عرف المصري القديم استئناسَ الماشية
Bosindicus
منذ حوالي ٥٠٠٠ق.م،
٥ ولربما تمَّ رعي الماشية في واحات الصحراء الغربية حوالي ٧٠٠٠ق.م.؛ إذ
عُثر هناك على بقايا عظمية لثيرانٍ برية
Aurochs
تُؤرَّخ بالعصر الحجري القديم الأعلى.
٦
أولًا: الدفنات الفردية
عُثر في منطقة النبتة
⋆ على العديد من دفنات الأبقار التي تُؤرَّخ بالعصر
الحجري الحديث، والتي بلغ حدُّ الاعتناء بها أن شُيدت لها مقابرُ ذات سِمات
خاصة، عُرفت باسم التومولو
٧
⋆Tumulus، وكان من أهم وأوضح تلك الدفنات،
الدفنةُ رقم
E-94 In الشكل رقم
٧-٢،
٧-٣، التي كانت تشتمل على هيكل
عظمي كامل لبقرة، كانت قد دُفنت على ما يبدو عند مرحلةٍ عمرية غير متقدِّمة، في
منتصف العمر تقريبًا. هذا، وقد عُثر على عصًا خشبية أعلى الدفنة الحيوانية، قد
تكون جزءًا من سقفٍ كان يغطي الدفنة تَحلَّل ولم يبقَ منه سوى تلك العصا، أو قد
تكون العصا وُضعت عن قصد أعلى الدفنة لغرضٍ معيَّن، وعُثر كذلك على ختمٍ غيرِ
سميك من الفخار، لونه بنيٌّ فاتح، كان قد وُضع إلى جوار العصا أيضًا. ولم يتمَّ
بعدُ تفسيرُ الغرض من وجود الختم والعصا في هذه الدفنة الحيوانية، فربَّما كان
لهما ارتباطٌ سحري أو طقسي مرتبِط بالصيد،
٨ ولعلَّ ذلك هو الغرض الأرجح.
ربما كان الختم هنا يشير إلى كونِ هذه المقبرة أو البقرة خاصةً بشخص معيَّن
هو صاحب الختم، وأنَّ ذلك دليلٌ على امتلاكه لها، وبالتالي دليلٌ على ثرائه
الاجتماعي، وربما كان مجرد تميمة في شكل ختم، وهذا هو الأصح.
ولقد عُثر على دفنةٍ أخرى لبقرةٍ صغيرة، كانت قد دُفنت في حفرةٍ تشبه
المقصورةَ الصغيرة، كانت مسقَّفة ومبطَّنة بالطين، وذلك أسفل واحدةٍ من اﻟ
Tumulus التي عُثر عليها بالموقع، هذا
بخلاف العديد من الدفنات الحيوانية الأخرى، التي تنوَّعت ما بين دفناتِ ماشيةٍ
واضحةِ المعالم، أو أجزاءٍ عظمية جُمعت في حفرةٍ كانت أشبه بالودائع الجنائزية.
٩ وفي منطقة الجندل عُثر في الجبَّانة رقم ١٧ على اثنتين من دفنات
الأبقار، كل دفنة على حدةٍ، تُؤرَّخان أيضًا بالعصر الحجري الحديث، كان
الاهتمام بدفنهما قد بدا، سواء في اتجاه الدفن، حيث اتجهتا نحو الغرب، أو في
طريقة التكفين، وتزويد الدفنتين بالمتاع الجنائزي.
