مقدمة

نحن في يناير عام ٢٠٠٩. وأنا أجلس في مقعد «مستشار المعلمين» بمجلس ولاية كارولينا الشمالية التعليمي. إنه لشرف كبير أن أكون هنا، وهو منصب أنظر إليه بجدية تامة، وأستشعر ذلك كلما حضرت إلى هنا. أحيانًا تصورنا كاميرات الأخبار، وأسأل نفسي هل يشاهدني الأشخاص الجالسون في منازلهم، ويسألون ماذا فعلَت تلك المعلمة القادمة من مقاطعة أورانج الريفية بكارولينا الشمالية لتنال هذا الشرف. أجول بناظرَي في الغرفة بين صفوف الحاضرين، فأجد أنهم أشخاصٌ ذوو مكانةٍ رفيعة على الساحة التعليمية في ولايتي؛ العاملون في وكالة التعليم العام بالولاية، وممثلون من مختلف المنظمات التعليمية، وضيوف يبدو أنهم يقدِّرون العملية التعليمية هنا. ثم أنظر حولي إلى أعضاء المجلس، وهم جماعة همُّها الأكبر مصلحة أطفالنا، جماعة منغمسة بالفعل فيما يحدث في فصول ولايتنا. في هذه الغرفة تُناقَش سياسة التعليم، وتُقَر بعد أن تحظى بموافقة الأغلبية. وأندهش دائمًا عندما أجد نفسي طرفًا في ذلك.

سألت نفسي أكثر من مرة طوال الستة أشهر التي قضيتها في منصب مستشار المعلمين في المجلس: «لماذا اختاروني أنا؟» أعلم أن الاختيار وقع عليَّ لأنني حزت لقب معلم العام في كارولينا الشمالية خلال الأشهر القليلة الماضية، لكن هذا السبب بالذات يجعلني أسأل نفسي باستمرار: «لماذا أنا بالذات؟» كثيرًا ما أفكِّر في آلاف المعلمين القديرين في ولايتي، ثم أتساءل كعادتي إن كنت أمثِّلهم خير تمثيل. ثم قطع حبلَ أفكاري صوتُ رئيس المجلس وهو يعلن بَدْء استراحةٍ مدتها خمس دقائق.

لاحظت أن المشرفة على التعليم العام بالولاية دكتورة جون أتكينسون تلوِّح لي من مقعدها الذي يتصدَّر طاولة المجلس. وكانت تُشير إليَّ أن أذهب باتجاه الرواق. وعندما التقيتها في ركنٍ من أركان الرواق بجوار المصاعد تمامًا استقبلَتْني بابتسامةٍ عريضة. لم أتخيَّل ما كانت على وشك أن تخبرني به.

أمسكت يديَّ ووقفت قبالتي كما لو كنا طالبتَين صغيرتَين في ملعب المدرسة. ثم قالت: «سيندي، وردني اتصال من مجلس كبار مسئولي مدارس الولاية. لقد وقع عليكِ الاختيار لتكوني المرشحة النهائية الرابعة للقب معلم العام على المستوى الوطني.» شعرت بالدم يهرب من عروقي، ورجوتُ ركبتيَّ في صمتٍ ألَّا تتركاني أسقط على الأرض. ولم أنطق إلا بكلمات استغراب، وبعباراتٍ انفعاليةٍ مثل: «أنتِ تمزحين!» و«هل أنتِ متأكدة؟» وقبل أن تجيبني دكتورة أتكينسون استدعوها بالداخل لبضع لحظات، فدخلَت وتركتني وحدي أستوعب النبأ المفاجئ، أو بالأحرى المفرح.

عُدت إلى مقعدي ورأسي يدور، وحاولت أن أظلَّ منتبهةً فيما بقي في الاجتماع. فكرت عدة مرات وأنا أؤدي مهام معلم العام أن هذا الأمر لن يستمر طويلًا … أن العالم سيكتشف في يوم من الأيام حقيقة بدايتي المتعثِّرة في مهنة التدريس. أنا دائمًا أردِّد أمام جماعات المعلمين أنني تعثَّرت في بداية عملي في التدريس. لكنني لم أعُد واثقة أن «تعثرت» هي الكلمة المناسبة. فربما كان يجدر بي أن أقول بصراحة إنني «فشلت». لعلي لم أعلم ما يجب فعله، أو لم أجد الدعم الكافي الذي احتجت إليه. على أي حالٍ بدأت أفهم سبب خوفي وأنا جالسة هنا؛ خشيت أن يظهر طالب أو زميل سابق ويقول: «كنت معها في أول عام تمارس التدريس. ولم تكن جيدة. وهي بالتأكيد لا تستحق لقب معلم العام في ولايتها.»

