الخروج من المقلاة
جامي كارلين واطسون
قال البعض إنه ليس أمامهم سوى الذهاب واستطلاع الأمر، وكان أي شيء بالنسبة لهم أفضل من عشاء قليل، وإفطار أقل، وملابس مبتلَّة طوال الليل.
وقال البعض الآخر: «هذه المناطق غير معروفة، وأقرب ما تكون للجبال. قلَّما يرتاد المسافرون هذا الطريق الآن، والخرائط القديمة لا جدوى لها؛ فقد تغيَّرت الأمور للأسوأ، والطريق بلا حماية، بل إنهم نادرًا ما كانوا يسمعون عن الملك هنا، وكلَّما كنت أقل فضولًا بينما تمضي في طريقك، قلَّت المتاعب التي قد تواجهها.» وقال البعض: «في النهاية نحن أربعة عشر فردًا …» ثم بدأ المطر في الهطول بغزارة بشكل أسوأ من أي وقت مضى، وبدأ أوين وجلوين في العراك.
كان القرار محفوفًا بالمخاطر. هل كان محفوفًا بالمخاطر «بشكل بالغ»؟ إن كل قرار، تقريبًا، نتخذه ينطوي على قَدْرٍ من الشكِّ والمخاطرة؛ هل هذه الطائرة آمنة؟ هل ينبغي أن أسحب أموالي من البورصة؟ هل هذا الشخص الذي يضيء إشارة الانعطاف سوف ينعطف حقًّا؟ هل سيُعِدُّ لي عامل القهوة قهوتي بشكل صحيح؟ غير أن قليلين منا هم مَن يخوضون مخاطرات كالتي يخوضها بيلبو.
إن بيلبو شخصية غير اعتيادية؛ لأنه هوبيت لديه شغف بالمغامرات. فكلُّ المغامرات تتطلَّب مجازفات، والمغامرون عادةً ما يُشادُ بقدراتهم على التغلُّب على الخطر وتحمُّل المشقة، لا سيما عندما يكون ذلك لأَجْل غرضٍ نبيلٍ، ولكن أفضل المغامرين، كما يبدو، هم هؤلاء الذين يُعَدون الأفضل في حساب المخاطر. فإذا اتسموا بالرعونة والطيش، فلن يكونوا مغامرين لزمن طويل للغاية، وإذا بالغوا في تحرِّي الحذر، فلن يبلغوا أهدافهم النبيلة.
في «الهوبيت»، يخوض بيلبو ورفاقُهُ مخاطرَ عظيمةً لما يبدو أنها أهداف قيِّمة، ويُنظَر إليهم على نطاقٍ واسعٍ باعتبارهم أبطالًا (على الأقل بين غير الهوبيت)، ولكن هل قرارات بيلبو محسوبة جيدًا وشجاعة، أم أنها رعناء ومتهورة؟ قليلٌ منَّا هم مَن يُعرِّضون حياتهم للخطر دون أي سبب مُقْنِع للغاية، والبعض منا بالطبع لا يمكنه أن يتخيَّل ذلك. إذن كيف يمكن أن نعرف، بشكل موضوعي، إذا ما كان شخصٌ ما يتصرَّف بجبن، أم بشجاعة، أم بتهوُّر؟
يستطيع الفلاسفة أن يُخبرونا بالكثير عن مبادئ التفكير المنطقي. بعض التفكير يكون شكليًّا بشكلٍ بحْتٍ، كما في المنطق الرمزيِّ أو الرياضيات البحتة، ولكنَّ مُعْظَمه عمليٌّ للغاية؛ كما في تحديد أيِّ مرشحٍ سياسيٍّ تُصوِّت له، أو أي سيارة مستعملة تشتريها. وقد منَحَنا الاقتصاديون وعلماء النفس دلائلَ بشأن سمات وملامح ظروفنا التي ترتبط باتخاذ قرارات منطقية. ومن خلال تعريفنا ببعض استراتيجيات التفكير، وتوجيهنا لكيفية ملاحظة هذه السمات بدقة، يمكن للفلاسفة مساعدتنا على اتخاذ أفضل قرارات ممكنة، حتى في خِضَمِّ الشك وعدم اليقين.