١٠
وبمجيء العصر الحجري النحاسي، تتضح الصورة أكثرَ، وإن كانت تنقصنا أيضًا
المصادر الأثرية الصادقة في هذا الوقت، إلا أنه إذا كانت الأمور تُقاس بأشباهها
فإنَّ ما عُثر عليه في مقابر هذا العصر مقارنةً بما عُرف في العصور التاريخية،
يدُل على أنَّ أُناسَ ذلك العصر كانت لهم معتقداتهم الدينية الراسخة. ففي
البداري كانت الأبقار والثيران من بين أهم الحيوانات التي عُثر لها على دفناتٍ
تُؤرَّخ بالعصر الحجري النحاسي؛ ففي المقبرة رقم ٥٤٢٢ بالجبَّانة رقم ٥١٠٠ عُثر
على دفنة لثورٍ — أو بقرة — راقدٍ على جانبه الأيسر بالجانب الشرقي من المقبرة،
وكان رأسه يتَّجه إلى الجنوب، وكان مكفنًا بالحصير. وكذلك في المقبرة رقم ٥٤٣٤،
الشكل رقم
٧-٤، عُثر على دفنةٍ أخرى لثورٍ — أو بقرة —
جاءت الدفنة بنفس تقاليد الدفن التي اتُّبعت في الدفنة السابقة،
١١ ويُلاحظ في كلتا الدفنتين أنهما كانتا قد اتَّبعتا نفس طريقة الدفن
الآدمية من حيث الوضع والتكفين؛ إذ كُفِّنت الحيوانات بالحصير، واتَّجهت
أجسامها من الجنوب إلى الشمال الشرقي، وكان الرأس قد اتجه إلى الجنوب، ولا شكَّ
أنَّ ذلك دليلٌ على نوعٍ من التقديس للأبقار.
١٢ هذا، وقد عُثر على حافة جبَّانة البداري على أربعٍ من دفنات
الأبقار — كلُّ دفنة على حدة — وذلك بين مجموعة من المقابر الآدمية بالجبَّانة.
١٣
وكان من بين دفنات الأبقار التي عُثر عليها بالبداري، واحدة من الدفنات
البقرية فسَّرها
Watson على أنها دفنةٌ
لجاموسةٍ أو بقرةٍ كبيرة الحجم؛ إذ تميَّزت بوجودِ قرونٍ كبيرةٍ ضخمةٍ جاءت
واضحةَ المعالم.
١٤
وفي عصورِ ما قبل وقبيل الأسرات، عُثر على دلائل تقديس الثيران والأبقار من
خلالِ ما تم العثور عليه من دفنات لهما في جبَّانات عدة؛ ففي جبَّانة
هيراكونبوليس/نخن
HK6 الشكل رقم
٧-٤، عُثر على دفنة لبقرة، وذلك في المقبرة رقم ٧ التي تقع
بالقرب من المقبرة المزدوجة رقم ١٣ و٢٣، كانت البقرة قد دُفنت على غِرار طُرق
الدفن الآدمية؛ إذ كُفِّنت بالحصير، وزُوِّدت بالأواني الفخارية، وتبيَّن من
دراسة هيكلها العظمي، أنها كانت بقرةً برية ضخمة. تُؤرَّخ هذه الدفنة بحوالي ٣٧٠٠ق.م،
١٥ الشكل رقم
٧-٦ -
٧-٧.
وفي العصر العتيق، رسخت المعتقَدات المصرية القديمة، وتأكَّد دور الحيوان في
الديانة المصرية آنذاك، ووضح ذلك من خلالِ ما تم العثور عليه من دفناتٍ
حيوانية، لا سيما للثيران والأبقار.
ففي جبَّانة تل حسن داود،
١٦
⋆ عُثر على دفنة لبقرة جاءت في وضعِ
القرفصاء — أي تقاربت ساقاها الأماميتان مع الخلفيتين، وكان هيكلها العظمي
كاملًا، وبحالة جيدة من الحفظ، وتُؤرَّخ الدفنة بعصر بداية الأسرات.
١٧ الشكل رقم
٧-٩.
وفي جبَّانة نجع الدير عُثر في المقبرة رقم ١٦٠٥ على دفنة لعجل صغير، جاء
هيكله العظمي كاملًا، كان الحيوان مرقَّدًا أسفل قدرٍ ضخمة دائرية الشكل من
الألباستر، ربما كانت نوعًا من الأثاث الجنائزي. تُؤرَّخ الدفنة بعصر الأسرة الثانية.
