الْبَحْرُ وَالْقَمَرُ
تَساءلَ الماءُ فيكِ والشَّجرُ
من أين يا «كانُ» هذه الصُّوَرُ؟
البحرُ والحور فيه سابحةٌ
رُؤًى بها بات يَحْلُمُ القمرُ!
أطلَّ والضوءُ راقصٌ غَزِلٌ
دعاهُ قلبٌ، وشاقه بَصَرُ
يهمسُ فيما يراه من فِتَنٍ
آلهةٌ هؤلاءِ أم بشرُ؟
يقفز من لجةٍ إلى حجَرٍ
كأنما مَسَّ روحه الضَّجَرُ
معربدًا لا يريم سابحةً
إلَّا ومنهُ بثغرها أثرُ
من كلِّ حوَّاءَ مثلما خُلقَتْ
يعجبُ منها الخرير والوبرُ
ألْقَتْهُ عنها رقائقًا ونَضَتْ
جسمًا تَحَامَى نداءَهُ القدرُ
في حانةٍ ما عَلَتْ بها عَمَدٌ
ولا استوى في بنائها حَجَرُ
جُدرانها الماءُ، والسماءُ لها
سقيفةٌ، والنسائمُ السُّتُرُ
خمَّارُها مُنْشِدٌ، وسامرُها
حورٌ تلوَّى، وفتيةٌ سكروا
لم تَبْقَ في الشطِّ منهم قَدَمٌ
قد خوَّضوا في العباب وانتثروا
وشَيَّعوا العقل حينما شربوا
وَوَدَّعوا القلب حيثما نظروا
والسابحاتُ الحسان حولهمُ
كأنهنَّ النجومُ والزَّهَرُ
يزيد سيقانَهنَّ من بَهَجٍ
لونٌ عجيبُ الرُّواءِ مبتكرُ
يضيءُ وردًا وخمرةً وسَنًا
ذوبٌ من المغريات مُعْتَصَرُ
تغاير الموجُ إذا طلعن به
وثار من حولهنَّ يشتجرُ
بهنَّ يلتفُّ مُرْتَقًى وَيُرَى
ينشقُّ عنهنَّ فيه مُنْحدَرُ
منفتلات قدودُهُنَّ كما
ينفتل الغصنُ آده الثمرُ
مُلوِّحات بأذْرُعٍ عَجَبٍ
تحذرهنَّ النهودُ والشَّعْرُ
والضوءُ فوق الخصُور منهمرٌ
والماءُ تحت الصدور مستعرُ
ما زِلْنَ والبحر في تَوَثُّبهِ
يُرْغِي كما راعْ قَلْبَهُ خطرُ
•••
قد جاوز الليلُ نِصْفَهُ فمتى
تؤمُّ فيه أصدافَها الدُّرَرُ
فليصخبِ البحرُ ولتئنَّ بهِ
رمالُه، وليثرثرِ الشجَرُ
ولتعصفِ الريحُ فوق مائجِهِ
ولينبجسْ من غمامه المطَرُ
أقسمنَ لا ينتحين شاطئَهُ
وإنْ تَرامَى بمائه الشررُ
حتى يُرَى وهو فضَّةٌ ذَهَبٌ
تمازجُ الليلُ فيه والسَّحَرُ!