حرب تولكين العادلة
الحرب ضرورةٌ حتميةٌ حينما ندافع عن أرواحنا ضدَّ مدمِّرٍ سوف يلتهمنا جميعًا؛ إلا أنني لا أحب السيفَ البرَّاق لِحِدَّته، ولا السهمَ لسرعته، ولا المقاتلَ لمجده، بل أحب فقط ما تدافع عنه هذه الأشياء؛ مدينة بشر نومينور.
ربما تتخيَّل أن تولكين كان يعتنق مفاهيمَ رومانسيةً للحرب، ولكن ليس الأمر كذلك؛ فبوصفه ضابطًا بريطانيًّا في الحرب العالمية الأولى، أصبح على معرفة وثيقة وحميمة بأهوال الحرب وخرابها. حتى تولكين ذاته حارَبَ في معركة السوم (١٩١٦)، التي سقط فيها ما يزيد على مليون شخص ما بين قتيل وجريح، وكان من بينهم جندي نمساوي كان يُدعَى أدولف هتلر، والذي أُصِيب بجراحٍ بفعل قذيفة بريطانية قبل ثلاثة أسابيع من إصابة تولكين بحمى الخنادق ومنعه من القتال.
ولكن بالرغم من هذا، كان تولكين بالفعل يعتقد أن الحرب أحيانًا ما يكون هناك ما يبرِّرها أخلاقيًّا؛ فدفاع الروهيريم عن هيلمز ديب، وتدمير الإنتس لأيزناجارد، وحشد جاندالف لقوات جوندور للدفاع عن المدينة، وجمع أراجورن لجيش الموتى للقدوم لمساعدة ميناس تيريث، قُدِّمَتْ كُلُّها بوصفها أفعالًا نبيلة وبطولية. وكما يقول سام في النسخة الفيلمية من «البرجان»: «ثمة بعض الخير في هذا العالم يا سيد فرودو، وهو يستحق القتال من أجله.» لقد كان تولكين سيتفق مع هذا الرأي بكل تأكيد.
ولكن ليسَتْ كلُّ نماذج الحرب والاقتتال في كتابات تولكين نبيلةً أو واضحةً أخلاقيًّا؛ فقد بدأت معركة الجيوش الخمسة، وهي المعركة الفاصلة في «الهوبيت»، بسبب الكنز في النهاية، وكان الموقف على النحو التالي مثلما تذكر: يموت سموج، ويحلُّ الدمارُ بمدينة البحيرة، ويحاصَر ثورين ورفاقه مع كنز التنين في الجبل الوحيد، فيفكِّر ثورين في أن الكنزَ ينبغي أن يكون ملكًا لهم وحدهم؛ لأنه أُخِذ بالقوة من أسلافهم، ولكن بارد ورفاقه من أهل مدينة البحيرة يعتقدون أنهم يستحقون أن يُؤدَّى لهم جزءٌ من الكنز كدَيْن.
إن بارد ليس وحده؛ إذ يدعمه ملكُ الجن (ثراندويل، والد ليجولاس) وجيشٌ من جن الغابة. فالجن في الأساس ينطلقون إلى الجبل الوحيد؛ لاعتقادهم أن الكنز قد يكون بلا حراسةٍ ومهيَّأً للاستيلاء عليه، ولكن بعد رؤية محنة رجال البحيرة، يقرِّر الجن مساعدتهم، بل القتال أيضًا نيابةً عنهم لمعاونتهم على استعادة جزءٍ لا بأسَ به من الذهب؛ فيقوم ثورين بطلب تعزيزات، ويظهر أقزامُ التلال الحديدية للدفاع عن حقوق الأقزام في الكنز. ويرفض ثورين المساومة، وتستعِدُّ الجيوش للقتال.
