الفصل السادس

اكتشاف الأحلام

«سيظل الحلم حلمًا ما لم تواتك الجرأة لتحاول تحقيقه.»

باربرا وورنكي، ٢٤ مايو ٢٠٠٩

للأسف يدرك المعلمون حتمية حدوث مقاطعات في الحصة. وأنا لا أتحدث عن مقاطعات التلاميذ، بل عن ورود اتصال عبر نظام الاتصال الداخلي، أو قدوم طالب من مكتب المدير يحمل رسالة عاجلة، أو مرور زملاء بالفصل لطرح أسئلة «مهمة» عن عملية اختيار الدروس، كل هذا وأنت تحاول شرح درس مهم. إن مثل هذه المقاطعات شائعة في المدارس، وتعد جزءًا لا يتجزأ من العمل اليومي؛ ما عليك سوى التوقف لدقيقة للتعامل مع الأمر، ثم استكمال العمل.

لكن الأمور العادية قد تكون ذات أثر سلبي في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال بعد المقاطعة التي تعرضت لها في عامي الخامس من التدريس، تغيرت تصرفاتي في أيام الدراسة الأولى لما بقي من حياتي. كنت قد طلبت من التلاميذ قراءة قطعة قصيرة، ووقفت بجوار باب الفصل حالما ينتهون. ثم سمعت نقرًا خفيفًا على الباب، وفتحت لأجد فتاة صغيرة القدِّ في الصف الثامن. ظننتُ أنها تحمل رسالةً من زميلة، لكنها أعلنت بسعادةٍ أنها مراسلة صحيفة الطلاب، وأعربت عن رغبتها في إجراء حوار معي. فوافقت وطلبت منها العودة بعد انتهاء اليوم الدراسي.

بعد انتهاء الحصص، جلسنا معًا على مقعدَين من مقاعد التلاميذ. رفعت الفتاة غطاء قلمها. ثم طرحت عليَّ سؤالها الأول: «لماذا تعملين في التدريس؟»

لم أجد إجابة. فقد قضيت خمس سنوات من حياتي في محاولة لاكتشاف كيف أدرس وليس لماذا. ودون تفكير أشرت بيدي عبر الغرفة وسألتها: «أتعرفين مَن يجلس في هذه المقاعد؟» بدا عليها الارتباك، فأكملت: «إنهم أطفال هذا المجتمع. إنهم أحلام هذا المجتمع التي تتحقق. لقد كان كل طفل من هؤلاء حلم شخص ما، وإنه لشرف عظيم أن أعلِّم هذا الحلم. لهذا السبب أعمل في التدريس.»

بينما كانت الطالبة المراسلة تكتب كلماتي، طأطأتُ رأسي، وقلت لنفسي: «ما أسوأ هذه الإجابة!» فكرت في إجابتي تلك الليلة وعلى مدار الأيام والأسابيع التالية، وشعرت أنها لم تكن بذلك السوء. ربما كنت محقة.

فتح نافذة على المستقبل

مع بداية المدرسة في العام التالي، ألقيت «خطاب الأحلام التحفيزي لأول يوم دراسي» للمرة الأولى في حياتي.

لطالما شعرت أن أول يوم في الدراسة هو أفضل وقت لقول الأشياء المهمة؛ الأشياء التي أريد الطلاب أن يعوها جيدًا. يكون الطلاب غالبًا متوترين قليلًا ذلك اليوم، يحاولون التعرف على طباع المعلمة والزملاء. (واليوم الأول أفضل وقت أيضًا — بخلاف أي يوم آخر — لأنك تجد مع الطلاب أدواتهم المدرسية. فيكون معهم ملفات وأوراق وعشرات الأقلام الرصاص. كم عدد الأقلام التي تكون معهم في اليوم الثاني من الدراسة؟ ولا قلم واحد. أين تذهب الأقلام؟ أعتقد أنها تنطلق كالصواريخ من نوافذ حافلة المدرسة في شوارع الريف وطرقات المدينة، فتهرب الحيوانات الأليفة وحيوانات المزرعة خوفًا على حياتها منها!)

