الطَّرِيدُ
شقيٌّ أجنَّتهُ الدياجي السوادفُ
سليبَ رقادٍ أرَّقته المخاوفُ
ترامى به ليلٌ كأنَّ سواده
به الأرض غرقى، والنجوم كواسفُ
إلى أين تمضي، أيها التائهُ الخُطى،
يساريك برقٌ أو يباريك عاصفُ؟
رأيتك في بحر الظلام كأنَّما
إلى الشاطئِ المجهول يدعوك هاتفُ
تخوض الدُّجى سهمانَ والنجم حائر
يسائل: من ذاك الشقيُّ المجازفُ؟!
طريدًا يفرُّ الوحشُ من وقع خطوِه
ويعزبُ عنه الصِّلُّ، والصِّلُّ واجفُ
كأن إله الشرِّ يقتحم الورى
أوَانَ الردى في برده الرثِّ زاحفُ
فوا عجبًا!! لم تحملِ الأرض مثلَه
ولا طاف منه بالدُّجُنَّةِ طائفُ
يخاف الثرى مسراهُ وهو يخافه
وبينهما يسري الدُّجى وهو خائفُ
تُرى أيُّ سرٍّ في الظلام محجَّب؟
أليس له من نبأة القلب كاشفُ؟
أجبْني طريدَ الأرض، إني يهزني
إليك هوًى، من جانب الغيب، شاغفُ!
فردَّدَ ذاك الطيفُ صوتًا محبَّبًا
إليَّ كلحنٍ ردَّدته المعازفُ
وقال: أجل إنِّي الطريدُ وإنه
لسرٌّ تهز القلبَ منه الرواجفُ
أتسألكَ الأفلاك عني، أنا الذي
رمته الدياجي والرعودُ القواصفُ؟
أجلْ: إن ذاتي يا نجيِّي تنكرت
لعينك، لكنَّ القلوبَ تَعارَفُ؟
وما أنا إلا من بني الأرض ناءَ بي
مقيمُ عذابي والشقاءُ المحالفُ
وما كان هذا النوءُ والموجُ والدُّجى
ليرهَب نفسًا حقَّرتْ ما تصادفُ
سواءٌ لديها أشرَق الفجرُ أم سجت
غياهبُ في سرِّ الدجى تتكاثَفُ
هَي الأرض مهدُ الشرِّ من قبل خلقنا
ومن قبل أن دبَّتْ عليها الزواحفُ
غذتها الضحايا بالجسوم فأخصبت
وأترعها سيلٌ من الدَّم جارفُ
وهيهات تشفِي غُلَّةً من دمائنا
ويا ليتَ ترويها الدموعُ الذَّوارفُ
ولي قصةٌ يُشجي القلوبَ حديثُها
ويعجز عن تصويرها، اليوم، واصفُ
دعوتُ إلى حرِّيَّةِ الرأي معشرًا
ثقافتهم ضربٌ من العلم زائفُ
يرون بأنَّ العيشَ لذَّاتُ ماجنٍ
وأن قصاراهُ حُلًى وزخارفُ
إذا لمحوا نور الحقيقة أغمضوا
وقالوا: ألا أين الضياءُ المشارفُ؟
عجبتُ لهذا العقل حُرًّا فما له
من الوهم يُمسي وهو في القيد راسفُ
هو الحقُّ في الكوخ الحقير فحيِّه
وليس بما تُزهى هناك المقاصفُ
هنا تَصدُقُ الإنسانَ عاطفةُ الهوى
إذا كذَّبت ربَّ القصورِ العواطفُ
لقد سئمت نفسي الحياةَ وما أرى
بديلًا عن الكأس التي أنا راشفُ
أيُجحدُ في الشرق النبوغ ويُزدَرى
ويشقى بمصر النابهونَ الغطارفُ؟
يجوبون آفاقَ الحياة كأنهم
رواحلُ بيدٍ شردتها العواصفُ
طرائدَ في صحراءَ، لا نبعَ واحةٍ
يرقُّ، ولا دانٍ من الظلِّ وارفُ
ألا إنَّ لي قلبًا طعينًا تحوطُه
عصائبُ تنزو من دمي ولفائفُ
أقلَّتهُ أحنائي ذماءً ولم أزَلْ
به في غار الحادثات أجازفُ
كما رفَّ نسرٌ راشه السهمُ فارتقى
خفوقَ جناحٍ وهو بالدمِ نازفُ
أتيتُ إلى هذا المكان تهزُّني
إليه عهودٌ للشباب سوالفُ
أردِّدُ فيها للطفولة والصِّبا
أحاديثَ شتَّى كلهن طرائفُ
أودِّعها قبل الفراقِ وإنني
أفارقها والقلب لهفانُ كاسفُ
إلى حيثُ ينمو الرأيُ حُرًّا تذيعه
من الحقِّ فيها ألسنٌ وصحائفُ
لعلَّ بلادًا ما علتني سماؤها
ولا نبَّهتْ فيها لذكري عوارفُ
أعيش بها حُرَّ العقيدة هاتفًا
برأيِيَ إمَّا أسعدتني المواقفُ!