ثمة الكثير من الأشياء الأخرى المتناثرة على مدار أحداث «الهوبيت» لها خواص سحرية،
صُنِعت «بواسطة السحر»، أو عُولِجت بواسطة السحر.
2 ففي أثناء «الحفل المفاجئ» في باج إند في بداية القصة، يدخل ثورين وجاندالف
في مسابقة لحلقات الدخان. وبينما كانت حلقات ثورين الدخانية عندما تطفو «حيثما كان
يأمرها بأن تذهب»، كان جاندالف يرسل حلقة دخان أصغر عَبْر كلٍّ منها، وبعدها كانت
«تتحوَّل إلى اللون الأخضر وتعود للتحليق فوق
رأس الساحر.»
3 وفيما بعد، في وسط مفاوضاته مع بيلبو بعد العودة إلى باج إند، يشير ثورين
إلى «أروع اللعب وأغربها» التي كانت تُصنَع في الورش أسفل الجبل على يد أسلافه، «التي
لا توجد مثيلتها في العالم هذه الأيام.»
4
وعلى الرغم من أنَّ المعجزات الحقيقية تحدث بالفعل في الأرض
الوسطى — مثل عودة جاندالف إلى الحياة في
«البرجان» — فإنها نادرة بشكلٍ جليٍّ للغاية. فحين يخشى سكان الأرض الوسطى قوى السحر،
فهذا ليس لأنهم يعتقدون أنَّ أولئك الذين يستخدمونها قادرون على خرق قوانين الطبيعة،
ولكن لأنهم يشكون (وكثيرًا ما يكون شكُّهم في محله) في أنَّ معرفة الآخرين بتلك
القوانين تَفُوق معرفتهم على نحوٍ شاسع؛ مما يمكِّن خصومهم مِنْ خلق تأثيرات أكثر
تعقيدًا وربما أكثر خطورة مما يستطيعون هم أنفسهم خلقها.
(١) إرادة ممارسة السحر
يقدِّم التهكم في تعليق تولكين عمَّا حققه الجوبلن من تطورات في صنع الأسلحة
المريعة دليلًا لرسالة مهمة واحدة على الأقل تقف وراء تعامل تولكين مع مسألة السحر
في «الهوبيت» وتطوَّرت لتصبح أكثر اكتمالًا في «سيد الخواتم»؛ أن مجرد «قدرتنا» على
القيام بشيء «سحري» بواسطة وسائل علمية لا يعني أننا «ينبغي» أن نفعله.
كان الجوبلن صنيعة مورجوث، سيد الظلام الأول للأرض الوسطى، تهكمًا على الجن. لا
نعرف الكثير عن تاريخ الجن في «الهوبيت»، ولكن ما نعرفه بالفعل يقدِّم الكثير من
المعلومات. فيُقال لنا، على سبيل المثال، إنه على الرغم من أنَّ جنَّ غابات ميركوود
هم أبناء عمومةٍ لجنِّ الغرب الساميين، فإن جن الغابة «أكثر خطورة وأقل حكمة» من
الجن الساميين، الذين ارتحلوا إلى فايري في الغرب؛ حيث «عاشوا لزمن طويل، وصاروا
أعدل، وأكثر حكمة واطلاعًا، واستغلُّوا سحرهم ومهارتهم البارعة في صنع الأشياء
الجميلة والمذهلة، قبل أن يعود بعضهم إلى العالم الرحيب.»
20
يصر تولكين على أنَّ «السحر» ليس الكلمة المناسبة تمامًا للبراعة الخاصة التي
يحظى بها الجن. وتُعَدُّ كلمة «ممارسات ساحرة» كلمةً أفضلَ؛ لأنَّ ما يزاوله الجن
أقرب للفن منه إلى «العنصر السحري للسحر، مثلما يُسمَّى.»
21 إنَّ سحر الجن لا يهدف إلى إحداث تغيير في العالم المادي بقدر ما يهدف
إلى خلق عالمٍ ثانويٍّ موازٍ في عقولنا من أجل البهجة، أو الإلهام، أو
التوجيه.