١٨
وفي الكوبانية،
١٩
⋆ عُثر على دفنةٍ لثور كانت جمجمته
مفقودة، أما هيكله العظمي فقد جاء كاملًا، تُؤرَّخ هذه الدفنة تقريبًا بعصر
بداية الأسرات.
٢٠
وقد عُثر في النوبة على العديد من دفنات الثيران، وذلك في الجبَّانة رقم ١٧-
أ؛ ففي المقبرة رقم ٣٣ عُثر على هيكل عظمي لثور صغير، راقدٍ على جانبه الأيسر،
رأسه إلى الجنوب الغربي، بلا قرابين. وكذلك في الدفنة رقم ٧١، عُثر على ثورٍ
آخرَ صغيرٍ، راقدًا على جانبه الأيمن، رأسه إلى الجنوب الغربي، ولم يكن أيضًا
مزودًا بقرابين.
٢١
وقد عُثر في الجبَّانة رقم ٤١ من منطقة مريس بالنوبة، على الدفنة رقم ١٠١
التي اشتملت على دفنةٍ لبقرة كانت راقدةً على جانبها الأيمن، ورأسها إلى الشمال
الغربي. وكذلك في الدفنة رقم ١٠٢ عُثر على بقرةٍ أخرى مشابهة، أُرِّخت الدفنتان
بعصر بداية الأسرات. وفي المقبرة رقم ٢٠١ بنفس الجبَّانة، عُثر على دفنةٍ لثور
أو بقرة، كان رأسها إلى الشمال الشرقي تقريبًا. وفي المقبرة رقم ٢٤١ عُثر على
دفنة لبقرة، راقدة على جانبها الأيمن، ورأسها إلى الجنوب الغربي.
٢٢
وفي الجبَّانة
L بقسطل عُثر على العديد من
الدفنات لحيواناتٍ من فصيلة الثيران، تُؤرَّخ بعصر بداية الأسرات؛
٢٣ إذ عُثر على دفنة لثورٍ في المقبرة رقم
L20، كان الثور راقدًا في وضعٍ مقرفص —
قدماه الأماميتان متقاربتان مع الخلفيتين — بلا جمجمة، وكان يتجه نحو الغرب.
وقد عُثر على دفناتٍ لثيران في المقابر رقم
L25-L26-L27، اتَّخذت الثيران في تلك
الدفنات أوضاعًا واتجاهاتٍ مختلفة. وكذلك الأمر في المقابر رقم
L7-L6-L3؛ إذ عُثر على دفناتٍ لثيران
زُوِّدت بالقرابين.
٢٤ وتُؤرَّخ هذه الدفنات بعصر بداية الأسرات.
ثانيًا: الدفنات الجماعية
عُثر في منطقة النبتة على تراكماتٍ ضخمةٍ من العظام الحيوانية لماشية كثيرة،
بلغ ارتفاع تلك التراكمات حوالي مترين أو يزيد من العظام الحيوانية، ويبدو أنها
كانت نتاجَ تراكمات سنوات عديدة، ولربما كانت تلك العظام لثيران وأبقار، كانت
تُنحر وتُقدَّم كقرابين في توقيت معيَّن من كل عام، مما يشير إلى وجود صلات
عقائدية معينة ربطت ما بين تلك الحيوانات وبين الآلهة التي تجلب الخير والأمطار
لسكان هذا المكان. وتُؤرَّخ تلك التراكمات بالعصر الحجري الحديث.
٢٥
نلاحظ هنا مدى الارتباط الفكري والعقائدي بالثيران والأبقار في مصر، بدءًا من
العصر الحجري الحديث — في نبتة — وحتى عصر ما قبل الأسرات — بالهمامية — ذلك
الاهتمام الذي تبلور في اتباع نفس التقاليد الخاصة بالتضحية بالثيران والأبقار،
وتكويمها في أكوام عظمية بالجبَّانة.
