حَوَّاءُ
أأبغض حواءَ وهي التي
عرفتُ الحنانَ لها والرِّضَا؟
وباعَ بها آدمٌ خُلْدَهُ
ولو لم يَكُنْ لتمنَّى القضا؟
وَرِثْتُ هواها، فَرُمْتُ الحياةَ
وحبَّب لي العالم المُبْغَضَا
أراها على الأرض طيفَ النعيم
وحُلْمَ الفراديس فيما مَضَى!
وكانتْ حياتيَ مَحْضَ اتِّباعٍ
فصارتْ طرائفَ من فَنِّهَا
وكان شبابيَ صَمْتَ القِفَارِ
وَرَجْعَ الهواتِفِ من جِنِّهَا
فعادتْ ليالي الصِّبا والهوى
أرقَّ المقاطِعِ في لحنِهَا
وأفرغتُ بؤسيَ في حضْنِهَا
وأترعتُ كأسِيَ من دَنِّهَا
وكم ذكرياتٍ لها عَذْبَةٍ
أعيشُ عليها وأحْيَا بِهَا
لها في دَمِي خَلَجَاتُ الحياةِ
كأنِّي خُلِقْتُ بأعصابِهَا
مُسامرتي حين يَمْضِي الشبابُ
وتهتفُ رُوحِي بأحبابِهَا
وتخلو بِيَ الدارُ عِنْدَ الغُروبِ
وأجلسُ وحدِي على بابِهَا!
بَدَتْ شِبْهَ عابِسَةٍ فانثنيتُ
وقد زايلَ الشمسَ لَأْلَاؤُهَا
وَخِلْتُ الحياةَ وضوضاءَهَا
تموتُ على الأرضِ أصدَاؤُهَا
وكفَّ عن الْهَمْسِ حتى النسيمُ
وأمسكَ عن لَعِبٍ مَاؤُهَا
وناديتُ، فالتفتَتْ لا تُجيبُ
ولكنْ دعانِيَ إغراؤُهَا
وَمَرَّتْ إزائي فتابعتُها
بقلبي، وعيني إلى أُمِّهَا
رأيتُ مفاتِنَهَا غيرَ تِلْكَ
وإن لم يُخَلَّدْنَ في جسمِهَا
وأبصرتُ من حولِهَا الكائناتِ
جَوَانِحَ تَهْفُو إلى ضَمِّهَا
وَيَحْنُو الصباحُ على ثَغْرِهَا
وقد جُنَّ شَوْقًا إلى لَثْمِهَا
يُسَائلُنِي القلبُ عن أمرِهَا
وأسأَلُهُ أنا عن سِرِّهَا
وَيَعْطِفُنِي في الهوى ضعفُها
وَأَنْسَى بأنِّي في أسرِهَا
وتُبْدِي لِيَ الأنجُمُ الوامِقَاتُ
رفيفَ الأمانِي على ثغرِهَا
فَأَحْسَبُ أن اهتزازَ الحَيَاةِ
صَدَى حُبِّهَا ورُؤَى سحرِهَا
لِكِذْبَتِهَا تُسْتَحَبُّ الحياةُ
وَيَصْفُو الزمانُ بتغريرِهَا
ويأخذني الشكُّ في قولِهَا
فَتُقْنِعَنِي بأساريرِهَا
وتعصفُ بي شهوةٌ للجدالِ
فتُسكِتُنِي بمعاذِيرِهَا
غفرتُ لها كلَّ أخطائِهَا
سوى دَمْعَتَيْنِ لتبريرِهَا!
أحاولُ أفهمها مَرَّةً
فأعيا بها وبتفكيرِهَا
أمخلوقةٌ هيَ؟ أم ربَّةٌ
تَسيرُ الخلائقُ في نيرِهَا؟
وما سِحْرُها؟ ألتكوينها؟
وما حُسْنُهَا؟ ألتصويرِهَا؟!
