قَلْبِي
كالنجمِ في خفقٍ وفي ومضِ
متفردًا بعوالم السُّدُمِ
حيرانَ، يتعُ حيرةَ الأرضِ
ومصارعَ الأيامِ والأُمَمِ
•••
مستوحشًا في الأفق منفردًا
وكأنَّه في سامرِ الشُّهُبِ
هذا الزحامُ حيالَهُ احتشدا
هوَ عنه ناءٍ جِدُّ مغتربِ
•••
مترنِّحًا كالعاشقِ الثَّمِلِ
ريَّان من بهج ومن حزن
نشوانَ من ألمٍ ومن أملِ
مستهزئًا بالكونِ والزَّمَنِ
•••
تلك السماءُ على جوانبه
بحرُ الحياة الفائرُ الزَّبدِ
كم راحَ يلتمسُ القرارَ به
هيمانَ بين شواطئ الأبدِ
•••
تهفو على الأمواج صورته
وشعاعُه اللَّمَّاحُ في الغوْرِ
نفذَتْ إلى الأعماقِ نظرتُهُ
فإذا الحياةُ جليَّةُ السِّرِّ
•••
ويمرُّ بالأحداثِ مبتسِمًا
كالشمسِ حينَّ يلفُّها الغيْمُ
زادَتْهُ عِلمًا بالذي عَلِمَا
دنيا تناهى عندها الوهمُ
•••
بَلَغَ الروائعَ من حقائقها
فإذا السعادةُ توأم الجهلِ
هتف المحدِّقُ في مشارقها
ذهبَ النهارُ فريسةَ الليل
•••
يا قلبُ: مثلُ النَّجمِ في قلقِ
والناسُ حولك لا يُحسُّونا
لولا اختلافُ النورِ والغَسَقِ
مرُّوا بأفقكَ لا يُطلونا
•••
فاصفحْ إذا غمطوك إدراكا
واذكر قصورَ الآدميينا
أتريدهم، يا قلبُ، أملاكا
كلَّا … وما هم بالنبيينا
•••
هم عالَمٌ في غيِّه يمضي
مستغرقًا في الحمأةِ الدنيا
نزلوا قرارةَ هذه الأرضِ
وحللتَ أنتَ القمةَ العليا
•••
عُبَّاد أوهامٍ وما عبدوا
إلَّا حقيرَ مُنًى وغاياتِ
وَمُنَاكَ ليس يحدُّها الأبَدُ
دنيا وراء اللا نهاياتِ
•••
ولكَ الحياةُ دُنًى وأكوانُ
عزَّتْ معارجُها على الراقي
تحيا بها وتبيدُ أزمانُ
وشبابُها المتجدِّدُ الباقي
•••
يا قلبُ: كم من رائعِ الحلَكِ
ألقاكَ في بحرٍ من الرُّعب
كم عُذْتَ منه بقبَّةِ الفَلكِ
وصرختَ وحدكَ فيه، يا قلبي!
•••
ومضيتَ تضربُ في غياهِبِه
وتردُّ عنكَ المائجَ الصَّخِبا
تترقبُ البرقَ المطيفَ به
وتسائلُ الأنواءَ والسُّحبَا
•••
وخفقتَ تحت دُجاهُ من وَجَلِ
كالطير تحت الخنجر الصلْتِ
وعرفتَ بين اليأسِ والأملِ
صحوَ الحياةِ، وسكرةَ الموتِ
•••
يا قلبُ: عندكَ أيُّ أسرارِ
ما زِلنَ في نشرٍ وفي طيِّ
يا ثورةَ مشبوبةَ النَّارِ
أقلقت جسم الكائنِ الحيِّ
•••
حَمَّلْتَه العبءَ الذي فَرَقَتْ
منهُ الجبالُ وأشفقتْ رَهَبا
وأثرتَ منه الرُّوحَ فانطلقتْ
تحسو الحميمَ وتأكلُ اللهبا
•••
وملأت سِفْرَ المجد من عَجَبِ
وخلقتَ أبطالًا من العَدَم
وعلى حدِيثِك في فمِ الحِقَبِ
سِمَةُ الخلودِ ونفحةُ القِدَمِ
•••
كم من عجائبَ فيكَ للبشرِ
أخذَتْهُم منها الفجاءاتُ
متنبئًا بالغيبِ والقدَر
وعجيبةٌ تلك النبوءاتُ
•••
وعجبتُ منك ومن إبائكَ في
أسرِ الجمالِ وربقةِ الحبِّ
وَتَلفُّتِ المتكبرِ الصَّلِفِ
عن ذِلَّةِ المقهور في الحربِ
•••
يا حُرُّ، كيف قَبِلْتَ شِرعتَه
وقنِعتَ منه بزادِ مأسورِ
آثرتَ في الأغلال طلعتَه
وأبيتَ منه فكاكَ مهجورِ
•••
فإذا جفاكَ الهاجرُ الناسي
وقَسَا عليكَ المشفقُ الحدِبُ
فاضت بدمعك فورةُ الكاسِ
وهَفَتْ بكَفِّكَ وهي تضطربُ
•••
وفزِعتَ للأحلام والذِّكَرِ
تبكي وتنشدُ رجعةَ الأمسِ
وودِدْتَ لو حُكِّمْتَ في القَدَرِ
لتعيدَ سيرتَها من الرَّمْسِ
•••
ووَهِمْتَ نارًا ذات إيماضِ
فبسطتَ كفَّك نحوها فزَعَا
مَرَّتْ بعينكَ لمحةُ الماضي
فوثبتَ تُمْسِكُ بارقًا لمعَا
•••
وصحوتَ من وَهْمٍ ومن خَبَلِ
فإذا جراحُك كُلهنَّ دَمُ
لَجَّتْ عليك مرارةُ الفشلِ
ومشى يَحزُّ وتينَك الألمُ
•••
والأرضُ ضاق فضاؤها الرحبُ
وخَلَتْ فلا أهلٌ ولا سَكَنُ
حالَ الهوى وتَفَرَّقَ الصحْبُ
وبقيتَ وحدكَ أنتَ والزَّمنُ!
•••
وصرَختَ حين أجنَّك الليلُ
متَمَرِّدًا تجتاحُك النَّارُ
وبدا صراعُكَ أنت والعقلُ
ولأنتما بحرٌ وإعصارُ
•••
ما بين سلْمِلكما وحربكما
كونٌ يَبِينُ، ويختفي كونُ
وبنيتما الدُّنيا، وحسبكما
دنيا يقيمُ بناءَها الفنُّ