سيتفق معظمنا في الرأي، بنهاية رواية «الهوبيت»، على أن بيلبو شجاع، وسيوافق كثيرون أيضًا على أنَّ ثورين متهوِّر في بعض الأحيان، وتتباين بديهياتنا حين يتعلَّق الأمر بالحكم على المُولعين بالرياضيات الخطرة؛ مثل متسلِّقِي الصخور أو هواة قفز القاعدة، ولكن معظمنا — على الأقل — سيتفق بشأن ما هو على المحك في هذه الحالات؛ ألا وهو حياتهم! وحين نقارن الأهداف بما هو على المحك في أي مغامرة بِعَيْنِها، ثمة سؤال يظهر تلقائيًّا: هل الأهداف تساوي المخاطر؟
مستعينًا بمغامرات بيلبو سوف أُوَضِّح طريقتين لتحديد إذا ما كان فعلٌ ما منطقيًّا؛ هما: نظرية المنفعة المتوقعة، والاحتمال الشرطي. وسوف نستعين بهاتين النظريتين لتقييم مدى جودة تفكير بيلبو وسط مجموعة متنوعة من النتائج المريبة. بعد ذلك سنرى كيف يمكن الحكم على النتائج وفقًا لرؤية أرسطو عن الشجاعة. ربما يكون الهوبيت الآخرون مُحقِّين في أنه أحمق، وربما لا. وربما ستجمع بعض أدوات اتخاذ القرار لتحزمها معك في مغامرتك القادمة.
(١) الألغاز، والأزمات، والحظ، يا إلهي!
لكي ترى لماذا يكون التفكير وسط الشك وانعدام اليقين بهذه الصعوبة، تأمَّلْ قضية الألغاز. حين يتعثَّر بيلبو بمخبأ جولوم يجد نفسه متورطًا في لعبة ألغاز وحياته على المحك. كانت الألغاز صعبة الحل؛ لأنها تتطلب اختيار إجابة محدَّدة من بين مجموعة لا نهائية من المعلومات باستخدام مجموعة من الدلائل المبهمة لا أكثر.
هناك، فيما يبدو، أشياء كثيرة للغاية يمكن أن تضاهي هذا الوصف: الزمن، العمر، الحب، بابٌ سلكيٌّ ذو صرير مزعج، مَعِدة مضطربة، هبوطٌ في سوق الأوراق المالية. حسنًا، ربما الأخيرة من باب المبالغة. ولكن فكرة أي لغز بالطبع هي إيجاد الشيء «الأكثر» ملاءمة لمفاتيحه، والأهم أن يلائم ما «يفكر» فيه صاحب اللغز على النحو الأمثل. في هذا الموقف، كان بيلبو — لحسن حظه — قد سَمِع شيئًا شبيهًا لهذا اللغز من قبل، ولحسن الحظ قدَّم لجولوم الإجابة التي كانت في عقله: الرياح.
لسوء الحظ، غالبًا ما تُعْطِينا الحياة، شأنها شأن الألغاز، دلائلَ ومفاتيحَ غامضةً بشأن النهج الذي ينبغي أن نتبعه في تصرفاتنا. ومن أجل اتخاذ قرارات سليمة، نحتاج لمعلومات أكثر من تلك المتوفرة في الألغاز. نحن لا نحتاج لأن يتوفر لدينا كل المعلومات ذات الصلة عند اتخاذ القرارات المهمة، ولكن أحيانًا ما نكون بحاجة لقليل من العون. وهناك — على الأقل — شيئان يجعلان التفكير أيسر: المعلومات ذات الصلة، وإجراءات اتخاذ القرار.