وبينما الجيوش الثلاثة على وشك خوض الحرب والاقتتال، يظهر جاندالف ويحذِّرهم من أنَّ جيشًا ضخمًا من الجوبلن، والوارج، والذئاب، والخفافيش المصَّاصة الدماء على وشك الهجوم. كان الجوبلن غاضبين لموت الجوبلن الأكبر، ولكنهم مهتمون كل الاهتمام بالكنز وغزو الشمال؛ فتقرِّر جيوش البشر والأقزام والجن أن جاندالف على حقٍّ، فيُنَحُّون خلافاتهم جانبًا ويوحِّدون القوات. وحين تبدأ الأمور في أخذ منحًى سيِّئ، ينقضُّ جيش النسور الضخمة لإنقاذ الموقف، ومعهم بيورن المتحوِّل، وبمجرد الفوز بالمعركة، يُبدِي الجميعُ مشاعرَ الودِّ والتعاون ويقومون بتقسيم الكنز. لا يوجد شيء مثل عدو مشترك لحلِّ أي نزاع.
هل كان لهذه المعركة ما يبرِّرها؟ لنستعرِضْ معًا ما قاله الفلاسفة عن أخلاقيات الحرب لنرى إن كانت هذه الحرب ذات قيمة بالغة بحق؟
(١) الحرب! بِمَ تفيدُ؟
ولكن المعارضين لدعاة السلام لديهم إجابات معقولة؛ فهم يقولون إن حياة الإنسان غالية، ولكن أَلَا يعني هذا أن المرء لديه مبرِّره في الدفاع عنها؟ إذا كان بإمكانك أن تُوقِف قتلَ الآلاف من الأبرياء في روهان ببساطة عن طريق قتل سارومان، أفلا ينبغي أن تفعل؟! وإذا لم تفعل، ألستَ بذلك تحطُّ من قيمة الحياة الإنسانية؟! قد يُقتَل أبرياء في الحرب، ولكن أليس قَتْلُ بعض الأبرياء أفضل من ترك آلاف الأبرياء، أو شعب كامل، يُقتَلون؟!
ويذهب دعاة السلام إلى أنه ليس واضحًا أن العنف لا يحلُّ أي شيء «مطلقًا»؛ فملايين الناس لَقُوا حتفهم في أوروبا إبَّان الحرب العالمية الثانية، ولكن لو لم يكن الحلفاء قد قاتلوا وانتصروا، لربما غَزَا هتلر معظمَ العالم وأفنى اليهود. أَلَم تكن هزيمةُ الفاشية ووقفُ الهولوكوست يستحِقُّ ذلك؟! وعلى الرغم من أن العديد من مقاتلي العدو أبرياء من حيث إنهم أُرغِموا على القتال مِنْ قِبَل حكوماتهم، فإنهم يحاولون قتلَ شخص آخَر. أليس للمرء حق في الدفاع عن نفسه؟! إذا ما تعرَّضَتْ دولة مسالمة لغزوٍ، أفلا يكون لها حق في الدفاع عن نفسها؟! وأَلَن يكون مقبولًا أن تهبَّ الدولُ الأخرى لمساعدتها بإجبار الغزاة على التراجُعِ؟
حاوَلَ القديس أوجستين (٣٥٤–٤٣٠) التوفيقَ بين الحرب وتعاليمِ المسيح الداعية للسلم، وطُوِّرت حججُه لاحقًا على يد توما الأكويني (١٢٢٥–١٢٧٤)، وطُوِّرت مرة أخرى على يد فلاسفة وعلماء لاهوت أحدث. وعلى الرغم من وجود صور مختلفة من نظرية الحرب العادلة، فإن هناك عناصر مشتركة عديدة بين التأويلات المتعددة.
تركِّز معاييرُ «حق خوض الحرب» على الهدف من الحرب؛ وهي كالتالي: لكي تكون الحرب عادلةً، فلا بدَّ أن يبدأ خوضها مِنْ قِبَل «سلطة شرعية»؛ فإن لم تكن أنتَ قائدَ المجموعة، فلا يحقُّ لك أن تدعو هذه المجموعة إلى الحرب. ولا بدَّ أن يكون وراءَ الحرب «سببٌ عادلٌ»؛ فالغيرةُ الشخصية أو الغرورُ (مثل رفض ثورين اقتراحاتِ بارد المنطقية)، أو اشتهاءُ السلطة والقوة (مثل جنونِ العَظَمة لدى سورون) ليسَتْ أسبابًا عادلة للحرب. غير أنَّ التصدِّي لهجومٍ غير مبرَّرٍ أو انتزاعٍ للسلطة (مثل مناوشات فارامير العديدة عَبْرَ جوندور) له ما يبرِّره.