وفي جبَّانة شمال الهمامية،
٢٦
⋆ عُثر على عدد من الأكوام العظمية —
حوالي ١٣ كومًا — الشكلان رقم
٧-٩ -
٧-١٠ كانت لتراكماتٍ عظمية لحيوانات من الفصيلة البقرية، تشبه ما جاء في جبَّانة
النبتة — قد تكون تراكماتٍ عظمية لصغار الثيران والأبقار، ولقد لوحظ أنَّ جماجم
تلك الحيوانات كانت تحتفظ بالاتجاه الشرقي، فيما عدا خمس جماجم كانت قد اتجهت
إلى الشمال، ويصعُب تفسير الغرض من وراء تكويم تلك العظام بهذه الطريقة. هذا
وتُؤرَّخ تلك الأكوام العظمية بعصرِ ما قبل وقبيل الأسرات، كانت جماجم
الحيوانات هي أعلى شيء في تلك الدفنات، وغير معروف حتى الآن مدى صلة هذه
الأكوام العظمية بالدفنات الآدمية التي كانت بالجبَّانة، إلا أنه يمكن اعتبارها
«تضحياتٍ حيوانية».
٢٧
ويتضح من خلالِ ما عُثر عليه بجبَّانة البداري مدى الاهتمام بتزويد المقبرة
بالمتاع الجنائزي وتغطيتها بالحصير، وذلك كما جاء في الشكل رقم
٧-١١.
وفي هيراكونبوليس، الشكل رقم
٧-١٢ عُثر على العديد من
دفنات الأبقار، لا سيما بالجبَّانة
HK6؛ ففي
المقبرة رقم ٢ عُثر على خمسٍ من دفنات الماشية التي اشتملت على اثنين من
الثيران، واثنتين من الأبقار وعجلٍ صغير، كانت الحيوانات قد رقدت على حصيرٍ من
الخوص، وعُثر على آثارٍ لمادة عضوية سوداء، ربما كان لها علاقة بحفظ جسم
الحيوان كما في الشكل رقم
٧-١٢.
٢٨ وفي المقبرة رقم ٣٦ بهيراكونبوليس عُثر على دفنةٍ لبقرة وعجل صغير
٧-١٤، هذا وإلى الجنوب الغربي من المقبرة رقم ٢ عُثر
على العديد من التراكمات العظمية للأنواع الحيوانية الثلاثة، وذلك في المقبرة
رقم ٧ التي تُؤرَّخ تقريبًا بنقادة
III، وثبَت
من دراسة تلك البقايا العظمية أنها كانت لاثنين من الثيران البالغة واثنتين من
الأبقار وعجل صغير، جاءت تلك البقايا العظمية في ثلاثة مستويات. وفي المقبرة
رقم ٨ عُثر على بقايا عظمية لثلاثة حيوانات من الفصيلة البقرية واثنين لحيوانات
بالغة، والثالث صغير السن.
٢٩
وفي حلوان، عُثر في المقبرة رقم ٣٨٥ح٤ بالجبَّانة الملكية، على دفنة حيوانية
اشتملت على بقايا عظمية لأكثر من ثور، وُضعت تلك البقايا العظمية في طبقاتٍ
بعضها فوق بعض.
٣٠
وترى الدارسة في تفسير الغرض من العثور على مثل هذه الدفنات الجماعية للثيران
والأبقار أنها إشارة إلى أهميتها الاقتصادية على وجه الخصوص؛ إذ كان المصريون
القدماء يتفاخرون بامتلاكِ الثيران والأبقار، وكان أصحاب الضِّياع في عصر
الدولة القديمة يُعنون بتربية أعداد لا حصر لها من الثيران، بل وكانوا يصوِّرون
على جدران مقابرهم قطعانَ الماشية موضَّحة بالأرقام الدالة على عددِ ما يملكه
صاحب المقبرة لينعمَ بها في آخرته.