تتألف «المعلومات ذات الصلة» من حقائق سياقية ترتبط بقرارنا الذي نتخذه. فقَبْل إلغاء قانونٍ يُلْزِم قائدِي السيارات بارتداء أحزمة الأمان، نحتاج لمعرفة العواقب المحتملة لعدم ارتداء أحزمة الأمان، ونحتاج للرجوع إلى إحصائيات حوادث السيارات لِنَرَى إذا ما كان ارتداء حزام الأمان يُقلِّل حقًّا من خطر الوفاة أو الإصابات الخطيرة، ونحتاج لمعرفة إذا ما كانت الولايات الأخرى قد ألغت قوانين ارتداء حزام الأمان، وما النتائج التي ترتبت على ذلك، إذا كانت ألغتها. بالطبع ستكون جميع المعلومات إحصائية، والاستدلالات المستمدة من هذه الإحصائيات فيما يتعلق بمستقبل مجتمعنا لن تكون أكيدة بشكل مطلق. لن يتسنى لنا معرفة ما سوف يحدث يقينًا، ولكن ستكون لدينا فكرة أفضل عمَّا قد يحدث إذا تم إلغاء القانون.
«إجراءات اتخاذ القرار» هي استراتيجيات التفكير التي تساعدنا على استخلاص النتيجة الأقرب من المعلومات ذات الصلة المتوافرة لدينا. وهناك الكثير من إجراءات اتخاذ القرار المختلفة، وسوف يعتمد تحديد الإجراء الذي تحتاج إليه على المعلومات التي تريدها. وتكون الإجراءات بسيطة ومباشرة نوعًا ما حين تكون المعلومات مؤكدة، كما في الرياضيات أو المنطق. أما حين تكون معلوماتك منقوصة أو تعتمد على أحداث أخرى، فتزداد الإجراءات تعقيدًا. والقرارات التي تواجه المغامرين أمثال بيلبو تُتَّخَذ بشكلٍ شبهِ دائمٍ وسط جوٍّ من عدم اليقين بشأن عواقب القرارات المتاحة.
ثمة نموذجٌ كلاسيكيٌّ للتفكير وسط ريبةٍ وشكٍّ يُطلَق عليه «معضلة السجينين». يعرف الهوبيت بالطبع بأنهم يكونون لصوصًا مُتخفِّينَ إذا شاءوا ذلك. تخيَّلْ أنك هوبيت، وافترِضْ أنك وشريكًا لك في السرقة قد قُبِض عليكما بواسطة الشرطة وجرى استجوابكما في غرفتين منفصلتين. يُقَدِّم لك مُعتقِلوك خِيارَيْن: يمكنك إما الاعتراف على شريكك أو الامتناع عن الكلام. ولسوء الحظ، تعلم أن عواقب كل خيار، في هذه الحالة، تعتمد على الاختيار الذي يتخذه شريكك؛ فإذا اخترت أن تعترف عليه ورفَض هو ذلك فسوف يُطلَق سراحك فيما سيقضي شريكك عشر سنوات في الأنفاق المغلقة (الأنفاق التي يتخذها رجال شاركي سجونًا في «سيد الخواتم»). بالمثل، إذا اعترف هو ورفضْتَ أنت؛ فسوف يُطلَق سراحه ويُحكَم عليك بعشر سنوات. أما إذا اعترف كلاكما، فسوف تذهبان إلى السجن لخمس سنوات، وإذا رفض كلاكما الاعتراف وتمَّ تحويل قضيتكما إلى القضاء، فسوف يذهب كلاكما إلى السجن لمدة عامين. ولتقييم هذه الخيارات بشكل أوضح، يمكننا تمثيلها بالنموذج التالي:
في هذا المخطط البياني للقرار، لا توجد وسيلة «للتأكد» من اختيار شريكك. أنت تعرف أنه إذا تمسَّكَ كلاكما بالصمت أمام الاستجواب، فيمكنكما الإفلات بعامين فقط في السجن. ولكنكما تواجهان الاحتمال المؤسف: أن شريكك سوف يعترف عليك (وهو احتمال غير جذَّاب للغاية بالنسبة لهوبيت)، وسوف تُضْطَر لقضاء «عشر» سنوات في السجن بينما يَنْعَم هو بالحرية. بدون القدرة على التحدُّث إلى شريكك، كيف تُحدِّد التصرف الأمثل؟
إذا كنتُ أواجه معضلة السجينين، فعليَّ أن أتخذ القرار بناءً على عواقبه «بالنسبة لي»؛ فإدراك ذلك يتيح لي التركيز على المعلومات ذات الصلة. لديَّ خياران (انظر الشكل التالي)، لكل خِيارٍ يوجد احتمالٌ بنسبة خمسين بالمائة أنَّ شريكي إمَّا سوف يعترف أو يرفض الحديث. إذا اعترفت واعترف هو؛ فسوف أقضي خمس سنوات في السجن، وإذا اعترفت ورفض هو الاعتراف؛ فلن أحصل على أي حكم بالسجن، وهكذا.