لا بدَّ أن يكون الهدف من الحرب «متناسبًا»، بمعنى أن الفوائد المتوقعة من خوض الحرب لا بد أن تَفُوق الضررَ الذي ستضطرُّ لإيقاعه. في الواقع، لا بد أن تكون «واثقًا بشكل معقول من أن بإمكانك الفوزَ بالحرب» قبل أن تخوضها؛ فإذا علمتَ أنك ستخسر، فسوف يحقِّق الاستسلامُ نفس الشيء ولكن مع خسائر أقل في الأرواح. لا بد أيضًا أن تكون الحرب هي «الملاذ الأخير»؛ فإذا استطاعَتِ العقوباتُ الاقتصاديةُ أن تحقِّق نفس النتائج، فينبغي أن تستعين بها بدلًا من الحرب.
ما إن تبدأ أية حرب، تحدد نظريةُ الحرب العادلة قواعدَ لتحديد كيف يمكن أن تُدَار على نحوٍ عادلٍ. وتركِّز معاييرُ «الإدارة الصحيحة» على إجراءات عسكرية محدَّدة في الحرب؛ وهي كالآتي: لا بد أن تكون الإجراءات العسكرية الفردية «موجَّهةً بشكل صحيح» نحو «هدف عسكري مشروع»، ولا بد أن تكون «متناسبة». ويشير التناسب في هذه الحالة إلى إجراء عسكري محدد؛ فلا بد أن تكون الفائدة المستمَدة منه تَفُوق الضررَ الذي سيُوقِعه، ولا بد أن يسبِّب القَدْر الأدنى من الضرر اللازم لتحقيق الهدف.
مرة أخرى، نجد أنَّ «السلطة الشرعية» مطلوبة؛ فلا يمكن لإجراءٍ عسكريٍّ أن يتمَّ بشكل مبرَّر دون موافقة ملائمة. بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن يكون الإجراء «ضروريًّا» و«كافيًا» بالنسبة للهدف العسكري؛ فلا بد أن يكون الهدف العسكري غير قابل للتحقيق إلا باستخدام القوة فقط. وأخيرًا، لا بد أن يُظهِر الإجراء العسكري «تمييزًا»؛ فمهما كان الهدف، فلا يمكن أن يكون غيرُ المقاتلين هم الهدف المقصود لأي إجراء عسكري.
غير أن المعايير ما هي إلا خطوط استرشادية؛ فلا تخبرنا المعايير مثلًا بما يُعتَدُّ به كسببٍ عادل. هناك أمثلة واضحة لما يُعتَدُّ به في هذا الصدد، مثل الدفاع القومي ضد معتدٍ مخرِّب. ولكن ماذا عن استرجاع وطنٍ للأجداد من قوةٍ محتلة رسخت أقدامها هناك منذ زمن طويل؟ وماذا عن حرب وقائية ضد تهديد خارجي خطير ولكنه غير مؤكَّد؟ وماذا عن إيقاف انتشار الأيديولوجيات المتعصبة التي تنكر حقوق الإنسان الأساسية؟
علاوةً على ذلك، هذه المعايير الخاصة بالحرب العادلة لا ينطبق عليها مبدأ «كل شيء أو لا شيء». فإذا ما أعلن قائدُ دولةٍ الحربَ على قوة معتدية، في ظل علمه بأن جيشه يمكن أن يصد الغزو ولكنه سيحارب بتهوُّرٍ واستهتارٍ على الأرجح؛ فقد يظلُّ إعلانه الحربَ أخلاقيًّا؛ كل ما في الأمر أن حربه ليست عادلة كما يمكن أن تكون. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان أحد الجنود يعلم أنَّ فصيلًا آخَر من الجيش يستخدم قوةً أكبر من اللازم لتحقيق الهدف، فهذا الجندي ليس مُلزَمًا بأن يعلن أن الحرب غير عادلة، ويلقي سلاحه ويعود إلى وطنه.
(٢) معركة الجيوش الخمسة
مع اعتبار هذه المبادئ التقليدية للحرب العادلة، دَعُونا نتساءل الآن إن كانت معركة الجيوش الخمسة لها ما يبرِّرها. يمكن تقسيم السؤال الخاص بتبرير المعركة إلى جزأين؛ أولًا: دَعْنَا نتساءل هل كان لدى البشر أو الأقزام أو الجن مبرِّرُهم في الاقتتال على الكنز.