أنا متأكدة من أمر واحد: لا بد أن أتحلَّى ببعض الثقة لأنجح في القيام بدوري الجديد — كوني أحد المرشحين النهائيين لنيل لقب معلم العام على المستوى الوطني — وإلا ﻓ «سينتهي أمري» على حد قول تلاميذي. فكرت في الأمر خلال الاستراحة. وسألت نفسي: لماذا اختاروني لهذا التكريم؟ كيف انتقلت من تقدير «أقل من المتوسط» إلى مرشحة نهائية للقب معلم العام على المستوى الوطني؟

وضعت قائمة بإجابات أسئلتي على ظهر إحدى الأوراق التي وُزعت علينا، وكما هو متوقع كان أول ما كتبته كلمة «العلاقات». فأنا على يقين أن أي نتائج إيجابية حققتها في حياتي المهنية تعتمد على العلاقات. إن علاقاتي مع تلاميذي تحفزني كل يوم على النهوض من الفراش صباحًا، والسير في الطريق بين الولايات، والتوجه إلى المدرسة التي أعمل بها. مر عليَّ وقتٌ لم أدرك فيه أهمية إقامة علاقات مع الأطفال الذين أرعاهم. أما الآن فقد مضى هذا الوقت وأصبح من الماضي السحيق.

كانت الكلمة الثانية التي كتبتها هي «السحر». فأحد الأمور التي ساعدتني على أن أكون معلمة جيدة هو الجهد الذي بذلته لأجعل الفصل مكانًا ساحرًا. هدفي هو أن أغرس في التلاميذ الرغبة في التعلم، ويساعدني على تحقيق هذا الهدف بثُّ الدفء والبهجة في الجدران الأربعة للفصل والسبورة ومقاعد التلاميذ. أشعر أن نشر هذا الجو العائلي مهمٌّ جدًّا؛ لذا فإن العثورَ على عناصر «ساحرة» تجذب التلاميذ للفصل أحدُ أهم أهدافي.

ثم عدت بذاكرتي إلى الفصل الذي أدرِّس فيه في بلدتي، وتذكرت عبارة «مهما تطلب الأمر» المكتوبة فوق السبورة في مقدمة الفصل. فتعهُّدي بأداء كل ما يلزم لضمان أن يكون فصلي بيئةً تعليميةً آمنةً وسعيدة؛ أحد الأسباب التي مكنتني من نسيان سنوات تعثري الأولى، وجعلتني أصر على ترك أثر جيد. أدرك أنه ثمة أوقات يكون العمل فيها شاقًّا، ويدوم لساعات طويلة، لكنني ملتزمة بأداء كل ما يجب لإحداث فارق في حياة تلاميذي.

آخر كلمة كتبتها في القائمة هي «الأحلام». لا أشعر بضرورة كتابة تفاصيل بجوار هذه الكلمة. فأنا أعلم تمامًا معناها، حتى إن تلاميذي أطلقوا عليَّ اسم «معلمة الأحلام» منذ نحو خمسة عشر عامًا. أنا أُومِن بأهمية الأحلام، وبأهمية السعي بشغف ومثابرة لتحقيقها. وأخبر تلاميذي بذلك في أول يوم دراسي وعلى مدار العام. وأشجعهم على تحقيق أحلامهم ورغباتهم.

ها أنا ذا أجلس هنا، شاردة الذهن، أحدق في تلك الكلمات التي كتبتها على عجل على قصاصة ورق. وأقول لنفسي: «يبدو أن هناك بعض الأمور التي جعلتني معلمة جيدة، وقد أوشكت على اكتشافها.»

ثم تزداد أفكاري وضوحًا: «أعرف ما يجب عليَّ فعله حيال الأنباء التي تلقيتها للتو.»

«يجب أن أتصل بالسيدة وورنكي.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