لمعرفة أي اختيار هو الأمثل بالنسبة لي، لا أحتاج سوى ضرب احتمال وقوع النتيجة (إذا كانت الفرصة متساوية، تكون هذه الاحتمالية بنسبة خمسين بالمائة) في مدى تقديري للعواقب (وتقديري، في هذه الحالة، هو قضاء أقل عدد من السنوات في السجن). بعد ذلك أَقُوم بجمع النتائج لكل عاقبة محتملة.
تُمَثِّل الإجابات متوسط عدد السنوات التي سأضطر لقضائها في السجن لكل قرار. ولما كنت راغبًا في الحصول على أقل عدد ممكن من السنوات، فمن مصلحتي أن أعترف.
(٢) في ضوء العمالقة: نظرية المنفعة المتوقعة
الآن، كيف كان يمكن لكل هذا أن يساعد مسافرينا في «الهوبيت»؟ تذكَّرِ المعضلة التي يواجهها ثورين والرُّفقة حين يرون الضوء في البراري. هل ينبغي أن يستكشفوا الضوء أم يبقوا وسط البرد والبلل؟ جميعنا يعرف كيف سارت القصة: يقررون اتِّباع الضوء، ثم يتم الإمساك بهم ويوشك العمالقة على التهامهم. وبفضل عودة جاندالف، تفلت المجموعة من التحول إلى عشاء للعمالقة. لِنَرَ إذا ما كانت نظرية المنفعة المتوقَّعَة كانت ستقودهم إلى المصير نفسه.
لا بد أن يقرر بيلبو مدى احتمال أن يقع في متاعب إذا ما اتَّجَه صوب الضوء. حتى لو لم نكن نعرف النسبة المئوية بالضبط؛ فهم متفقون على أن الذهاب يُعَرِّضهم لخطر أكبر مما لو بقوا؛ لذا فأيًّا كانت النسبة المئوية التي نُعيِّنها للمتاعب بالنسبة للخيار رقم ١، فستكون أكبر من أي نسبة نُعَيِّنها للمتاعب بالنسبة للخيار رقم ٢. لنحدِّدْها الآن ﺑ ٥٠٪ بالنسبة للخيار رقم ١، و١٠٪ للخيار رقم ٢. فيما بعد، سوف نرى كيف يؤثِّر تغيير تلك النِّسَب على النتيجة.
ما النتائج الأخرى المحتملة لكلِّ خيار؟ بالنسبة للخيار رقم ١، تتمثَّل الاحتمالية الأخرى في أنهم سيَجِدون مكانًا جافًّا ودافئًا للنوم به، وسوف يحصلون على شيء لتناوله. وبما أننا نُحَدِّد نسبة ٥٠ بالمائة لاحتمال مواجهة متاعب؛ فإن احتمال عثورهم على طعام ومأوًى يساوي ٥٠ بالمائة أيضًا. أما بالنسبة للخيار رقم ٢، فالبديل هو احتمال بنسبة ٩٠ بالمائة أنهم سيظلون مبتلِّين وشاعِرِين بالبرد والجوع.
