في القرية
غَنِّي بأوديةِ الربيع وطوفي
وصِفِي الطبيعةَ يا فتاةَ الرِّيفِ
وَلَّى خريفُ العام بعد ربيعِهِ
وَلَكَمْ ربيعٍ مَرَّ بعد خريفِ
يا أخت طالعة الشموس تطلَّعي
للورد بين مفتَّحٍ وكفيفِ
والطير هدارٌ، فأفقٌ أكدرٌ
يرمي الغمامَ به، وأفقٌ يوفِي
لهفانَ يرتادُ الجداول باكيًا
من كلِّ طيفٍ للربيع لطيفِ
أهدى الشتاءُ إليه من نَغَمِ الأسى
صَخَبَ الرياح وأنَّةَ الشادوفِ
هذا بعبرته يجودُ وهذه
ما بين نقْسٍ في الرُّبى وزفيفِ
•••
إني لأذكرُ حقلنا، ولياليًا
أزهرنَ في ظلٍّ لديه وريفِ
ومراحنَا بقرى الشمال، وكوخنا
تحت العرائش في ظلالِ اللُّوفِ
نلقي الخمائلَ بالخمائل حولنا
متعانقاتٍ سابغاتِ الفوفِ
ذكرى الطفولة أنتِ وحدك للصِّبا
حُلُمٌ يرفِّه عنه بالتشويفِ
يا رُبَّ رسمٍ من ربوعك دارسٍ
قَصُرَ الثواءُ به وطال وقوفِي
إني طويتُ العيش بعدك ضاربًا
في الأرض منفردًا بغير أليفِ
صَدَفَ الفؤادُ عن الشباب ولهوِهِ
ومضى عن الأحبابِ غير صدوفِ
يا رُبَّ ليلٍ دبَّ في أحشائِهِ
منا لفيفٌ سار إثرَ لفيفِ
نقتافُ آثار الطيور شواردًا
بين النخيلِ على رمال السِّيفِ
شادٍ هنا وهناك رَنَّةُ مِزْهَرٍ
النجمُ في خفقٍ له ورفيفِ
والبدرُ نَقَّبَهُ الغمامُ كأنَّهُ
وجهٌ تألَّقَ من وراءِ نصيفِ
والنهرُ سلسال الخرير كأنَّهُ
قيثارةٌ سحريةُ التعزيفِ
•••
قومي عذارى الريف والتمسي الرُّبى
نُضرًا وغنِّي بالغدير وطوفِي
وتفيَّئي الدوحَ الظَّليل ومربأً
للفنِّ تحت أزاهرٍ وقطوفِ
غُصْنٌ يطلُّ الفجرُ من ورقاتِهِ
ويُقَبِّلُ الأنداءَ جدَّ شغوفِ
أين الغديرُ عليه يخلع وشيَهُ
صَنَعُ الأنامل رائعُ التفويفِ
يا حبذا هو من مراحٍ للصَّبا
والكوخُ من مشتًى لنا ومصيفِ
صُوَرٌ نزلْنَ على بنانِ مصورٍ
صُوِّرنَ من نسقٍ أغرَّ شريفِ
أغرينَ بي حُلُمَ الطفولة والهوى
وأثرنَ بي ذكرى ليالي الريفِ