تقولُ الطبيعةُ: بِنتِي! وما
أُحِسُّ لها بعضَ تأثيرِهَا!
•••
أعند الطبيعةِ هذا الدلالُ؟
وفي دِفْئِهَا مثلُ هذا الحنانْ؟
إذا قِيلَ لي: هاكَ مُلْكَ الثَّرَى
ودنيا الشَّبَابِ، وعُمْرَ الزَّمَانْ
فما لذَّتِي بالذي نِلْتُهُ،
وما نَشْوَتِي برحيق الجِنانْ،
كرعشةِ رُوحِي وهِزَّاتِهَا
وصدري على صدرِهَا واليدانْ!
•••
وغَنَّتْ فأسمعني صوتُهَا
صَدَى الرُّوحِ في خَلَجَاتِ البَدَنْ
عميقًا كأنْفَذِ ما في الحياة
وأبعدِ ما في قرارِ الزَّمَنْ
فَأَحْسَسْتُ كيف تطيشُ العقولْ
وتسهُو القلوبُ وتصحُو الفِتَنْ
وقال لها الحسنُ: يا رَبَّتِي!
فقالَتْ لَهُ: «كلُّ شيءٍ حَسَنْ»!!
•••
رآها على النبعِ بعضُ الرُّعَاةِ
مصوَّرَةً في إطارِ الغُصُونْ
فقالوا: أحُلْمٌ تراهُ العيونْ؟
أفي الغابِ حوريَّةٌ؟ من تَكُونْ؟
ومسَّ مزاهرهُمْ حُبُّهَا
فرفَّتْ بها خالداتُ اللحونْ
وباتتْ تعانِقُ أحلامَهُمْ
وقد كاد يرقصُ حتى السكونْ
•••
ولاحت بمرأًى لعينيْ فتًى
طوى البحرَ ليْسَ لَهُ من قرارْ
تَفَتَّحُ عن صدرِهَا موجتانِ
وينشقُّ في الفجر عنها المحَارْ
رآها فَجُنَّ غرامًا بِهَا
وغنَّى بها الليلَ بعد النهارْ
وقالوا: تعشَّقَ جِنِّيَّةً
فتًى شاعرٌ تائِهٌ في البحارْ!
•••
قَضَى اللهُ أن تُغْوِيَ الخالدينَ
وتُغريَ بالمجدِ عُشَّاقَهَا
لَقِيتُ على بابِهَا الفاتحينَ
وَغَارَ الفتوحِ وأبواقَهَا
وكلَّ مُدِلٍّ عَصِيِّ القيادِ
دَعَتْهُ الصبابةُ فاشتاقَهَا
سَلَا مَجْدَهُ الضَّخْمَ في قُبْلَةٍ
تُذِلُّ وتُسْعِدُ مَنْ ذَاقَهَا!
أمانيُّ شَتَّى تمثَّلْنَ لِي
بكلِّ وَضِيءِ الصِّبا ناعِمِ
مُبَعْثَرَةً، حولها في الترابِ،
بقايا الدُّمَى في يدِ الحاطِمِ
تَمُرُّ بها وهيَ في ضِحْكِهَا
وما ذَرَفَتْ دمعةَ النَّادِمِ
فيا لَكِ مِنْ طِفْلَةٍ فَذَّةٍ
وَرُحْمَاكِ سَيِّدَةَ العالَمِ!
بليتيس
(مخاطبة سافو)
:
يحاولُ بالشعر إغراءَنَا
سافو
:
لنؤمِنَ واحدة واحدَةْ!
بليتيس
:
هو الموقفُ الضَّنْكُ ما يَتَّقِيهِ
تاييس
:
كما يَتَّقِي باشقٌ صائِدَهْ
سافو
:
متى كان صَبًّا عطوفَ الفؤاد
وهذي قصائدُهُ الجاحدِةَ؟
ألَا ذَكِّرِيهِ بمثَّالِهِ
ونادِي بحيَّتِهِ الخالِدَةْ