ثالثًا: دفنات حيوانية وآدمية معًا
عُثر في المقبرة رقم ١٩ بجبَّانة هيراكونبوليس
HK6 على دفنةٍ لبقرة جاءت بالقرب من هيكلٍ
عظمي آدمي، كانت الدفنة قد فُسِّرت في البداية على أنها لثور، وذلك لكِبَر
وضخامة حجم الجمجمة والهيكل العظمي إلا أنَّ الدراسات الحديثة أثبتت أنَّ
الدفنة لبقرة. هذا، ولا توجد بالهيكل العظمي، أيُّ آثار لذبح أو حرق أو تقطيع
تساعد على تفسير الدفنة، وإنما جاء الهيكل العظمي خاليًا من أي معالمَ غريبة،
والجميل هنا أنه قد لوحظ وجودُ نوع من المحافظة على جسم الحيوان. وتُؤرَّخ هذه
المقبرة بفترة نقادة
IC.IIA؛ أي ما بين
٣٧٠٠-٣٦٠٠ق.م. ويلاحظ أنه قد عُثر على شبيهِ تلك الدفنة بالمقبرة رقم ٣ بنفس الجبَّانة.
٣١ الشكلان رقم
٧-١٥ -
٧-١٦.
وفي سقارة،
٣٢
⋆ التي تُعدُّ جبَّانتها واحدةً من
أغنى الجبَّانات التي تضم قائمةً متنوِّعة من الدفنات الحيوانية على مرِّ مختلف
المراحل الحضارية، وكان من بينها العديدُ من دفنات الثيران والأبقار.
٣٣ ففي المقبرة رقم ٣٠٣٨، وهي من المقابر التي تُؤرَّخ بعصر الملك عنج
إيب — من ملوك الأسرة الأولى — عُثر على دفنة آدمية وحيوانية معًا، وذلك في
الركن الجنوبي الشرقي من المقبرة؛ إذ عُثر على هيكل عظمي لثور وُجدت عظامه
متناثرةً بالمقبرة، بينما وُجدت عظام هيكل حيواني آخر، من دراسته تبيَّن أنه
لثورٍ آخر، وقد عُثر معه على مجموعة من الأواني الحجرية ورءوس سهام عاجية.
٣٤ الشكل رقم
٧-٢٠.
وفي منطقة تل حسن داود، عُثر على واحدةٍ من أروع دفنات الأبقار، وذلك من بين
ثلاث دفنات بَقَرية كان قد عُثر عليها في المنطقة الشمالية من الجبَّانة، حيث
جاءت الدفنة أشبهَ بالعمل الفني، راجع الشكل رقم
٧-٩؛ إذ
كانت البقرة راقدةً على جانبها الأيسر بينما يرضع منها طفلٌ آدمي صغير، يتراوح
عمره ما بين خمس إلى ستِّ سنوات، فكانت طريقة الدفن أشبهَ بالواقعية، والطفل
جاء بين سيقان البقرة وكأنه رضيعها. هذا، وتُؤرَّخ تلك الدفنة بعصر بداية الأسرات،
٣٥ ويُعتقد بشأن هذه الدفنة أنها تجسيدٌ للبقرة حتحور والابن حورس.
أما الدفنة الثانية التي عُثر عليها بالجبَّانة، فقد ظهر بها المتوفَّى
ممددًا إلى الأرجل الأمامية للبقرة، الشكل رقم
٧-٩، وجاء
هيكل البقرة شبه كامل،
٣٦ ولعل في العثور على تلك الدفنات دليلًا على أنَّ البقرة كانت
مقدَّسة لدى أهالي منطقة كفر حسن داود. انظر أيضًا الشكل رقم
٧-٩.
رابعًا: دفنات حيوانية ملحقة بمقابر آدمية
عُثر في الكوبانية على دفنةٍ لبقرةٍ تتوسط اثنتين من الدفنات الآدمية، كانت
البقرة تتجه من الجنوب إلى الشمال.
٣٧ تُؤرَّخ الدفنة بالعصر الحجري الحديث.
