أسرار
جان، سأقول لك سرًّا: هل تعلمين أن أول سيدة جاءت لي بالحلم كانت تشبهك؟ الآن بعد كل هذه الأعوام التي مرت عليَّ وقابلت نساءً كُثرًا، لا إحداهن تذكرني بذاك الحلم، لكن حين رأيتك تذكرت الحُلم. أنت من جاءت، وتحولتُ وقتها من فتًى صغير إلى رجل بعد أن ابتلَّت ملابسي. صرت أقف مهندمًا أمام بوابة مدرسة البنات، أهتم بالموسيقى وأحفظ كل ما قاله الشعراء.
وكبرت عامًا آخر ولا زالت الفتاة الوحيدة للغاية غائبة، الوحيدة حد الهشاشة، تارةً حد الفتنة والسحر في التفرد، وتارةً حد الخوف في الانفراد.
الفتاة النرجسية التي ترددتْ في كل عام في تخيلي وفي طعامي، لا أمارس أي فعل إلا لها رغم أنها غير موجودة. «كل الأعوامِ وأنا وحدي عالق في قلبها، شعرت بنفسي متورِّطًا حتى النخاع بها، متورِّطًا بالانتظار الخفي حتى الرمق الأخير بقلبي!»
لكن أنا يا ميشيل كنت أجلس وحدي في حديقة منزلنا، أجلب أعواد الأشجار، وأضع الورق فِراشًا تحتي، وأظل أتحاور مع نفسي كثيرًا. وفي لحظة صرت أحاور الأشياء، كأني أنتظرك، شيء يشاركني كوخي الصغير.
أمرُّ على كل الأشياء وحدي، لأمشِّط شوارع اللحظات المسروقة من عاطفتي، ولا زلت أتكئ على أمنياتٍ خافِتة. أنا الفتاة التي تعاني من معرفتها الزائدة بكل شيء، ولا زلت أرسم عاطفتي وأشتهي ألوانًا جمَّة. وقتًا كنت أفكر فيك، ألعب البيانو هربًا من صوت العالم في أذني، وأرقص الباليه والجاز والتانجو فرديًّا! حين أنتهي من الرقص أشعر أن أحدًا يصفق لي؛ وقتها لم أرغب بعد هذا التصفيق في معلمة رقص تعشق البيتزا، وصوت محمد فوزي، وترتاد المطاعم الإيطالية، وتحمل بداخل حقيبتها هاتفين ونظارةً سوداء دائمًا! أنا أنتظرك من زمن يا ميشيل، أنت كنت بداخلي قبل أن أراك.
ولا زلت أتدثَّر بشالٍ أحمر ظل مفضلًا لدي وسيبقى لسنوات، وأقف متدثرةً به في شرفتي أرقب قطًّا صغيرًا صادقته، يحكي لي صوتُه عن ذاكرة الحب بداخلي كل صباح. ولا زلت أملك العينين اللوزيتين اللتين يزداد اخضرارهما حين أنتظرك، ولا زالتا حائرتين مثلي، ولا زلت أملكُ وجهي الطفولي، وأنا ووجهي لم نعد نتشابه إلَّا قليلًا. أنت ووجهي، شيئان مُختلفان من انتظارك. ربما لي وجهٌ واحدٌ، وبعدد المنتظرين مثلي. واجتازت الأعوام داخلي كنسيم عابر مُثقَل بالحَكْي والصَّمت والحب، والآخرين.
أمسك ميشيل بيد جان، ورفعها إلى السماء، وبصوت واحد: نحن انتظرنا بعضنا البعض، حَلمنا في بعضنا البعض، نحن الآن معًا، الحب هو الثبات الأبدي في رحلة طويلة.