إذن فأول يوم في الدراسة هو اليوم الذي ألقي فيه «خطاب الأحلام التحفيزي لأول يوم دراسي»، في حين تشرح الكثير من المعلمات القواعد والإجراءات المتبعة في فصولهن. ففور أن يجلس الطلاب وأنتهي من مناداة اسم «عائلة» كل طالب من قائمة الأسماء، أصمت لحظةً وأجول بنظري في الفصل. ثم أسألهم: «كم واحدًا منكم فكَّر في الأطفال الذين سينجبهم يومًا ما؟»

بالطبع يباغتهم السؤال، وأرى نظرات الدهشة والحيرة على وجوههم. يمكنني حينئذٍ قراءة أفكارهم: «ظننت أن هذه حصة المهارات اللغوية»، أو «لا شك أنها ستجعلنا نكتب شيئًا». لكن السؤال يستحوذ دائمًا على انتباه الفتيات، ويبدأْنَ في رفع أيديهن للإجابة عنه. فأكمل كلامي بطرح سؤال آخر: «كم واحدًا منكم اختار بالفعل أسماء أطفاله؟» حينئذٍ تتلهَّف الفتيات لإخباري بأسماء أطفالهن، وغالبًا ما يشترك بعض الفتيان في المناقشة، ويعلنون: «سأضيف كلمة «الابن» لاسمي.»

ونظل بضع دقائق نتحدث عن أسماء الأطفال. وقد اكتشفت على مدار السنين أن فتيات المدرسة الإعدادية يخترن مسبقًا أسماء جميع أطفالهن، مع تحديد الاسم الأول والأوسط والأخير، ويكون الاسم الأخير غالبًا على اسم نجم مشهور.

بعد الانتهاء من مناقشة الأسماء، أطرح سؤالي التالي: «هل تعلمون أن آباءكم عندما كانوا في الصف السابع جلسوا في مقاعد مشابهة لمقاعدكم وفكروا فيكم؟ أتعرفون معنى هذا؟» في تلك اللحظة تملؤهم الحيرة، فأخبرهم: «أنتم حلمهم الذي أصبح حقيقة. ولا بد أن تبذلوا جهدكم ليبدو الحلم في أبهى صورة.»

حينئذٍ يخيم الصمت التام على الفصل. فالطلاب يفكرون في كلامي، وعلى الأرجح يريدون معرفة ما أرمي إليه. وغالبًا ما يقطع الصمتَ طالبٌ جالس في آخر الفصل بعبارة: «عجبًا! أكان أبواي في الصف السابع؟!»

ثم أقضي باقي الحصة — أول حصة في العام الدراسي — أتحدث مع طلابي عن الأحلام. وأخبرهم أننا على مدار العام سنناقش طموحاتنا وأحلامنا، وأحلام أبطال القصص التي سنقرؤها معًا، وأحلام دكتور مارتن لوثر كينج الابن المتمثلة في خطابه الشهير «لديَّ حلم». وأسأل طلابي: «لو عاد دكتور مارتن إلى الحياة اليوم، فهل سيعتبر أن حلمه قد تحقق؟» ويتفق الطلاب دائمًا أن شوطًا كبيرًا قد قُطع في سبيل تحقيق حلمه، لكن ما زال هناك الكثير بانتظار التحقيق.

أخبر الطلاب أيضًا أن كل واحد منهم أثناء العام الدراسي سيكتب خطابه الخاص بعنوان «لديَّ حلم». الأمر الذي يجعلهم دائمًا يتحمسون، فأتلقى خطابات تتحدث عن أحلام مختلفة، كمن يتمنى أن يصبح رياضيًّا محترفًا أو مغنيًا للهيب هوب. لكن خطابي المفضل كتبه طالب في الثانية عشرة من عمره يدعى كايل، والذي كتب فيه: «أحلم بأن تخرج كورتني برفقتي. إذ دعوتها للخروج في السابق ورفضت. سأدعوها مرة أخرى … عندما أصبح في مثل طولها.»

أثناء حديثي مع الطلاب عن الأحلام في اليوم الأول، وبعد توضيحي لهم أنهم حلم شخص آخر يتجسد أمام عينيه والمسئولية الملقاة على عاتقهم جراء ذلك، أخبرهم أن للمعلمين أحلامًا أيضًا. وبالطبع يرغب جميع الطلاب في معرفة حلمي، فأقول لهم: «حلمي أن أكون معلمة متميزة. أريد أن أكون المعلمة التي يتذكرها طلابها بعد سنوات، ويقولون: «إنها المعلمة التي علمتنا كذا وكذا. إنها تلك التي اهتمَّت بنا. إنها تلك التي غيرت حياتنا».»

في عام ما رأيت طالبين من طلابي أول يوم في الدراسة يتدافعان في صف الغداء. فتوجهت نحوهما بهدوء وقلت لهما: «أنتما تحطمان حلمي. لا يمكنني أن أكون المعلمة المتميزة التي حدثتكما عنها، وأنتما تتصرَّفان على هذا النحو.» فضرب أحدهما الآخر على كتفه مداعبًا، وقال له: «لا تحطم حلمها!» كان هذان الفتيان أول من أطلق عليَّ لقب «معلمة الأحلام»؛ اللقب الذي لازمني ذلك العام وطوال حياتي المهنية.