وفي نقادة، عُثر في المقبرة رقم
41.T.14 على
دفنة لبقرة كانت راقدة إلى جوار دفنة آدمية — أي إنَّ الدفنتين متجاورتان —
ورغم العثور على هيكل البقرة مفككًا، إلا أنَّ أسلوب وطريقة الدفن يشيران إلى
أنها دفنةٌ كاملة لبقرة، وليس مجرَّد عظام حيوانية مفكَّكة ملحقة بالمقبرة.
هذا، وقد دُفنت البقرة في وضعٍ موازٍ للدفنة الآدمية. وزُوِّدت الدفنةُ بتسعٍ
من القدور الفخارية؛ كانت تحيط بجمجمة البقرة، ومقدِّمة جسمها،
٣٨ تُؤرَّخ الدفنة بعصرِ ما قبل الأسرات.
وفي منطقة منشأة أبو عمر
٣٩
⋆عُثر على دفنة حيوانية لبقرة، عُثر
على هيكلها العظمي كاملًا عدا الرأس، وكان هيكلها العظمي كبيرَ الحجم. هذا، وقد
دُفنت البقرة وعليها مجموعة من الأواني الفخارية السليمة، وذلك بأحد مخازن
المقبرة التي عُثر فيها على تلك الدفنة بالجبَّانة
Group.
4، مما يدُل على أنَّ تلك البقرة كانت في دفنة فرعية
بالمقبرة الأصلية أو الرئيسية، لا سيما وأنه قد عُثر في حجرة الدفن الرئيسية
على بقايا تابوتٍ خشبي وعلى بقايا دفنة آدمية.
٤٠ تُؤرَّخ الدفنة بعصر بداية الأسرات.
وفي النوبة، عُثر على دفناتٍ بقرية أُلحقت بمقابر آدمية؛ ففي الجبَّانة رقم
١٧أ في «خوربهان» عُثر على دفنة لبقرة في الجزء
B من المقبرة رقم ٦٦أ، بينما كان الجزء
A من المقبرة قد خُصِّص لدفنة آدمية.
وتكرَّر الأمر نفسُه في المقبرة رقم ٢٠١؛ إذ عُثر أيضًا على دفنة لبقرة شبيهة بالسابقة.
٤١ هذا، وتُؤرَّخ تلك الدفنات بعصر بداية الأسرات.
خامسًا: دفنات جزئية
عُثر في الموقع رقم ١١٧ بجبل الصحابة،
٤٢
⋆ الذي يُؤرَّخ بالعصر الحجري القديم
الأعلى، على دفنةٍ آدمية جماعية، زُوِّدت بقرون ثيران كثيرة، ومن دراستها
تبيَّن أنها إنما دُفنت بالجبَّانة لأغراضٍ عقائدية، وأنه قد استُعيض بقرون
الثيران عن الثيرانِ نفسِها، وتعكس الدفنة شيئًا من الثراء، مما يجعل مثلَ هذه
المقبرة واحدةً من المقابر الخاصة من عِلية القوم.
٤٣
وفي توشكا
٤٤ عُثر أيضًا على قرونِ أبقار أو ثيران، وُجِدت بجوار رءوس أصحاب
الدفنات رقم ١٢، ١٣، ١٨ بالموقع رقم ٨٩٠٥. ولربما كانت هذه الظاهرة هي البداية
الأولى لثبوت العلاقة التي ربطت الإنسان بالأبقار والثيران منذ أقدم عصور
الحضارة المصرية.
٤٥
هذا، ولقد عُثر على أدلةٍ تشير إلى تقديس الثيران والأبقار في دفنات جزئية
تُؤرَّخ بالعصر الحجري الحديث، في مقابر عدة بجبَّانة ديرتاسا، تمثَّلت فيما
جاء من أجزاءٍ حيوانية لهما بالعديد من مقابر الجبَّانة، التي اعتُبرت بمثابة
نوع من القرابين.