أما السحر، في المقابل، فيسعى إلى تحقيق رغبتنا في الأشياء التي لا تُقَدِّم
نفسها لنا بشكلٍ طبيعيٍّ في سياق خبرتنا أو التي لا يمكن الحصول عليها بواسطة
«قدراتنا أو مواهبنا الداخلية الفطرية»؛ ومن ثَمَّ يمكن تحقيقها فقط بوسائل مصطنعة
(وحتى حينذاك يتم «دون رضًا حقيقيٍّ»). وبذلك يسعى السحر، على عكس الممارسات
الجذابة الساحرة للجن، «لخلق قوة» من خلال خلق تأثيرات حقيقية في العالم
المادي.
22
غير أنَّ سحر الجن هو فن «مُحرَّر من كثير من قيوده الإنسانية؛ فهو أكثر تلقائية،
وأكثر سرعة، وأكثر نضجًا.» وبوصفه فنًّا، فإن هدفه هو الإبداع الفرعي وليس «الهيمنة
وإعادة التشكيل المستبدة للخلق.»
23 وهنا يكمن التناقض بين «سحر» الفيري
(مثل مرآة جالادريل) و«الوسائل السوقية للساحر العلمي الكادح»، وكذلك الصلة بين
النوع الأخير من السحر والتكنولوجيا الحديثة، والتي يخدم جزءٌ كبيرٌ منها الغرضَ
نفسه في عالمنا شأنها شأن أورك سارومان الخارقين المصممين جينيًّا (أورك-هاي)، أو
مدق سورون السحري المُسمَّى جروند.
24
في إحدى رسائله، يُميِّز تولكين magia (الخاصية
السحرية) عن goeteia (وهي كلمة يونانية تعني
«السحر» أو «الشعوذة») والتي لا تسعى لخلق تأثيرات حقيقية في العالم المادي، ولكن
تهدف بدلًا من ذلك لخلق أوهام. (بالمثل، تُعَدُّ
goeteia أقرب لما نعني به عادة نوع الأشياء
المعروضة للبيع في محالِّ مستلزمات الألعاب السحرية، أو العروض التي يؤدِّيها
السحرة المحترفون على خشبة المسرح).
إن كليهما ليس جيِّدًا أو سيئًا بطبيعته، ولكنه يصبح كذلك باعتباره نتيجةً
ﻟ «دوافع أو غرض أو استخدام» الساحر (أو العالم). والدافع السيِّئ لدرجة كبيرة هو
«السيطرة على الإرادة الحرة للآخرين.» وتستخدم كلٌّ من قوى الخير وقوى الشر
«الخاصية السحرية» و«الشعوذة»، ولكن قوى الشر تستخدم «الخاصية السحرية» من أجل
«دحْر كلٍّ من الأشياء والأشخاص»، بينما تستخدم «الشعوذة» بغرض «الإرهاب والإذلال».
والتأثيرات المشعوذة للجن لا يُقصَد بها الخداع، وإن كانت قد تخدع الآخرين دون قصد.
والجن أنفسهم لا ينخدعون أبدًا بأعمال «الشعوذة»، بل إن جاندالف والجن يميلون إلى
التقتير في استخدامهم للخاصية السحرية، التي يميلون إلى توظيفها فقط «لأغراض نافعة
محددة»، مثل الهروب من الخطر (ومن الأمثلة الجيِّدة استخدام جاندالف المتكرر للنار
والأنوار ونيران جن الغابة في رواية «الهوبيت»).
25
تنجذب قوى الشر في الأرض الوسطى للماكينات والآلات للعديد من نفس الأسباب التي
تجذبهم للسحر. بل إنه بالنظر إلى أن «العلامة المميزة لأيِّ ساحرٍ عاديٍّ» في مقابل
المشعوذ هي «الطمع في القوة الأنانية»، فإن هذا بالتحديد ما يجب أن
نتوقَّعه.
