على الصخرة البيضاء
على الصخرةِ البيضاءِ ظللني الدُّجى
أسِرُّ إلى الوادي نجيَّةَ شاعرِ
سمعتُ هديرَ البحر حولي فهاجَ بي
خوالجَ قلبٍ مزبد اللجِّ هادرِ
وقفتُ أشيعُ الفكرَ فيها، كأنما
إلى الشاطئِ المجهولِ يسبحُ خاطري
وقد نشرَ الغربُ الحزينُ ظلالَهُ
على ثَبَجِ الأمواجِ، شُعْثَ الغدائرِ
ومن خَلْفها تبدو النخيلُ كأنها
خيالاتُ جِنٍّ أو ظلالُ مساحرِ
ألا ما لهذا البحر غضبانَ مثلما
تَنَفَّسُ فيه الريحُ عن صدرِ ثائرِ
لقد غمر الأكواخَ فوق صخوره
ولجَّ بها في موجهِ المتزائرِ
وأنحى على قطَّانها غيرَ مُشْفقٍ
بهم أو مجيلٍ فيهمُ عينَ باصرِ
وما لي كأنِّي أبصرُ الليلَ فوقه
يرفُّ كطيفٍ في السماواتِ حائرِ
ألا أينَ صيادوهُ فوق ضفافِه
يهيمون في خُلجانه والجزائرِ
«وبحَّارةُ» الوادي تلفَّعُ بالدُّجى
وَتُنْشِدُ ألحانَ الربيع المباكرِ
لقد غرقوا في إثر أكواخهم، به
وما لمسوا من حكمِهِ عفوَ قادرِ
وسجَّاهُمُ باليمِّ زاخرُ موجهِ
وأنزلَهم منه فسيحَ المقابرِ
•••
أصِخْ أيها الوادِي أما منك صرخةٌ
يُدوِّي صداها في عميق السرائرِ؟!
أتعلمُ سِرَّ الليل؟ أم أنت جاهلٌ؟
بَلَى إنَّه، يا بحرُ، ليلُ المقادرِ!!