بُحَيْرَةُ كُومُو
هَيِّئِي الكأْسَ والوَتَرْ
تلك «كومو» مَدَى النَّظَرْ
واصدحي، يا خواطري
طُوِيَتْ شُقَّةُ السَّفَرْ
ودَنَتْ جَنَّةُ المُنَى
وحَلَا عندها المَقَرْ
قد بُعِثْنَا بها على
موعد غيرِ مُنْتَظَرْ
في مساءٍ كأَنَّهُ
حُلُمُ الشَّيْخِ بالصِّغَرْ
البحيْراتُ والجبا
لُ توشَّحْنَ بالشَّجَرْ
وتَنَقَّبْنَ بالغما
م وأسفرنَ بالقمرْ
«والبروناتُ» غادةٌ
لبَسَتْ حُلَّةَ السهَرْ
نُثِرَتْ فَوقها الديا
رُ كما يُنْثَرُ الزَّهرْ
وعَبَرْنَا رحابَها
فأشارتْ لمن عَبَرْ
هاكَها قُبلَةً، فَمَنْ
رامَ فليركبِ الخَطَرْ
فسمونا لخدْرِهَا
زُمرًا تلْوُها زُمَرْ
في زجاجٍ مُحَلقٍ
لا دخانٌ ولا شرَرْ
يتخطَّى بنا الفضا
ءَ على السُّنْدُسِ النَّضِرْ
سُلَّمٌ يُشبِهُ الصِّرَا
طَ تسامى على البَصَرْ
فإلَى النجْمِ مُرْتَقَى
وإلى السُّحْبِ منْحَدِرْ
وحللنا بِقِمَّةٍ
دونها قِمَّةُ الفِكَرْ
بَهَجٌ في كنوزِهَا
للمحبِّينَ مُدَّخَرْ
بابلٌ؟ أمْ بحيْرةٌ؟
أمْ قصورٌ من الدُّرَرْ؟
أم رُؤى الخلدِ في الحيا
ةِ تَمَثَّلْنَ للْبَشَرْ؟
حبَّذَا أُمسياتُهَا
وحنينًا إلى البُكَرْ
ونزوعًا إلى السفينِ
تَهَيَّأْنَ للسَّفَرْ
نَسِيَتْ شُغْلَهَا القلوبُ
وهَلَّلْنَ للسَّمَرْ
أوجُهٌ مثلما رَنَتْ
زهرةُ الصيف للْمَطَرْ
أضحيانيَّةُ السِّماتِ
هلاليَّةُ الطُّرَرْ
يَتَوَهَّجْنَ بالشبا
بِ وَيَنْدينَ بالخفَرْ
طلعةٌ تُسعِدُ الشقيَّ
وتعطي لَهُ العمُرْ
تمنح الحظَّ من تشا
ءُ وتُبقِي، ولا تَذَرْ
إنَّما تنظرُ السما
ءُ إلى هذه الصوَرْ
لترى الله خالقًا
مُبدِعًا، مُعجزَ الأثَرْ
•••
شاعرَ النيلِ طُفْ بها
غَنِّهَا كلَّ مبتكَرْ
الثلاثونَ قد مَضَتْ
في التفاهاتِ والهذَرْ
فتزَوذَدْ من النعيـ
ـمِ لأَيَّامِكَ الأُخَرْ
أين وادي النخيلِ، أمْ
قَاهِرِيَّاتُهُ الغُرَرْ؟
لا تَقُلْ: أخصبَ الثَّرَى
فهُنَا أَوْرَقَ الحَجَرْ!!
ها هنا يَشْعُرُ الجَما
دُ ويوحِي لمن شَعَرْ!!
آهِ لولا أحبةٌ
نزلوا شاطئَ النَّهَرْ
ورُفاتٌ مُطَهَّرٌ
وكريمٌ من السِّيَرْ
لتمنيتُ شُرْفَةً
ليَ في هذه الحُجَرْ
أقطعُ العمرَ عندها
غيرَ وانٍ عن النظرْ
فلقد فاز من رأى
ولقد عاش من ظفِرْ
•••
يا ابنةَ العالَمِ الجديـ
ـدِ صِلِي عالَمًا غَبَرْ
في دَمِي من تُرَاثِهِ
نَفْحَةُ البَدْوِ والحَضرْ
وأغانٍ لمن شَدَا
ومعانٍ لِمَنْ فَخَرْ
ما تُسِرِّينَ؟ أَفْصِحِي!
إنَّ في عينكِ الخبَرْ
الغريبانِ ها هُنَا
ليس يُجديهِمَا الحذَرْ
نحن رُوحانِ عاصِفَا
نِ وجسمانِ من سقَرْ
فاعذري الرُّوح إنْ طغى
واعذري الجسمَ إن ثأَرْ!
نَضَبَتْ خَمْرُ بابلٍ
وهوى الكاسُ وانكسَرْ
وهُنا كَرمةُ الخلو
دِ فطوبَى لمن عَصَرْ
فِيمَ، والنبعُ دافِقٌ،
يَشتكي الظامئُ الصَّدَرْ؟
ولِمَنْ هَذِهِ العيو
نُ تغمَّرْنَ بالحَوَرْ؟
بتنَ يلعبن بالنُّهَى
لَعِبَ الطفلِ بالأُكَرْ
هنَّ أصفى من الشُّعا
عِ وأخفى مِنَ القدَرْ
ولمن توشِكُ الثُّدَى
وَثْبَةَ الطيرِ في السَّحَرْ؟
كلُّ إلفٍ لإِلْفِهِ
هَمَّ بالصَّدْرِ وابتدَرْ
عضَّ في الثوبِ واشتَكَى
وطأَةَ الخزِّ والوَبَرْ
سِمَةُ الطائرِ المعذَّ
بِ في قَيْدِهِ نَقَرْ
وَلِمَنْ رفَّتِ المَبَا
سمُ واسْتَرْسَلَ الشَّعَرْ؟
ثَمرٌ ناضجُ الْجَنَى
كيف لا نقطُفُ الثَّمَرْ
ما أبى الخلدَ آدمٌ
أو غَوى فيه أو عَثَرْ!
زَلَّةٌ تورِثُ الحِجَى
وتُرِي اللهَ من كَفَرْ!
كأسنا ضاحِكُ الحبَابِ،
مُصَفًّى من الكَدَرْ
•••
فاسكُبِي الخَمْرَ وارشفيـ
ـهِ على رَنَّةِ الوَتَرْ
وإذا شئتِ فاسقنيـ
ـه على نَغْمَةِ المطَرْ
فغدًا يذهبُ الشبا
بُ وتَبقى لنا الذِّكَرْ!