دفنات الحمير
دفنات الحمير
ومن الجدير بالذكر أنَّ دفنات الحمير اختلفت عن دفنات باقي الحيوانات الأخرى، من حيث الالتزام في أغلب الأحيان بالأوضاع الثلاثية في الدفن — أي دفن ثلاثة حمير معًا في مقبرة واحدة — ولم يشذَّ عن ذلك إلا دفنات حمير هيراكونبوليس، ووادي دجلة. ودفنات الحمير العشر بأبيدوس، ومن ثمَّ فقد اختلفت طريقة وأسلوب تناول هذا الفصل في الدراسة، عن باقي الفصول السابقة.
إذ ربما كان لتلك الدفنة غرضٌ سحري معيَّن، يتعلَّق بطقسة الصيد، لا سيما وأن الكلب كان من أهم الحيوانات المستخدَمة في الصيد، والحمار كان وسيلةً هامَّةً للانتقال من مكان إلى مكان، فهما إذن يُكمل بعضهما البعض.
-
وتعتقد الدارسة أنَّ هذه الدفنة الحيوانية إنما تشير إلى كونها دفنة نفعية، قُصد منها انتفاع المتوفَّى بها كوسيلة نقل يستخدمها في العالم الآخر، تمامًا كما هو الحال مع دفنات الحمير التي عُثر عليها بالعراق والتي كانت تُدفن وعرباتها كوسيلة نقل للمتوفَّى.
-
وعن وسيلة القتل، ترى الدارسة أنَّ ما ذُكر بشأن طريقة القتل جاء مبالغًا فيه، ويتنافى مع طبيعة المصري القديم، ويتناقض مع تقديس المصري القديم للحمار واهتمامه به، ولعل طريقة الدفن الأكثر قبولًا هي محاولة إيقاعها في تلك الحفرة ثم إلقاء الرديم والتراب عليها، فماتت بمكان الوقوع ودُفنت.
وجهة الحيوان
المتاع الجنائزي
لم يُعثر حتى الآن على أثاثٍ جنائزي فيما تم اكتشافه من دفنات للحمير تُؤرَّخ بعصر بداية الأسرات، فيما عدا المقبرة رقم ٢٠٥٢ بطرخان التي اشتملت على العديد من الأواني الفخارية كنوع من المتاع الجنائزي.
الغرض من دفن الحمير
اختلفت الآراء حول تفسير الغرض من دفنات الحمير، فكان هناك التفسير الديني والتفسير الدنيوي.
أولًا: التفسير الديني
-
(١)
بناءً على ما جاء في أوضاع الدفن، واتجاه رءوس الحمير إلى الشرق، أو الشمال الشرقي اتَّجه البعض إلى محاولةِ ربطها بالعقيدة الشمسية، وجعلها بمثابة حيواناتٍ مقدَّسة ترمز للشمس، لا سيما وأنَّ دفنة الحمير الثلاثة بجبَّانة أبو صير، جاءت إلى الجنوب من المصطبة الملَكية على غِرار مراكب الشمس التي عُثر عليها جنوب الأهرامات في عصر الدولة القديمة،٢٥ واعتبار أنَّ الحمير من الحيوانات المرتبطة بالشمس — كما جاء في الفصل الأربعين من كتاب الموتى — وعليه يمكن افتراضُ أنَّ الحمير أيضًا كان لها دور مرتبط بالبعث ونقل الموتى إلى العالم الآخر باعتبارها من حيوانات النقل في الدنيا، واتخاذها وظيفةً مشابهة لوظيفة مراكب الشمس ونقلها للمتوفَّى في العالم الآخر.٢٦
-
(٢)
هذا بخلاف ما تشير إليه العقيدة الأوزيرية في العصور التاريخية، التي تُعَدُّ أبو صير مقرًّا لها؛ إذ توضح أنَّ الحمير كانت من الحيوانات الشريرة التي ارتبطت منذ عصر الدولة الوسطى بالإله ست. وفي نصوص الأهرام جاء ذكر الحمار بأنه حيوان غير صديق … وبالتالي يمكن تصوُّر القتل العمد للحمير الثلاثة، كأنه بمثابة قتلٍ وطردٍ للأرواح الشريرة وإبعادها عن المقبرة، وأنَّ اختيار العدد «ثلاثة» دون سواه، إنما هو إشارةٌ إلى الكثرة العددية لدى المصري القديم.٢٧ ويمكن قبولُ كلا الرأيين لو اعتبرنا أنَّ الحمار من الحيوانات التي كان لها دورٌ مزدوج في الفكر المصري القديم (جانب الخير والشر معًا).
ثانيًا: التفسير الدنيوي
ذُكر الحِمار في الكتب المقدسة بأنه مطيةُ الأنبياء والصالحين. وفي التوراة كان قد جاء في صورة المدرِك لما وراء الغيب. وفي الإنجيل وُجِد الحمار ذكرًا طيبًا إذ كان له في حياة السيد المسيح مواقفُ مجيدة، فهو الدابة التي رحلت عليها مريم العذراء مع ابنها الطفل إلى مصر وعادت به ثانيًا. وذُكر في القرآن الكريم بأنه زينة الحياة الدنيا، قال تعالى وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (سورة النحل، آية ٨).