كان كل جيش تحت قيادة سلطة شرعية — فكان الأقزام تحت قيادة ثورين وداين، والبشر تحت قيادة بارد، والجن تحت قيادة ثراندويل — وبذلك يتم الوفاء بهذا المعيار. ولكن هل كانت ملاذًا أخيرًا؟ هل كانت الوسائل متناسبة؟ وهل كانت هناك فرصة للنجاح؟ في حالة البشر، تبدو الإجابة هي نعم؛ فقد تفاوضوا بحسن نية مع ثورين طويلًا قبل اللجوء في النهاية إلى القوة، حتى إنهم استخدَموا الأركنستون كورقة مساوَمةٍ لمنع القتال.
وكما يشير ثراندويل، كان لدى قوات الجن والبشر مجتمعةً فرصةٌ ممتازة للفوز بالحرب، وبالنظر إلى أن رجال البحيرة كانوا بحاجةٍ إلى نصيبهم من الكنز لإعادة بناء مدينتهم، كان ضررُ الحرب سيصبح مبرَّرًا بحجة إعادة الإعمار (على الرغم من أنني أسلِّم بديهيًّا بأن مثل هذه الأمور من الصعب تحديدها). علاوة على ذلك، كما يشير بارد، كان جزء من الكنز قد سرقه التنين من جدِّه جيريون حاكم ديل، وكان الأقزام هم مَن جلبوا هجومَ التنين على مدينة البحيرة، وساعَدَ رجالُ البحيرة الأقزامَ حين كانوا في حاجةٍ للمساعدة؛ وكان بارد، وليس الأقزام، هو مَن ذبح التنين؛ ومن ثَمَّ قام بنقل الكنز.
بعد ذلك نحتاج لأن نتساءل إن كانت معركة الجيوش الخمسة التي وقعت بالفعل مبرَّرةً. لا شكَّ أن الجوبلن على الجانب المخطئ؛ إذ إن أيًّا من دوافعهم (الانتقام لمقال الجوبلن الأعظم، والطمع، والرغبة في السيطرة والهيمنة) ليسَتْ أسبابًا عادلة.
غير أنَّ البشر والجن والأقزام يخوضون حربًا للدفاع عن النفس (والدفاع عن الآخرين) بشكل واضح ضدَّ مجموعة من الغزاة الدمويين السفاحين؛ وهو ما يُعَدُّ سببًا عادلًا تمامًا. وتبدو الشروط الأخرى مستوفاة أيضًا؛ فالتحالف المضطرب يعلم أنه لا مساومةَ مع الجوبلن الغاضبين، وأنهم جميعًا سوف يُقتَلون ما لم يردُّون القتال بقتال؛ ومن ثَمَّ يبدو القتالُ ملاذًا أخيرًا ومتناسبًا. وبالنظر إلى أن لديهم ثلاثة جيوش، فإن فرصة النجاح معقولة؛ لذا فإن قتالهم يبدو مبرَّرًا. ولما كان النسور وبيورن يساندون مبرِّرهم العادل، فيبدو أن لديهم ما يبرِّر قتالَهم أيضًا.
بشكل عام، تؤكِّد نظريةُ الحرب العادلة ما كان معظمنا — ومعظم قرَّاء تولكين الصغار — سيعتقده حول ما لمعركة الجيوش الخمسة وما عليها. لقد كان الأقزام يتصرَّفون على نحوٍ خاطئٍ ومعيبٍ في عدم اقتسام الكنز، وكان الجوبلن يتصرَّفون على نحوٍ يفتقد العدالةَ في محاولتهم الاستيلاءَ على الكنز الذي لم يكن مِلْكًا لهم، بينما كان الجن والأقزام والبشر يخوضون معركةً عادلةً ضدَّ الجوبلن والذئاب. ولكنْ ثمة شيء آخَر يجب تأمُّله، وهو: هل كان تولكين نفسه يؤمن حقًّا بأن الحروب يمكن أن تكون عادلة؟
(٣) هل كان تولكين حقًّا منظِّرًا للحرب العادلة؟
تنبثق الشكوك حول إن كان تولكين يؤيِّد (أو بالأحرى يؤيِّد بشكل كامل) مبادئَ الحرب العادلة التقليدية أم لا؛ من مصدرين في كتابات تولكين: الفقرات التي تبدو مساندةً للسلمية، والفقرات التي تُعلِي الرحمةَ فوق العدل أو تُلقِي بظلال الشك على حق المخلوقات الأخلاقية في تحديدِ مَن يستحق الحياة أو الموت. دَعْنا نستعرض أمثلةً لمثل هذه الفقرات.
