أندلسِيَّة
حسنُكِ النشوانُ والكأسُ الرويَّةْ
جدَّدا عهدَ شبابي فسكرْتُ
حُلْمُ أيامٍ وليلاتٍ وضيَّة
عَبرَتْ بي في حياتي وعبرتُ
أنا سكرانُ وفي الكأس بقيَّة
أيُّ خمر مِنْ جَنَى الخلد عصرتُ
آه، هاتي قرِّبي الكأس إليَّهْ
واسقنيها أنت يا أندلسِيَّهْ
•••
لا تقولي أيُّ صوتٍ مُلْهِمِ
قَادَ روحينا، فجئنا، والتقيْنا
دَمُكِ المشبوبُ فيه من دمي
روحُ ماضٍ بالهوى يهفو إلينا
أخْتَ روحي! قرِّبيها من فمي
إنْ شَربنا أو طربنا ما علينا
آه هاتيها من الحسن جَنِيَّةْ
واسقنيها أنت يا أندلسِيَّةْ
•••
كانت النظرةُ أولى نظرتينْ
ثم صارت لفظةً ما بيننا
والهوى يَعْجب من مغتربَيْنْ
لم يَقُلْ: أنتِ … ولا قالت … أنا
وَسَبَحْنا فوق وادٍ من لُجَيْنْ
تَحت أفقٍ من غمامٍ وسَنَا
أتملَّأها سِماتٍ عربيَّةْ
وأنادِي أنتِ يا أندلسِيَّةْ
•••
صحتُ يا للشَّمس في ظلِّ المغيبِ
تثلم الزَّهْرَ وأوراقَ الشجرْ
خِلْتُها بين محبٍّ وحبيبِ
قُبْلَةً عند ودَاعٍ وسَفرْ
فانثنتْ تنظر للوادي العجيبِ
صُوَرًا يَذْهَبْنَ في إثْرِ صورْ
وبسمعي همسةٌ منها شَجِيَّةْ
وبروحي أنتِ يا أندلسِيَّةْ
•••
ونزلنا عِند شطٍّ من نُضارِ
وانتحينا خلوةً بعد زحامِ
قلتُ والليلُ بأعقابِ النهارِ:
ألكِ الليلةَ في لحنٍ وجامِ؟
ما على مغتربيْ أهْل ودارِ
إن أدارا ها هنا كأْس مُدامِ
آه هاتيها كخدَّيكِ نقيَّهْ
واسقنيها أنت يا أندلسِيَّهْ
•••
واحتوتنا بَيْن لَحنٍ مطربِ
حانةٌ مِثْلُ أساطيرِ الزَّمانِ
صُوِّرتْ جدرانُها بِالذَّهبِ
فتَنَ العشق وأهواءَ الحسانِ
قالت: اشربْ قُلْتُ: لبَّيكِ اشربي
مِلءَ كأْسين فإنَّا ظامئانِ
خمرةً روميةً أو بابليَّهْ
اسقنيها أنتِ يا أندلسيَّهْ
•••
هتفتْ بي ويداها في يدي
تدفع الكأْسَ بإغراءٍ وعُجْبِ
أيُّ قيثارٍ شجيٍّ غَرِدِ
خِلْتُهُ ينطق عن أسرار قلبي!
قلتُ: طِفْلٌ من قديم الأبدِ
يمزجُ الألحانَ مِن خمر وحُبِّ
ملء كأَس في يديهِ ذهبيَّهْ
فاسقنيها أنتِ يا أندلسِيَّهْ
•••
ومضى الليلُ ونادى بالرواحِ
كلُّ خالٍ وتعايا كلُّ صَبٍّ
وخبا المصباحُ إلَّا كأْسَ راحِ
نورُهُ ما بين إيماضٍ ووثبِ
قد تحدَّى وهْجُهُ ضوءَ الصباحِ
فبقينا حوله جنبًا لجنبِ
نتساقاها علَى الفجر نديَّهْ
وأغنِّي أنت يا أندلسِيَّهْ
•••
يا عروسَ الغرب يا أندلسيَّةْ
بَعُدَتْ داركِ والصف دَنَا
أين أحلامُ الليالي القمريَّةْ
والبحيراتُ مُطيفاتٌ بِنَا
اذكري بين الكئوس الذَّهبيَّةْ
حانةً، يا ليتها دامت لنا
حين أدعوكِ صباحًا وعشيَّهْ
اسقنيها أنتِ يا أندلسيَّهْ