26 إن «الدافع الأساسي» للخاصية السحرية هو «الآنية: السرعة، وتقليل
الجهد، والتقليل أيضًا إلى أدنى حدٍّ (أو إلى نقطة التلاشي) من الفجوة بين الفكرة
أو الرغبة والنتيجة أو التأثير.»
27
إن «مأساة وإحباط جميع الآلات والماكينات التي تقبع هناك» تكمن في كونها مثل
السحر، تنبثق من نفاد الصبر و«الرغبة في القوة والسلطة، وتفعيل الإرادة على نحوٍ
أسرع.»
28 ومن ثَمَّ، لما كان «العدو» في الأرض الوسطى (سورون) «دائمًا ما ينشغل
«تلقائيًّا» بالسيطرة البحتة» ولا يستطيع صبرًا للحصول على نتائج سريعة، فإنه
يُعتبَر أيضًا «سيد السحر والماكينات.»
29
كل هذه الفوارق ذُكرَت على سبيل التلميح فقط في «الهوبيت»، على الرغم من أن القصة
تفترض مُسبَّقًا بشكل واضح وجود فارق بين السحر «الطيب» و«الشرير». فعناكب ميركوود،
على سبيل المثال، لا يحبون «السحر الطيب» الذي يبدو أنه يتباطأ في الأماكن التي
تصاحب فيها نيران جن الغابة ما يمارسونه من عربدة. وفي نهاية «الهوبيت»، يشرح
جاندالف في النهاية «الأعمال الملحَّة في الجنوب» التي منعته من مرافقة الجمع في
ميركوود. فقد تركهم لفترة من أجل حضور مجلس ﻟ «السحرة البيض» — «سادة العلم والسحر
الطيِّب» — ولإبعاد «الساحر الأسود»، المعروف في «الهوبيت» فقط باسم «نيكرومانسر»
عن «حفرته السوداء في جنوب ميركوود.»
30
ويُعَد الخاتم الذي يكتشفه بيلبو بمحض المصادفة (أو هكذا يبدو) في كهف جولوم؛ هو
قمة المصنوعات التكنولوجية للأرض الوسطى. وعلى الرغم من أننا في الهوبيت لا يتم
إخبارنا إلَّا بأنه «خاتم للقوة»، فإنه يصبح فيما بعد حلقة وصل بين «الهوبيت» و«سيد
الخواتم»؛ لتتمَّ كتابته بأحرف كبيرة أثناء ذلك في اللغة الإنجليزية. و«دلالته
الرمزية الأساسية» هي «الإرادة لبلوغ القوة البحتة، سعيًّا لأن يجعل من نفسه هدفًا
من خلال القوة المادية والآلية، وأيضًا بالأكاذيب حتمًا.»
31 (لاحِظْ كلمة حتمًا).
وجزء من استمالته للبشر يكمن في منفعته في السعي الأحمق غير المدروس لبلوغ الخلود
بواسطة الآلات أو السحر (وهو ما لا يختلف عن حجر الفلاسفة الخاص بعلماء الكيمياء في
عصر النهضة)، والذي يراه تولكين بوصفه جانبًا من جوانب «الحماقة والخبث الأقصيين»
للبشر؛ الذي يقود «الصغار ليكونوا جولوم، والكبار ليكونوا من أشباح
الخاتم.»
32 (يقول تولكين في موضع آخر إن «الموت والرغبة في الخلود» هما محور
حكاياته عن الأرض الوسطى).
33
إن «الشر المخيف» الذي ينشأ عن التعجُّل لتوظيف «السحر والآلات» لتحقيق أهداف
المرء إنما ينشأ «من أصلٍ طيِّب ظاهريًّا»؛ تحديدًا «الرغبة في جلب النفع للعالم
والآخرين.» غير أنَّ ما يفسد هذا الهدف في النهاية هو أنَّ المنفعة المقصودة يجري
السعي ورائها «بتعجُّل ووفقًا لخطط مَن يقدِّم هذه المنفعة» لا بتوافق مع الغرض
والتخطيط الكوني «للإله الواحد»، إلوفاتار الخالق.
