الفصل الرابع

الخاتمة

بعد أن استعرضنا عناصرَ البحث يمكن أن نخلص إلى نتائجَ خاصة بكل حضارة على حدة، ونتائجَ عامة نربط بها الحضارات الثلاثة معًا كالتالي:

أولًا: مصر

كانت قوة ملاحظة المصري القديم لكلِّ ما يحيط به من مظاهر بيئيةٍ، من أهم الأسباب التي دعته إلى تقديس الحيوان ليس لذاته، بل لصفاته.

الثور

كان الثور حيوانًا مقدسًا يرمز إلى قوة الخصوبة، ورمزَ في العصور التاريخية إلى الملكية؛ فالملك هو الثور القوي.

البقرة

كانت البقرة رمزًا للقوة المنتَجة على الأرض، رمزًا للإلهة الأم العظيمة، ورمزًا للوفرة والرخاء والكثرة.

  • عُثر على دفناتٍ للثيران والأبقار في مصر بدءًا من العصر الحجري القديم الأعلى.

    التزمت أغلب دفنات الثيران والأبقار بعادات الدفن الآدمية، وأُحيطت أيضًا بأنواع من المتاع الجنائزي.

  • اهتمَّ المصري القديم بالحفاظ على أجسام الحيوانات، وتمثَّل ذلك الاهتمام فيما عُثر عليه بالعديد من الدفنات من آثارٍ لمادة سوداء ربما كانت لها علاقة ببداية التوجُّه نحو التحنيط أو الحفاظ على أجسام الحيوانات من التلف.

  • كُفِّنت الحيوانات على غِرار الآدميين بالكتان والحُصر والجلد.

المَعْز

كانت المَعْز من أول حيوانات الأضحية التي يتقرب بها المتوفَّى للآلهة رغبة في إرضائها.

  • اعتُبرت المَعْز رمزًا من رموز أعداء الإله أعداء الشمس؛ لأنها من الحيوانات الضعيفة.

  • قُدِّس الكبش في مصر، وكان رمزًا للخير والخصوبة والقوة، وارتبط بمفهوم الروح؛ إذ كانت روح إله الشمس تظهر في شكلِ كبشٍ.

الكلب

اهتمَّ المصري القديم بدفن الكلاب وتكفينها وتزويدها بالمتاع الجنائزي كنوع من الإعزاز لها.

  • بلغ حدُّ الاعتناء بدفنات الكلاب أن عُثر لها على لوحات حجرية تحمل أسماءها، كانت مدفونةً بمقابر أثرياء الأسرة الأولى.

  • اعتُبرت الكلاب بمثابة آلهة حارسة للجبَّانة وربطها الباحثون بابن آوى ثم بأنوبيس بعد ذلك.

الغزلان

عُثر على دفناتٍ للغزلان بلغ حدُّ الاعتناء بها أن دُفنت في أحيانٍ كثيرةٍ برفقة أصحابها، مزودةً بالمتاع الجنائزي على غِرار الدفنات الآدمية.

الحمير

التزمت دفنات الحمير في مصر في أغلب الأحيان بالأوضاع الثلاثية في الدفن.

القردة

عُثر على دفنات للقردة في (هيراكونبوليس/نخن)، فسَّرها الباحثون بأنها قردة مقدَّسة، وربما كانت رمزًا للمعبود حج-ور.

الفيل

عُثر على دفناتٍ للفيل أيضًا في هيراكونبوليس، مما يعكس قوة وسيطرة أصحاب الجبَّانة، وهم الحكام الأوائل هناك.

فرس النهر

عُثر على بقاياه في مواقع السكنى لا سيما بمرمدة بني سلامة.

التماسيح

قدَّسها المصري؛ لأنه رأى في وجودها بالنيل مصدرَ حماية من أي اعتداءات عن طريق النهر.

القط

عُثر على بقاياه العظمية منذ العصر الحجري، وعُثر له على دفناتٍ ليست كثيرةً.

الأسد

رمز الأسد للقوة والملكية والشجاعة، وهو من الحيوانات الشمسية، وقد عُثر له على دفنة هامة بأبيدوس.

الخنزير

عُثر على بقاياه العظمية في مواقعَ عدةٍ وببعض الجبَّانات، وفي دفنات ليست كثيرةً.

الجمل

دابة الصحراء ووسيلة الانتقال، رمز التحمُّل والصبر.