كنت ألقي خطابي المعتاد في أحد الأعوام، عندما لاحظت أن روبين — وهي طالبة تصادف أنها كانت تجلس أمامي مباشرة — يبدو عليها عدم الاقتناع. لم أوجه لها أي كلام في ذلك الوقت، بل فضلت الانتظار لجمع مزيد من المعلومات عن طالبتي الجديدة وأسباب إحباطها. وسرعان ما اكتشفت أن والدتها تُوفيت قبل أعوام عندما كانت روبين في المدرسة الابتدائية. كانت الفتاة حزينة حزنًا شديدًا يمنعها من التفكير في الأحلام.

ذلك العام حاولت مساعدتها في إخراج الحزن الكامن داخلها، والتعبير عن نفسها بالكتابة. فكتبت قصائد وقصصًا وخطابات إلى والدتها. وفي نهاية العام كتبت لي قصيدة. حملتها معي لأعوام، والآن أحتفظ بها في حقيبتي لأريها لكل المعلمين. لا أحتاج إلى النظر إليها لأتذكر المقطع الذي يعني لي الكثير:

أحاول أن أعبر عن امتناني
إذ يعني لي الكثير
أنكِ اخترتني أنا
لتمنحيني عطفك.
بعد سنوات من سؤال الطالبة المراسلة لي، أخيرًا عرفت جيدًا لماذا عملت في مجال التدريس.

السيد كافينيس

يمكن لكل شخص منا التفكير في رحلته التعليمية، وتذكر المعلمين الذين تركوا أثرًا في نفسه. وأنا ممتنة لمعلمين كُثُر ساعدوا في تشكيل شخصيتي. لكن المعلم الذي ترك أكبر الأثر في نفسي هو معلم الكيمياء في المدرسة الثانوية. كرهت حصة الكيمياء لأنه كان من الصعب عليَّ فهم المفاهيم الكيميائية. لكن السيد إلتون كافينيس كان عازمًا على جعل طلابه يستمتعون بالمادة، ونجح في ذلك بفضل حس دعابته المتفرد وشخصيته المراعية للآخرين. لم يتحرَّج قطُّ من الخروج عن موضوع الدرس؛ لإلقاء دعابة أو حكمة حياتية إذا لزم الأمر. كان البطل الرئيسي في مسرحيات المدرسة، ومقدم مباريات كرة السلة، ومستشار نادي «مسابقات المعلومات العامة». وقد تعمد الاشتراك في تلك الأنشطة المهمة لدعم طلابه ومدرسته. لم يحاول السيد كافينيس يومًا إجبار الطلاب على احترامه، بل اكتسب احترام طلابه، مما خلق بيئة تعلم إيجابية. فكان الطلاب يفضلون تناول الغداء في الفصل ليجلسوا بصحبته. أذكر أيضًا أنني كنت أضحك أنا وزملائي من كمية غبار الطباشير التي تغطي قميص السيد كافينيس ورابطة عنقه، بعد انهماكه في شرح مصطلح جديد على السبورة. لقد عمل بجد ليجعل التعلم تجربة هادفة ولا تُنسى. فمثلًا شرح لنا التفاعلات الكيميائية بصنع آيس كريم في الفصل. والآن كلما تناولت الآيس كريم المنزلي، تذكرت تجربة السيد كافينيس.

لا شك أن السيد كافينيس لعب دورًا قياديًّا في المدرسة وفي المجتمع؛ لأنه أراد أن يترك أثرًا في حياة الآخرين. وقد شجعنا جميعًا على اختيار طريقنا في الحياة، ونصحنا بعدم النظر إلى الوراء مطلقًا. ويرجع الفضل له في أنني أقف الآن أمام طلابي، أطمح في إلهامهم بالطريقة التي ألهمني بها ومساعدتهم على تحقيق أحلامهم. ويشرفني أن أعتبر السيد كافينيس والدي.