الآن نحتاج لتقدير التكاليف والفوائد التي يُحَدِّدها بيلبو لكل نتيجة، وهو ما يُسَمَّى أيضًا قيمة كل نتيجة. وتلك هي الخطوة الأصعب؛ فعليك أن تُحَدِّد أرقامًا للنتيجة «وفقًا لمدى حبك أو كرهك لكلِّ نتيجة محتملة». وهذا يعتمد كليًّا عليك، وبوسعك أن تُعيِّن أي أرقام تراها مناسبة، ما دمت تضع في ذهنك أن الأرقام الموجبة تُمَثِّل الفوائد، والأرقام السالبة تُمثِّل التكاليف. ويكون هذا أسهل كثيرًا مع الحالات التي تنطوي على أموال أو وقت؛ حيث يسهل تعيين قيم عددية.
على سبيل المثال، تخيَّل أنَّ جافر جامجي (والد ساموايز من «سيد الخواتم») يفتتح حانةً لبيع جعته الشهيرة. إذا كان يبيع باينت مقابل خمسة وعشرين سنتًا للكوب الواحد، ويتكلَّف خمسة عشر سنتًا لإعداده؛ فإن تحليل التكلفة-الفائدة (الفائدة مطروح منها التكلفة)، أو القيمة المتوقعة، يساوي عشرة سنتات.
الآن، اعتبِرْ أنه يستغرق ثماني ساعات في الحانة كي يبيع خمسة باينتات من الجعة. على ذلك تكون قيمتُه المتوقَّعة خمسين سنتًا. ولكن هناك تكلفة إضافية؛ ألا وهي وقته الذي يُقدِّره، كما نتمنَّى، بأكثر من ستة سنتات للساعة الواحدة (وهي حاصل قسمة القيمة المتوقَّعة على عدد الساعات). ولكن كيف يعرف تقديره لوقته؟ ذلك قرارٌ شخصيٌّ. إنَّ الكثير من الناس يسعدون بكسب ثمانية دولارات في الساعة إلى أن تُعرَض عليهم وظيفة جديدة ويصبح أجرهم اثني عشر دولارًا في الساعة، ففجأة لا يستطيعون أن يتخيَّلوا العمل مقابل ثمانية دولارات مرة أخرى.
لِنَقُلْ إنَّ بيلبو يُقَدِّر المتاعب ﺑ −١٠٠ (فهو هوبيت في النهاية)، فيما يُقَدِّر الجفاف والدفء والطعام ﺑ +٢٠. لِنَقُلْ أيضًا إنه يُقَدِّر البلل والبرد والجوع ﺑ −٢٠. قد تشعر بقَدْرٍ من عدم الارتياح إزاء تعيين أرقام لِقِيَمٍ حدسيَّةٍ. في هذه الحالات، حيث تُعيَّن القيم بلا تفكير، يُمكِن أن تظل المنفعة المتوقَّعة سارية. كل ما نحتاج إليه هو تحديد فجوة كبيرة نوعًا ما بين ما نُقدِّره وما لا نُقدِّره. دَعْنا الآن نجرِّبْ عمليتنا الحسابية:
في هذه العملية الحسابية، على الرغم من أنَّ البقاء يُعَدُّ خيارًا سيئًا؛ فإن الاتجاه صوب الضوء خيار «أسوأ».
ربما تكون قد لاحظت مشكلة محتملة هنا. في معضلة السجينين، كانت القيم العددية (احتمالية الاعتراف أو الرفض وعدد سنوات السجن المتوقَّع لكل قرار) متاحة أمامنا؛ فكان من السهل تطبيق نظرية المنفعة المتوقعة والحصول على إجابة واضحة للمشكلة. أما بيلبو، فعليه «تخمين» النتائج المحتملة «و» احتماليات وقوعها، ثم وَضْع أرقام يُعتقَد أنها تُعَبِّر عن قيمة تقديره للنتائج. إن تغيير الاحتمالية أو القيمة بقَدْرٍ طفيفٍ من شأنه أن يؤدِّي إلى نتيجة مختلفة تمامًا. فإذا قدَّرْنا، بالنسبة للخيار رقم ١، احتمالية وقوع متاعب بأقل من ٥٠٪، أو قدَّرْنا فوائد الدفء والإطعام بأكثر من ٢٠٪، فإن القرار يَسِير في الاتجاه المضاد، ونفس الشيء بالنسبة للخيار رقم ٢. وهذا يُبَيِّن أن «معلوماتنا المبدئية لا بد أن تكون أدقَّ ما يمكن».