الأسماك

رمز الحياة، وأحد أهم التقدمات الغذائية.

السلاحف

عُثر على دفناتٍ قليلةٍ لها، وكان المصري القديم يعتبرها أحدَ آلهة الحفظ بالمقابر.

الصقر

من أهم الطيور الجارحة التي قدَّسها المصري القديم والتي اتخذها رمزًا للإله حورس منذ عصر بداية الأسرات.

الطيور المنزلية

وكان أهمها البط، والإوز، وقد عُثر لهما على دفناتٍ كانت بمثابة قرابين مقدسةٍ للمتوفَّى.

ثانيًا: العراق

  • أثَّرت البيئة في العراق على الفكر الإنساني بوجهٍ عامٍّ والفكر الديني بوجهٍ خاصٍّ.

  • لم تكن الدفنات الحيوانية في العراق بمثل كثرة الدفنات الحيوانية في مصر.

  • دُفنت الثيران والأبقار في العراق القديم بغرض اعتبارها وسيلةَ نقلٍ ينتفع بها المتوفَّى في العالم الآخر.

  • كانت المَعْز من حيوانات الأضحية، وكانت لها قيمتها الاقتصادية هناك.

  • كانت الكلاب من أول الحيوانات التي استأنسها الإنسان في بلاد الرافدين، وعُثر على دفناتها برفقة أصحابها في أحيانٍ كثيرةٍ.

  • كان الحمار من أهم حيوانات النقل، وعُثر له على دفنات شبيهة بدفنات الثيران؛ إذ دُفن مع العربات الحربية كوسيلة انتقال في العالم الآخر.

  • كانت الأسماك من أهم القرابين المعروفة التي يُفضَّل تقديسها لا سيما في المعابد للآلهة رغبةً في إرضائها.

  • كان النسر على رأس الطيور التي قدَّسها أهل بلاد الرافدين لارتباطه بطور الموت.

ثالثًا: بلاد الشام

  • تركَّز تقديس الثيران والأبقار في بلاد الشام غالبًا على الجماجم والقرون التي اهتُم بدفنها في مصاطبَ بمبانٍ دينية أو دنيوية.

  • كان الثور يرمز للقوة والذكورة واعتُبر أيضًا سيدًا للحيوانات.

  • كانت المَعْز من أهم حيوانات الأضحية.

  • اهتمَّ أهل بلاد الشام بدفن الكلاب ليس لتقديسها وإنما إعزازًا لها.

  • كان للغزال أهميته في بلاد الشام، سواء اقتصاديًّا أو دينيًّا باعتباره رمزًا للحياة والخصوبة.

  • استُخدم الحمار كحيوانٍ للنقل في بلاد الشام، وعُثر له على دفناتٍ في أكثرَ من موقع هناك.

  • كانت المُغْرة الحمراء واسعةَ الانتشار والاستخدام في الدفنات الحيوانية — لا سيما دفنات الغزلان — إذ اعتُبرت رمزًا للدم ورمزًا لاستمرار الحياة.

  • تكرَّر العثور على بقايا عظام الحيوانات في دفناتٍ عدة ربما عبَّرت عن كونها قرابين حيوانيةً قُدِّمت للمتوفَّى.

  • وهكذا نجد أنَّ الحيوان — بوجهٍ عامٍّ — كان أحد أهم القوى التي شعر الإنسان بتأثيرها عليه؛ لذا قدَّسها بأشكالٍ مختلفةٍ وبطرقٍ متباينةٍ، ولكن الهدف واحدٌ.

  • كانت أغلب الحيوانات التي قُدِّست وثيقةَ الصلة بمهنة الزراعة حيث الاستقرار.

  • عبَّرت الدفنات الحيوانية بتواجدها في مصر والعراق وبلاد الشام عن تشابه الفكر الإنساني.

  • وهكذا يتَّضح كيف كان للحيوان — بوجهٍ عام — دورٌ عقائدي وجنائزي، وكيف تشابهت العقيدة، واختلفت وسائل التعبير عنها، فلا شك أنَّ العلاقة، والتأثيرات الحضارية ما بين مصر والعراق وبلاد الشام كانت وثيقةً ومتبادلة بدءًا من عصورِ ما قبل التاريخ، واستمرَّ ذلك التبادل الحضاري، وهذا التأثير طَوال العصور التاريخية، فليس هناك ابتعاد حقيقي في المسافة يحول دون الاتصال والتبادل الحضاري بينهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