي. لكن بيني وبينك، ولا أحد غيرنا، أقسم على ذلك، سوف نضع هذا المتوحش ذا الدم البارد في المكان الذي ينتمي إليه»، بينما هو لا يعلم أن الشخص الذي من المفترض أن يصبح وسيلةً لتقديم قاتل كريستين كلاي إلى العدالة هو امرأة ضئيلة ساذجة في كانساس سيتي لم تسمع بأي منهما من قبل.