إذا كانت احتمالات الوقوع في المتاعب أعلى في قرار الاتجاه صوب الضوء من قرار البقاء، واحتمالات تحقيق الهدف النهائي (ألا وهو استرداد كنز الأقزام) لا تتأثَّر كثيرًا في أي من القرارين، فربما ينبغي أن تعاني المجموعة قليلًا من المطر والبرد بدلًا من خوض مخاطرة لا داعيَ لها. ومن السهل أن ترى أن احتمالات الدخول في متاعب أعلى بالنسبة للخيار رقم ١ من الخيار رقم ٢، سواء استخدمنا أرقامًا حقيقية أو أرقامًا مجردة.
يمكن أن يزيد تبسيط العمليات الحسابية للمنفعة بشكلٍ كبيرٍ من قُدْرَتِك على تعظيم المنفعة المتوقَّعة لفعلٍ ما. فإذا كانت المتاعب، بالنسبة لبيلبو، هي حقًّا مصدر القلق المحوري إزاء الاتجاه صوب الضوء، كان ينبغي عليه وعلى المجموعة أن يتخذوا قرارًا مختلفًا. بطبيعة الحال عند النظر إلى شيءٍ حَدَثَ بالفعل نكون متيقنين مما آلَتْ إليه الأمور. والآن ندرك أنه بفضل الحظ فقط نَجَوْا جميعًا من العمالقة الأفظاظ.
(٣) لعب الغميضة مع جن الغابة: الاحتمال الشرطي
على سبيل المثال، إذا بدأت في سحب بطاقة من مجموعة عادية من أوراق اللعب (ينقصها الجوكر)، ما احتمالات أن أقوم بسحب بطاقة الملك علمًا بأنني قد سحبت بطاقة ملك بالفعل مِنْ قَبْل؟ لما كنا نعلم بالفعل كل المعلومات ذات الصلة، فمن السهل تحديد الاحتمال الشرطي لهذا الحدث. نحن نعلم أن هناك اثنتين وخمسين بطاقة في أي مجموعة أوراق لعب عادية، ونعلم أن هناك أربعة ملوك؛ لذا فبينما يكون احتمال سحب بطاقة ملك هو ٤ / ٥٢، أو ٧٫٧ بالمائة، فإن احتمال سحب بطاقة ملك علمًا بأنني قد سحبت واحدة بالفعل هو ٣ / ٥١، أو ٥٫٩ بالمائة.
ما الاستفادة التي يَجْنِيها مسافرونا المُتعبون من الاحتمال الشرطي؟ كان سيساعدهم، بشكل أساسي، على تجنُّب أي خطأ في التفكير بشأن ترابط الأحداث. تذكَّر مواجهتهم الثانية مع الأنوار في إحدى الغابات ليلًا. كان قد تَمَّ توجيه تحذيرات صارمة للرُّفقة مِن كلٍّ من بيورن وجاندالف من البقاء على الطريق عَبْرَ ميركوود. ولكن الجوع والعطش والأمطار جعلهم يضعفون أمام أول إغراء يواجههم، والذي يتمثَّل في أضواء تشبه المشاعل أسفل الأشجار.
والمغالطة هي خطأ في التفكير والاستدلال. وتنطوي مغالطة المقامر على افتراض أنه لا بد من وجود صلة أو رابط بين حدثين مستقلين؛ أي غير مترابطين سببيًّا. على سبيل المثال، تُقَدَّر احتمالية استقرار عملة ذات وجهين على الصورة عند قَذْفها ﺑ ٥٠ بالمائة. ما احتمالية استقرارها على وجه الصورة علمًا بأنها قد استقرت على وجه الصورة حين قُذِفَتْ في المرة السابقة؟ تظل ٥٠ بالمائة. ماذا بعد أن استقرَّتْ على الصورة مائة مرة؟ تظل ٥٠ بالمائة. إنَّ هذا يعزو إلى أن كل قذفة مستقلة عن كل قذفة أخرى. وغالبًا ما يُطلَق على خطأ التعامل مع الحالات المستقلة على أنها متصلة اسم مغالطة المقامر؛ لأن المقامرين أحيانًا ما يفترضون أنه إذا كان حظهم عاثرًا على مدار الليلة، «فلا بد» أنه سيتحوَّل قريبًا. على العكس، المقامر الذي يحالفه الفوز بشكلٍ متواصل قد يظل في مكانه لمدة أطول قليلًا، مُفَكِّرًا (بشكل يفزعه): «سوف أفوز مرة واحدة أخرى، ثم سأغادر.»
