شهِيد ميْسلُون
هبَّ الكميُّ على النفير الصَّادح
مهلًا! فديتُكَ، ما الصباحُ بواضحِ
أيُّ الملاحم بين أبطال الوغى
فَجِأَتْكَ بالشوق الملحِّ البارحِ
فقضيتَ ليلَك لا هدوءَ ولا كرًى
ووثبتَ في غَسَقِ الظلام الجانحِ
والشرقُ من خلف الجبالِ غمامةٌ
حَمْراءُ تُرْعَشُ في وميضٍ لامحِ
سَلَّتْ حرابَ البرق فوق سمائِهِ
هوجاءُ تُنذر بالقضاءِ الجائحِ
هي صيحةُ الوطن الجريح وأمةٌ
هانتْ على سيفِ المغير الطامحِ
قَرَنَتْ بحظكَ حظَّها فتماسكتْ
تَرْعَى خُطاكَ على رُبًى وأباطِحِ
في مَوْكب الفادين مجدُ «أُمَيَّةٍ»
بجوانحٍ مشبوبةٍ وَجَوارحِ
لو قِسْتَهم بعدوِّهم وسلاحهِ
أيقنتَ أنهمُ فريسةُ جارحِ
الخائضونَ الفَجرَ بحر مصارعٍ
السابحون على السَّعير اللافحِ
الناهضون على السيوف وتَحتها
شتَّى جَماجم في التراب طرائحِ
الرابضون على الحصونِ خرائبًا
مُهَجًا تَضرَّم في حُطام صفائحِ
صرعى ولو فَتَّشْتَ عن أجسادهم
ألْفَيْتَ، ما ألفيتَ غير جرائحِ
يا «مَيْسَلون»َ شَهِدْتِ أيَّ روايةٍ
دمويةٍ، ورأيتِ أيَّ مذابحِ
ووقفتِ مُثْخَنَةَ الجراح بحومةٍ
ماجتْ بباغٍ في دمائكِ سابحِ
تتأملين «دمشقَ» يا لهوانها!
ذاتُ الجلالة تحت سيف الفاتحِ!
جرَّتْ حَديد قيودها وتقدَّمتْ
شمَّاءَ من جلَّادها المتصايحِ
نَسيَتْ أليم عذابها وتذكَّرتْ
في «ميسلون» دَمَ الشهيد النازحِ
من هبَّ في غسق الظلام يحوطها
بذراع مقتتلٍ وصدرِ مُكَافحِ
وتَسَمَّعَتْ صوتًا فكان هتافُهُ
يا للحبيب من المحبِّ البائح!
أُمَّاهُ! خانتني المقادر فاغفري
قَدَري، وإن قلَّ الفداءُ فسامحي!
•••
«فيحاءُ» إن نَصَّتْ حواليكِ القرى
أعلامَها، وازَّيَّنَتْ بِمصابحِ
وتواكب الفُرسان فيك وأقبلوا
بالغَار بين عَصَائبٍ ووشائحِ
وشدا الرعاةُ الملهمون وأغرقوا
أبهاءَ ليلكِ في خِضَمِّ مفارحِ
أقبلتُ بين صفوفهم مُتَقَرِّبًا
بأزاهري، مترنمًا بمدائحِي
حيث الشهيدُ رنا لمطلع فجرِهِ
ورأى الغمائِمَ في الفضاءِ الفاسحِ
وتَلفَّتتْ لكِ روحُهُ فتمثَّلتْ
وَجْهَ البطولة في أرقِّ ملامحِ
حيث الرُّبى في «ميلسون» كأَنما
تهفو إليه بزهرها المُتفاوحِ
وكأنما غَسَلَتْهُ «بغداديةٌ»
بدموع مَلْكٍ في ثَراكِ مراوحِ
أسعى إليه بكلِّ ما جمعتْ يدي
وبكل ما ضُمَّتْ عليه جوانحي
وهو الجدير بأن أُحَيِّيَ باسمهِ
في الشرق كلَّ مناضل ومنافحِ
من كلِّ حُرٍّ، نافضٍ مما اقتني
يدَه، ووهَّابِ الحشاشةِ مانحِ
أو كُلِّ فادٍ بالحياة عشيرَهُ
لا القول في خُدَع الخيال السانحِ
•••
قُلْ للدعاة المحسنينَ ظنونَهم
بالغرب: ماذا في السَّراب لماتحِ؟
لا تُغرينَّكم وعودُ محالفٍ
يطأ الممالك بادِّعاءِ مصالحِ
تمضي السنون وأنتم من وَعدِهِ
تَتَقلبون على ظهور أراجحِ
والله لو حسر القناعَ لراعكم
قَبْرٌ أُعِدَّ لكم وخِنْجَرُ ذابحِ
من كلِّ مصَّاص الدماءِ مُنَوِّمٌ
يُدْعَى بمنقذِ أمةٍ وَمُصالحِ!
•••
يا «يوسف» العظمات غرسُكَ لم يَضِعْ
وجَنَاهُ أخلدُ من نتاج قرائحِ
قُمْ لحظةً وانْظُر «دمشق» وقُلْ لها:
عاد الكمِيُّ مع النفير الصَّادحِ
ودعاكِ يا بنتَ العروبةِ فانهضي
واستقبلي الفجرَ الجديدَ وصافحي!