قريب جدًّا منك يا أبي
الليلة التي سبقت موعد التنفيذ الذي حُدِّد لنضال دخول مقر الشيطان، قام الشيطان بتحريك الجيوش التي تُرابط بالقرب من السياج في المكان الذي تسلل منه نضال. اجتاز نضال السياج الإلكتروني، وقد تم وسبق تجريبه في إعطاء إشارات تحذير لم تؤدِّ إلى استنفار الشيطان، ويبدو أنه كثيرًا ما أعطى إشارات تحذير ولم تؤخذ على محمل الجد.
بعد الاجتياز والوصول إلى الداخل (خلف السياج) بدأ بإطلاق النار بكثافة عالية وإلقاء القنابل اليدوية، وصار يلقي أوراقًا من الكتب السماوية في فضاء الرأس.
تمركز وأطلق النار من موقع محصن. بعد اقتحامه لأحد ممرات الرأس والتحصن بداخله قام باقتناص العديد من الجنود.
سادت حالة من الإرباك والهلع في صفوف الشيطان، واستُدعيت قوات كبيرة، ومعهم وحدات خاصة إلى المكان. كان أي جندي من جنود الشيطان يشم رائحة زيت المرمر يتلاشى.
حاول الشيطان اقتحام منطقة الفكر الذي تمترس فيه، جاءت شياطين طائرة قامت بعمليات إنزال. استمرت المعركة البطولية لعدة ساعات؛ حيث أصيب في هذه المعركة الكثير من الشياطين التي توسوس في رأسه بجروح بالغة جدًّا.
هذه المعركة تعد أجرأ عملية هجوم، مؤكدين أن نجاح المهاجم في اقتحام واحدة من أشد التحصينات بالنسبة للشيطان هي أمر غير مستوعب. وقال بأن القيمة الحقيقية للعملية لا تكمن في حجم الخسائر في صفوفهم، وإنما في القيمة المعنوية أن المقاتل هو رجل جديد علينا، أوصافه غريبة، رائحته غريبة، كأنه جاء من كوكب ثانٍ.
قبل أن يعلن نضال انتصارًا على الشيطان الذي داخله، جاء حارس المقبرة، ووضع بندقيةً في فمه. قال له: معي أمر أن أقتلك. حفرتك تنتظرك في المقبرة. سأله نضال: لماذا تضع البندقية في فمي؟ رد عليه: الفم هو أول السلام، وأول الموت، وأول الصراخ.
حاول أن يقاوم لكن طعم المعدِن في فمه كان مزعجًا، فأطلق الحارس رصاصةً في فمه.
نضال، الآن أنت تنام بثلاجة الموتى؛ جلدك بارد جدًّا، رصاصة واحدة فقط هي التي أخذتك عنا، توجد فتحة كبيرة خلف رأسك، كأنك أُجبرت على الموت، وتوجد بقعة حمراء صغيرة في صدرك. أعلم أنك تسمعنا جيدًا، ونحن نقبلك، ونلقي عليك التحية. الجميع في غزة أحبك في حياتك وأحبك في موتك؛ لأنك كنت البطل المثالي الذي عاش في غزة ومات لأجلها.
نحن نحبك حدَّ الإيمان، إيمانًا بانتمائي المهاجر إليك. نحبك ومتورطون بك من ضفائرنا إلى أخمصِ أقدامنا!
أنت الآن ستبعد كل البُعد عن الشك بك. نحبك حدَّ الخوف، نحبك حدَّ الثرثرة التي لا تجدد الصمت الذي لا يرحم.
وبين تفاوت الثرثرة والصمت، نحبك بهدوء. في أول يناير سنتذكرك طويلًا ونشعل لك شموعًا عند تمثال الجندي المجهول، لعلَّ المسافة تسقط!
شكرًا على البهجة الخالدة، وشكرًا على الحزن الجميل الذي عايشناه معك في الأحداث. وعلمتنا كيف كل عام نمشي في طريق الهُوية والثبات، ولا نتخلى عن أرضنا.
عُمِّد نضال مرةً أخرى كأنه يولد من جديد، ولُف بقماش أحمر ناعم، وحُمل على الأكتاف، وداروا به في شوارع غزة. الجميع حمل قبلاته وتحياته على جسده. دُقَّت أجراس الكنيسة، وفُتحت مآذن الجوامع، ونشرت الصحف الصور، والشوارع لم تهدأ، وأُشعلت إطارات السيارات، وكُتب اسمه على كل جدران الشوارع.