الإجابة لا؛ لأن تولكين يوضِّح أن بومباديل حالة خاصة؛ فبومباديل يزهد في كل اهتمام في المسائل المتعلقة «بمحاسن السيطرة والقوة ومثالبهما» لكي يكرِّس نفسه بالكامل للتأمُّل والاستمتاع بالطبيعة في حدِّ ذاتها؛ وهكذا يكون مثل راهب يقطع على نفسه عهدًا خاصًّا بهجر المتع والاهتمامات الدنيوية من أجل التركيز على أشياء أسمى.
إذن ينظر تولكين إلى فرودو بوصفه حالة خاصة، مثل بومباديل، لا بوصفه نموذجًا يحتذي به الجميعُ.
لقد كان تولكين مسيحيًّا، والفضائل المسيحية التقليدية من الشفقة والرحمة والعطف تظهر وافرة في كلٍّ من «الهوبيت» و«سيد الخواتم».
ومع أنَّ مثل هذه الملاحظات تدور بالأساس حول القتل على مستوًى فرديٍّ، ويمكن تطبيقها مباشَرةً بشكل أكثر على قضايا مثل عقوبة الإعدام؛ فمن الممكن جدًّا أن تكون عقيدة سلمية. حتى لو كان المعتدي يستحق الموت لاعتدائه، فهل نحن مؤهَّلون «لتقمُّص دور الربِّ» كي نوزِّع صكوكَ الموت وأحكامه؟! إلى جانب ذلك، فحتى الحكماء لا يمكنهم أن يعرفوا إن كان القتال — ولو دفاعًا عن النفس — سوف يجلب خيرًا أسمى؛ إذن أَلَا ينبغي على المرء أن يقبع في الجانب الآمِن ويحجم عن القتال؟!
ولما لم يكن ذلك فعلًا مِنْ قَبِيل الدفاع عن النفس، لم يكن قتل جولوم ليصبح مبرِّرًا، ولكن الفقرة توحي أيضًا بأنه لو «كان» جولوم قد هدَّدَ بقتل بيلبو، أو حاوَلَ ذلك، كان سيصبح لبيلبو مبرِّره في قتله لو كان ذلك ضروريًّا لإنقاذ حياته. ومن ثَمَّ يبدو أن تولكين يعتقد أن القتل يمكن أن يكون له ما يبرِّره.
ثمة فقرات أخرى في أعمال تولكين تقدِّم دليلًا أقوى على إيمانه بأنَّ بعض الحروب كانت عادلة؛ ففي «السليمارية»، لا ينضمُّ للمعركة الجنُّ الطيِّب فحسب، بل حتى أنصاف الآلهة أنفسهم (الفالار) انضمُّوا لهزيمة سيد الظلام مورجوث. وفي «سيد الخواتم»، ثمة شخصيَّاتٌ طيبةٌ بجلاءٍ — مثل جاندالف وأراجورن وليجولاس وسام — يرفعون جميعًا الأسلحة للدفاع عن الغرب ضد سورون وجيوشه المدمرة. إن كلًّا من هؤلاء الأبطال كان سيتفق في الرأي دونما شك مع وجهة نظر فارامير الموضَّحَة في الاستشهاد الوارد في بداية هذا الفصل؛ وهي أنَّ «الحرب ضرورة حتمية بينما ندافع عن أرواحنا ضدَّ مدمِّرٍ سوف يلتهمنا جميعًا».
يتضح إذن من هذا أن تولكين يؤمن بالفعل بأن الحرب — مهما كانت مأساوية ومدمرة — يمكن أحيانًا أن تكون مبرَّرةً أخلاقيًّا.