34
إنَّ جزءًا من تضليل الخاتم في الأرض الوسطى، وإغراء التكنولوجيا في عالمنا، لا
يكمن في الوهم، بل في وجود رؤية محدودة أو جزئية للعالم. فالعلم التطبيقي دائمًا ما
يتم تناوله برؤيةٍ لحلِّ مشكلة بعينها، وكثيرًا ما نصبح فاقدين للقدرة على رؤية
كلِّ شيء آخر في سعينا لإيجاد حلٍّ، غافلين عن العواقب التي لا نقصدها (فكِّر
للحظات في التقنيات الطبية المنقذة للحياة أو الهواتف المحمولة).
يكِنُّ تولكين تعاطفًا تجاه دافع العلم البحت؛ السعي وراء العلم لذاته دون أدنى
تفكير في «القيام» بشيء بالمعرفة المكتسبة. وفي «سيد الخواتم»، يُعَدُّ توم
بومباديل تجسيدًا لهذا السعي المجرد وراء المعرفة؛ فهو مدفوع بدافع وحيد هو حسُّ
الدهشة، الذي يفسِّر بشكل جزئي موقف اللامبالاة الذي يتخذه تجاه الخاتم، الذي لا
يهدف إلا للسيطرة والاستغلال، وأيضًا فشله في إحداث أيِّ تأثير قابل للتمييز
والإدراك عليه.
35
في المقابل، بقي سورون، الذي تاب نوعًا ما بعد الإطاحة بموروجوث، في الأرض الوسطى
ولديه رؤية لإعادة تأهيل ما أدرك أنه حطام «أهملته الآلهة»، إلَّا أنه في النهاية
صار «شيئًا يشتهي القوة الكاملة»، لا يعبأ إلَّا بأدوات السحر أو التكنولوجيا التي
يمكن أن تساعده على تحقيق مآربه الشريرة.
36
يعتبر تولكين الآلة هي الشكل الأوضح «للرغبة في تفعيل الإرادة بمزيد من السرعة»
و«أكثر ارتباطًا بالسحر مما هو معروف عادة.»
37 وبالتأمل في فترة القرن ونصف القرن التي مرَّت منذ بداية الثورة
الصناعية في إنجلترا، لاحظ أن «الآلات الموفِّرة للجهد لا تخلق سوى جهدٍ وشقاء أسوأ
لا نهاية لهما.» علاوة على ذلك، تضمن حقيقة الحرمان الإنساني أن «آلاتنا لا تعجز
فقط عن تحقيق رغبتها (ألا وهي تحسين حياتنا)، ولكنها تتحوَّل إلى شرٍّ جديد ورهيب.»
ويرى تولكين، من وجهة نظره، أن الانتقال الحتمي «من ديدالوس وإيكاروس إلى قاذفة
القنابل العملاقة» هو بالتأكيد «ليس تقدُّمًا على صعيد الحكمة»، ويعتبره أحد أعراض
«مرض نفسيٍّ منتشر على مستوى العالم لا يدركه سوى قلة قليلة.»
38
في عام ١٩٤٥، كتب تولكين إلى ابنه كريستوفر يقول: «حسنًا، يبدو أنَّ حرب
الماكينات الأولى تقترب من فصلها الأخير غير الحاسم؛ تاركة الجميع، للأسف أكثر
فقرًا، وكثيرين ثكلى أو مشوَّهين، وملايين القتلى، وشيئًا واحدًا منتصرًا: الآلات.»