(٤) الانطلاق بجرأة، ولكن ليس بجرأة مبالغ فيها
يواجه بيلبو والرفقة الموت في مواقف عدة في «الهوبيت». فهل يظهر بيلبو استجابة ملائمة لاحتمالية الموت؟ هل يستوفي شروط أرسطو للشجاعة؟ ثمة طريقة لمعرفة ذلك هي النظر إذا ما كان بيلبو يتصرَّف بناءً على أفضل الأسباب المتاحة في ظل وجود نتائج غير مؤكدة. فإذا كان يسعى وراء الخطر حين تكون المخاطرة فادحة وغير منطقية؛ فهو متهور، وإذا كان يهرب حين تكون المخاطرة منطقية؛ فهو جبان.
رأينا أيضًا أنه كان من المنطقي بالنسبة لبيلبو ورفاقه أن يتبعوا ضوء جن الغابة، على الرغم من حقيقة أنه قد قادهم إلى قبضة العناكب. بالإضافة إلى ذلك، يجازف بيلبو بحياته لإنقاذ رفاقه من العناكب، ومن حصار جن الغابة، وفي المعركة مع الجوبلن في الجبال الضبابية. وفي كل حالة من تلك الحالات، كان بإمكانه أن يستخدم خاتم جولوم ويختفي عن الأنظار ويفر من الخطر، ولكنه كان يُقدِّر حياة رفاقه وهزيمة الجوبلن بوصفها أهدافًا نبيلة تستحق المجازفة بالموت.
وهكذا يستوفي بيلبو في هذه المواقف المعايير الكلاسيكية للفعل الشجاع، ولكن هل يمكننا القول بأنه شخصٌ شجاعٌ، وأنه يمتلك فضيلة الشجاعة؟ بحسب أرسطو، ليس من السهل دائمًا الجزم بذلك.
كان أرسطو — على الأرجح — سيوافق على أن بيلبو قد تصرَّف بشجاعة وإقدام في المواقف القليلة التي تناولناها. ولكن قد يكون هناك مرات أخرى يتصرَّف فيها بتهور أو جبن. فما الذي ينبغي أن نقوله عن شخصيةٍ ما حين يتصرَّف صاحبها بشكل متناقض، مثلما يفعل معظمنا؟
ذهب أرسطو إلى أنَّ شخصيتنا تُبنَى بمرور الوقت. ولكي يَحُوز المرء فضيلة من الفضائل، لا بد أن يمارسها. إن رفع الأثقال في صالة الألعاب الرياضية لمرة واحدة يُعَدُّ تمرينًا جيدًا، ولكنه لا يجعلك قويًّا. فلِكَيْ تكون قويًّا، لا بد أن تمارس رفع الأثقال مرات كثيرة على مدى عدة سنوات. والتوقُّف عن التمرين لأسبوعين سوف يُوقِف تقدُّمك. الشيء نفسه، بالنسبة لأرسطو، ينطبق على «عضلاتنا» الأخلاقية؛ فلِكَيْ نصبح ذوي فضيلة، لا بد أن نقاوم إغراء التصرُّف على نحوٍ سيِّئ. فكلما تحرَّيْنا الفضيلة في تصرفاتنا في وجه المقاومة الأخلاقية، اقتربنا أكثر من اكتساب الفضيلة.
هوامش
Keeping the first king | Putting the first king back |
---|---|
(since we kept out) | (since we put back in the deck) |
Therefore: | Therefore: |