تريشا ميوز، معلمة الصف الرابع بمدرسة بيدج ستريت الابتدائية، ببلدة تروي بولاية كارولينا الشمالية، والحائزة على لقب معلم العام عن منطقة ساندهيلز والمنطقة الجنوبية الوسطى للعامَين ٢٠٠٨–٢٠٠٩

التعلم من الأحلام

في عامٍ آخر وأنا أتحدَّث عن الأحلام رفع طالب يدعى إيدي يده، وسألني: «ماذا تفعلين إن حطم أحدهم حلمك ودمره تمامًا؟»

فعدت بذاكرتي سنوات طويلة، وتذكرت حلمي بأن أصبح مشجعة، ثم أجبته: «أمامك خياران يا إيدي. إما أن تلملم الحطام وتحاول تحقيق نفس الحلم. أو أن تفكر في حلم آخر وتبذل كل طاقتك لتحقيقه.»

أراد إيدي أن يصبح مصارعًا في فريق المصارعة بالمدرسة الإعدادية. ومع أنه لم يكن أضخم طالب في الصف السابع فقد حاول بكل قوته تحقيق حلمه ذلك العام. فظل يتدرب على المصارعة بشكل قوي. وكتب عنها في يومياته، وتحدث عنها بانتظام مع الجميع، حتى بدأ يجيدها يومًا بعد يوم. وبانتهاء الموسم كان الفتى لا يُقهر، وبدأ الطلاب يطلقون عليه اسم «بوبا»، على اسم المصارع الشهير. كم كان ممتعًا حضور مباريات المصارعة وسماع المشجعين يرددون: «بوبا، بوبا، بوبا …»!

وفي النهاية فاز إيدي ببطولة الولاية عن الوزن الذي يمثله في المرحلة الثانوية، ولا شك أنه كان مصارعًا موهوبًا، أما عن إيدي الطالب في الصف السابع، فلم يكن في الغالب جادًّا. تمتع إيدي بشخصية مميزة وعقل متفتح، لكن كثيرًا من المعلمين وصفوه بأنه مهرج الفصل؛ إذ كان قادرًا بدعابةٍ واحدةٍ أن يشتت انتباه الجميع في الفصل. ومع هذا أحببته، وكنت فخورةً بعزمه على تحقيق حلمه الرياضي.

في ذلك العام، كنا في إجازة نصف العام التي ينتظرها المعلمون والطلاب بفارغ الصبر للراحة في منازلهم مدة أسبوعَين، وفي إحدى الليالي راودني حلم — بل كابوس — يتعلق بطلابي. حلمت أننا كنا عائدين من رحلة ميدانية، وطلاب الصف السابع مكدسون في ثلاث حافلات مؤجرة. كنت أركب في أول حافلة وصلت إلى المدرسة. توقفت الحافلة سريعًا بجوار السور، ونزلت أنا والطلاب في صف منظم. ثم انتظرنا وصول الحافلة الثانية. وصلت الحافلة ونزلت المجموعة الثانية من الطلاب سريعًا، ووقفنا جميعًا نراقب الحافلة الثالثة وهي تقترب.

في تلك اللحظة انفجرت الحافلة الثالثة أمام أعيننا. فصرخنا مذعورين، وبدأنا نبكي — معلمين وتلاميذ — حزنًا على أصدقائنا الأعزاء الذين فقدناهم في تلك الحافلة. وهُرع الطلاب نحوي سائلين: «مَن كان على متن تلك الحافلة؟»

بدأت قراءة الأسماء بصوت عالٍ من قائمة كانت بيدي: «كريستال بلالوك»، فشهق الجميع حزنًا.

وعلقت قائلة: «لقد أحببتها.»

ثم قرأت الاسم التالي: «أنطوني بارجر.» فسمعت شهقة أخرى. بالطبع كان الجميع في تلك اللحظة يبكون ويتعانقون. ثم قرأت الاسم التالي: «إيدي بوبا هايوود.» فتحول البكاء إلى عويل.

وصرخنا جميعًا: «هذا غير معقول! نحن نحب إيدي! إنه مصارع موهوب. كم كان فتًى عظيمًا!»

في تلك اللحظة في الحلم شعرت بأحدٍ يشدني من كُمي. فنظرت حولي لأجد إيدي. رأيته واقفًا إلى جواري مبتسمًا، كما اعتاد أن يبتسم وهو جالس في مقعده آخر الفصل.

صرخت قائلة: «إيدي! ماذا تفعل هنا؟ اسمك مكتوب في قائمة طلاب الحافلة الثالثة، وقد رأيناها للتو تنفجر!»

جرجر إيدي قدميه على الأرض بحذائه الخاص بالمصارعة، وأجابني ونفس الابتسامة على وجهه: «هذا صحيح، لكنني ركبت الحافلة الخطأ.»