وأضاف في كلمات سوف تجد صدًى لدى جماهير سلسلة أفلام «ماتريكس»: «مع تحوُّل خدم
الآلات إلى طبقة مميزة، سوف تكتسب الآلات قوةً ونفوذًا هائلًا. تُرَى ما خطوتها
التالية؟»
39
المشكلة هي أننا في أغلب الأحيان نطوِّر التقنيات ونوظِّفها بشكل أسرع من تطويرنا
للموارد المفاهيمية اللازمة للوقوف على تداعياتها (فكِّر، على سبيل المثال، في
التطورات السريعة التي تطرأ حاليًّا على الهندسة الوراثية أو على الإنترنت، أو في
تطورات الطاقة الذرية في النصف الأول من القرن العشرين). فمثل السحر، تعمل
التكنولوجيا على تسريع تأثير أفعالنا على العالم وتضخيمه، بما في ذلك تلك الأفعال
التي تنبع من نوايا خاطئة أو خبيثة. ففي أغلب الأحيان، مثلما يشير تولكين، تتجاوز
رغبتنا في السرعة والقوة والسيطرة قدرتَنا على التفكير بشكل مسئول بشأن العواقب
الطويلة المدى والقيم الأكثر عمقًا:
إذا كان هناك أية إشارة معاصرة في قصصي عن الأرض الوسطى من الأساس، فهي
الإشارة إلى ما يبدو لي أنه الافتراض الأوسع انتشارًا في عصرنا: أنه إذا
كان من الممكن القيام بشيء، فلا بد من القيام به. إن هذا الافتراض يبدو لي
خاطئًا كلية. وأعظم الأمثلة على أفعال الروح والعقل تكمن في
«النكران».
40
فقط في الفترة الأخيرة، وفي طرفة عين، اكتسبنا نحن البشر القدرة
على تغيير مناخ الأرض بشكلٍ مثيرٍ، واستنساخ أنفسنا، وتمديد فترة الشيخوخة إلى حدٍّ
كبيرٍ من خلال التدخلات الطبية، والترويج للملايين عن طريق وسائل الإعلام، والقضاء
على جماعات كاملة من البشر بأسلحة الدمار الشامل. هل تماشت حكمتنا مع
التكنولوجيا؟
(٢) رؤية تولكين للطبيعة والعالم الحديث
يربط تولكين انتصار الآلات، الذي تمَّ على الأرجح بفضل صعود العلم الحديث، بقمع
الروح البشرية. ففي تاريخ العالم الواقعي، تطوَّر السحر لآلاف السنين جنبًا إلى جنب
وفي صلة وطيدة مع ما نعتبره الآن علمًا. ثمة جزء متمِّم لا يتجزأ من كلٍّ من السحر
والعلم هو فلسفة الطبيعة؛ أي فهم ما نعنيه بكلمة «طبيعة»، يختلف عن التطبيقات
العملية لفهمنا للطبيعة. ويصر تولكين على أنَّ المادية التي تقف خلف العلم الحديث،
على الرغم من إنجازاتها الواضحة والمبهرة، قد خلَّفَتْ أيضًا تأثيرًا واضحًا
وكارثيًّا بشكلٍ متزايدٍ على إشباع «رغبات بشرية أولية معيَّنة» يعتقد أنها راسخة
بشكل عميق داخل الروح الإنسانية، أبرزها الرغبة في اختبار شعور بالارتباط بالعالم
الطبيعي و«المشاركة مع الأشياء الحية الأخرى.»
41
في هذا المقام، يُقدِّم بيورن — وهو مخلوق قويٌّ لا يمكن التنبؤ به يحوِّل شكله
ما بين إنسان ودبٍّ، الذي يخشاه حتى جاندالف — تناقضًا حادًّا آخر مع انبهار
الجوبلن بالآلات. فبعد هروبهم من الجوبلن في الجبال، يصل ثورين ورفاقه إلى منزل
بيورن، وهو كائن «لا يخضع لسحر أحد سواه» ويبدي القليل من الاهتمام بحديث الأقزام
بشأن «الذهب والفضة والجواهر وصياغة الأشياء بواسطة الحدادة»؛ إذ لا يوجد الكثير من
تلك الأشياء في أي مكان بردهته. إن بيورن «يحب حيواناته وكأنها أبناؤه»، بل ويبدو
أنه نباتيٌّ.