٤٦
وتكرَّر العثور على جماجم الثيران في العديد من جبَّانات النوبة، في دفناتٍ
تُؤرَّخ بالعصر الحجري الحديث، كانت جماجم الثيران، موضوعةً أسفل حفرة الدفن
الخاصة بالمقابر الآدمية، وهي ظاهرةٌ ولا شك ترتبط بالعالم الجنائزي. وكانت
عادةً ما تُقسَّم المقبرة إلى جزأين؛ جزء لمستودع جماجم الثيران في الشمال،
وجزء للأواني الفخارية في الجنوب،
٤٧ ولربما كان دفنُ جماجم الثيران بهذا الشكل فيه استمرارٌ لبقائها
وضمانٌ لبقاء نوعها، لا سيما وأنَّ الشواهد الأثرية التي عُثر عليها منذ العصر
الحجري القديم، تدُل على أنَّ الحفاظ على رأس الحيوان، أمرٌ كافٍ وضروري؛ إذ
تحلُّ روحه في حيوان آخر، وبذلك لن يفنى الحيوان،
٤٨ ففي الجبَّانة رقم ٢ بكدادة — فيما بين الشلَّالين الخامس والسادس
— عُثر على العديد من رءوس الثيران، التي كانت قد دُفنت بحيث تربط ما بين مكان
الدفن (المقبرة الآدمية)، وبين مكان تقديم القرابين، وربما عبَّر تواجدها بهذه
الدفنات عن كونها نوعًا من الأُضحيات الحيوانية، وما لها من دور جنائزي.
٤٩
هذا، وإذا كان لقرون الأبقار
٥٠
⋆ دلالتُها في العصر الحجري القديم
الأعلى — كما جاء سالفًا — فإنَّه قد كان
لها أيضًا أهميتُها في العصر الحجري الحديث؛ ففي النوبة عُثر في العديد من
دفنات جبَّانة كدروكة في إقليم دنقلة الشمالي، على قرونٍ للأبقار كانت قد
وُضِعت خلف رءوس الموتى، ربما كنوعٍ من التعاويذ السحرية، أو قد يكون نوعًا من
القربان الجنائزي ذا رمزية دينية، وربما كان بمثابة نوعٍ من الزينة الشخصية
للمتوفَّى وتُؤرَّخ تلك الدفنات بالعصر الحجري الحديث.
٥١
وفي العصر الحجري النحاسي، كان لقرون وجماجم الثيران والأبقار أهميتُها
ومكانتها استمرارًا لما كانت عليه من قبل؛ فقد عُثر على جماجم وقرون الثيران
والأبقار في العديد من الدفنات الآدمية في مختلف الجبَّانات؛ ففي جبَّانة مطمر
عُثر في المقبرة رقم ٢١٣ على جمجمة عجل، تُؤرَّخ بفترة نقادة الثالثة.
٥٢
واستمرَّ ذلك الاهتمام بدفن جماجم الثيران والأبقار في العصر العتيق؛ ففي
جبَّانة أبو صير الملق، عُثر في المقبرة
10e2؛
على جمجمة عجل صغير، وكذلك الأمر في المقبرة رقم
25d7 بالجبَّانة، وربما دلَّ ذلك على غرضٍ
شعائري ارتبط بتلك الحيوانات، وخاصة جماجمها، فلربما هي دفنات جزئية للأبقار.
٥٣ ولا شكَّ أنَّ ذلك التكرار إنما
هو تأكيدٌ على كونها دفنات مقصورة لتلك الجماجم الحيوانية، ولم تأتِ مصادفةً،
بل هي فُصلت عن قصدٍ من الهياكل الحيوانية، وكان لها رمزيتها في تلك الدفنات.
٥٤ فلقد كان لقرون الثور وجمجمته أهميةٌ كبيرة في مصر؛ إذ كانت من
أكثرِ التمائم شيوعًا في عصورِ ما قبل التاريخ، واعتقدت باومجرتل أنها بمثابة
رموز مبكِّرة لإلهة الخصوبة.
٥٥