ساد صمت. وشعور بالمفاجأة. وحدق الطلاب في إيدي غير مصدقين. ثم أجبته: «بالطبع هذا صحيح! فأنت دائمًا في المكان الخطأ، يا إيدي هايوود! ما رأيك في هذا؟»

حينئذٍ استيقظت من نومي. وأدركت أنني كنت أبكي بالفعل عندما وجدت الوسادة مبللة. بكيت حزنًا على طلابي كريستال وأنطوني وبوبا الذين ظننت أنهم رحلوا. كانت الساعة الرابعة صباحًا لكنني أردت الاتصال بطلابي في الحال، لأعبر لهم عن شعوري نحوهم. أردت أن أخبرهم كم يعنون لي قبل أن يقع لهم مكروه. غير أنني كبحت جماح نفسي ولم أتصل بأحد.

بدأت الدراسة بعد ذلك بأسبوع. يكون اليوم الأول بعد الإجازة دائمًا يومًا مهمًّا. إذ يحضر الجميع نشيطًا ومرتاحًا — كما هو الحال في أول يوم دراسي — ويكون اليوم هادئًا بعض الشيء. لذا أستغل هذا اليوم في تذكير الطلاب بالإجراءات المتبعة، وتطبيق خطط جديدة لإدارة الفصل، ومناقشة أهدافنا لما بقي من العام الدراسي. لكنني في ذلك اليوم بالذات تحدثت إلى تلاميذي عن مقدار أهميتهم في حياتي.

بدأت حديثي بتذكيرهم بخطاب الأحلام الذي ألقيته عليهم أول يوم في العام. وضحك بعض الطلاب في هدوء قائلين: «ها قد بدأت ثانية!» ثم أخبرتهم أن الأحلام التي تراودنا ليلًا قد تتداخل أحيانًا مع واقعنا. وقصصت عليهم الحلم الذي رأيته، والطلاب الذين فقدتهم في الحافلة المنفجرة، وأخيرًا إيدي الذي كاد يضيع مني لكنه كان في الحافلة الخطأ. بالتأكيد كانت القصة أهم حدث في ذلك العام. فطلابي لم يستمتعوا بالقصة وبسماع أسمائهم فحسب (إذ ذكرت قائمة بأسماء الكثير من المفقودين عندما سردت القصة)، بل وجدوا أيضًا الجزء المتعلق بإيدي مضحكًا. فالكل يعرف إيدي وشخصيته، ولم يكن من المستغرب أن يخفق ويركب الحافلة الخطأ. وردد الجميع على الفور: «بوبا … بوبا … بوبا …» وهو جالس آخر الفصل مبتسمًا كعادته.

أوضحت للطلاب أن الحلم يحمل معنًى خاصًّا لي. فأنا لا أريد مطلقًا أن يساورني ذلك الشعور الذي شعرت به، عندما استيقظت فزعة من أن يصيب طلابي مكروه، وقلقة ألَّا يكونوا مدركين لأهميتهم عندي. لذا انتهزت الفرصة لأقول لهم ببساطة: «أنا أحبكم يا رفاق!» فضحكوا كما لو كنت أهذي، لكنهم قالوا لي إنهم يحبونني أيضًا. أؤكد لكم أنه بعد حصة كهذه يكون شرح الدروس أسهل كثيرًا في اليوم التالي.

صحيح أن لقب «معلمة الأحلام» وُلد حينئذٍ، إلا أن أحلامي قد وُلدت قبل عقود، عام ١٩٦٣ وأنا في الصف الأول، وهو نفس العام الذي ألقى فيه دكتور مارتن لوثر كينج الابن خطاب أحلامه الشهير أمام العالم. ونظرًا لأنني حظيت بمعلمة معطاءة عبَّرت عن مشاعرها باستمرار لطلابها، أمكنني بعد أعوامٍ أن أتصرَّف من منطلق خبرتي المكتسبة، وأعبِّر عن مشاعري لطلابي بنفس الصدق.

إن استيقاظي من النوم باكية ذلك اليوم أحيا في مخيلتي ذكرى تلك المعلمة الشابة. وشعرت برغبة قوية في إخبارها عن حلمي أن أصبح معلمة تترك أثرًا. أردت أن أخبرها أنها لعبت هذا الدور معي. لكنني فقدت كل صلة بها عام ١٩٦٧ عندما انتقلت خارج الولاية. وبعد مرور أربعين عامًا لم تكن لديَّ أدنى فكرةٍ عن المكان الذي قد تكون فيه. ومع هذا حلمت بأن أعثر عليها يومًا ما وأخبرها بقصتي. ولا شك أن الأحلام يمكن أن تتحقق أحيانًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