42 وتناغمه مع الطبيعة وطيدٌ للغاية، حتى إنه قادرٌ على تغيير هيئته من
إنسان إلى دبٍّ، ويتناجى بشكلٍ حميمٍ مع الحيوانات الأخرى، التي يبدو أنَّ بعضها
يمتلك قوًى سحريةً أيضًا.
والنقيض لبيورن، في قصص تولكين عن الأرض الوسطى، هو سارومان، وهو ساحر فاسد يستغل
السحر والتكنولوجيا للسعي خلف أحلامه بالقوة والهيمنة. فيحوِّل سارومان أيزينجارد
إلى وجه قمر، ويخترع متفجِّرات شديدة الانفجار، ويستخدم الهندسة الوراثية لاستيلاد
قوة مقاتلة مختارة من الأورك الخارقين؛ كلُّ ذلك من أجل بلوغ رؤيته المنحرفة
«للمعرفة، والحكم، والنظام». وعلى النقيض من صانعي خواتم القوة الثلاثة الخاصة
بالجن «الذين كانوا لا يبغون القوة أو الهيمنة أو الثروة المكتنزة، بل كانوا يبغون
الفهم، والصناعة، والمداواة، من أجل الحفاظ على كلِّ الأشياء من الدنس»، كان
سارومان يمتلك «عقلًا من المعدن والعجلات» لا يبحث إلا عن أسرع الوسائل وأكثرها
فاعلية للسيطرة على إرادة الآخرين.
43
ومثلما يوثِّق لين ثورندايك في كتابه المميز «تاريخ السحر والعلم التجريبي»
(١٩٥٨)، لم يكن السحر، بدءًا من أصوله القديمة، مجرَّد فن مؤثر وعامل أو تقنية، بل
طريقة للنظر إلى العالم وفهم علاقتنا بالطبيعة. والفكرة هي أن العالم الطبيعي (بما
فيه جسم الإنسان) ليس أكثر من آلة معقدة تمثِّل تطورًا مصيريًّا بالغ الأهمية في
تاريخ نزاعنا مع العالم الطبيعي، وفي تاريخ ثقافتنا ككلٍّ. والبعض يعتبره سببًا
أساسيًّا لشعور الاغتراب والانسلاخ من الطبيعة الذي وقعنا في أسره خلال القرون
القليلة الفائتة، على الرغم من (وفي بعض الحالات بسبب) التطورات التي طرأت على
سيطرتنا التقنية على الطبيعة.
وفي هذا المناخ من الشك والاغتراب، تدعونا «الهوبيت» للتفكير فيما إذا كان في
النهاية «يمكن لإنسان متعقِّل، بعد تفكير وتدبُّر … أن يصل إلى مرحلة الاستنكار
واللوم، بشكلٍ ضمنيٍّ على الأقل في صورة إسكاتٍ لأدب «الانهزامية»، والأشياء
التقدمية؛ مثل: المصانع، أو المدافع الرشاشة والقنابل التي تبدو وكأنها منتجاتها
الحتمية والعادية، بل وربما «الراسخة» حسبما يمكننا القول.»
44
وقد حثَّنا الفيلسوفُ الطبيعيُّ هنري ديفيد ثورو (١٨١٧–١٨٦٢) على تثمين أيِّ
مقتنياتٍ ماديةٍ أو تقدُّمٍ تكنولوجيٍّ لا بالدولارات والسنتات، بل في إطارِ كمِّ
«الحياة المطلوبة مبادلته بها.»
45 بالمثل، يدعونا تولكين إلى تذكُّر وقتٍ ما كان فيه «القليل من الضوضاء
والمزيد من الخضرة»، حين كان هناك بعض الناس، على الأقل، يتفهمون مثل الهوبيت أن في
الحياة ما هو أكثر من زيادة سرعتها.
46